شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
ال اس دي... أنا مستعد للتلاشي -2-

ال اس دي... أنا مستعد للتلاشي -2-

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 14 سبتمبر 201702:16 م
تجارب حياتية تغير فينا، ممارسة الجنس، الأبوة والأمومة، دخول العناية المركزة، ولكن هل يمكن لتجربة عقار الأسيد أن تغير في شخصيتنا؟ ينفي العالم النفسي ماثيو جونسون حدوث ذلك في أي تجربة معملية لعقاقير المشروم، وقال في دراسة نُشرت 2011 "إنه أمر دراماتيكي للغاية". ولكن في بحث جديد تحدث عن تجارب الناس مع العقار، يستشهد بآليكس ليو 29 عاماً، منتج فيديو في سان فرانسيسكو، كان في المرحلة الثانوية عندما اكتشف ميوله المثلية، وأراد أن ينتحر، ولكن بعد أن أخذ العقار بين الغابات تغيّر بشكل كامل. يقول إنه ركز على ذكرياته ومشاكله الشخصية كيف أنه مثلي وحياته معاناة متواصلة، ولكن عندما  تناول الأسيد كان في الطبيعة، بين الشجر الذي عاش لآلاف السنين، تذكر بشكل واضح أنه مجرد حفنة من الغبار بين تلك الضخامة، وفي تدفق الطبيعة، و"هذا ما جعلني أتكيف مع طبيعتي المثلية". يقول الطبيب إن هذه التجربة لا تطرد الإحباط والحزن ولكن ساعدته على تقبل مشاعره.

خسارة الأنا

يعلق جون بيلبتريو بأن رؤية المخاوف الشخصية تنحسر في مواجهة واقع أكبر هي سمة أساسية لتجارب الهلوسة، أحياناً يُطلق عليها خسارة الأنا، هذه الأشياء التي تعتقد أنها تُعرفك "أنا 38 عاماً، أمريكي، عالم"، لا !  أنت أبعد من ذلك بكثير. via GIPHY يوضح جون بيليبتريو، كاتب التقرير في مجلة "ذي أتلانتيك" الأمريكية، أن عقار إل إس دي يعمل فقط لساعات ولكن آثاره على الجسد، يمكن أن تستمر مدى الحياة، وتظل هذه المنطقة مجهولة لحد كبير. بعد الاستمتاع/الاستماع إلى رود ريجيز، رأيتني في مكان صحراوي، يشع بلون برتقالي حاد ومبهج "الهيبيون يسمون العقار البرتقال المشع" وصديقي يجلس على التل، وكهف صغير يخرج منه رجل بملامح قاسية، يرتدي زي الهنود الحمر، عضلاته مفتولة، نظر إلي بصلابة، وتبدلت حالة الاستمتاع إلى خوف مرضي، شعرت بأن هويتي مهددة، شيء في كينونتي سيتغير كلياً ولا أعرف إلى أين، تحاشيت النظر في عينيه، وندمت كثيراً لأني تناولت العقار، وعزمت على أشياء تبدو لي ساذجة الآن، محورها: يجب علي أن أختار اختيارات آمنة، وأعيش الحياة عيشاً رتيباً. في تلك اللحظة كانت جزيئات الأسيد تشن حرب عصابات على الحبيبات المستقبلة في خلاياي العصبية، تستميت تلك الخلايا في الحرب، وشعرت بها كدوار، وأحياناً يداخلني شعور أني سأموت، ولكن بحسب تجارب معملية في الحيوانات تستمر تلك الحرب لعشر أو عشرين دقيقة، وبعدها تعلن جزئيات الأسيد انتصارها. لدقائق على الأريكة الوثيرة أقاوم، كلما قاومت استسلمت، نظرت إلى عيني الهندي الأحمر، أشار بيديه إلى جهة اليسار، نظرت إلى اليسار وضعت، أين رحت؟ مبروك. خلاياك العصبية انهزمت، أنت الآن تحت حكم الأسيد، ولن تستعيد خلاياك أسلحتها قبل مرور 12 ساعة. وجدت نفسي شجرة في صحراء، شعرت بالماء الأخضر الذي يتدفق في أوراقي، كلما هبت النسمة أتمايل بانتشاء معها، منسجماً مع الحياة كأن كينونتي تحولت إلى إحساس منتشٍ بالشمس والنسمات، وجدتني في فضاء أسود وكواكب تتدحرج ببطء، إحساس بالسلام والصفاء والإشراق لا يعكره شيء، ثم نظرت إلى نفسي من أعلى السقف، ووجدت جسدي ممدداً على أريكة، لم أعرف نفسي، وقلت "من هذا الكائن البائس، أي حياة بائسة تعيشها هذه الكائنات؟"، وصدمت كثيراً عندما اكتشفت أن هذا الشخص هو أنا، استفقت من غيبوبتي اللذيذة، وكلي إحساس بالانتشاء والامتنان لوجودي، ثم استسلمت لغيبوبة أخرى. Shane-Gorski_FlickrShane-Gorski_Flickr هل كنت أهذي أم ما أراه هو رؤيا تتجلى للمتصوفة والفلاسفة؟ ما يراه جون بيليبتريو هو أن تجربة الهلوسة الذهانية تعود إلى آلاف السنين وليس إلى عام اختراع الأسيد 1938، "بعض ما في الأدب يصف الهجمات العفوية والمفاجئة وغير المتوقعة تماماً مثل الهجوم الذي غلب على القديس بولس في طريقه إلى دمشق. هناك تقاليد أخرى تحدثت عن الحالات التي يسببها الصيام عبر الحرمان الحسي الناجم عن اتباع التأمل، أو عبر الرقص المحموم، أو التنويم المغناطيسي. ليس الدين فقط من يتحدث عن تلك الحالات، فالعالمان باسكال ونيوتن اجتاحتهما غيبوبة صوفية ساهمت في التبصرات الإبداعية، وفهم ويليام جيمس حقاً الغموض الذي يمكن أن يحقق المعجزات بين العالم المتخيل وعالم الظواهر، ولكن العلماء النفسيين تجاهلوا هذه النتائج، ظهور الأسيد جعلهم يفكرون في نتائجه مرة أخرى"، بحسب المقال. يرى المقال أن جذور معضلة "هذا هذيان أم رؤيا " متعلقة بالواقع المدرك، المجانين قادرون على إنجاز أشياء مدهشة، الأسيد يمكن أن يخلق حالة مصطنعة من جنون المبدعين، حيث ينهار روتين الحياة التي تجعل الناس تعالج أمورها بطريقة عادية خاضعة لمتطلبات الحياة الخارجية، وضرب مثلاً حالة الفيلسوف الروسي ديستوفسكي الذي عانى من هذه الحالات، ويرى أن ما يصفه مشابه لحالة عقار "الإل إس دي". يقول ديستوفسكي: "للحظات قليلة أختبر هذه السعادة التي هي مستحيلة تحت الظروف العادية، ولا يملك الناس عنها أي فكرة، أشعر بانسجام كامل مع نفسي، ومع العالم، وهذا الشعور قوي، ويستمر لثوانٍ معدودة". وليس غريباً إذاً أن يرتبط اسم العقار بالهلوسة.

في الماتريكس

عندما تم تطوير العقار للمرة الأولى سموه سيكوتوميمتيك "محاكاة للذهان" ولكن الاسم الغريب حمل حكماً سلبياً، وتوظيفاً مرضياً للعقار، الاسم الثاني هو عقار الهلوسة، ويراه جون بيليبتريو غير واقعي وغير حقيقي، وبطريقة علمية قال: إذا كان المرء يجب أن يحافظ على موقف مناسب موضوعي وعلمي، فعليه أن يعلق الحكم المتعلق بواقعية الواقع، فبطريقة أو بأخرى يمكن لهذه العقاقير أن تزيد من مستقبلات الحس لدينا، وتغير آلية عملها، وتجعلها تدرك بعداً آخر من الواقع. لكن الأمر أخذ لدي بعداً متطرفاً، بدأت أشعر أني أعيش في عالم وهمي، في الماتريكس "محاكاة حاسوبية"، ويقوى شعوري أن البعد الذي اختبرته مع الأسيد هو الحقيقي، وما أحياه في الحياة "الطبيعية" هو مجرد "هلوسات" تكتسب مصداقية بفضل "الإحساس المشترك" أو كما بدأت أسميه "الهلوسة المشتركة"، فهل ذهبت بعيداً في ذلك؟ هل أحتاج إلى طبيب نفسي أو شيخ يتلو علي آيات من الذكر الحكيم. إحدى أشهر الفرضيات حول أننا نعيش في عالم وهمي أشبه بالماتريكس جاءت من عقار الأسيد، بعد أن اختبره بروفيسور في جامعة أوكسفورد نيك بوستروم في 2003 إذ نشر ورقة بعنوان "هل نعيش في محاكاة؟". تقول الورقة إن حضارة تجاوزت الحضارة الإنسانية لديها قوة كبيرة في مجال الحاسوب، اختارت أن تشغل محاكاة لأسلافهم في الكون، ونحن البشرية نعيش في هذا البرنامج. via GIPHY تعلق صحيفة "الجارديان" أن هذه الحجة باتت تكتسب ثقلاً في الاتجاهات السائدة في التكنولوجيا، خاصة مع صعود الواقع الافتراضي، وجهود لرسم خريطة للدماغ البشرية. الأسيد أي عقار أنت؟  لذا أميل إلى الاسم الأخير، والذي يتحمس له جون بيليبتريو أيضاً، وهو عقار "كشفي" للعقل ولإمكانياته الكامنة. بدأت أشعر بتعاطف غريب مع أنماط من الشخصيات متناقضة، هؤلاء المجرمون الذين يعيشون خارج دائرة النظام، وكنت أغبطهم على شجاعتهم، وهؤلاء المجانين الذين يهذون في الحي الذي أسكن فيه بالسيدة زينب بالقاهرة، وكنت أغبطهم على حالهم، وبدأت أقلق على نفسي، لقد بدأت أنسحب قليلاً من الحياة الاجتماعية، أحب سماع الموسيقى، أكتب المقالات والقصص القصيرة، ويزداد ضيقي بمرور الأيام من أي تجمعات بشرية، أصدقاءً وأهلاً وزملاء، وأستمتع جداً مع نفسي، هل أنا على وشك الجنون؟ الإجابة كما يراها جون بيليبتريو تكمن في عدم وجود إجابة على الحد الفاصل بين الجنون الإبداعي والجنون المرضي، ويبرز السؤال الرئيسي دائماً بشأن العقاقير المهلوسة/الكشفية: ما هو المقدار الذي يمكن أن يتحمله نظامك العقلي؟ المشكلة هي كيف تحتفظ بجنون معين بينما تعمل ملكاتك الإدراكية كالمعتاد وبكفاءة، وشغل هذا السؤال الأطباء النفسيين، وظهر أن هناك مرحلة يصبح فيها الجنون الإبداعي ارتكاسياً انتكاسياً، مما يجعله يعوق وظيفة العقل الإدراكية بدلاً من تحفيزها، والمستشفيات العقلية مليئة بحالة ذهان عابرة تحولت إلى ذهان دائم، ومثلت بدايات مرضهم حالة تجارب هلوسة/كشفية مشابهة لتأثيرات الأسيد. يستعرض بيليبتريو حالة لطالب عمره 21 عاماً انتهى به الحال مريضاً نفسياً، يقول عن بداية جنونه: "لقد بدأت مفتوناً بالأشياء الصغيرة من حولي، كان هناك وعي إضافي بالكون مثلما يفعل الفنانون، والمعماريون، والرسامون الجيدون، وانتهى بي الحال لأن أكون عاطفياً جداً، ولكني أشعر بالإثراء وأنا مع نفسي في المنزل، باسترخاء، إنها ليست حالة رؤية أكثر اتساعاً، ولكن أعمق، ولقد فقدت الاتصال بالعالم الخارجي، وفقدت إحساسي بالزمن، استطعت أن أرى بعمق مشاكل الآخرين، وأذهب مباشرة إلى أعمق شيء مع الآخر، وانتابني شعور أني أحب كل شخص في العالم، ومشاركة العواطف معه مثل إزالة الظلال، إزالة الوجه الكاذب". ...

الجنون اللذيذ

مرت الأيام منذ 2014 ، العام الذي اختبرت فيه الأسيد، وزال قلقي حول ما إذا كنت سأجن؟ ولكن ثمة أشياء تغيرت في إدراكي بالحياة، اختفى مرض القاولون من أمعائي، وتلاشت الكوابيس من أحلامي، وبدأت أفكر أني يجب أن أعيش لحظتي، وأعمل ما أحب قدر استطاعتي، وكلما لاحظت التغيرات التي أراها إيجابية على نفسي أتساءل هل يمكن أن نحول حالة الأسيد تلك إلى نمط حياة؟ via GIPHY ... إذا كان لهوفمان فضل في التركيز على القيمة العلاجية لعقار "إل إس دي"، فإن نيكولاس ساند المولود في بروكلين له الفضل في تحويلها لحالة وجودية ولنمط حياة، بحسب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، عندما تناول العقار عام 1964 جلس كهيئة زهرة اللوتس أمام نار مشتعلة، واستسلم للتجربة، ترك نفسه تحلق في فضاء بعيد كثيف وأسود. سأل نفسه حينها "ماذا أفعل هنا؟" وفجأة جاء صوت عبر جسده "وظيفتك على هذا الكوكب أن تصنع المخدرات السايكدليكك وتحول العالم". via GIPHY حمل ساند هذه الوصايا في قلبه وبدأ يتدرب في معمل "أوسلي ستانلي" الملقب برئيس وزراء الأسيد في أمريكا، وأنتج أنقى أنواع جرعات الأسيد، وباتت علامة في أواخر الستينات. لا يحتاج الأمر إلى دعاية تجاربة، أو مقالات تروج لها، فسرعان ما أصبح الأسيد حالة أسطورية، كما وصف كتاب مارتين لي وبروس شلين في "أحلام الأسيد: تاريخ الإل إس دي الاجتماعي الكامل" الذي طبع 1992، أن العقار وزعته أخوية "الحب الأبدي"، وهي طائفة هيبية استقرت على شاطئ في كاليفورنيا، وتأكد ساند أن "البرتقال المشع" متاح للجنود الأمريكيين في فيتنام، وأمل ساند أن يثنيهم العقار عن الاتجاه للعنف، ويستبدلوه بالمحبة الأخوية. ما كان يطمح إليه ساند في حياته، ودفع ثمن طموحه في السجن والنفي الاختياري بترك عائلته وبلاده إلى كندا ثم كولومبيا، هو أن يحول المجتمعات البشرية عبر الأسيد من تجمعات خائفة ومذعورة تحت حكم الشرطة والجيش، إلى تجمعات إنسانية محمية بالحب والحميمية، وكان يرى أن وجود الشرطة يعني غياب الحميمية، والعكس صحيح. ولكن أطباء في العيادات النفسية اختبروا لدى مرضاهم تلك الآثار الإيجابية للأسيد، حذروا من تعاطيه بتلك الطريقة التي تشبه تعاطي الهيروين، يشدد أكثر من عالم نفس على عدم تناول تلك العقاقير بشكل غير قانوني، يقول أحدهم : فكر في الهيروين والمورفين، الأول يمكن أن يقتلك بجرعة زائدة، والثاني يُستخدم بأمان وبشكل روتيني في المستشفيات "السياق هو كل شيء"، ويشدد طبيب آخر في مقال نشره موقع "بيزنس إنسايدر" على أنه إذا كان هناك مستقبل للأسيد فإنه في المستشفيات وليس بطريقة "خذ اثنين من الأسيد وكلمني في الصباح".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image