إجعل أصدقاءك قريبين منك، ولكن إجعل أعداءك أقرب. في العادة، لست من عشاق الكليشيهات، ولكن في هذه الأوقات الماكيافيلية، فقد تترجم عبارات مقتضبة الوضع بصورة أفضل.
خذوا على سبيل المثال الحملة الإعلامية الأخيرة التي تشيد برئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري.
بات من الطبيعي الآن رؤية الملصقات التي تشيد بالسياسيين على أعمدة الإنارة في جميع أنحاء بيروت. كما تعلمون فإن هذه الملصقات هي في العادة من إنتاج شركات العلاقات العامة أو متاجر متخصصة بتصاميم الملصقات ذات الميزانية المنخفضة والتي تعلق غالباً في الليل بشكل عشوائي وغير قانوني من قبل أنصار السياسي.
ولكن ماذا لو كانت المجموعة التي تقف وراء اللوحات الإعلانية ليست موالية للسياسي بل متحالفة مع أعدائه؟
بدأت أتساءل عن هذا الموضوع عندما رأيت منشوراً على فيسبوك يظهر صور الحريري وهي منتشرة في الأحياء المحيطة بمنافسيه الداعمين لحزب الله وحركة أمل.
[caption id="attachment_128049" align="alignnone" width="700"]
شارع مار الياس، الصورة لدينا سالم[/caption]
شارع مار الياس
في اليوم التالي وأنا في طريقي إلى العمل، لاحظت الكثير من الملصقات التي تحمل الخط نفسه والرسالة نفسها #كلنا_معك في أجزاء كثيرة من بيروت.من وسط بيروت
إلى الكورنيش
شارع بليس
الحمرا
وتقريباً على كل أعمدة الإنارة التي يمكن للعين رؤيتها... مع العلم أن هذه المواقع الأخيرة لا تعتبر من معاقل الحريري، بل داعمة لأحزاب سياسية أخرى مثل أمل والحزب السوري القومي الاجتماعي. وقد اتضح ذلك خلال الاشتباكات التي حصلت في العام 2008، عندما سيطر بعض المسلحين التابعين لهذين الحزبين بسهولة على الشوارع ورفعوا أعلامهما في هذه المواقع. منذ ذلك الحين، ارتفعت أعلام الحزب السوري القومي الاجتماعي بشكل منتظم ودوري في شوارع الحمرا، وتحولت مسيرة الحزب السنوية قبل أسابيع إلى موكب عسكري امتد على طول شارع الحمرا. [caption id="attachment_128039" align="alignnone" width="700"] مسيرة الحزب السوري القومي الاجتماعي، شارع الحمرا، بيروت، أيلول 2017[/caption] خطرت على بالي كل هذه الأفكار عندما نظرت إلى أحد الملصقات التي تم وضعها بشكل عشوائي، خاصة لأنها تظهر الحريري عابساً. سألت بعض الرجال الذين كانوا يجلسون على كراسي بلاستيكية تحت الملصقات عما إذا كانوا يعرفون الجهة التي وضعت هذه الصور، فأجابني رجل أربعيني: "الشعب اللبناني هو من وضع هذه الملصقات، ومن الطبيعي أن يدعم الشعب رئيس وزرائه". أجبته بالتأكيد، هناك تأييد عام إلا أن هناك أيضاً شركات الطباعة التي تطبع المئات من هذه الملصقات وتوزعها باستخدام الشاحنات. فابتسم وقال بطريقة مبهمة: "الأحزاب السياسية... جميع الأطراف عملت معاً لوضع الملصقات في الأحياء الخاصة بها". ولكنني أصررت على القول: "ولكن يمكن فقط لبعض الأطراف أن تفعل ذلك في الحمرا"، فاعترف الرجل أخيراً: "نعم، نحن وضعنا هذه الملصقات، الحزب، والحركة، والقومي السوري"، في إشارة إلى حزب الله وحركة أمل والحزب السوري القومي الاجتماعي. قلت له: "هذا هو الدهاء، المستوى الإستراتيجي المقبل لوسائل الإعلام"، فردّ بطريقة غير مبالية: "السعوديون حمير". تابعت كلامي سائلاً "ماذا عن هذه؟"، وأشرت إلى صورة الحريري. ماذا حدث هنا؟ فالتفت الرجل إلى شخص يجلس وراءنا: "هذا خطأ علي، طلبت منه إصلاح الصورة، لم يكن يعلم ما يفعل"، فانتفض علي وصرخ بوجهه: "أنت لم تعطني ما يكفي من الخشب لوضع الملصق بشكل صحيح". تركت الرجلين يتشاجران وحاولت لملمة خيوط القصة من مكان آخر، غير أن معظم الناس أشاروا إلى أنهم لم يتمكنوا من رؤية الشخص الذي وضع المصلقات، خاصة أنهم وجدوها في الصباح عندما فتحوا متاجرهم. يبدو أن العملية حصلت بين عشية وضحاها، غير أن بعض الرجال أقروا وهم يضحكون بأن: "الحزب والحركة والقومي" هم وراء وضع الملصقات. إذا كان الأمر صحيحاً، فهل كان السعوديون يتوقعون يوماً هذه النتيجة؟ هل كانوا يفترضون أن استقالة الحريري ستنشىء تقسيماً أكبر في البلاد؟ هل كانوا يتخيلون أن خصوم الحريري سيطالبون بعودته أكثر من حلفائه؟ بطبيعة الحال، فإن هذا الموضوع يتجاوز مسألة اللوحات: رئيس الجمهورية اللبنانية وزعيم حزب الله، المعارضات التقليديان للحريري يطالبان بعودته بشكل يومي. حتى أن رأس الكنيسة الكاثوليكية في لبنان الكاردينال بشارة الراعي طالب بعودته في زيارة غير مسبوقة للدولة الوهابية. وساهم ذلك في انتشار بعض التعليقات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي. ها هما يتحدثان بلغة الشيفرة: وكأن الحريري في حديثه للكاردينال يقول: أنا مخطوف ليرد عليه الراعي بالقول: كلنا عارفين. ربما كان السعوديون يتصورون أن اللبنانيين سيتفاعلون بطريقة "طائفية" مبسطة بحيث يعطي السياسيون أو أولياء العهد الأولوية لطائفتهم الخاصة فوق كل اعتبار. أتساءل من أين أتوا بهذه الفكرة؟ يكفي القول إن خصوم الحريري نجحوا في رمي الكرة مرة أخرى في الملعب السعودي من دون أن يتمكن على الأرجح القادة السعوديون من استشراف ذلك. لكن منذ أن أعلن الديوان الملكي (أو ما تبقى منه) أنه في حالة حرب مع لبنان، نأمل أن يؤدي التفكك الحاصل في إستراتيجيات وسائلهم الإعلامية إلى إعطائهم فترة استراحة قبل مواصلة اتخاذ إجراءات إضافية عى أرض الواقع. ألن يكون من الرائع لو كانت كل الحروب مقتصرة على الرسائل الإعلامية الخلّاقة، بحيث يمكن أن تحدد هوية الفائز وفق عدد الإعجابات وإعادة التغريدات بدلاً من الصواريخ والطلقات؟المدونة مترجمة عن النص المنشور باللغة الإنجليزية على مدونة حبيب بطاح Beirut report.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه