تحكي كلمات أغنية ثلاث دقات (إنتاج عام 2017 وغناء كل من أبو ويسرا) عن شخص يرى فتاة لأول مرة، فيشعر تجاهها بالحب من أول نظرة. تقول كلمات الأغنية: "فجأة لاقيتها (وجدتها) وكنت فاكرها عروسة البحر... خارجة من المايه (المياه) وطلتها أقوى من السحر... لما شفتها قلبي دق 3 دقات". ثلاث دقات هي واحدة من آلاف الأغنيات سواء العربية أو العالمية التي تجسد معنى الحب من أول نظرة، ولكن كيف ينظر العلم إلى هذا النوع من الحب؟ هل يمكننا حقاً أن نقع في حب شخص فعلاً من النظرة الأولى أم إن الأفلام الخيالية، القصص الرومانسية والأغنيات هي التي أقنعتنا بأن ذلك ممكن؟
مجرد وهم؟
إذا كنتم رومانسيين وتؤمنون بالحب من أول نظرة فقد تصدمكم النتيجة التي توصلت إليها دراسة علمية حديثة، وهي أن هذا الحب مجرد وهم، وأن ما يشعر بها بعضنا عند مقابلة شخص لأول مرة ويظن أنه الحب، هو مجرد انجذاب لا أكثر. الدراسة التي عمل عليها علماء في مجال علم النفس من جامعة جرونينجن الهولندية، وصلت إلى نتيجة مفادها أن هناك أموراً أخرى غير الحب تجعلنا نعجب بالأشخاص حين نقابلهم لأول مرة، أهمها شكل الجسد. أجرى الباحثون دراستهم هذه على 396 مشاركاً، 60 في المئة منهم تقريباً من النساء، طرحوا عليهم أسئلة عدة حول علاقاتهم الرومانسية. بعد ذلك، عرضوا عليهم صوراً لأشخاص غرباء أشكالهم مختلفة وطلبوا منهم أن يُعربوا عن مشاعرهم تجاه أصحاب الصور. أظهرت النتيجة أن المشاركين بغالبيتهم شعروا بما يمكن أن نطلق عليه انجذاباً إلى أصحاب بعض الصور من أول نظرة، لكن هل يعني هذا أنهم وقعوا في حب هؤلاء الأشخاص؟ لا، الأمر ليس كذلك. توصلت الدراسة، بعد تحليل إجابات الأسئلة كلها التي طرحت على المشاركين كافة، أن الإعجاب من النظرة الأولى من المشاركين لا يشبه الحب بشكل عام، وأن ما حدث هو مجرد انجذاب أولي قد يكون قوياً نطلق عليه من طريق الخطإ "الحب من أول نظرة". ولكن، ما هي الأسباب التي جعلتهم يعجبون بأشخاص ويختارون صورهم دون البقية ؟ كان من أهم الأسباب المواصفات الجسدية، بمعنى أنه كان إعجاباً جنسيّاً أكثر منه عاطفيّاً. اعتبرت الدراسة أن الحب من أول نظرة مجرد وهم، وأن التسمية الأدقّ للحال التي نشعر بها حين ننجذب إلى شخص ما هو "إعجاب أو انجذاب لا أكثر".الحب من أول نظرة خرافة؟
هل الدراسة السابقة هي الوحيدة التي توصلت إلى هذه النتيجة؟ في الحقيقة، هناك دراسات كثيرة أرادت التحقق من مسألة الحب من أول نظرة. من ضمنها، الدراسة التي أعدّتها جامعة في شيكاغو عام 2014، والتي توصلت إلى أن جملة مثل "لقد وقعت في حب شريكي من أول نظرة" المنتشرة بين بعض النّاس لا تزيد عن كونها خرافة لا أساس لها من الصحة. وأظهرت أيضاً أن الجزء الذي يجعلنا نقع بسرعة في ما نظن أنه الحب من أول نظرة هو الجزء المسؤول عن الرغبة والشهوة في عقولنا ويطلق عليه علمياً anterior insula، بينما الجزء المسؤول عن الحب الحقيقي موجود في منطقة أخرى من أدمغتنا ويحتاج بصفة عامة إلى وقت أطول حتى يأمر بحدوثه. أثناء العمل على هذه الدراسة، عُرضت صور لعشرات النساء على رجال، وطلب منهم أن يحددوا أيّاً من الصور يمكن اعتبارها أكثر إثارة، وأيّاً من النساء في الصور يمكن أن يقولوا أنهم وقعوا في حبها. كانت إجابات الرجال سريعة جداً عن النّساء المثيرات، في حين أنهم احتاجوا إلى وقت أطول حتى استطاعوا تحديد أيٍّ من النساء في الصور يمكن أن يقعوا في غرامها. خلصت الدراسة إلى أن ما يحصل معنا ونطلق عليه حبّاً من أول نظرة هو مجرد انجذاب غالباً ما يكون إلى شكل الجسد، بينما الحب الحقيقي أمر مختلف تماماً ويحتاج إلى مزيد من الوقت والتفكير حتى يحصل.
خمنوا... ما الوقت الذي نحتاج إليه للإعجاب بشخص ما؟
تخيلوا أنكم في مكان مزدحم بالناس، وطلب منكم أن تجدوا من بين عشرات الوجوه حبيباً، أو حتى مجرد صديق، ترى ما الوقت الذي ستحتاجون إليه حتى يقول أحدكم لنفسه: "أنا أعجبت بهذا الشخص"؟ ستتعجبون حين تعلمون أن التوصل إلى قرار الإعجاب بشخص ما لا يأخذ منكم أكثر من نصف ثانية، هذه هي النتيجة العلمية التي توصلت إليها دراسة أجرتها جامعة في ولاية فلوريدا. بحسب تلك الدراسة، فإن الوقت الذي تحتاج إليه عقولنا لتحديد الشخص الذي ننجذب إليه هو نصف ثانية فقط، من لحظة وقوع أعيننا عليه. لكن هذا لا يعني أننا وقعنا في حب هذا الشخص، بل هو انجذاب سريع قد تكون أسبابه ملامح هذا الشخص، ابتسامته، وسامته أو حتى نظرات عينيه أو أسلوبه في الكلام. وبيّنت الدراسة أيضاً أن مشكلة بعض الناس هي خلطهم الدائم بين الإعجاب بشخص والوقوع في غرامه، وهو ما يجعل جملة مثل "لقد وقعت في الحب من أول نظرة"، تتردد كثيراً في عالمنا.كيف تعرفون أنكم وقعتم في حب حقيقي؟
يرى مقال علمي نشره موقع Psychology Today أن هناك إشارات عدة تدلّ على أنكم وقعتم بالفعل في حب حقيقي. أولاها التعلق الحقيقي بهذا الشخص وعدم القدرة على الاستغناء عنه، كأن يُدمَن وجود بالقرب منكم، الإدمان بالمعنى الإيجابي، ما يعني الشعور بالسعادة والنشوى عند رؤية هذا الشخص. إشارة أخرى دليل على أنكم وقعتم في الحب، وهي حديثكم الإيجابي الدائم عن هذا الشخص لأفراد عائلاتكم وأصدقائكم، كأنكم ترغبون في أن يحبوه مثلكم تماماً. أيضاً، حين تشعرون بسعادة كبيرة لنجاح هذا الشخص في حياته العلمية أو المهنية، وحين تشعرون بفخر حين يحقق انتصارات حتى لو كانت بسيطة، فهاتان أمارتان على الحب الناضج، حيث يقول العلم أن الشركاء الرومانسيين غالباً ما يشعرون بالفخر عندما يرون شركاءهم ينجحون. من علامات الحب الحقيقي أيضاً، افتقادنا الأشخاصَ الدائم حين يبتعدون منا أو نبتعد منهم، ورغبتنا في الاتصال بهم، أو مشاهدة صورهم والاطمئنان عليهم. من العلامات المهمة أيضاً التغير الإيجابي الذي يحدث لشخصياتنا بسبب تأثير هؤلاء الأشخاص فينا منذ ظهورهم في حياتنا. أخيراً، الشعور ببعض الغيرة الصحية لا المرضية، على هؤلاء الأشخاص. الغيرة؟ نعم، حيث يرى العلم أن القليل من الغيرة يجعل العلاقات العاطفية ناجحة ويحافظ عليها من أي تهديد محتمل. يقول لنا العلم أن جملة "الإعجاب من أول نظرة" أدق من عبارة "الحب من أول نظرة"... ما رأيكم أنتم في هذا الأمر؟... تتفقون معه أم تختلفون؟رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...