تعيش فاطمة علي ذات الأصول السودانية في مدينة دهب (مدينة مصرية تتبع محافظة جنوب سيناء)، مستمتعة بجمال البحر والطقس الرائع، ومستمتعة أكثر بالسير بحرية من دون مضايقات أو تحرش، بحسب قولها. لكن الأمر لم يكن كذلك قبل أن تنتقل الفتاة إلى دهب، حين عاشت لسنوات طويلة في القاهرة، وتصف حياتها وقتذاك في العاصمة المصرية بالكابوس. تقول فاطمة لرصيف22، أنها كانت تواجه يومياً عشرات المواقف العنصرية، ما بين تحرش عنصري، وأسئلة متكررة عن جنسيتها، وشتائم لا تخلو من تمييز.... والسبب دائماً هو لون بشرتها السمراء.
"بسبب لون بشرتي، أنا بالنسبة إلى الناس في القاهرة فتاة قادمة من أدغال أفريقيا، لست مثلهم، على الرغم من أن هناك كثراً من المصريين لهم لون البشرة نفسه، لكن الفكرة المسيطرة على كثير من العقول أن كل أسمر هو بالتأكيد ليس مصرياً، بل قادم من بلد آخر".
فاطمة علي صحافية مستقلة، تهتم أكثر بالكتابة عن الحريات، وتحاول من خلال كتاباتها على وسائل التواصل الاجتماعي أن تنشر قيم حقوق الإنسان الغائبة عن المجتمع الذي تعيش فيه على حد تعبيرها.
تحكي الفتاة: "في القاهرة، تعودت لسنوات حين أخرج من بيتي أن أضع في أذنيّ سماعتَي هاتفي المحمول لأسمع الموسيقى وسيلة للهرب من سماع التعليقات السخيفة التي تحمل عبارات عنصرية كـ: "أنت سوداء، لكنك جميلة"، "أموت أنا في بنات السودان"، وقد تصل إلى حد القول: "أتمنى أن أضاجع فتاة سوداء اللون لأنها ساخنة جداً".
الجمل الجارحة التي سمعتها فاطمة في القاهرة لم تكن تتوقف، لكن ربما يكون أكثرها ألماً هو جملة "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" التي كان يرددها أشخاص حين يرونها.
تؤكد شهادة فاطمة ما ذكره أخيراً تقرير لمؤسسة تومسون رويترز بأن القاهرة هي أخطر مدينة في العالم على النساء، وأن التهديدات أصبحت أكبر منذ حوادث 2011.
بحسب تقرير مؤسسة تومسون رويترز، فإن النساء في القاهرة يعانين من العنف الجنسي ومن العادات والتقاليد الاجتماعية المضرة.
أن تكوني جميلة وسمراء في القاهرة
بحسب مقاييس الجمال، فإن فاطمة علي تعد إحدى الجميلات اللواتي يعشن في مصر، حيث سبق أن حصلت على لقب "ملكة جمال" من مسابقات جمال مختلفة، ويهتم كثر من المصورين بالتقاط صور لها باعتبارها نموذجاً للجمال الأسمر.لكن، يبدو أن الشارع المصري لا يؤمن بأن الفتاة يمكن أن تكون سمراء وجميلة في الوقت نفسه، على الرغم من أن أكثر الأغاني الرومانسية المصرية تتغزل بالفتاة السمراء، لكن على حد تعبير اللهجة المصرية، يبدو أن الأمر مجرد "كلام أغاني". تقول فاطمة بحزن: "من حقي أن أسير في الشارع من دون أن أسمع هذه العبارات وهذا التحرش العنصري، من حقي ألّا يتعامل معي الشارع بهذه الطريقة الجارحة، لا يعلم الناس حجم الجرح الذي أشعر به مما يفعلون". مواقف عدة لن تنساها الفتاة السمراء الجميلة، أحدها منذ أكثر من عشر سنوات، حين كانت تدرس علوم الكمبيوتر في إحدى الجامعات المصرية، وقتذاك بدأ شغفها بالإعلام ينمو، وتمنت أن تكون مذيعة... لكن كيف تعامل المجتمع مع هذا الحلم؟ بحثت فاطمة عن فرصة تدريب في إحدى القنوات، لكن ما وجدته هناك لم يختلف كثيراً عما كانت تقابله في الشارع، الجميع يتخوف من أن يوظّف مذيعة سمراء، فقد قال لها مسؤول في إحدى القنوات: "المظهر مهم للمذيعة وأنت سمراء". اعتبر المسؤول أن المظهر الحسن والبشرة السمراء لا يجتمعان، الأمر سبّب لها جرحاً جديداً أضافته إلى قائمة لا تنتهي من العنصرية التي تواجهها كفتاة سمراء.
في مترو الأنفاق أحد أشهر وسائل المواصلات في القاهرة، واجهت فاطمة عشرات المواقف، منها حين قالت لها سيدة: "أهلا بك في مصر"، لكن عندما وجدت أن الفتاة تتحدث اللهجة المصرية مثلها تماماً، تعجبت.
"كثر من المصريين لا يعلمون أن بلدهم يحوي ضمن تركيبته السكانية مواطنين بشرتهم سمراء، ويعتبرون أن أي شخص أسمر اللون هو غريب عنهم، الجهل والفقر هما السبب في ذلك".
لكن الجهل الذي تقصده فاطمة يتعدى مرحلة الناس البسطاء وغير المتعلمين ويصل إلى الطبقة الأرقى. ففي إحدى الندوات عن العنصرية التي عقدتها منظمة مجتمع مدني مصرية ودعت إليها فاطمة كمتحدثة، فوجئت فاطمة بأن مسؤولة في المنظمة لم تكن تعلم أن هناك مصريين سمراً. "كنت أظن أن السمر قادمين من السودان"، قالت المسؤولة وقتذاك.
يوميات بنت سمرا
لم تقف فاطمة عند الحزن مما كانت تسمعه، فهي تؤمن بأنه يجب أن يكون لها دور في نشر ثقافة احترام الآخر وقبول التعدد والاختلاف، وأن تفضح جميع الانتهاكات التي تقابل أصحاب البشرة السمراء في مصر، فجمعت حكايات كثيرة في كتاب صدر لها عام 2014 وحمل عنوان "يوميات بنت سمرا". واحدة من المشكلات التي وثقتها الفتاة في الكتاب تتعلق بسائقي سيارات أجرة مصريين في الشارع المصري المعروفة بـ "الميكروباص". كتبت فاطمة أن سائقي هذه السيارات بمعظمهم حين يرونها يرغبون في أن تجلس قربهم لأنها فتاة جميلة، لأن التصور الأول لديهم أن أي فتاة سمراء صيد سهل. تضيف شهادة فاطمة علي جرحاً جديداً إلى ملف التحرش الجنسي الذي تعاني منه غالبية النساء المصريات، خصوصاً في العاصمة.في عام 2008، أكدت دراسة أجراها المركز المصري لحقوق النساء أن 83% منهنّ يتعرضن لتحرشات في الشارع المصري بصفة يومية، وأكدت الدراسة نفسها أن 62% من الرجال يتحرشون بالنّساء. لكن إحصاءات أحدث ترى أن الأمر يتجاوز هذه الأرقام. ففي عام 2012، أكد المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر أن نسبة 70% من النّساء تتعرض للتحرش في الشوارع والمواصلات العامة. أما في عام 2013، فبينت دراسة أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة تعرض حوالى 99% من النساء في مصر للتحرش. ووثق أكثر من تقرير لرصيف22، حكايات مختلفة عن التحرش وصلت إلى حد إصدار قوائم سود للمتحرشين حملت أسماء مشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي. لكن الدولة المصرية ترفض هذه الإحصاءات، وترى أنها تهدف إلى تشويه صورة البلد. مثل كل النساء في مصر، تحلم فاطمة علي في مجتمع أكثر قدرة على احترام النساء وحرياتهن في السير من دون مضايقات، لكن دائماً ما يحوّل بعض الذكور المصريين هذا الحلم كابوساً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 5 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين