"مصطفى، تعال اغسل الصحون الموجودة هونا عشان نبلش نعمل أكل لأنفسنا"، قال لي يوسف إبراهيم وهو صديق أردني عندما مررنا بمطعم صغير في الجزء العلوي من وسط البلد بعمان.
شباب وبنات وكبار في السن يدخلون المطعم ويخرجون منه. يُحضرون أكلهم ويوزعون المهمات بينهم. يجلسون إلى طاولات خشب صغيرة في الخارج، كأنهم في بيوتهم.
أدوات الطبخ بسيطة، والأكلات صُنع بعضها في البيت. داخل المطعم، علّقت لوحة عليها قصاصات ورق لمن لا يجد أكلاً، منها واحدة كُتب عليها "لديك ما يكفيك من خبز، لكن ليس ما يكفي جميع الناس".
في مطعم "عزوتي"، يُمكنك أن تأكل ما تُريد، ربما تدفع أو لا تدفع، وقد تدفع مبلغاً إضافياً. فكرة المطعم التي أسستها مجموعة شباب أردنيين، بُنيت على أساس التكافل الاجتماعي.
آلية عمل المطعم تعتمد على جهد العاملين المتطوعين، وعلى التكافل بين الزّبن. والذي يأكل من الزّبن يُمكنه أن يُضيف مبلغاً يُحدده وفق ما يُريد.
"عندما يتبرع الزبون بدينار واحد يأخذ التيكت ويُعلقه على اللوحة ويكتب عليه ما يُريد"، يقول محمود النابلسي أحد مؤسسي مبادرة عزوتي. بعضهم كتب "صحتين" وهناك من كتب "مطرح ميسري يمري"، وآخرون كتبوا "نحن لبعضنا".
مكتوب على اللوحة التي توضع عليها التيكتات، يُمكنك أن تأخذ ما تُريد، لا أحد يسألك هل تستحق أن تأكل مجاناً أم لا؟ وتُحدد في كل تيكت الوجبة التي تريد تناولها، فعليه مكتوب سعرها، أي المبلغ الذي عزم به شخصاً آخر.في مطعم "عزوتي"، يُمكنك أن تأكل ما تُريد، ربما تدفع أو لا تدفع، وقد تدفع مبلغاً إضافياً
ليس الفقراء أو المحتاجون فقط مَن يُمكنهم أن يأكلوا من مطعم عزوتي.. فلا أحد يسألك هل تستحق ذلك أم لا؟يوضح محمود النابلسي لرصيف22: "عمر المطعم عامان، والفكرة منذ خمس سنوات. هدف المبادرة هو ألّا يكون هناك جوعان. كان النابلسي وأصدقاؤه يُشاهدون في حياتهم اليومية "أناساً" بلا أكل، خصوصاً الذين يعيشون بلا مأوى ومن دون مُعيل، فاستفزتهم المشاهد والقصص. يُضيف النابلسي: "فكرة عزوتي ماتت في اليم الأول من التفكير فيها، لكنني قابلت شخصاً محتاجاً فصُدمت، حينذاك صممت على تنفيذ الفكرة في أسرع وقت". اقتُبست الفكرة بحسب أحد مؤسسيها من تجربة إيطالية تُقدم القهوة للمحتاجين بعد أن قرأ عنها في الإعلام، لكن النابلسي وأصدقاءه لا يُريدون التوقف عند هذا الحد، فهم يطمحون إلى توسيع مبادرتهم. يتمنى النابلسي أن "تستفز" الفكرة بقية الشباب في محافظات الأردن الأخرى وتطبّق في مناطق متعددة باعتبارها مبادرة إنسانية تُشجع على التكافل الاجتماعي. كان رجل كبير في السن يجلس عند باب عزوتي تظهر على وجهه ملامح التعب، سألناه بطريقة غير صحافية عن المطعم، فقال: "لم أعد أفكر في كيفية الحصول على الطعام منذ عامين". ليس الفقراء أو المحتاجون فقط مَن يُمكنهم أن يأكلوا من مطعم عزوتي، بل قد تأتي بملابس أنيقة ومعك هاتف ذكي، وسيارتك الفارهة وتأكل، فلا أحد يسألك هل تستحق ذلك أم لا؟ "لا نسأل أحداً لماذا تأكل مجاناً، وهل تستحق ذلك أم لا؟ هُناك أشخاص متمكنون مادياً لكنهم يُحبون أن يأكلوا مجاناً ليشعروا بالتضامن الاجتماعي مع الآخرين"، يقول مخلد وشاح مسؤول المتطوعين في مطعم عزوتي. هناك وجبات أساسية شعبية كل يوم، مثل "قلاية البندورة"، و "مفركة بطاطا" وفول، لكن هذا لا "يمنع أي شخص من إحضار الوجبة التي يُفضلها"، بحسب محمود النابلسي. يُحضَّر الطعام في المطعم مثلما تُحضر أي وجبة بسيطة في البيت. يشتري المتطوعون الجبنة البلدية، واللبنة والمكدوس، ولديهم اتفاق مع نساء من محافظتي عجلون وجرش ليطبخن لهم بعض الأكلات. يتناوب على إدارة المطعم 15 متطوعاً. عملهم ترتيب المطعم وإحضار الوجبات والطبخ. وهو يعملون لمدة 12 ساعة يومياً، وينقسمون إلى شفتين. يُضيف وشاح قائلاً: "عندما تزيد التيكتات، نعمل ساندويشات وننزل إلى الشوارع ونوزعها. حضرنا قبل فترة 200 سندويش لإحدى الجمعيات الخيرية". بحسب وشاح هُناك فكرة ثالثة، فبعد افتتاح صيدلية وأسواق إضافة إلى المطعم، تريد المجموعة افتتاح مخبز يُوزع على المحتاجين. "صديقة لنا، في رام الله، بدأت تنفيذ فكرة عزوتي وبالاسم ذاته، وجمعت إيجار 6 أشهر لمطعمها، وستعلن افتتاحه خلال الفترة المقبلة"، يُتابع وشاح. الناشطة الاجتماعية والحقوقية الأردنية مها قشوع تقول لـ"رصيف22"، إن "فكرة عزوتي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية التي توفر وجبات لأشخاص غير قادرين على تأمين لقمة عيشهم، وفي الوقت ذاته عزة أنفسهم تمنعهم من طلب الطعام من الناس". وتعتبر قشوع مبادرة عزوتي عملية لتأمين الغذاء للآخرين، وترى أن لهذه المبادرة "أثراً اجتماعياً أكثر من كونه اقتصادياً"، وتأمل بتحولها مشروعاً اقتصادياً كبيراً يُؤمن الحماية الغذائية لأكبر فئة من المحتاجين. يُضيف وشاح: "نتعامل مع مجموعة نساء لإعداد الأجبان والألبان والمستلزمات الأخرى التي نحتاج إليها في المطعم، وبذلك نُساهم في تشغيل أشخاص كثر". يعمل متطوعو مبادرة عزوتي على افتتاح صيدلية بالآلية ذاتها التي يعمل بها المطعم، إضافة إلى أسواق لبيع المواد الغذائية الأساسية ومخبز، لا تختلف تفاصيلها عن الفكرة الأساس. قبل أن نخرج من عزوتي بعد أن تناولنا مفركة بطاطا وفول، خُيرنا بين أن ندفع أو لا ندفع، فالتيكتات التي وضعت على اللوحة تُشير إلى وجود عشرات الأشخاص الذين عزموا غيرهم على الطعام من دون أن يعرف بعضهم بعضاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...