شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
كيف نحزن كعرب؟ عن معاني

كيف نحزن كعرب؟ عن معاني "الحُزن" وأنواعه في اللغة العربية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 17 يناير 201807:58 م
تقول فيروز في أغنية "صباح ومسا"، من كلمات ابنها زياد: صباح ومسا شي مابينتسى؛ تركت الحب وأخذت الأسى https://youtu.be/4w0uqwQhElc ولعلّ في هذه الجملة ما يلمس دواخلنا جميعاً، فالقادم إلى البلاد العربية من بلاد أخرى، غالباً ما يلحظ أنّ العرب شعبٌ يحترم الحزن والألم. بل نكاد نخشى الفرح ونتوجس من الضحك، فنقول: "ربنا نجينا عاقبة هذا الضحك"، وفي المناسبات الفرحة، نتذكر أنّ "مع كل فرحة ترحة". وتراثنا غنيّ بالكتابات التي تناولت جانباً من ذلك جاء بعضها تحت سؤال أشمل عن فلسفة “الأخلاق”، واتبع معظمها مبدأ تقسيم الروح والجسد (متأثرين بجالينوس)، فجاءت كتاباتهم ضمن محاولة شفاء الروح، سواء كان ذلك من الخوف والطمع، أو من الخطوب النفسية كالحزن والوسواس، وكان أولها كتاب الكندي "رسالة في الحيلة لدرء الأحزان" التي يقدم فيه سلسلة من الاعتبارات يبيّن من خلالها عبثية الحزن، وتبعه عديدون، كان أشهرهم تلميذه البلخي (تـ. 322هـ/934م) الذي ألّف “مصالح الأبدان والأنفس”، ومن بينهم أيضاً أبو بكر الرازي (تـ. 313هـ/925م) وكتابه “الطب الروحاني”، ومن بعدهما، الفارابي ويحيى بن عدي ومسكويه وغيرهم ممن بدأ يبحث في أشكال السعادة وسبل تحقيقها. ينعكس ذلك في لغتنا: فمقابل عدد معدود من مرادفات الشعور بالسعادة، كالفرح والفرحة، والحُبور والسُّرور، والبهْجة والابْتِهاج، والغِبْطَة والاغْتِباط، والجَذَل، لدينا ما يكاد لا يعدّ ولا يحصى من مرادفات الألم، اختارت المقالة أكثرها استخداماً.

كيف عبرت لغتنا العربية عن الحزن؟

عن الحزن في لسان العرب، قال ابن منظور: "الحزن نقيض الفرح، ويجمع على أحزان، ويُقال رجل حزنان، ومحزان: شديد الحزن. وحزنه الأمر يحزنه وأحزانه. وهو حالة من الغم والكآبة باطناً، ويترجم عنه الظاهر في الغالب"، والفعل هو "حَزَنَهُ" في لغة قريش، و"أحْزَنَهُ" في لغة تميم. وكما روي أنّ الرسول سمّى العام الثالث قبل الهجرة، بسبب وفاة خديجة وأبو طالب، "عام الحُزْن". وتقول الشاعرة نازك الملائكة عن الحزن في قصيدة "ذات مساء": آه لو أرجع , لو أنسى شقائي أدفن الأحزان في صدر الأغاني وللحزن مرادفات كثيرة في اللغة العربية، من أكثرها استخداماً "الأسا" و"الأسى"، فيقال، أسيت لفلان أسيً، بمعنى حزنتُ له. ورجل أسيانُ وأسوانُ أي حزين، وآسٍ أيضاً، وامرأة آسية وأسْيا. والتأسية، من هذا الجذر، تعني التعزية. ويعبر إيليا أبو ماضي عن حالة الأسى الذي كان فيها قبل لقاء الأصدقاء في قصيدة "الرأى الصواب" بقوله: وأهزّ أقلامي فترشح حدّة وأسى ويندى بالدموع كتابي وأما أنواع اختبار الحزن، فتنوعت هي الأخرى، فنجد الحُرقة، وهي لذْعة الطَّعم أو الحُبّ أَو الحزن وورد ذلك الاستخدام عند الشاعر الأندلسي أبو عمر الرمادي، في بيته: حبيسك ممن أتلف الحب عقله    ويلذع قلبي حرقة دونها الجمر [caption id="attachment_132885" align="alignnone" width="700"]INSIDE_SadnessMeanings_SaadYagan من أعمال سعد يكن[/caption] وللحزن أنواع ودرجات في الشدة، عبرت عنها اللغة بمرادفات خصصت أشكال التعبير عن الحزن، وصفاته، وشدته، وما يعتمر الإنسان من حالات بسببه:

الكمد: الحزن الذي يبقى مكتوماً

إحدى مراتب الحزن هو الكمد، وهو بمعنى شدة الحزن والمرض الشديد، كأنّه من شدته "يبُثُّه صاحبه" الشديد، ولكنّ صفته أنه ما يكتم داخل النفس من الأسى. ومنه قول الإمام الشافعي: فإن كلمته فرجت عنه؛ وإن خليته كمداً يموت.

البثّ: الحزن والغمّ الذي نفضي به لأصحابنا

البث لغةً يعني النشر، ومن هنا فإن البثّ بمعنى الحزن الشديد يفيد بأنه أشد الحزن، الذي لا يصبر عليه صاحبه فيبُثه، ويشارك أصحابه به، وبهذا هو نقيضٌ للكمد. ومنها ما ورد في الآية القرآنية 68، من سورة يوسف: "إنما أشكو بثّي وحزني إلى الله"؛ وفي نفس المعنى قول الشاعر أبو العتاهية راثياً الدنيا: دار الفجائع والهموم    ودار البثّ والأحزان والشكوى

الجَوَى : الحزن من شِدَّة العشق

الجوى هو شدة العِشقِ وما يُورِثُه من حزن، فيقال: جَويَ العاشق، بمعنى اشتد عشقه فأورثه الحزن، أو أصابته الحرقة من عشق أو حزن.

"دار الفجائع والهموم ودار   البث والأحزان والشكوى" عن درجات الحزن في اللغة العربية
يقال: "مع كل فرحة ترحة"، فهل نحن شعب يحترم الحزن ويخشى الفرح؟

الكرب: الحزن الذي يثقل النفس

[caption id="attachment_132298" align="alignnone" width="700"]INSIDE_SadnessMeanings_Munch لوحة "القلق" لإدفارت مونك[/caption] والكرب هو الحزن الشديد الذي يأخذ بالنفس، ومنها انكرب الشخص أي ثقل عليه الحزن والهم، ومنه ما ذكره ابن عقيل في شرحه على ألفية بن مالك، يقول الشاعر: كرب القلب من جواه يذوب حين قال الوشاة هند غضوب وفي الاستعمال الشائع يوُصف الحزن بالكرب عند طلب العون من الله، فيُقال "فرّج الكرب".

الوجوم: الصمت من شدة الحزن

وهو شدة الحزن الذي يعجز الإنسان عن النطق بسببه، والواجم الذي أسكته الحزن، ومن هنا نرى ترابط وصل الحزن والوجوم، فيُقال للرجل مالي أراك واجماً، وفي كتاب "في ظلال السيرة النبوية" لمحمد الصوياني يصف حالة الحزن بقوله: خيم الصمت والوجوم عليهم، وقبل أن تمضي ساعة تطاير الحزن، وتلاشى الوجوم. وفي كتاب "أساس البلاغة" للزمخشري جاء: مالي أراك واجماً؟ وقد وجمت وجوماً، وهو سكوت مع غيظ وهمّ، وتقول: رأيته وهو واجم، ودمعه ساجم. وفي قصيدة "قضى والليلُ مُعتكر بهيم" يقول معروف الرصافي: كأن ترنم الأوتار نعي وصمت السامعين لها وجوم

