هل تفلح المرأة الحديدية في أن تهز عرش أردوغان الذي بناه على مدى أربعة عشر عاماً وتغير بهذا المشهد السياسي برمته في تركيا؟
ميرال أكشنار السياسية المخضرمة التي تولت حقيبة وزارة الداخلية ومنصب نائبة رئيس البرلمان تعود للساحة السياسية متحدية الرئيس القوي اردوغان في الانتخابات القادمة عام 2019.
ولدت أكشنار عام 1956 في مدينة صغيرة اسمها أزميت خارج اسطنبول. حصلت على الدكتوراه في التاريخ وتدرجت أكاديمياً حتى أصبحت رئيسة قسم، ثم تركت الجامعة لتدخل المجال السياسي في انتخابات عام 1995 كنائبة عن حزب يميني صغير.
عملت أكشنار وزيرة للداخلية من 1996 إلى عام 1997 في عهد رئيس الوزراء الإسلامي السابق نجم الدين أربكان. وخلال خدمتها أظهرت صلابة في مواجهة الانفصاليين الأكراد، وكذلك في مواجهة قادة الجيش الذي كان يتمتع بثقل سياسي أقوى بكثير مما هو عليه الآن ورفضت تدخل الجيش في السياسة ما كلفها منصبها الوزاري بعد تدخل الجيش في تغيير الحكومة آنذاك.
عادت إلى البرلمان بعدها ليتم انتخابها أكثر من مرة وتصبح وجهاً برلمانياً معروفاً محسوباً على اليمين.
انضمت أكشنار إلى حزب العدالة والتنمية في بداياته، ثم ما لبثت أن تركته بعد أن وجدت أن لا جديد في طروحاته عن الأحزاب الإسلامية السابقة.
انضمت بعد ذلك إلى صفوف حزب الحركة القومية اليميني MHP برئاسة السياسي المخضرم دولت بهجلي عام 2007. وإن كانت أكشنار تتفق مع الطروحات القومية لهذا الحزب إلا أن نقطة الافتراق حدثت حين قرر بهجلي أن يسير في ركاب أردوغان ويؤيد خطته لنقل تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي. حينها قادت أكشنار مجموعة من المنشقين في الحزب وأطلقت حملة جماهيرية للتصويت بلا في الاستفتاء الذي أجري في أبريل 2017.
كان من الواضح حينها أن الشقاق بين أكشنار ورئيس الحزب قد وصل إلى نقطة اللاعودة. وحين حاولت أكشنار ومناصريها من أعضاء الحزب عام 2016 عقد جمعية عمومية للحزب لتغيير القيادة في أحد فنادق أنقرة، قامت الشرطة بتطويق المكان ومنعت الاجتماع حماية لحليف أردوغان. حينها تسلقت السياسية الستينية أحد الباصات المتوقفة خارج الطوق الأمني وألقت خطاباً ملتهباً في أنصارها عبر مكبر صوت محمول.
فصل الحزب أكشنار فاتجهت لتشكيل حزب تتزعمه هي ويعبر عن معارضة يمينية لا ترضى بأن تعمل كديكور معارضة في ركاب الرئيس.
تعرفوا على المرأة التي قد تشكل خطراً على أحلام أردوغان في الهيمنة المطلقة على الحياة السياسية في تركيا
هل تفلح "المرأة الذئب" في أن تهز عرش أردوغان الذي بناه على مدى 14 عاماً وتغير بهذا المشهد السياسي برمته في تركيا؟
أصبح من الواضح أن أكشنار قد تحولت إلى شخصية سياسية يضيق بها الحزب المعارض الصغير الذي نجح بالكاد في تخطي عتبة العشرة بالمائة اللازمة لدخول البرلمان. وكنتيجة حتمية لهذا، أعلنت أكشنار ميلاد حزبها الجديد " الجيد iyi" في أكتوبر الماضي. وقالت لأنصارها الذين احتشدوا لتأييدها "إن الشعب التركي متعب. لقد اهترأت الدولة، وتلاشى النظام العام، وليس هناك طريقة للتغيير إلا بتغيير الجو السياسي العام برمته".
في كلمتها أثناء إعلان ميلاد الحزب امتدحت أكشنار قادة أتراكاً من مختلف الأطياف بدءاً بالمؤسس أتاتورك، مروراً بالعلماني اليساري بولنت أجاويد والإسلامي أربكان. وهذه اللفتة توضح أن أكشنار تهدف إلى استقطاب أكبر عدد ممكن من الناخبين من مختلف ألوان الطيف السياسي في تركيا.
حظوظ أكشنار
قد تكون الخلفية اليمينية المتشددة لأكشنار أحد السلبيات التي يمكن أن تحد من انتشارها في أوساط ناخبين مثل الأكراد وبعض الأقليات. واستباقاً لهذا فقد قالت أكشنار إن حزبها الجديد لا يعتمد القومية العرقية بل الهوية الوطنية بما فيها من أفراح وذكريات وروابط مشتركة.
في الوقت ذاته برى بعض المراقبين أن تركيبة أشكنار قد تشكل بديلاً جذاباً للعديد من الناخبين الأتراك. فهي ليست محسوبة على التيار الإسلامي السياسي ولكنها تقول عن نفسها إنها مسلمة تحترم الدين. وبهذا فهي تختلف عن المعارضة العلمانية اليسارية التقليدية التي نجح أردوغان في تحجيمها، وقد تكون معارضة مقبولة للمحافظين الذين لا يريدون أن يذهبوا بمعارضتهم إلى حد التصويت لليسار، إضافة للعلمانيين الذين سيرونها بديلاً مقبولاً وأقل خطراً من أردوغان.
وفوق هذا فهي خيار جذاب للنساء التركيات "لأن أردوغان يريدنا أن نجلس في البيت" كما قالت أكشنار.
من المتوقع أن تنجح أكشنار في اجتذاب أصوات الكثيرين من مؤيدي أعضاء حزبها السابق القومي اليميني. ومن المتوقع أيضاً أن تجتذب منشقين من حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، والذي يشعر العديد من أعضائه بالاحباط بسبب الأداء المتواضع لقيادته. وقد انضم لحزبها الوليد حتى الآن خمسة برلمانيين حاليين انشقوا عن الحزب اليميني وحزب الشعب.
ولكن التحدي الأكبر أمام أكشنار يكمن في قدرتها على هز القاعدة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان. ويبدو أن أكشنار قد بدأت محاولاتها لاختراق جماهير حزب العدالة والتنمية عن طريق الحديث عن مظلة واسعة يوفرها الحزب لكل المتذمرين من الوضع السياسي الحالي من كل أطياف المجتمع التركي. إضافة إلى طروحاتها المطمئنة للقطاعات الشعبية التقليدية ورجال الأعمال وهم عماد القاعدة الانتخابية لأردوغان.
لقد بدأت آلة الدعاية الإعلامية المؤيدة لأردوغان بإطلاق اتهامات ضد أكشنار في محاولة لتصويرها على أنها على علاقة بفتح الله غولن الذي يقال إنه كان العقل المدبر للانقلاب الفاشل في 2016، في محاولة للتأثير على صورتها أمام الناخب التركي العادي. ولكن هل سيذهب أردوغان إلى حد إلقائها في السجن كما فعل بالسياسي الكردي المعارض صلاح الدين ديمرطاش؟
قالت أكشنار رداً على هكذا مخاوف بروح تحد عرفت بها في مقابلة مع مجلة "تايم" الأمريكية إنها لا تمتلك جواز سفر ولا تعتزم الهرب من البلاد إن حاولت الحكومة إسكاتها أو اعتقالها. وأضافت "إذا جاؤوا لاعتقالي فسأقول لهم: أنا هنا، أهلاً وسهلاً".
يسميها البعض بالمرأة الذئب في إشارة إلى منظمة "الذئاب الرمادية" اليمينية المتطرفة التي عرفت بأعمال العنف في السبعينات والثمانينات.
وقد استمرت أكشنار والكثير من أنصارها بإطلاق شعار الذئب في تجمعاتهم والمتمثل في ضم الإبهام والوسطى والبنصر وإطلاق السبابة والخنصر على شكل رأس ذئب. ولكنها استبدلته مؤخراً، في تحول له دلالته، بعلم تركي من الحناء على كف يدها، الأمر الذي انتشر كثيراً على أيدي أنصارها وعلى تويتر أيضاً لما فيه من رمز للثقافة التركية التقليدية وتقرب من عموم الشعب.
إنه من الثابت الآن أن تركيا تعاني من نقص في الزعامات في ظل هيمنة أردوغان على أدوات السلطة، وعزوف الجماهير عن القيادات التقليدية للمعارضة التي لم يعد لها جديد تقدمه.
هذه الحالة من الجمود والتوتر في الحياة السياسية الداخلية، والتشنج الخارجي في العلاقات مع الأوروبيين والأمريكيين، والتضييق المستمر على الحريات الصحفية جعلت من ظهور وجه جديد قوي وعنيد كأكشنار مثيراً للاهتمام.
لا أحد يعرف بالضبط ما ستؤول إليه الأمور في انتخابات عام 2019، ولكنه من الواضح أن حرب أردوغان قد بدأت وبضراوة ضد أكشنار ما يؤكد أنها قد تشكل خطراً على أحلامه في الهيمنة المطلقة على الحياة السياسية في المستقبل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعتين??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 22 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون