شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
طالع من الشام عبيروت؟.... جيب معك فراطة ومارلبورو

طالع من الشام عبيروت؟.... جيب معك فراطة ومارلبورو

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 17 أكتوبر 201706:07 م
لا أذكر اليوم كيف كان طريق دمشق - بيروت قبل عام 2011. بشكل عام، لا أذكر كيف كانت تفاصيل حياتنا الكثيرة قبل أن تبعثرها الحرب. كثيرون اليوم يحنّون إلى أيام كان يمكن فيها السفر من دمشق إلى بيروت في مدة قد لا تتجاوز الساعتين، وبتكلفة قد تصل حتى 800 ليرة سورية (15 دولاراً أميركياً وفق سعر الصرف آنذاك) للراكب الواحد، هذا إن كنا نريد السفر مدللين بسيارة أجرة تحضرنا من المنزل وتوصلنا إلى وجهتنا تماماً. أما السيارات الخارجة من كراج السومرية على أطراف دمشق، والتي تصل حتى كراج شارل الحلو في بيروت، فتكلفتها أقل من ذلك من دون شك. طريق الشام - بيروت (كما نسميه) تحوّل كما تحوّل كل ما نعيشه، أو ربما أكثر، فلبنان هو البلد الوحيد المجاور سوريا الذي لا يزال الوصول إليه متاحاً من الطريق البري، والسياحة في هذا البلد اتخذت بُعداً آخر مع ضعف السياحة داخل سوريا وانخفاض جاذبيتها. وكذلك مع بروز طبقة جديدة من الأغنياء الجدد Nauveau-Riche، فلبنان بمصايفه الجميلة وأسواق عاصمته البراقة يشكّل مقصداً شبه أسبوعي بالنسبة إليهم. بذلك، اتخذ طريق الشام - بيروت أهمية مضاعفة تتجلى في قصص نسمعها كل يوم من مسافرين وسائقين لا يملون سرد الحكايا التي يعيشونها أثناء ذهابهم وإيابهم، حتى بات السؤال الاعتيادي لكل ذاهب أو عائد من بيروت "كيف كان الطريق؟ صار معكم شي؟ مرقت على خير؟".

حواجز الـ200

عند بداية انتشار الحواجز في دمشق ومحيطها بشكل مكثف، وذلك منذ صيف عام 2012، لم يخرج طريق الشام - بيروت عن هذه القاعدة، حيث نُصبت عليه خمسة أو ستة حواجز بدءاً من منطقة يعفور بريف دمشق وصولاً إلى الحدود السورية. هذه الحواجز تابعة للجيش السوري بتشكيلات مختلفة (الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري بشكل أساسي) أو للجمارك السورية. مع مرور الوقت، أصيبت هذه الحواجز بداء "الرّشى" التي باتت سمة مميزة لمعظم الحواجز السورية. فداخل دمشق، يضطر سائقو السيارات الكبيرة المحملة بضائع لدفع الرّشى على الحواجز تفادياً للتفتيش الدقيق الذي قد يستغرق نصف ساعة أو أكثر. تتراوح بين مبالغ ضئيلة من النقود (دولار أميركي واحد) ومبالغ أكبر، وصولاً إلى حصة من البضائع المحملة: صندوق فاكهة، قطعتان أو ثلاث من الثياب أو الأحذية، أو صندوق محارم. ولأن كثراً من المسافرين إلى بيروت يرون أن دفع بعض الرشى لن يضر وإنما سوف يسهل لهم حياتهم ويجعلهم يمرون بشكل أسرع، تحوّل الدفع على الحواجز إلى روتين اعتيادي يُمارس علناً من دون الاضطرار لمواربته، أو لتسليم الرشوة في الخفاء، كما يحدث عند رشوة رجال الشرطة تجنباً للوقوع ضحية مخالفة مرورية. هذا الروتين غالباً لا يمارس إلا مع سيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة، والتي عنى ذلك بالنسبة لها الاضطرار لرفع الأجرة التي قد تصل اليوم إلى خمسة عشر ألف ليرة سورية (ثلاثين دولاراً) للراكب الواحد، أما السيارات الخاصة فيمكنها المرور بسلاسة أكثر، بخاصة إذا كان السائق فتاة وليس رجلاً. حواجز الشام - بيروت بمعظمها تقبل بمبلغ بسيط وهو 200 ليرة سورية (أقل من نصف دولار أميركي). عند خروج السائق من دمشق صباحاً، يتسلح برزمة من الأوراق النقدية من فئة 200 ليرة، وفي حال عدم عثوره عليها لا مشكلة: بإمكانه أن يعطي العنصر الواقف على الحاجز ألف ليرة، والعنصر سيتكفل بإعادة المبلغ المتبقي: 800 ليرة بالتمام والكمال.

مارلبورو أحمر... وأبيض

لكن، لحاجز الفرقة الرابعة والموجود عند بلدة يعفور، قصة أخرى. فالليرات السورية تلك لا تكفيه وهو لا يرضى بأقل من علبة دخان مارلبورو أحمر، والتي يبلغ سعرها في السوق حوالى أربعة دولارات. هذا الحاجز مخّول بتفتيش السيارة تفتيشاً دقيقاً يصل إلى حد فتح غطاء المحرك وقلب المقاعد وفتح المخابئ المحتملة كافة، إضافة إلى فتح جميع الحقائب والتدقيق في محتوياتها. يقوم بعملية التفتيش عادة عنصران، يتفحص الأول المحرك والمكان المخصص للحقائب، في حين يدخل الآخر السيارة لتكون في انتظاره عند باب السائق علبة مارلبورو أحمر، يضعها في جيبه – الموجود غالباً في منتصف بنطاله عند الفخذ - ويستمر بالتفتيش. ذات مرة، لم يجد أحد السائقين مارلبورو أحمر فاشترى مارلبورو أبيض. لم يرضَ الحاجز بسوى علبتين، فسعر الأبيض أقل من الأحمر.

وزارة الفساد

اقترح أحد السائقين في حديث ترفيهي إلى بعض الركاب تأسيس وزارة للفساد في سوريا. "ولتكن خوّات الجباية هي حواجز طريق الشام - بيروت". في رأي السائق، إن هذه الطريقة في الجباية عملية للغاية ولا تتطلب من مواطني دولة الفساد الذهاب إلى أي دائرة حكومية، إذ يكفي أن تكون مسافراً لتدفع ما يترتب عليك من دون أن تضطر حتى للنزول من السيارة. "والله عم فكر اتصل بترامب وخبرو. وأنا متأكد أنو ما رح يرضى بأقل من حاجز مارلبورو على مدخل كل ولاية بأميركا".
بات السؤال الاعتيادي لكل ذاهب أو عائد من بيروت "كيف كان الطريق؟ صار معكم شي؟ مرقت على خير؟"
لحاجز الفرقة الرابعة قصة أخرى فالليرات السورية لا تكفيه وهو لا يرضى بأقل من علبة دخان مارلبورو أحمر
"عم فكر اتصل بترامب وخبرو وأنا متأكد أنو ما رح يرضى بأقل من حاجز مارلبورو على مدخل كل ولاية بأميركا"

جمارك؟ ما رح وقفلك

إضافة إلى تلك الحواجز، تقف دوريتان أو ثلاث دوريات جمارك على طريق العودة من بيروت. فالمسافرون القادمون من لبنان فريسة مغرية للحصول على بعض الرشى أو ربما الهدايا. يقبل عناصر دورية الجمارك في كثير من الأحيان بمبلغ 200 ليرة سورية أيضاً، وقد يطلبون الحصول على بعض الهدايا، بخاصة إن لمحوا أكياس مشتريات من السوق الحرة. "يعتقدون بأن كل قادم من لبنان هو شخص محمل بالنقود والبضائع. كثيراً ما أرفض الوقوف لهم. أسوأ ما يمكن أن يحصل هو اللحاق بي على دراجة نارية والاضطرار لدفع مبالغ مضاعفة، وهو نادراً ما يحدث"، يقول أحد السائقين. ولا تقف إتاوات العودة عند حواجز الجمارك، فتلك الموجودة داخل دمشق ترغب في الحصول على حصتها أيضاً. فإن حدث وعرف أحد عناصر الحواجز بأن السيارة قادمة من لبنان، فلن يرضى إلا بالحصول على نصيبه. "علبة معسل. كيس شوكولا. كيس شيبس. أياً يكن. المهم ألا يفوته شيء"، يضيف السائق نفسه. هي خمسون كيلومتراً تفصل دمشق عن المعبر الحدودي المؤدي إلى لبنان. قد تبدو المسافة قصيرة، المهم ألا تنسى الفراطة، وعلب المارلبورو، كي لا تطول بك هذه المسافة!

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image