على الرغم أنّ مادة "الدراسات الاجتماعية"، في مدارس مصر، هي مادة تخص الدراسات الجغرافية والتاريخية، إلا أنّ منهج الصف الثاني الإعدادي، في الفصل الدراسي الأول، المعنون: "الدراسات الاجتماعية: وطننا العربي، ظواهر جغرافية وحضارة إسلامية"، هو منهج ديني في المقام الأول وليس تاريخياً.
فهو مصاغٌ بعاطفة دينية واضحة وبتعبيرات إيمانية تخص المسلمين فقط، وكذلك فيه من المعلومات ما يتعارض تماماً مع الدين المسيحي، وبالتالي يكون من الصعب على تلاميذ المرحلة الإعدادية ممن ينتمون للعقيدة المسيحية تقبّل هذه المعلومات، لأنهم في دينهم المسيحي يتعلمون غير ذلك.
إنّ اختيار تدريس الحضارة الإسلامية، كما هو معلنٌ في العنوان نفسه، لا يعني استثناء مكوناتها غير الإسلامية، فتاريخ الإسلام هو تاريخ الأعراق والأديان التي عاشت في كنف الحضارة الإسلامية.
ومع أنّ المنهج كما يقرّ في مقدمته، يحاول أن يراعي الجوانب المعرفية "كالحقائق والمعلومات والتعميمات"، إلا أنه يحصر بداية التاريخ، ببداية سيرة الرسول والخلفاء الراشدين، ويحصر "الجانب الوجداني"، بـ"الأخلاق والقيم التي تعكسها حياة الرسول صلعم".
ومن هنا، أود أن أثير تساؤلاً حول هذا: هل هذا قرارٌ تربويٌ، إنْ كان المنهج الدراسي منفصلاً وغريباً عن ثقافة الطلاب غير المسلمين، وإن كان يتضمّن أن نجبر الأطفال والصبية على تعلّم نسقين متعارضين من المعلومات؟ وهل من العدل أن تكون الدروس المقررة على الجميع مفهومة وواضحة للطالب المسلم، ومربكة ومحيرة للطالب المسيحي؟
فمن الصعب على غير المسلم أن يتعلم فى كتاب التاريخ قصة نزول جبريل بالوحي على الرسول، ومن الصعب أيضاً أن نذكر الإسراء والمعراج بصفتها أحداثاً تاريخية، أو أن الله أرسل ملائكته لتحارب مع المسلمين في غزوة بدر، وأرسل ريحاً قوية اقتلعت خيام المشركين وقذفت في قلبوهم الرعب في غزوة الخندق.
علينا أنْ نؤكد على فضيلة التعددية والاختلاف، التي يجب أن نعوّد أبناءنا على تقديرها واحترامها، وهذا يتطلب دعماً في منهج التدريس نفسه، وابتعاداً عن ترسيخ الأمور الإيمانية على أنها تاريخ، ليكون الجهد المجتمعي لبناء التعددية مكمّلاً لما تهيئه المناهج تربوياً، كما هو مفترض.
تعديل المناهج التدريسية هو بداية لخلق جيل جديد أكثر تسامحاً وقبولاً للآخر
عن أهمية التمييز بين مصطلحي "المسيحية" والنصرانية"ألم يكن من الأفضل أن تكون الدروس والوحدات المتعلقة بالدين مقررة في مادة التربية الدينية الإسلامية؟ وأن تعكس الدراسات الاجتماعية طيفاً أوسع من القيم والتواريخ، تحاكي خلفيات الطلاب دون تمييز، فتكون الأمور أكثر عدلاً وإنصافاً، فيشعر الجميع بالمساوة والانسجام، ومن ثمّ ينشؤون متناغمين، وهو ما يصبّ في صالح المجتمع كله؟
"من ظلمات الجهل والعبودية إلى النور والحرية"
يبدأ الفصل الأول من الوحدة الثالثة بتمهيد عن رسالة الإسلام التي أخرجت الناس "من ظلمات الجهل والعبودية إلى النور والحرية"، وبهذا يتم تقديم بداية التاريخ بتعابير استقصائية وعاطفية سيحفظها طالب مسيحي في درس يفترض إنه في منهج التاريخ وليس في حصة الدين. وتبدأ الوحدة الثالثة بتمهيد عن حاجة العالم لمجيء النبي محمد، لينشر قيم العدل والتسامح بعد أن ساد الفساد والظلم في جميع الأجناس، ثم ينتقل في الفقرة التالية للحياة الدينية في شبه حزيرة العرب، ويوضح أنها كانت مهداً لكثير من الأنبياء مثل هود وصالح وشعيب وإبراهيم وإسماعيل، ثم انتشرت اليهودية والمسيحية، كما بقي القليل منهم على الحنيفية، ديانة إبراهيم، وهنا تبدأ صعوبة شرح هذه الفقرة لطفل مسيحي. حيث عليك أن تخبره أن الإسلام جاء لأن عقيدته فشلت في تقويم الناس، وهي بداية ليست مريحة لما تحمله من استعلاء ديني، فضلاً عما تقرّه أيضاً من أمور لا يؤمن بها المسيحيون، فالمسيحية لا تعرف أنبياء بأسماء هود وصالح وشعيب، كما لا تعرف ديناً اسمه الحنيفية، فكيف أشرح ذلك لابني؟ وجدت صعوبة حقيقية فى توضيح أن ما سيدرسه هنا يمثل المفهوم الإسلامي، ويجب حفظه كما هو، حتى لو كان مغاييراً لكل ما تعمله كمسيحي. هذه معاناة يصعب شرحها، فأنت تعلّم ابنك أن يحفظ معلومات تقول له إنها ليست تاريخية وإنما هي ما يؤمن به أصدقاؤه المسلمون، بينما يتعلم زميله المسلم أن هذا تاريخٌ ودينٌ في نفس الوقت. يضاف إلى ذلك صعوبة المعلومات نفسها على الطالب المسيحي، واعتياد المسلم عليها بحكم معرفته المسبقة بها لأنها تنسجم مع خلفيته الثقافية.أبرهة الأشرم والنجاشي
ثم يتحدث الفصل عن عام الفيل، الذي ولد فيه الرسول الكريم، وهو نفس العام الذي حاول فيه أبرهة الأشرم هدم الكعبة ليتحول الناس إلى كنيسته، ولا أعرف كيف طاوع ضمير من وضع هذا المنهج أن يكتب القصة هكذا بشكل يستفز مشاعر طلبة صغار ويربط فى جملة واحدة بين هدم الكعبة وتعمير كنيسة أبرهة في اليمن، رغم أنه في الدرس الثاني سيتحدث عن لجوء أصحاب الرسول للحبشة لأن بها "ملكاً عادلاً لا يظلم أحداً" اسمه النجاشي، ولن يذكر أن النجاشي كان مسيحياً كما فعل في حالة أبرهة. لا أعرف كيف نتحدث عن تجديد الخطاب الديني بهدف خلق جيلٍ جديدٍ أكثر تسامحاً وقبولاً للآخر، ثم نبرز ونظهر أنّ من حاول هدم الكعبة كان مسيحياً، بينما نخفي أن من لجأ إليه أصحاب الرسول هرباً من ظلم قريش كان مسيحياً، ولا أعرف أيضاً ما يمكن أن يدور من حوارات بين التلاميذ باختلاف عقائدهم بعد كل حصة، خصوصاً في ظل الحالة الاستقطابية التي نمر بها.الفصل بين الأحداث التاريخية والسرديات الدينية
في حصة التاريخ، لا يستقيم أن نتحدث في أمور إيمانية بصفتها حقائق تاريخية. كما يجب أن نراعي في نفس الوقت التنوع الديني الذي يجعل هذه الأمور الإيمانية تختلف من دين لآخر، دون أن يتعارض هذا مع إيمان كلّ منا واحترامنا لكل ما نؤمن به.في مادة التاريخ، لا يجوز أن نقدّم الأمور الإيمانية بصفتها حقائق تاريخية
فمن الصعب على غير المسلم أن يتعلم فى كتاب التاريخ قصة نزول جبريل بالوحي على الرسول، ومن الصعب أيضاً أن نذكر الإسراء والمعراج بصفتها أحداثاً تاريخية، أو أن الله أرسل ملائكته لتحارب مع المسلمين في غزوة بدر، وأرسل ريحاً قوية اقتلعت خيام المشركين وقذفت في قلبوهم الرعب في غزوة الخندق.
علينا أنْ نؤكد على فضيلة التعددية والاختلاف، التي يجب أن نعوّد أبناءنا على تقديرها واحترامها، وهذا يتطلب دعماً في منهج التدريس نفسه، وابتعاداً عن ترسيخ الأمور الإيمانية على أنها تاريخ، ليكون الجهد المجتمعي لبناء التعددية مكمّلاً لما تهيئه المناهج تربوياً، كما هو مفترض.
مصطلح "المسيحية" بدلاً من "النصرانية"
في حصة التاريخ أيضاً، من المنطقي استخدام المصطلحات المتفق عليها تاريخياً، خصوصاً في المفردات الدينية، فيجب اختيار ما لا يمسّ العقائد الأخرى، فالمسيحي يعرف أن عقيدته اسمها "المسيحية" وليس "النصرانية"، كما هو مذكور في المنهج المقرر في كتاب التاريخ. والغريب أنّ صفحة المفاهيم تعرّف النصرانية على أنها ديانة عيسى. اسم "عيسى" أيضاً لا يعرفه المسيحيون، كما أن النصرانية في الأصل هي طائفة كانت منتشرة في جزيرة العرب، وطالما أنها قد ذكرت في صفحة خاصة بالمفاهيم، فيجب أن تعتمد التعريف الأدق: تعريفها الصحيح وفق التاريخ المسيحي أنها أطلقت على طائفة ابتدعت فكراً مختلفاً عن العقيدة المسيحية، وكانت لهم تجمعات فى بعض البلدان العربية فكان يطلق عليهم مثلاً نصارى مكة، نصارى الشام، نصارى نجران، أي وفق الإيمان المسيحي، النصرانية لها فهم مغاير للمعتقد المسيحي. فهل من اللائق إذاً ذكر هذه الأمور الملتبسة في كتاب تاريخ للمرحلة الإعدادية؟ علماً بأن ما ذكرته هو مجرد أمثلة على سبيل المثال لا الحصر. في مادة اللغة العربية أيضاً، هناك نصوص إسلامية كثيرة يتوجب على الطلاب حفظها، وكان هناك من ينادي يتخفيف هذه النصوص أو على الأقل بجعلها غير إلزامية الحفظ والتسميع، ولكن وجودها في مادة اللغة العربية يبقى في النهاية أمراً مفهوماً، أما في كتاب تاريخ فهذا أمر لا بدّ من إعادة النظر فيه.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 22 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت