قصتها فريدة من نوعها، فهي تقدم المساعدة بطريقة مبتكرة، دون النزول إلى الأرض أو التطوع مع مراكب إنقاذ اللاجئين المعرّضين للغرق خلال محاولاتهم الهرب في البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجيه.
أنجيليس دي أندريس سيدة إسبانية قررت أن تتابع قصص اللجوء وتقدم العون للاجئين، وتمكنت من بناء شبكة اجتماعية تشمل نحو 3000 لاجىء سوري اليوم، كل ذلك خلال جلوسها على كنبتها بالبيت، في مدينة غاليسيا الساحلية.
مستعينةً بجهازها اللوحي الخاص، وبخريطة كبيرة لبحر "إيجيه" على طاولة قهوة خشبية، روت أنجيليس لموقع Foreign Policy كيف تتابع التطورات متواصلةً مع عدد من الناشطين والمنقذين المنتشرين على الأرض.
عشرات الرسائل وصلت للسيدة الخمسينية عبر تطبيق واتساب، من شبان لاجئين في أوروبا وتركيا، وفي مناطق عديدة من سوريا والعراق. عائلات تبحث عن مساعدة في مراحل مختلفة من الضيق: مجموعة من 30 سورياً فقدوا في البحر، عائلة عراقية بدون مكان آمن للنوم في أربيل...
تحاول أنجيليس توفير الدعم الكافي على الرغم من استحالة ذلك أحياناً. وتتحدث عن حرصها الدائم على التأكد من صحة القصص التي تصلها من أشخاص يطلبون مساعدة مالية أو أمنية أو إنسانية، قبل أن تصلهم بنفسها بأشخاص وجهات داعمة.
شبكة "التنبيه الأحمر"
على مدى السنوات الأربع الماضية، أنشأت أنجيليس شبكة من نحو 3000 لاجئ ومتطوع دون أن تغادر مدينتها، وقررت أن تطلق على شبكتها اسم "التنبيه الأحمر". على الرغم من كونها عاملة مستقلة وغير مدربة على الإغاثة وأساسياتها، أشادت عدة منظمات بمساهمة أنجيليس المستمرة في إنقاذ العشرات، ومنها منظمة Proactiva Open Arms الإسبانية التي يقوم أفرادها بإنقاذ مئات اللاجئين يومياً من الغرق في البحر. يتطلب عمل أنجيليس التطوعي ساعات طويلة وليالي دون نوم أحياناً، أما النتائج فليست سريعة أو إيجابية دوماً، لأن عدد المهاجرين الذين يطلبون المساعدة كبير، ويتطلب التحقق من مواقعهم وقصصهم الوقت. "لا نستطيع إيقاف الحرب أو إنقاذ الجميع، ولكننا نستطيع إنقاذ البعض"، تؤكد أنجيليس. ولا تتردد أحياناً كثيرة في إرسال مبالغ مالية من حسابها المصرفي لمساعدة العائلات المحتاجة، بعد دراسة سريعة للوضع والتحديات التي تواجههم.قصة ملهمة.. الطريقة المبتكرة التي تساعد فيها هذه المرأة اللاجئين من الغرق، وهي جالسة في أمان منزلهابعيداً عن عملها التطوعي، تدير أنجيليس مكتباً صغيراً يهتم بإعطاء دروس خاصة للمراهقين بهدف تقويتهم لمتابعة برنامجهم الدراسي في المدرسة. ورغم أنها تدير المشروع بنفسها، في مكتب متواضع منذ عام 1990، فإن جدولها المزدحم لم يمنعها من توسيع مشروع "التنبيه الاحمر". انطلقت مجموعة "التنبيه الأحمر" رسمياً عام 2015 بسبب هوس أنجيليس بمتابعة أخبار سوريا، وتحديداً أزمة اللجوء. تعاونت السيدة مع بحّار سوري سابق كان قد غادر سوريا بحراً إلى أوروبا، ومعاً قررا تطوير المجموعة، مستغلين خبرته في مجال الشحن والبحر سابقاً. ولكن القصة بدأت قبل ذلك بكثير، وتحديداً عام 2013، عندما تعرفت أنجيليس على وائل، شاب سوري كان قد فر من سوريا قبل عام متخذاً من تركيا مكاناً للإقامة المؤقتة. انغمست أنجيليس أكثر فأكثر بمتابعة الأخبار ومحاولة فهم تداعيات تلك الحرب. حاولت مساعدة وائل الذي كان يحلم بالمغادرة إلى أوروبا. انتقلت المحادثات بينهما من فيسبوك إلى سكايب، وسرعان ما قررت إنشاء مجموعة على واتساب باسم "الفريق العربي الإسباني" كانت نواة انطلاق مبادرة "التنبيه الأحمر".
متابعة ملأى بالتحديات النفسية والجسدية والعقلية
منذ بدء الأزمة، قرأنا الكثير من الشهادات لصحافيين اختبروا تغطية شؤون اللاجئين، وتحديداً المهاجرين عبر بحر إيجيه، يتحدثون فيها عن صعوبة المتابعة والعمل المستمر من أجل نقل تلك المعاناة إلى الرأي العام. العمل الذي تقوم به الإسبانية أنجيليس شبيه إلى حد كبير بعمل الصحافيين الذين يواجهون عوائق عديدة، أبرزها اختلاف اللغة والثقافات، وصعوبة التواصل مع الجهات المسؤولة في كل من تركيا واليونان وتحديداً خفر السواحل عند محاولة الحصول على أي نوع من المعلومات، بسبب انهماكهم بمهمات الإنقاذ وارتفاع عدد العائلات التي تتعرض لحوادث مماثلة يومياً. نجحت أنجيليس مرات عديدة بإعادة لمّ شمل عائلات سورية فقدت التواصل بعضها مع بعض خلال تنقلها من تركيا إلى اليونان، وكانت مجموعات واتساب التي تديرها مسؤولةً عن إعادة لم الشمل.العمل جماعي... واللغة ليست عائقاً
عمل أنجيليس مع البحار والقبطان السوري السابق محمد مهم جداً لأن الأخير قادر بسبب خبرته الطويلة في الإبحار على تحديد المخاطر وتقديم حلول وشروح كافية عند وقوع أي قارب مهاجر في مأزق أو تيار أو عاصفة ما. يبقى محمد على تواصل قدر المستطاع مع أشخاص داخل المركب، ويحاول توجيههم الى بر الأمان، فيما يبقي أنجيليس على اطلاع في مجموعة منفصلة بسبب تواصله مع المهاجرين باللغة العربية. الانقاذ ليس العمل الوحيد الذي تقوم به المجموعة المقسمة إلى مجموعات صغيرة، فواحد من أهدافها الأساسية هو الإيقاع بالمهربين الذي يخدعون اللاجئين من خلال نقلهم في مراكب غير مجهزة للإبحار، وهذا ما تسبب خلال السنوات الماضية بحوادث غرق عدة. عملية التحضير تتم على مرحلتين، الأولى عبر إبلاغ المسافرين بكيفية التأكد من صلاحية سترة الإنقاذ والتشديد على ضرورة إرسال إحداثيات عن موقعهم الجغرافي. والمرحلة الثانية هي تحديد نوعية القارب الذي سينقلهم، فيساعدهم محمد على تحديد العدد المثالي الذي يستطيع قارب مماثل احتواءه، وإن تبين أن المهرب يحاول خداعهم عبر إقناعهم بالصعود إلى قارب غير مناسب، ينصحهم البحار السابق بتبليغ السلطات التركية فوراً عن رقم أو اسم أو هوية أو مكان وجود القارب والمهرب لتحاول السلطات القبض عليه. وعلى الرغم من تعدد المجموعات التي حاولت تقديم المساعدة من قبل عبر شبكات التواصل، ومنها مجموعة "الإنقاذ البحري" على فيسبوك، التي لم تعد متداولة كثيراً اليوم، فإن أنجيليس تؤمن باستمرارية العمل الإنساني الذي تقوم به مجموعتها. تأمل المجموعة بكسر الصورة النمطية التي سيطرت أخيراً على عدد من مجموعات شبكات التواصل التي اعتمدها تنظيم "داعش" للتخطيط وتنفيذ عمليات إرهابية. تقول أنجيليس إنها سعيدة باستخدام الشبكات نفسها للقيام بالعكس، وتأمل بالاستمرار وتقديم المزيد من الدعم.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون