ابتسامة ناصعة البياض. ثديان مُستديران. مؤخرة مرفوعة. جسد ممشوق. شعر مسدول. أسرة من طبقة فوق متوسطة وبعض المعلومات العامة عن السلام العالمي والاحتباس الحراري.
هذه هي ببساطة معايير الاشتراك في مسابقات ملكات الجمال العالمية والعربية على حد سواء. لجنة تحكيم يصطف بها عدد من الأشخاص يُقيّمون من هي أجمل امرأة على المسرح، وفقاً لهذه المعيارية.
ممشى طويل وعدد من النساء في ثياب البحر ذات القطعتين، وكعب عالٍ، يمتثلن أمام اللجنة لتقول أيهما فازت بلقب "الأجمل".
هذه المعايير ترسم صورة خيالية عن امرأة غير موجودة. وفي سبيل إيجادها - أو خلقها - هناك العديد من الصناعات التي تزدهر بشكل أساسي على خلفية هذا الوجود.
التشييء Objectification
لا شك أن مثل هذه الفاعليات يلقى رواجاً في أوساط كثيرة. فغالبية هؤلاء يعتقدون في أسطورة "الجسم المثالي" وهو الجسم الذي له مقاييس محددة كالتي تم ذكرها تواً. هنا، يتم تجريد النساء من انسانياتهن بالكامل، ويتبقى الجسم الذي يحاول الجميع الوصول له. الجسم الذي يتوافق مع الاعتقاد بأن أجسام النساء يجب أن تكون مُثيرة جنسياً والنابع من الاعتقاد الأبوي بأن النساء مجرد «أدوات جنسية». لكن هذا ليس بجديد. فعلى مر التاريخ كانت هناك مقاييس تضعها المجتمعات لأجسام النساء. فمثلاً في مطلع القرن العشرين كانت النساء ذوات الأجسام البضَة هن الأكثر جمالاً. قبل أن تزدهر صناعة الرياضة وأساطير الوزن المثالي ويصل العالم إلى المقاس صفر، ثم يعود أدراجه للأجسام الممتلئة ولكن بشروط، كالمُسماة بالكيرفي. هذا التشييء يرسم صورة نمطية لأجسام النساء. ويُساعد في توسيع الفجوة بين الأجسام الحقيقية للبشر وبين الأجسام الخيالية التي يتم الترويج لها تجارياً.فلنحب أجسامنا بغض النظر عمّا تمثله بالنسبة لأكذوبة الجسم المثالي. نحبها كاختلاف فردي...
لا يوجد شيء اسمه الجسم المثالي، لكن يوجد فوتوشوب
معايير الجمال والسوق التجارية
هذه المعايير النمطية ليست في منأى عن السوق وحركة رأس المال. فمثلاً الوصول للمقاس صفر، يلزمه ممارسة رياضة ونوعية فيتامينات وأطعمة تُنتجها شركات عالمية ومحلية. ولكن كيف تستفيد هذه الشركات من مسابقات ملكات الجمال؟ حسناً، هذا الترويج المُبالغ فيه لأحجام ومقاسات أجسام النساء وتلقيبها بالساخنة أو المُثيرة، يُساهم في رسم صورة ذهنية عن كيف يجب أن تكون أجسام النساء عموماً، وبالتالي، أي امرأة لا تتوافق مقاسات جسمها مع هذه القياسات تكون تلقائياً خارج التصنيف (ساخن\مثير). هنا، يتم الربط بين هذا القياسات وبين قبول هذه المرأة اجتماعياً. فمثلاً، هناك وصمات مثل: «فلات»، وهو مُصطلح يُطلق على النساء ذوات الأثداء الصغيرة، في إشارة أنهن غير مُثيرات جنسياً. وهذا لأن تصنيف المرأة المثيرة نفسه مرتبط بقياس الثدي وشكله... إلخ. على المستوى الاقتصادي، هناك مثلاً شركات الإعلانات التي ترعى مُسابقات الجمال. فالفائزة تعتبر ماركة مُسجلة يُمكن الاستفادة من لقبها تجارياً للترويج لمنتج أو خدمة. وبعض شركات الإنتاج تفتح باب احتراف التمثيل وصناعة الفيديو كليب. يعتبر أن ملكات الجمال أيضاً لهن تأثير في مجتمعاتهن، فتستخدمهن المنظمات التنموية العالمية للإعلان عن مشروع أو تعاون دولي. ينعكس هذا على النساء العاديات بشكل مباشر. فهناك بعض النسوة اللاتي يسعين دائماً إلى تعديل قياسات أجسامهن أو تغييرها بجراحات التجميل، ليشعرن بقبول ذاتي، ثم قبول اجتماعي لأجسامهن. هؤلاء لا نلومهن لأنهن مُتشبّعات بهذه التنميطات الجسدية. حتى نحنُ أنفسنا، نقع فريسة لمعايير الجمال. فنحلق شعر ساقينا أحياناً، أو نُملّس شعرنا المُجعّد، أو نحافظ على لمعة بشرتنا. ولنفعل ذلك نستهلك مستحضرات تجميل وعناية بالجسم تستفيد منها شركات التجميل، هذا على مستوى شخصي. تلك الصناعات تسببت على مدار قرون في عدم قبول بعض النساء لأجسامهن لأنها بعيدة عن التصنيف. فالوصم المجتمعي لهؤلاء يُزيد من الفجوة بينهن وبين أجسامهن. وقد تتطور الفجوة إلى أعراض اضطرابات مثل الاكتئاب أو القلق.نسمع من وقت لآخر عن نساء انتحرن وكتبن في وصياتهن أن سبب الانتحار فشلهن في الوصول لوزن أقل. سيقولون فلانة انتحرت بسبب الاكتئاب. لكن لن يذكر أحد أن مقاييس "الجمال" هي التي أودت بحياتها، وأشعرتها بالرفض ونبذتها وتسببت في موتها.هذه المعايير ترسم صورة خيالية عن امرأة غير موجودة. وفي سبيل إيجادها -أو خلقها- تزدهر العديد من الصناعات
بين إدانة مُسابقات الجمال واختيار المُتسابقات
رغم هذا، لا يُمكننا إدانة اختيارات النساء اللواتي قررن الاشتراك في مُسابقات الجمال، أو على الأقل لا نُحملهنّ المسؤولية بالكامل. الالتزام بهذه العايير لم يكُن وليد اللحظة. فلا متسابقة منهن باتت ليلتها وفي الصباح قررت أن تأكل وجبات خالية من الدهون والكربوهيدرات للمحافظة على مقاسات جسمها دون أن تكون مثل هذه المعايير داخل عقلها اللاواعي. ليست مسابقات الجمال وحدها التي تروّج لمعايير جمال غير واقعية، فكل من صناعتي الإعلانات والسينما تؤصل لمعايير جمال لا تمس الواقع. تجعلنا طوال الوقت مشغولات بالوصول لوزن معين، أو درجة لون بشرة معينة. نبذل جهوداً إضافية ونصرف أموالاً على مواد نحن بغنى عنها، فقط إن قبلنا أجسامنا كما هي.دعوة للحب والقبول
هذه دعوة إلينا جميعاً بأن نحب أجسامنا كما هي، بالترهلات، وبعلامات تمدد الجلد، وبآثار الحروق والتجاعيد. أن نحبها ونقبلها لأنها نحنُ ولأننا هي. ولأنه لا يوجد شيء اسمه الجسم المثالي، لكن يوجد فوتوشوب. وتوجد مُنتجات وجراحات تنحت أجسامنا لتصل لصورة لا تُمثلنا ولا نُمثلها، وتوجد صناعات تستنزف نقودنا وتنزع عنا إنسانيتنا. فلنحب أجسامنا بغض النظر عمّا تمثله بالنسبة لأكذوبة الجسم المثالي. نحبها كاختلاف فردي.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...