عرف الجمهور لبنى عبدالعزيز منذ أواخر خمسينات القرن الماضي بأدوار بطولة تنوعت بين الحبيبة الأولى أمام عبد الحليم حافط في فيلم الوسادة الخالية، والمرأة الثائرة المتمردة في فيلم أنا حرة عن رواية إحسان عبدالقدوس والزوجة العنيدة في فيلم آه من حواء.
كان آخر ظهور سينمائي للبنى عبدالعزيز عام 2012 بفيلم جدو حبيبي، بعد انقطاع دام لأكثر من ثلاث عقود.
تتفرغ اليوم للعمل الإذاعي وتقدم برنامج "ركن الطفل" وتكتب مقالاً أسبوعياً بالإنجليزية في صحيفة الأهرام ويكلي.
التقاها رصيف22 في شقتها في منطقة الزمالك بالقاهرة.
لا نرى لبنى عبدالعزيز على الشاشات، ولا نسمع أخبارها. أين أنت؟ كيف تمضين وقتك ويومك؟
معظم وقتي أقضيه فى العمل، أنا عندي برنامج فى الإذاعة إسمه ركن الطفل في البرنامج الأوروبي، أعتبره العالم الخاص بي، وكنت مشتركة في هذا البرنامج منذ كان عمري 10 سنوات. بعد رحيل الإنجليز الذين يقومون بتنفيذه تطوعت بتقديم البرنامج. حالياً لا أرى أنه برنامج مقدم للطفل بقدر ما هو اكتشاف لعالم الأطفال. كما أكتب مقالاً في الأهرام ويكيلي كل أسبوع، ولدي محاولات عديدة لكتابة سرد قصصي عن تاريخ مصر القديمة. هناك كتب كثيرة عن التاريخ، لكني أعتقد أن الشكل الروائي يحمل تشويقاً خاصاً لقراءة التاريخ.من تحبين من الأدباء وكيف تختلف كتابتك عن كتاباتهم؟
بالطبع أحب طه حسين ونجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، أحب الصورة التي يقدمونها فى عالمهم عن الواقع، ولكن في كتابتي أميل للخيال أكثر، مثل فيلم عروس النيل الذي كان فكرته لي، وقد كان مغامرة في وقته، فتقديم التاريخ المصري القديم فكرة تائهة عن السينما المصرية. السينما العالمية اهتمت بها لمدة 30 عاماً، إلا مصر، ولا أعرف ما سبب هذا التجاهل وأعده نقصاً فى ثقافتنا، وهذا التاريخ الذي نتباهى بحمله لا يوجد في المناهج الدراسية الخاصة بنا.كيف تتلقين اليوم الأعمال الدرامية التي تتناول أحداثاً تاريخية عايشتها في مصر، كمسلسل "الجماعة" (بجزأيه الأوّل والثاني) مثلاً؟
أعجبت به لأنه فتح عينيّ على هذه الفترة، وتعلمت منه الكثير، وكان يجب أن يكون مقدمة لنا لكي نرى بشاعة فكر الإخوان.بالعودة إلى دورك في فيلم عروس النيل. دعينا نتحدث بشكل عام عن اختيارك للشخصيات التي مثلتيها..
كنت أشعر أنني لست مشخصاتية، لأني أعيش الشخصية. ففي كل فيلم أنا شخصية مختلفة. يقولون عني هاميس، جهاد، سميحة، والسبب أن الناس تنسى لبنى عبد العزيز خلال المشاهدة. لم أكن أبحث عن النجومية. بعد نجاح فيلم الوسادة عرض علي 70 فيلماً يشبهه فرفضتها، أنا ممثلة ودخلت التمثيل لحبي له، لا أحب الأضواء، ولو كررت نفس الدور لشعرت أننى لا أمثل. تعلمت فى الجامعة فى أمريكا أن التمثيل مثل العضلة الصغيرة كلما شغلتها تكبر، لذلك تكرار نفس الدور يجعل الموهبة ضئيلة. طلعت من فيلم الوسادة لأمثل فيلم أنا حرة الذي تناولته العديد من رسائل الدكتوراه والماجستير، وهذا الفيلم هو الذي غيّر صورة المرأة المصرية على الشاشة. مواطن لبناني قال ذات مرة أن والده كان يمنع أسرته من مشاهدة هذا الفيلم. قبل التمثيل كان إحسان عبد القدوس، وكان جارنا، يقول لي إنه يحب أن أكون بطلة إحدى قصصه، وعليه، كان فيلم أنا حرة، الذي يمثل قصتي في الحياة وهي التمرد واختيار طريق خاص.هذه شخصيتك في الحياة، فكم تشبه هذه الشخصية السيدات في مصر في زمنك، واليوم؟
في نظري، المرأة أخذت خطوة للخلف، حتى فى تولي المناصب، المرأة أيام زمان كانت تشبه شخصيتي في فيلم أنا حرة، حالياً يمارس عليها قهر مجتمعي.هل يمكن القول إن صناعة السينما في مصر ذكورية؟
لا السينما المصرية ليست ذكورية، بالعكس قامت على سيدات، الرجل الوحيد كان يوسف وهبي وبعده أنور وجدي، لكن في الزمن الأول قامت على آسيا وماري كوين وغيرهما.ولكن غالبية المنتجين والمخرجين رجال.. هل ساهم هذا في رسم صورة المرأة في الأفلام؟ وفي تحديد شكل البطلات وملابسهن وتصرفاتهن؟
أيام زمان، كان لكل بطلة شخصية مميزة وهو ما نفتقده حالياً.عايشت أحداثاً عاصفة بمصر والعالم العربي عموماً، ولم يصلنا من ذلك الزمن ما يشير إلى أنّ نجومه كان لهم رأيهم السياسي الواضح فيما جرى، بينما دفع الكثير من الفنّانين العرب أثماناً باهظة جراء الإفصاح عن مواقفهم بوضوح من ثورات الربيع العربي. هل دفع في زمنك بعض الفنانين ثمناً بسب مواقف سياسية؟
لم أكن أتابع ذلك، لكني أيام حرب 56 عشت هذا الزخم السياسي، وقتها كنت طالبة، وكان لي نشاط في الإذاعة، فقد كلفني عبد القادر حاتم بالعمل على برنامج لتوصيل رسائل توجع إسرائيل والغرب. كان عندي هذه النزعة الوطنية، واعتبرت نفسي ناصرية، والرئيس عبد الناصر أعطاني نيشاناً وقد قدمته فى الجامعة الأمريكية قبل أن يصبح رئيساً. وأثناء تواجد الرئيس نجيب فى أحد الإستديوهات دخلت عليه ليوجه رسالة للأطفال ووافق، لذلك أنا أمتلك الجرأة والنزعة الوطنية، ودائماً فى خلال عملي الإذاعي أردت توصيل رسائل سياسية عبر التاريخ الفرعوني.لكن برأيك هل من الصحي أن يكون هناك علاقة بين الدولة والفنان؟ ما شكل العلاقة المثالية بينهما؟
هذه المسافة يقررها الفنان، هو إنسان حر ولديه قناعات ومبادئ يسير خلفها.كانت الأفلام في عصر عبدالناصر تنشر، ولو بطريقة غير مباشرة، لفكر المرحلة: دولة تقدمية فيها نوع من المساواة بين جميع طبقات الشعب، والدعوة للتعليم، والمساواة بين المرأة والرجل، دون التركيز على سلبياتها وقمع الحريات...هل تعتقدين أنها كانت انعكاساً عفوياً للمرحلة أم بروباغندا ناصرية مدروسة؟
كانت الأفلام انعكاساً للمرحلة. الرئيس عبد الناصر كان لديه هذا الوعي، وكان محباً للفن والفنانين، ومؤمناً بالمبادئ التي تدعو للحرية. في مرحلة عبد الناصر، كان الفن مزدهراً وقد ذهبت لـ11 مهرجاناً. اليوم نذهب لنتصور على السجادة الحمراء ونعود.لم يخلُ"زمن الفن الجميل"من المشاكل بين الفنانين، لعل أشهرها خلاف عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش. أيهما كان أقرب إليك، أنت التي عملت مع كليهما؟ ومع من استمتعت بالعمل أكثر؟
عبد الحليم كان صديقاً، إنما فريد الأطرش مثلت معه فيلماً وكنت سعيدة بالتعرف عليه واكتشاف صفاته، كنت أشعر أنه يحمل أخلاق الأمراء. من يقولون إنه غيور، فهم ليسوا على حق، إذ لم يكن غيوراً من نجاح عبد الحليم أو عبد الوهاب، إنما كان يشعر بأنه ليس فى المكانة التي يستحقها.قلت مرة أن عبدالحليم ظلم فريد الأطرش، هل هذا حقيقي؟
لم أقل ذلك، فريد هو الذي قال إن حليم وعبد الوهاب ظلماه.كنت حبيبة الكثير من دنجوانات الشاشة في الأفلام… في الحقيقة هل أحبك أحدهم؟ أم فكرت بالارتباط بأي منهم؟
لا، لم يحدث أي ارتباط. كان بيني وبين الجنس الآخر ستار حديدي نتيجة للخجل وللتربية، ولأنني حينما عدت من أمريكا كنت لا أعرف تقريباً أي شيء عن الوسط الفني.قلت في مقابلة أخرى إنك كنت تحزنين على رشدي أباظة. لماذا؟
كنت أشعر أنه يستحق بطولة أكبر فى السينما. حينما تعرفت عليه وجدت أنه يحمل صفات كثيرة، وقد ظل 20 عاماً يلعب دوراً ثانياً ولم يكن بطلاً، كنت أشعر أنه يمتلك مواهب تؤهله لدور البطولة الأولى. فكيف يكون أحمد مظهر في وا إسلاماه هو البطل ورشدي أباظة يجري خلفه؟ أشعر أنه قد ظلم من الإنتاج السينمائي، وأنا أمتع أوقاتي قضيتها معه في التصوير، فكنت أدخل غرفتي فأجدها مليئة بالورود، وهو واقف بالباب فأستقبله فيقبّل يدي. كان جنتلماناً. من يفعل ذلك غير رشدي أباظ؟ كان يحترم المرأة ويقف احتراماً لها.هل تؤمنين بفكرة الحب الأول؟
أؤمن بالحب الأول وأنه لا يزول، وهو مثل الزهرة عندما تتفتح.كم مرة أحبت لبنى عبد العزيز؟
كثيراً، لا أعيش من غير حب.ابتعدت عن الأضواء لفترة طويلة، هل ندمت على هذا الابتعاد يوماً؟
لم أندم، سافرت مع زوجي إلى أمريكا وعشت هناك 30 سنة، وقد ذهبت فى عز شبابي، وفى قمة أعمالي. في بداية سفري، كنت أريد العودة كل يوم، في السنة الأولى كان زوجي الطبيب عندما يعود من عمله يجدني أجهز حقائبي للسفر. لكني استمررت كل هذه السنوات من أجل البقاء معه، وكان عندي وقتها عقد بـ3 أفلام من المفترض أن أعود لتمثيلها. هناك (في أمريكا) كنت أماً وزوجة وطباخة وسواقة، وهناك أنجبت بنتيّ، وقد عدت لمصر لأن أهلي مقيمون فيها.أحدث ظهور لك في السينما المصرية كان في فيلم "جدّو حبيبي" 2012، إلى أي مدى اختلفت تقاليد المهنة خلال السنوات الطويلة التي غبتها عن الشاشة الفضية منذ عام 1967؟
أنا عاطفية جداً، والكثير من أصدقائي حذروني من العودة، لكني أحببت الشخصية التي تقول إن الغرام لا ينتهى بعد عمر معين، وهو ممكن أن يستمر في الشيخوخة.أي أعمالك أحب إلى قلبك؟
فيلم هي والرجال، قصة إحسان عبد القدوس وإخراج حسن الإمام. أحببته لأنه يحكي عن امرأة تكافح وتساعد زوجها وتحضر الكتب له، ثم يهرب وتسافر خلفه ليقول لها "أنا آسف انتي خدامة وأنا وكيل نيابة"، هذه القصة تحدث كثيراً في أمريكا.أي الفنانات أقرب إلى قلبك؟
شويكار التي احتضتني واستطاعت رؤيتي من الداخل .أي الفنانين أقربهم إليك؟
رشدي أباظة.لو لك أن تقيّمي تجربتك، كناقدة وليس كلبنى….
أتمنى أن أعاود تمثيل كل أفلامي من جديد، أنا لا أرى أفلامي أبداً، إذ كان يمكنني أن أمثل بطريقة أفضل.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...