الأسف: سرعة البكاء والرقة في الحزن

هو الحزن، كما يعتبر "أشدّ الحزن"، وهو درجة بمعنيين، الأول يجتمع فيه الحزن والغضب؛ والمعنى الثاني هو الرقة وسرعة البكاء. فالأسيف، بحسب لسان العرب، "الغضبان المتلهّف على الشيء"، ومنه ما ورد في الآية القرآنية: "فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا". أمّا في وصفت عائشة أباها أبا بكر، بقولها إنه رجل "أسيف"، والأسيف والأسوف، صفة مشبهة باسم الفاعل، بحسب لسان العرب، وتعني "السريع الحزن، الرقيق". وهذا المعنى يختلف عن استخدام "أسف" بمعنى "جزع" (على ما فاته)، كما ورد في الآية القرآنية "إنْ لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً"؛ وكذلك في قول الحلاج: يا ويح روحي من روحي فوا أسفي عليّ منّي فإني أصل بلوائي

المَأَقُ: شدة البكاء ونشيجه

في لسان العرب تفيد كلمة "المأق" معنى "الامتلاء"، ومن هنا إحدى معاني المَئق هي "الممتلئ حزناً". والمأقُ هو نشيج البكاء، فهو بحسب لسان العرب: "نشيج البكاء كأنّه نفَس يقلعه من صدره". وأما الفعل مَئِقَ المرءُ "إذا أخذه شبه الفُواق عند الكباء قبل أن يبكي"، ومن هنا قول الأصمعي: كأنما عوْلَتُها، من التّأَق، عولة ثكلى ولولت بعد المأق

الترح: حزن على فرحة لا تكتمل

نقيض الفرح، ويستخدم بمعنى المناسبات الحزينة، فيُقال: صديقي يقاسمني أتراحي قبل أفراحي، وأيضاً "نعوذ بالله من الترح بعد الفرح"، أو "عقب كلّ فرحة ترحة". ولكن الترح هو نوع من النغص، أي كدر العيش، وقطع ما نحبّ الاستكثار منه. والترح هو الحزن على هناءة لا تتم، بحسب لسان العرب. وعبر الأخطل الصغير عن تآخي مصر والشام، واجتماعهم في الفرح والحزن، بجمعه بين نهر بردي في سوريا، والنيل في مصر كأخوة: بردي شقيق النيل منذ أمية   جمعاً على الافراح والأتراح

اللهف: الحزن على شيء تكاد تحصل عليه

لهيف القلب هو "مخترق القلب"، فاللهف هو الحزن والأسى والحسرة معاً، فهو بحسب لسان العرب: "الأسى على شيء يفوتك بعدما تشرف عليه" ومن هنا يقال: "يالهف فلان" بمعنى "يا حسرته على ما فات". ومثل ذلك قول الشاعر محمود سامي البارودي في قصيدة "هوى كان لي أن ألبس المجد معلماً": ولولا اعتقادي بالقضاء وحكمه لقطعت نفسي لهفةً وتندماً بينما يقول أبو نواس: لهفُ نفسي على ليال وأيام تمليتهن لعباً ولهواً وحمل اللهف معنى الحسرة، و غنت أم كلثوم "حسيبك للزمن"، تصف حال الهجر وما يتبعه من حسرة: يوم من الأيام حتحتاج عطف قلبي يوم من الأيام حتتلهف لقربي

الغم: الكرب أو الحزن الذي يحصُل للقلب بسببٍ مباشر وواضح

هو الحزن والكرب الذي يصيب القلب لسبب، ومنها قوله تعالى (ثم أنزل عليكم من بعد الغمة أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم) آل عمران: 154، وفي الحديث النبوي (وأعوذ بك من الغمّ). ويشيع استخدام كلمة غم ومشتقاتها في الحياة اليومية، فنصف الشخص الحزين دائماً بأنه غمّ، وبأن حياته غمّ في غمّ، ونقول عن من يتسبب لذاته في الحزن، دا إنسان يحوي الغمّ.

الكآبة: الانكسار من الحزن، أحياناً لأسباب غير معروفة

[caption id="attachment_132295" align="alignnone" width="700"]INSIDE_SadnessMeanings_VanGogh.jpeg لوحة "عند بوابة الخلود" لفينسنت فان كوخ[/caption] والكآبة لغة، تغير النفس بالانكسار من شدة الهم والحزن. واكتأب اكتئاباً أي "حزن واغتم وانكسر". ومنها الاكتئاب: وهو مرض نفسي يتسم بعدم القدرة على التركيز، والأرق وشعور بالحزن الشديد واليأس. وقال الأعشى: وفي الحي من يهوى هوانا ويبتهي وآخر قد أبدى الكآبة مغضباً 

الشجن: النوح والحزن والأشواق

وهناك مرادفات قريبة منها كـ"الشجو" و"الشّجا"، فهو الهمّ والحزن، وشجاني أي هيّج أحزاني وأشواقي، مثل قول الشاعر: إنّي أتاني خبرٌ فأشجانْ أنّ الغواة قتلوا ابن عفّانْ ويقتل عن الرجل "شج" وللامرأة شجية، أي حزينة وفي قصيدة "قف يا قطار" يعبر إيليا أبو ماضي عن معايشته الحزن بعد فراق محبوبته بقوله: لم أنس قولتها التي ملأت نفسي أسى وجوانحي شجناً ماذا جنينا كي تفارقنا؟

الغصة: ألم وحزن متواصلان

هي ألم وحزن وهم وغم شديد متواصل. ويُقال: به غصة أي ألم وحزن. ويُقال: تجرع غصص الحزن والأسى. ومنه: فأصبحت أشكو غُصة من جوى الهوى أقامت فما يعدو إلى أحد بعدي

الفجع: الألم الشديد الذي يحمل الإنسان على الحزن والأسى

هو الألم الشديد الذي يحمل الإنسان على الحزن والأسى. ومنه القول: فجع الشخص، وأمر فاجع. وقال أبو الوأواء الدمشقي: إذا كسر الرغيف بكى عليه بكا الخنساء إذ فُجعت بصخر [caption id="attachment_132886" align="alignnone" width="700"]INSIDE_SadnessMeanings_ShalabiyaIbrahim من أعمال شلبية إبراهيم[/caption]

الهم: الحزن والهمّ الذي يشغل البال ويؤرقه

وهو الحزن والغم، مما يشغل بال الإنسان، ويؤرق فكره. وفي شرح "الكافية الشافية" قول الشاعر: اضرب عنك الهموم طارقها ضربك بالسيف قونس الفرس وغنى صباح فخري "لبسني الهم": لبسني الهم ثوب النار وشبيه.

الأهة: التعبير عن الحزن والوجع

تعبر أَهَّ عن الألم ولحزن، ومنها آهّ: اسم فعل يستعمل للتوجع أو الشكوى، نحو: آهّ من المرض. والأهَّةُ: التحزُّن. ومنها قول نازك الملائكة في "ذات مساء": أيها الأقدار، ما تبغين منا؟ فيم قد جئت بنا هذا المكانا؟ آهّ لو لم نك يا أقدار جئنا والتأوُّه هو التحسر، والصوت الناتج عن التوجع. وكثيراً ما جاءت في الأغاني العربية، ومنها ما غنته أم كلثوم " هو صحيح الهوى غلاب: يا قلبي آهّ الحب آهّ أشجان وألم وأندم وأتوب وعلى المكتوب ميفيدش ندم وغنت فيروز من كلمات جوزيف حرب "بليل وشتي: خلي بواب الليل علينا مسكرين أهّ ولا يعطش حدا منا و لا يجوع وغني عبد الحليم حافظ من كلمات محمد حمزة "زي الهوى": زي الهوى يا حبيبي زي الهوى وآهّ من الهوى يا حبيبي آهّ من الهوى نختم هذا العرض الموجز، فنقول: لعل اللغة العربية هي أغنى لغات العالم في التمييز بين مستويات الحزن، وآلام الأسى، وهذا مما يدل على المستوى الرفيع للعقل العربي الذي أبدع هذه اللغة من جهة، ومن جهة أخرى يدل على مدى الانتشار الواسع لأسباب الحزن في الحياة العربية عبر التاريخ.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image