شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
يوميات فتاة مصرية مقاتلة

يوميات فتاة مصرية مقاتلة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 5 مارس 201804:58 م
تبدأ (س) يومها بالاستيقاظ من النوم وتناول وجبة الفطور، ثم تحين لحظة اختيار الإكسسوارات التي ستحتاجها للذهاب لجامعتها. تتأكد من وجود زجاجة الفلفل الحار في حقيبة يدها، فهي أنسب الإكسسوارات للسير في الشارع حتى موقف عربات الميكروباص، ولا غنى لها عن مقص مدبب عند وجودها داخل الميكروباص، أما إذا اضطرت لركوب التاكسي، فجهاز الصاعق الكهربائي هو الصاحب الوفي الذي لن يتخلى عنها وقت الحاجة. ولكن هل يكفي كل هذا لحماية نفسها وسط عدة آلاف من زملائها الذكور وبضع عشرات من مدرسيها، إذ قد تمتد يد أحدهم إليها أو ينطلق لسانه متغزلاً بها، أو تتجول عيناه فوق جسدها تجول الثعبان اللزج؟ تردد عدداً من آيات القرآن، والأدعية، ولا تنسى أن تمرن لسانها على عدد من الشتائم التي تغيب عنها في اللحظة الحاسمة. تنزل (ص) إلى الشارع ومعها طفلاها الذاهبان إلى المدرسة، تركب الأتوبيس العام وتلتفت في الدقيقة الواحدة عشرات المرات لمن حولها خوفاً من أن يقترب أحد منها أو من طفليها وتنتظر أية لفتة خاطئة من رجل لتقرر ترك الأتوبيس، لأن خبرتها بالمواقف المشابهة علمتها أن كل المحيطين بها سيلقون اللوم عليها إن رفعت صوتها بالاعتراض على انتشار أصابع أحدهم فوق مؤخرتها أو لصق آخر جسمه بكتف إبنتها الصغيرة. كذلك علمتها الحياة أن القفز فوراً من الأتوبيس وتلقي صدمة السقوط عن طفليها هو الحل الوحيد، فإن عاشت، تعيش محافظة على كرامتها وعلى كرامة ولديها. أما (ع) التي بانت أمارات الحمل عليها، فقد اعتادت أن تقفز كلاعبات الجمباز من رصيف لآخر فور رؤيتها عدداً من الرجال، بعدما أصيبت بحالة نفسية من راكبي الموتوسيكلات، ويحتل بطولة كوابيسها الليلية طلاب ثانويون. تمضي وقتها لدى ركوب التاكسي في الالتفات حولها، لعل أحدهم يجلس في الخلف ويبدأ كالعادة بالهمس في أذنها أقذر الألفاظ، أو يدعو بسلامة "اللي نفخها"، وإن كانت متأكدة من عدم وجود مكان لأي راكب خلفها.
تحين لحظة اختيار الإكسسوارات التي ستحتاجها للذهاب لجامعتها، فتتأكد من وجود زجاجة الفلفل الحار في حقيبة يدها
تردد عدداً من آيات القرآن، والأدعية، ولا تنسى أن تمرن لسانها على عدد من الشتائم التي تغيب عنها في اللحظة الحاسمة...
هذه ملخصات لحيوات عديدة تحياها المرأة المصرية في شوارع المحروسة وعاصمتها القاهرة التي حملت مؤخراً لقب أخطر المدن على حياة النساء حسب استفتاء عالمي هاجمته وسائل الإعلام المصرية بضراوة شديدة، وإن لم تتساوَ درجة شدتها مع شدة ضراوة هجوم المجلس القومي للدفاع عن السلطة (المجلس القومي للمرأة سابقاً). وليس جديداً الخطر اليومي القائم على حياة المرأة المصرية نتيجة انتشار ظاهرة التحرش، فأشهر حادثة أرخّت لبدء الظاهرة كانت حادثة "فتاة العتبة" التي هُتك عرضها في أتوبيس نقل عام في وضح النهار عام 1985 ووضعها النظام المباركي حينذاك في إطار الحادثة الوحيدة والطارئة على حياة المصريين، زاعماً أن النساء في أمان، والأمن مستتب والشعب متدين بطبعه والحياة "فل وتمنتاشر"، استمرت الظاهرة كالجمر تحت الرماد حتى رأيناها في المواقع الخطيرة كميدان التحرير أثناء ثورة 2011، وبعد انتهاء الثورة رسمياً بتولي الرئيس عبد الفتاح السيسي منصبه، إذ تم التحرش جماعياً في يوم حفل تنصيبه في العام 2014 بسيدة على نحو لا يختلف كثيراً عما حدث لـ"فتاة العتبة" قبل نحو ثلاثين عاماً. زار الرئيس - الجديد وقتذاك - السيدة التي أطلق عليها لقب "سيدة التحرير" وقدم لها باقة من الورد كأي "جنتلمان" حقيقي، ووعدها بأن هذا الوضع لن يتكرر وأنه أصدر تعليماته باتخاذ اللازم للقضاء على ظاهرة التحرش نهائياً في مصر، لكن يبدو أن الرئيس قد أدرك عمق الظاهرة، أو ربما ضلّت تعليماته الطريق إلى التنفيذ. علماً أن الخطر على حياة المصريات لا يقتصر على التحرش، فتغلغل ظاهرة ختان البنات في الطبقتين الفقيرة والمتوسطة لا يزال عصياً على السيطرة، خاصة في مجتمع تسوده مفاهيم تلقي كل عيب على كتفي المرأة، ويصر على أن يبحث الرجل فيه عن شرفه بين ساقي إحدى نساء بيته، ويتغافل فيه القادة الدينيون عن نفي علاقة الختان بالإسلام أو بالمسيحية على الرغم من أن الدراسات تؤكد عدم وجود تلك الظاهرة إلا في مصر وأثيوبيا وبعض الدول العربية والإفريقية. كما لا يمكن أن نغفل استمرار عادة تزويج القاصرات في القرى والصعيد، فالعائلات الفقيرة والأقل تعليماً تتوق للتخلص من هم الإبنة ومن مصاريفها بإلقاء مسؤوليتها على أول من يطلب الزواج بها. أما العنف المباشر ضد المرأة فحدث ولا حرج، فالمجتمع المصري يؤمن أن من حق الأب الإضرار جسدياً ببناته بقصد تربيتهن، وأن من حق الزوج أن يضرب زوجته إن رفضت الامتثال لأوامره، ولا يوجد مثلاً في الثقافة المصرية مصلح ”الاغتصاب الزوجي” ما دامت هناك ورقة رسمية تضع المرأة في عصمة الرجل. يتم كل ما سبق في ظل حماية قانونية منظمة، فالقانون في الغالب سيف مسلط على رقاب النساء. أخيراً، فحياة المصريات مهددة من المصريات أنفسهن، لأن واقع المرأة المصرية دليل ساطع على النتائج الباهرة لممارسة طريقة غسيل المخ لإقناع إنسان ما بدونيته واستحقاقه لما يقاسيه من مهانة وعذاب، فأصوات النساء هي عادة أولى الأصوات التي تنطلق لتخرس أي منتهكة تعترض على من يتحرش بها. هن حاملات تقاليد الختان المتوارثة أمّاً عن جدة، هن اللواتي يسارعن للوم بناتهن على شكواهن من أب قاسٍ أو أخ عنيف أو زوج خائن. فالنساء أشد عدوات للنساء. مع فجر كل يوم جديد، تثبت القاهرة التي كانت عاصمة الحضارة والتمدن والثقافة والفنون، أن الحياة فيها، وبالذات للنساء، معركة يومية متعددة الجبهات تحارب فيها كل امرأة وحدها منتظرةً في كل  لحظة أن تنغرس الخناجر والأصابع والعيون والمشارط والقوانين الظالمة في كل جزء من جسدها، فتقاتل بروح يقظة، فتثخنها الجراح، وينحر عزيمتها التخاذل، لكنها تدرك أن لا سبيل آخر إلا القتال المستمر.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image