شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
هل يمكن اعتبار ما نقرأه على فيسبوك شعراً؟

هل يمكن اعتبار ما نقرأه على فيسبوك شعراً؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 23 نوفمبر 201706:49 م
بدأ الكثير من شعراء "فيسبوك"، كما يصف كثيرون من ينشرون قصائدهم على فيسبوك، ينشرون كتبهم ورقياً، مدفوعين بالشعبية الواسعة لأسمائهم، المغرية لدور النشر العربية التي تعاني من انخفاض المبيعات، ووسط تذمر بين الأوساط النقدية والثقافية. هل شعراء فيسبوك قادرون على الصمود في الحياة الثقافية العربية؟ وهل هم أصلاً يخاطبون القراء المعتادين للشعر أم إنهم يعودون به إلى مخاطبة عامة الناس؟

التخلص من النخبة الوسيطة

الشاعر العراقي كاظم خنجر، بنى شهرة لا بأس بها قبل نشر ديوانه الأول "نزهة بحزام ناسف"، من خلال نشر قصائده على فيسبوك، والعروض الشعرية التي تقدمها مجموعة "ميليشيا الثقافة" العراقية. ينشر كاظم خنجر جميع قصائده على فيسبوك، سواء تلك المخصصة للنشر على فيسبوك فقط، أو تلك التي ستنشر لاحقاً في دواوين شعرية أو مواقع إلكترونية، وجمع خنجر مؤخراً نصوصه المنشورة على فيسبوك في ديوان سيصدر أولاً بالفرنسية، بعنوان "Marchant De Sang" (تاجر دم)، ويستعد لنشرها بالعربية قريباً، كما كان بين 22 شاعراً عربياً شاركوا في مهرجان "أصوات حية" الشعري، في مدينة سيت الفرنسية. يقول خنجر لرصيف22 أن النشر على فيسبوك مغرٍ لسببين: الأول هو تجاوز الحدود الرقابية والأيديولوجية التي تقوم عليها المنشورات الإلكترونية أو الورقية، والثاني قيام فيسبوك بدور المخْتبَر للنص، أي إن "النص قابل للتصويب والتعديل والحذف والإضافة، الأمر الذي لا يتحقق في النشر النهائي الذي يتم في المطبوعات التقليدية الصارمة".
مقابل الرواية التي تعيش عصرها الذهبي اليوم، تهيمن الفوضى على الإنتاج الشعري العربي اليوم
هل يساهم فيسبوك اليوم في اكتشاف مواهب شعرية ما كانت لتجد طريقها إلى النشر التقليدي؟
ويرى خنجر أن الكتابة الشعرية، حسب ما يمارسها، تتم على مرحلتين، "مرحلة النشر الأولى للنص كـ‘بوست‘ بحيث يساهم المتلقي في الاقتراح والمراجعة والتعديل مع الكاتب، والمرحلة الثانية تحويل هذه البوستات إلى كتاب، وهي مراجعة عقلية وصارمة على العكس من عاطفية وتلقائية المراجعة الأولى". عملية النشر بهذه الطريقة تخلص الشاعر من الوسيط التقليدي، مثل دور النشر والنقاد والدوريات الأدبية، ليبني جمهوره وشعبيته بنفسه، يقول كاظم خنجر أن "الشكل الحداثي التقليدي في التعاطي مع الشعر" يقوم على ترسيخ نوع من "الوهم بين الشاعر والمتلقي، هو الحاجة إلى وسيط، وهو الناقد. إذ يعتقد المتلقي أنه بحاجة مستمرة إلى وسيط يشرح ويفسر ما يطالعه من الشعر، وكذلك الشاعر تحول إلى عبد لهذا المفسر والشارح حتى إنه صار يكتب له فقط"، ويضيف أن فيسبوك ساهم في التخفيف من حدة هذا "الوهم".

أبسط شيء أن تصبح شاعراً

يقول الروائي والناقد العراقي علي بدر أن الشعر المنشور بهذه الطريقة يتسم بالضحالة، ويشرح في لقاءٍ مع رصيف22 أن هؤلاء الشعراء غالباً "ليس لديهم معرفة بتاريخ الكتابة، ولا يمكنك أن تكتب نوع أدبي دون معرفة بتاريخ الكتابة، فمن يعرف تاريخ الكتابة يعرف الدور الذي لعبه كتاب كبار، بدلاً من التقييم خارج الزمن، وقراءة الشعر مرتبطة بالزمن". ويؤكد الكاتب المقيم في بلجيكا والعامل في مسرحها أن هذا النوع من الشهرة مستحيل في الغرب، إذ لا يوجد ما يكفي من التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي لخلقها، "فلو ربحت جائزة نوبل لا أحصل هنا على 10 إعجابات ربما". يضيف صاحب "بابا سارتر" أن الأدب بشكل عام ينقسم إلى ما يدعوه "الأدب العظيم" و"الأدب الجماهيري السطحي"، والأدب العظيم –ذو الجمهور المحدود– هو ما يلقى عادة الاهتمام الرسمي والجوائز، وإليه ينتمي الحائزون على جائزة نوبل مثلاً، ويرى أن الاهتمام بالنوع الجماهيري السطحي، وحالة الفوضى الثقافية التي قادت إليه، يرتبط بثلاثة عوامل، الأول أن "وسائل التواصل الاجتماعي حلت محل الإعلام في عملية التصفية والانتقاء". ومقابل الأسماء الكبيرة التي كانت تحرر الدوريات الأدبية، مثل سهيل إدريس وأدونيس وسعد يوسف، أصبح الاختيار اليوم منوطاً بمستخدمي فيسبوك وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، ممن ليس لهم باع في الأدب والقراءة. والثاني هو "تراجع أهمية الجنس الأدبي والمعرفة بتاريخ الكتابة"، والثالث هو "غياب المؤسسات الحقيقية التي تقوم بعملية تطوير الأدب"، مضيفاً أن "الذاكرة الوطنية التي تتشكل عبر الأدب أخذت تعود نحو الدين والخرافة، لأن ليس لدينا مؤسسات تعطي الأدب أهميته".

ما هو مصير الإنتاج الشعري في غياب الآراء النقدية، كما هو حال شعر مواقع التواصل الاجتماعي؟

لا ينكر علي بدر وجود مواهب بين شعراء فيسبوك، ولكن يرى أنهم يضرون مواهبهم بهذا الأسلوب، "في لقاء جمعني بأحد هؤلاء الشعراء، قرأتُ له قصيدة قديمة له، ولم يعرف أنها من تأليفه، علاقتهم بالقصائد تفتقد إلى الحميمية"، ويضيف أن سوق النشر العربية مسؤولة عن جوانب من هذه المسألة، مثل رواج النشر على حساب الكاتب، "كانت هناك سابقاً دارا نشر إن نشرت أحدهما لك دخلت النادي العربي للشعراء؛ الآداب والعودة. أما اليوم لا توجد دور نشر مهتمة بالشعر ولديها محرر أدبي يكتشف المواهب الشعرية، وأمسى أبسط شيء في العالم أن تصبح شاعراً". 

للتاريخ التصفية

ترى الشاعرة السورية رشا عمران، التي جمعت "أنطولوجيا الشعر السورية 1980 – 2008"، أن فيسبوك أتاح منبراً هاماً لمن يرغب بالنشر ولا يجد ضالته في دور النشر والدوريات الأدبية، ولكن "هل كل ما ينشر تحت اسم الشعر هو شعر فعلاً؟"، تجيب عمران "قطعاً لا، هناك هذر وكلام لا معنى له، وكليشيهات شعرية أكل عليها الزمن وشرب"، وفي الوقت نفسه ترى "أن هناك شعر حقيقي ونصوص مذهلة لا تخفى على قراء الشعر، كما لا تخفى سذاجة كثير مما ينشر تحت اسم الشعر". وتخصص أن هناك شاعرات سوريات يستحقن المتابعة بين هذه التجارب، "بعض الشاعرات المهمات يظهرن حالياً مع انتشار فيسبوك، وهذا لا يعيبهن إطلاقاً ولا يجوز إطلاق صفة ‘شاعرات فيسبوك‘ عليهن، فيسبوك في حالتهن هو كتاب خاص بهن"، مؤكدة أن مصدر المشكلة في ظاهرة النشر على فيسبوك ليست الشعراء أنفسهم، "بل القراء الذين لا يميزون الشعر عن الكلام الساذج، للأسف ليس لدينا قراء جادون للشعر، بل قراء سريعون يقرأون النص الشعري كقراءة البوست العادي". لا تجد صاحبة "كأن منفاي جسدي" خطورة كبيرة في هذه الظاهرة، فكثيراً ما تبرز أسماء شعرية غير ذات موهبة أو ثقافة يعتد بهما، والزمن كفيل بإقصاء الشعر الرديء، "مثلاً برز العديد من الأسماء الشعرية في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، بالاتكاء على القضية الفلسطينية ثم حركة المقاومة الوطنية، ولم يبقَ من هذه الأسماء متوهجاً في الذاكرة الشعرية سوى من كان صاحب موهبة حقيقية وثقافة عالية"، وترى أنه لا يمكن الآن تقييم التجارب الشعرية التي يحتضنها فيسبوك، "ينبغي أن يكون للشاعر ديوان مطبوع على الأقل، لا يمكنك من نص أو أكثر على فيسبوك القول أن هذا شاعر عظيم أو ذاك شاعر فاشل". لا تخفى الفوضى التي تهيمن على الإنتاج الشعري العربي اليوم على أحد، خصوصاً مع سهولة توظيف الشعر في خدمة الغايات السياسية، مقارنة بالرواية التي تعيش عصرها الذهبي ولكن يصعب توظيفها بسبب الوقت الذي يستغرقه تأليفها، غير الملائم لسرعة الإنتاج التي يتطلبها الخطاب السياسي، وإن كان فيسبوك اليوم يساهم في اكتشاف مواهب شعرية ما كانت لتجد طريقها إلى النشر التقليدي، فإنه في المقابل يقدم بالتأكيد منبراً واسعاً لشعراء ما كان لهم أن يحجزوا زاوية في مجلة حائط لمدرسة ابتدائية في الأحوال الطبيعية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image