بعد غياب دام أكثر من عشر سنوات، يعود حسن خان ليعرض في القاهرة. عدداً من أعماله الفنية التي تعرض في مصر للمرة الأولى، بعد أن طافت على مدى سنوات عشرات العواصم العالمية. يقام معرض حسن ضمن فعاليات مهرجان "دي- كاف" للفن المعاصر، وتحتل الأعمال المعروضة مجموعة من المحلات القديمة بوسط البلد، بعد أن قامت مؤسسة "كلاستر" Cluster بتجديدها وافتتاحها كمساحة للفنون.
قضى حسن فترة دراسته الجامعية في الجامعة الأمريكية في القاهرة وسط البلد،. انتهت هذه الفترة برفض الجامعة استضافة مشروع تخرجه، العرض المسرحي تحت عنوان "17 وفي الجامعة الأمريكية". أقام حسن عرضه في استديو صغير وسط البلد، يجلس فيه داخل قفص زجاجي لا يتيح له أن يرى ما خارجه، في حين يراه من في الخارج، ولا يمكنه سماعهم، في حين يمكنهم الاستماع إليه. بجواره صندوق بيرة يشرب منه لساعات ويحكي عن أيامه كطالب ومراهق في الجامعة. ما حكاه حسن صدر بعد ذلك في كتاب يحمل العنوان نفسه.
بعد سنوات يعود حسن إلى القاهرة، لكن هذه المرة بلا قفص زجاجي وبلا حواجز بينه وبين الجمهور. الحكاية التي يحكيها أكبر وأوسع وأشمل من حدود الجامعة الأمريكية ووسط المدينة بالقاهرة، وإن كان كتاب "17 وفي الجامعة الأمريكية" من ضمن معروضات المعرض.
يبرر خان عدم عرض أعماله قبل ذلك في القاهرة بكونه يرفض عرضها بطريقة غير ملائمة، فـ"البنية التحتية للفنون في القاهرة فقيرة للغاية". تطلب عرضها في القاهرة ظهور مؤسسة "كلاستر" التي تعاونت مع شركة الإسماعيلية العقارية في إطار مشروعها "مختبر عمران القاهرة للدراسات والتصميم". اختيارهم لممر كوداك، الواقع في شارع عدلي، لعرض أعمال خان يعود بحسب بيث سترايكر من "كلاستر" إلى كون" الممرات الضيقة التي تربط بين الشوارع الرئيسية تعد إطاراً بديلاً لإعادة إحياء وسط البلد وتنميتها تنمية حضارية. نحاول تحويل هذه الممرات لتصبح أماكن أكثر تنوعاً، وحيوية وذلك عبر الفن والثقافة".
تتوزع معروضات خان على أربع قاعات، وتتنوع الأعمال المعروضة من الفيديو، الفوتوغرافيا، النحت، الأعمال النصية وحتى الموسيقى. أول ما يواجه الزائر في القاعة الأولى هو نص مكتوب على الحائط بجملة مفتاحية "لم يملك يقيناً قاطعاً بموقعه الحقيقي في المجتمع، ولذا كان يتصرف إما كسيد متكبر أو خادم متواضع"، يأتي بعدها نص محمود الأنصاري، وهو لحظة مكثفة في تصويرها الجمالي وإيقاعها الدرامي، يستمتع فيها الأنصاري بالوصول إلى القمة في مكتب فخم، ينظر من شباك مكتبة إلى المدينة، ويتلفظ بكلمة واحدة "عاهرة".
يعكس النص الكثير من ملامح عالم حسن خان الفني، فحسن في صراع دائم مع سطوة المعنى الأحادي. أعماله لا تقدم خطاباً وعظياً ولا تناقش قضايا أو تقدم حلولاً. بعد كل هذه السنوات لا يملك حسن خان إجابات ثابتة، بل يترك نفسه مستكشفاً لعلاقاته الخاصة بالمكان والمشاعر والأحلام والذكريات.
في القاعة الثانية يعرض حسن "الاتفاق"، وهو رفّ يحمل مجموعة من القطع المصنعة في ورش محلية فقيرة تحاكي بعض القطع المنزلية "الكيتش" التي عادة ما تتواجد في منازل الطبقة الوسطى المصرية، مثل وعاء نصفه من الزجاج ونصفه من الفخار يحاكي الأوعية البلورية التي عادة ما توضع فيها الحلويات في المنازل. فوق رف قطع "الكيتش" على الحائط توجد مجموعة من النصوص التي نشرت في كتاب الاتفاق لحسن خان. شخصيات القصص وأحداثها قد تبدو ذات علاقة بالأشياء المعروضة. لكن حسن يترك استكشاف العلاقات للزائر، يخلق ويلهو، يتخيل أو يتتبع التيار الباطني لأفكار الطبقة الوسطى وصراعاتها بين اختيار صورة السيد المتكبر أو الخادم المتواضع.
يصف حسن ما يفعله قائلاً: "أنا أنتج الصور والأشياء، أعمل بالصوت، وأعمل أيضاً بالموسيقى كعازف وأكتب النصوص وأصنع الفيديو. يمكن للعمل أن يكون أي شيء على الإطلاق، طالما أن هذا هو ما يتطلبه ليصبح مكتملاً".
في القاعة الثالثة يعرض حسن خان "دوم تك تك دوم تك". تصطف في القاعة مجموعة من السماعات تبث قائمة من مختارات موسيقية صممها حسن مع موسيقيين شعبيين. قام خان بتسجيل المقطوعات مع كل عازف على حدى، طلب منه العزف وفق مقامات محددة سلفاً، لكن دون أن يسمع أحدهم عزف الآخر، ثم قام بتوليف كل ذلك في بنية واضحة منتجاً ما يمكن وصفه بشبح الموسيقى الشعبية.
أما القاعة الأخيرة فيعرض فيها حسن عمله "جوهرة" وهو جوهرة المعرض الأبرز. من الخارج تبدو القاعة أشبه بكشك خشبي. الإضاءة معتمة في الداخل. على أحد جدران الغرفة يعرض فيلم قصير يبدأ بلقطات لسمكة نادرة أشبه بجوهرة الأعماق، مع موسيقى تعلو درجة بدرجة مع الإيقاع. يتحول المشهد إلى إثنين يقفان في غرفة مماثلة في الشكل والأبعاد لذات الغرفة التي يقف فيها المشاهد، يرقصان على إيقاع الموسيقى، وبينهما صندوق أسود يدور حول محوره معلقاً في السقف. في لحظة ما تبدو الشاشة كأنها مرآة عاكسة لحركة وإيقاع يدور في جزء من فراغ الغرفة المعتم. كأن الجوهرة هي الإيقاع والحركة التي قد تتواجد في أكثر من مكان في الوقت نفسه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...