فجأة، من دون سابق إنذار، وتحديداً في عام 2004، بدأ الجيش اليمني حربه الأولى في أقصى شمال اليمن ضد من أسماهم المتمردين الحوثيين الذين يريدون إعادة اليمن إلى ما قبل عام 1962، وفقاً للبيانات الرسمية وقتذاك.
بدأ ظهور الجماعة ومؤسسها حسين بدر الدين الحوثي عام 1992 تحت مسمى "حركة الشباب المؤمن" واختُلف حول هوية مؤسسها: هل هو بدر الدين الحوثي أو ابنه حسين؟ إلا أن الأمر المؤكد هو أن حسين هو المؤسس الفعلي للجماعة.
قتل المؤسس
في نهاية الحرب الأولى مع الحوثيين عام 2004، تمكن الجيش اليمني من قتل قائد الجماعة حسين بدر الدين الحوثي وأسر مجموعة من المقاتلين في صفوفها، وكان أغلبهم من الشباب الذين لا يتجاوزون الـ30 من العمر.
خضع هؤلاء لجلسات تأهيل من قبل وزارة الأوقاف والشباب والرياضة، وكانت إعادة تأهيلهم صعبة، وفقاً للمسؤولين عن برامج التأهيل في ذلك الحين.
"سيدي حسين قال سنحرر الأقصى وندخل الجنة". بهذه العبارة كثيراً ما كان هؤلاء الشباب يردون على الأسئلة التي كان يوجهها المسؤولون عن برنامج التأهيل لمنتسبي الجماعة. كان أعضاء الجماعة من المقاتلين البسطاء لا يؤمنون إلا بما يقوله السيد حسين.
يتحدث الباحث في شؤون جماعة الحوثي علي الشرجبي عن أن حسين بدر الدين الحوثي استطاع من خلال مجموعة كتابات له عُرفت في ما بعد بملازم حسين الحوثي، ترسيخ فكرة "الاصطفاء الإلهي" لدى أتباعه بشكل لا يقبل الشك أو التغيير في أي ظرف من الظروف.
قال لأنصاره إن الله وعد أهل البيت بالنصر والتمكين واصطفاهم على العالمين وإنهم المؤمنون الذين وعدهم الله بالتمكين في الآية: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" (النور -55).
يعتبر الشرجبي أن حسين الحوثي استطاع أن يغرس لدى أتباعه فكرة أنهم سينتصرون مهما تعرّضوا للهزائم أو حتى مقتله هو نفسه، وأنه كان يحدّث أتباعه بأنه سيستشهد في معركة قادمة.
الصمود في طريق التمكين
"صمودنا في وجه هذه القوى هو دليل من الله على تمكيننا في الأرض". هذه العبارة كررها عبد الملك الحوثي السيد الذي خلف شقيقه حسين. ترسخت فكرة التمكين لدى أتباع الحوثيين أكثر فأكثر بعد صمودهم ست حروب أمام الجيش اليمني، خاصةً بعد أن أشاع حسين الحوثي ومن بعده عبد الملك الحوثي أن أمريكا تقصفهم أيضاً.
ولعب تدخل السعودية في الحرب السادسة عام 2009 وتغلّب الحوثيين على جيشها في معارك محدودة على الحدود، دوراً في ترسيخ فكرة استحالة هزيمة الحوثيين لدى أتباعهم الذين يشكل الأميون نسبة كبيرة منهم، فراحوا يقاتلون بطريقة انتحارية تجعلهم يهاجمون حتى الدبابات بأجسامهم."هو الله"، كثيراً ما يرددها أتباع الحوثيين، ويكررون أن الله سينصرهم على أعدائهم ليس في اليمن فقط بل في العالم أجمع
الحوثيون في اليمن جماعة تأسست على اعتقادها باصطفاء الله لأتباعها، وترى الآن في سيطرتها على جزء من اليمن تمكيناً إلهياً لها
أنصار الله والمهدي واليماني
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ ۖ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ ۖ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ" (الصف – 14).
من هذه الآية، جاء مصطلح "أنصار الله"، وهو اسم جماعة الحوثيين، باعتبار أن الله اصطفاهم على المسلمين وأنهم الأحق بالحكم دون غيرهم، وأن التمكين الإلهي لهم وللمسلمين لن يتحقق إلا إذا تمكنوا من الحكم في اليمن وتوسيع دولتهم شيئاً فشيئاً.
ففي المراجع الشيعية، يتحقق التمكين، قبل ظهور المهدي، على يد شخصية اليماني التي تخرج من اليمن لتحقق النصر على أعداء آل البيت وأعداء الأمة وتحرّر المقدسات الإسلامية، ليس في فلسطين فحسب بل حتى الحرمين الشريفين في السعودية. وهذا الاعتقاد لا يسود فقط لدى أتباع الجماعة في اليمن بل لدى معظم أتباع الطائفة الشيعية في العالم. وراج في اليمن أن عبد الملك الحوثي هو اليماني.
"هو الله"، كثيراً ما يرددها أتباع الحوثيين، ويرددون أن الله سينصرهم على أعدائهم ليس في اليمن فقط بل في العالم أجمع. لذلك يؤمنون بشعارهم المسمى بالصرخة "الله اكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، النصر للإسلام" حتى أن هناك لافتات في بعض شوارع العاصمة صنعاء تقول إن ترداد هذه الصرخة هو بداية انهيار القوى الظالمة في العالم وفي مقدمتها الشيطان الأكبر أمريكا.
صنعاء والتمكين
يقول "أحمد ش."، أحد أتباع الجماعة، وكان شارك في حروب الحوثيين من الثانية حتى السادسة ولا يزال يقاتل معهم، إنهم لم يكونوا يعتقدون بأنهم سيدخلون العاصمة صنعاء بالرغم من حديث حسين الحوثي في كثير من محاضراته عن أن صنعاء ستكون عاصمة لهم في يوم من الأيام.
وقال أحمد أن عبد الملك الحوثي في خطاب خلال عرض عسكري قامت به الجماعة عام 2010 إن صنعاء ستكون لهم قريباً. وبعد دخول الحوثيين عمران عام 2014 ثم صنعاء، ترسخت أكثر فأكثر لدى أتباع الجماعة فكرة الوعد الإلهي لهم ولسيدهم عبد الملك الحوثي، وفكرة أن التمكين الإلهي لهم بدأ بالتحقق.
يتحدث أحمد عن أن صمودهم الآن أمام أكثر من 17 دولة "في مقدمتها أمريكا" هو مفتاح نصرهم على السعودية وإسقاط دولتهم والوصول إلى تحرير القدس من أيدي الصهاينة، وعن أن السيد عبد الملك الحوثي، "حفيد رسول الله"، سيحكم بالعدل وسيحقق الأمن والسلام للعالم.
اختتم أحمد حديثه بعبارة "هو الله"، هذه العبارة التي يرددها الكثير من أتباع الجماعة بعد كل نصر يحققونه. حتى بعد مقتل علي عبد الله صالح، قالها كثيرون من أتباع الجماعة الذين يظنون أن الله هو من انتقم من صالح لقتله مؤسس الجماعة.
غياب المشروع الوطني وصعود الحوثيين
لم تتمكن الدولة بأساليبها التقليدية في القضاء على فكرة التمكين الإلهي لدى أتباع الجماعة في الوقت الذي كان حسين الحوثي قد استطاع ترسيخ هذه الفكرة لدى أتباعه.
يقول الباحث لدى المنتدى العربي للدراسات والتنمية نبيل البكيري إن الحوثيين جماعة عقائدية مذهبية ترتكز في وجودها وتأسيسها على الحق الإلهي في الحكم، هذه النظرية التي يرتكز عليها المذهب الزيدي أساساً.
ونشأت الجماعة على هذا الأساس وما حققته من تمدد وانتشار بفعل فشل الطرف المقابل لها، جعلها تقدّم انتصارها بسقوط العاصمة ومن ثم قتلها حليفها صالح على أنه انتصار وتمكين إلهي من الله.
"ابتلاء من الله"
في المقابل، يرى صلاح علوي، أحد أبناء مدينة عدن التي اجتاحها الحوثيون عام 2015 قبل أن يستعيدها تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية، أن الحوثيين هم ابتلاء من الله لليمنيين "الله لا يمكّن طائفة عنصرية لا تؤمن إلا بنفسها وبأنها مصطفاة عن الناس".
في المراجع الشيعية، يتحقق التمكين، قبل ظهور المهدي، على يد شخصية اليماني التي تخرج من اليمن لتحقق النصر على أعداء الأمة وتحرّر المقدسات الإسلامية.. وقد راج في اليمن أن عبد الملك الحوثي هو اليماني
ويقول صلاح إن هذه الجماعة عاثت في الأرض فساداً وبطشت باليمنيين شمالاً وجنوباً ولا ترضى إلا بالصوت الواحد وهو صوتها.
ويعتقد الصحافي اليمني المقيم في إسطنبول محمد الأحمدي أن جماعة الحوثيين لم تنجح في ترسيخ هذا المفهوم إلا لدى القطاعات الأكثر جهلاً، وبالتالي تستغل جهل المجموعات الموالية لها وتعبئها بمفاهيم الكراهية والعنف، ناهيك أيضاً بأن الجماعة الحوثية تشتغل حالياً في الفراغات الناجمة عن غياب المشاريع الوطنية الكبرى بعدما نجحت بفعل التناحر السياسي في توطين مشروعها كسلطة أمر واقع في جزء من جغرافيا اليمن.
وبمنطق ديني مقابل، يتحدث الأحمدي عن أن ما يشهده اليمن من بطش وظلم وعدوان يؤكد أنه استدراج للظالمين وليس من قبيل التمكين الإلهي، فالله يقول في القرآن "وقد خاب من حمل ظلماً" ولا يمكن اجتماع التمكين الإلهي مع الظلم والبغي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 18 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت