أمام مدرسة طيبة (مدرسة مصرية تقع بمحافظة الجيزة) وقف أحمد علي صباح الأحد الماضي وهو يشاهد طفله حسام (6 سنوات) يعبر باب المدرسة باكياً. دموع الطفل كانت تختصر تجربة الذهاب للمدرسة لأول مرة، والبعد عن والديه، لكن ما لم يعرفه حسام هو أن والده كان يبكي أيضاَ.
يقول الوالد لرصيف22 "شعرت بالخوف على ابني، فرغم أنني اخترت له مدرسة خاصة (غير حكومية) حتى أضمن الاهتمام به والحصول على مستوى تعليم جيد، إلا أني شعرت بأن أحدهم يأخذ قلبي مني، هذه أول مرة يبتعد حسام عن البيت ويكون بمفرده بضع ساعات".
اللافت أن أحمد قرر أن يذهب بنفسه مع طفله أول يوم مدرسة ويترك زوجته في المنزل لأنه شعر أن الأم قد لا يتحمل قلبها التجربة فتبكي! ولم يتخيل أنه هو شخصياً سيتأثر لهذه الدرجة.
بجانب أحمد كان يقف العشرات من الأمهات والآباء، أغلبهم خائفون، خصوصاً هؤلاء الذين كان أطفالهم في العام الدراسي الأول.
ترفض العديد من المدارس المصرية، ومنها مدرسة طيبة، دخول أولياء أمور التلاميذ في أول يوم، حتى لا يتسبب هذا في خوف للأطفال، تقول أمينة الحلو الاختصاصية الاجتماعية بالمدرسة إنهم يتفهمون جيداً خوف الأهالي على أطفالهم. خصوصاً أنه ليست كل الأسر المصرية تضع أطفالها في حضانات قبل المدرسة، وهو ما يجعل الأمر صعباً على الطفل والأسرة.
"لكن الأمر ينتهي بعد الأسبوع الأول حين يتعود الطفل على المدرسة وتتعود الأسرة على الابتعاد عنه خمس ساعات هي وقت اليوم الدراسي للصف الأول الابتدائي" تقول الحلو لرصيف22.
وتنصح الأهالي بوضع أطفالهم في حضانات قبل الدراسة حتى يتعود الطفل مبكراً على الغياب عن أسرته والتعامل مع أطفال آخرين، وأن تفهم الأسر جيداً أن دخولها إلى المدرسة مع الطفل سيزيد من صعوبة الأمر ولن يكون في مصلحة الطفل أبداً.
أوباما حين بكى
الموقف الذي لن ينساه أبداً أحمد حدث مع شخص اخر في بلد أخرى، نتحدث هنا عن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الذي اعترف أخيراً أمام العشرات من الحضور أثناء الاجتماع الخاص بمؤسسة "بو بايدن"، أنه أخذ يبكي بعد توصيل ابنته الكبرى ماليا في عامها الدراسي الأول في جامعة هارفارد. وصف أوباما الأمر بأنه يشبه إجراء عملية قلب مفتوح، لكنه أوضح أنه كان سعيداً ولم يبكِ أمامها حتى يشجعها ويجعلها تتجه بقوة نحو مستقبلها. موقف أوباما يثبت أن حزن وخوف الأهالي على أطفالهم حين يتوجهون للدراسة لا يقتصران فقط على مرحلة الطفولة، فتوقعوا أن الخوف على أولادكم ربما يستمر معكم طوال العمر.فاصل ونواصل...
هناك أفلام عدة وثقت حياة الطفل في المدرسة، فعلى المستوى العربي نجح فيلم لا مؤاخذة (إنتاج عام 2014، وإخراج عمرو سلامة) أن يعرض ما الذي يواجهه الطفل في المدرسة خصوصاً إذا كان مرفّهاً لم يتعلم من قبل كيفية مواجهة الحياة. أما على المستوى العالمي فقد نجح فيلم Taare Zameen Par (فيلم هندي من إنتاج عام 2007 ومن بطولة وإخراج عامر خان) في توثيق المشاعر المتضاربة التي يشعر بها تلميذ صغير يعاني من عدم القدرة على القراءة والكتابة بشكل جيد. كذلك استطاع فيديو كليب أغنية عمري معاك للمطربة أنغام أن يوثق بطريقة ذكية في أحد مشاهده إحساس الأم حين يذهب طفلها للمدرسة لأول مرة بينما هي تنظر له بحزن وقبل أن يغيب يعود مسرعاً إليها ليحتضنها. وفي فيلم Finding Nemo (من إنتاج 2003) تأثرنا حين شاهدنا في النسخة المدبلجة للعربية منه نيمو وهو يصرخ سعيداً "أول يوم مدرسة، إصحى يا بابا" ونجح الفيلم في أن يوثق كل مشاعر الخوف في ملامح الأب لدرجة أنه كان يتمنى أن يؤجل فكرة المدرسة بسبب خوفه على ابنه.لن أنس هذا اليوم
تعتبر نوال أنور أن وصف أوباما للأمر بأنه مثل عملية إجراء قلب مفتوح دقيق، وتضيف لرصيف22 أنها لن تنسى أبداً أول يوم ذهبت فيه ابنتها مريم إلى المدرسة، "كان زوجي في عمله، ورافقتها أنا وأردت أن أدخل معها حتى أطمئن عليها، لكن رجال الأمن على بوابة المدرسة منعوني". هنا شعرت الأم أن بوابة المدرسة أشبه بحاجز بينها وبين طفلتها، "كأن هناك من انتزع قلبي وقال لي ممنوع أن تكوني مع قلبك طوال اليوم الدراسي"، تشرح الأم مشاعرها.خوف الأهالي على أطفالهم حين يتوجهون للدراسة لا يقتصر على مرحلة الطفولة بل يستمر طوال العمر
"كأن هناك من انتزع قلبي وقال لي ممنوع أن تكوني مع قلبك طوال اليوم الدراسي"يومها لم تستطع الأم العودة إلى المنزل ووقفت أمام المدرسة ست ساعات، وحين شاهدت طفلتها لم تشعر بنفسها سوى وهي تحتضنها وتبكي، "لوهلة شعرت أنها غابت عني سنوات وليس ساعات"، تقول نوال. تقول الأم أن مشاعرها في ذلك اليوم كانت متضاربة، فرغم أنها تعلم أهمية التعليم لابنتها، كانت خائفة، متى سيسمحون لها بالأكل؟ ماذا لو كانت مرهقة وترغب في النوم؟ هل هناك من سيضربها؟ هل سيعاملونها بحب؟ كيف يمنعونني عن الدخول مع طفلتي؟ عشرات الأسئلة كانت تدور في رأس نوال قبل أن تتعود على الأمر بعد حوالي أسبوعين ويصير غياب الطفلة عن المنزل للدراسة روتيناً.
مشاعر طبيعية
يقول الطبيب النفسي أحمد مصطفى أن مشاعر الأبوين أحمد وأوباما، والأم نوال طبيعية جداً، وهي المعنى السليم لكلمتي أبوة وأمومة، فأول يوم يخوض فيه الطفل تجربة جديدة بعيداً عن أهله ليس تجربة سهلة، لكن في النهاية الجميع سيتأقلم، الأبناء والأباء والأمهات. "إلحاق الطفل بورش يتعلم فيها مهارات مثل الرسم والكمبيوتر والألعاب الرياضية المختلفة مبكراً أمر مهم جداً يعوّد الأطفال على عدم الخوف حين يبتعدون لساعات عن أهاليهم، كما يجعل الأهل يتعودون على ذلك أيضاً، الأمر أشبه ببروفة عملية للطرفين". هكذا يرى مصطفى. وينصح مصطفى بأن تستعد الأم تحديداً –لأن دورها هنا أهم من دور الأب- لأول يوم مدرسة، فتعوّد الطفل على أن ينام باكراً حتى يستيقظ نشيطاً وهو ما سيقلل من درجة خوفها عليه، كما أن تحدّث الأهل مع الطفل عن المدرسة وأهميتها له يجعله يدرك ما سيواجهه. "هناك بعض التدريبات التي يمكن أن تفيد الطفل، منها عمل مدرسة افتراضية تقوم فيها الأم بدور المعلمة، وتشرح للطفل ما الذي يحدث في المدرسة، كما يمكن أن يشاهدا معاً فيلماً عن المدرسة ليراها الطفل فعلياً قبل أن يذهب إليها وهو ما نطلق عليه الاستعداد النفسي المبكر"، يقول مصطفى. وفي رأي الطبيب النفسي، إن الكثير من الأهالي يقعون في خطأ كبير حين لا يأخذون طفلهم مبكراً إلى النادي بشكل مستمر حتى يزيلوا عنه رهبة الوجود في مكان جديد، والتعامل مع أصدقاء بعيداً عن محيط العائلة. ومن التدريبات العلمية البسيطة التي ينصح بها مصطفى هو أن يشتري الأهل للطفل الذي سيذهب للمدرسة كتباً وكراسات وأقلاماً حتى يجعلوه مؤهلاً للتفاصيل التي سيتعرف عليها ويراها في المدرسة. ومن المهم أن يجعل الأباء طفلهم يختار بنفسه الحقيبة المدرسية، ويتحدثوا معه عن وظيفتها ودورها في حياته.وثّقوا أول يوم مدرسة بالكاميرا
لم يوثق أحمد بكاميرته أول يوم مدرسة لابنه حسام، ويقول إنه نادم على ذلك، إذ كان يتمنى أن يحتفظ بفيديو لهذا اليوم حتى يراه ابنه حين يكبر، لذلك ننصحكم بأن توثقوا تفاصيل هذا اليوم بالكاميرا، حتى تستمتعوا بمشاهدتها مع أطفالكم في المستقبل.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...