حالما انتهى من استقبال المهنئين بزواجه، وضع ماجد (27 سنة) السيف إلى جانبه، فما كان من موظف الصالة التي احتضنت الحفلة سوى الصعود إلى المنصة ليعيد السيف إلى يد العريس.
تكررت الحركة أكثر من مرة.
يذكر ماجد الذي يتحدّر من محافظة تعز (256 كم)، أنه لم يكن يعلم أن إفلات السيف يعد عيباً في أعراف بعض المناطق مثل صنعاء التي يقيم فيها منذ 8 سنوات.
يقول لرصيف22 أنه حتى لو علم بذلك، فإنه لم يكن ليلتزم بالعادات بحذافيرها.
تبين حفلات زواج رصدها رصيف22 استمرار التقاليد القديمة ذات الصلة بالطبيعة الحربية والتراتبية للمجتمع اليمني وثقافته الذكورية.
وهناك طقوس زواج تبدو أشبه بمعركة يخوضها الذكر ليحوز عروسه سواء من خلال تسلحه بأدوات حربية أو من خلال الرقصات والأغاني.
فما هي أشهرها؟
زينة المحارب
تقدم صنعاء والمناطق المجاورة لها نموذجاً لاستمرار نمط الزواج التقليدي ومخالفة القوانين في آن. فعلى رغم انتشار صالات الأعراس، إلا أن كثراً يفضلون تنظيم حفلاتهم في الشارع الذي عادة ما يغلق لتنصب فيه خيمة كبيرة لاستقبال الضيوف وتخزين القات. وإضافة إلى حمل العريس السيف والبندقية والتمنطق بالجنبية (الخنجر اليمنى) يحضر الملمح الحربي أيضاً في الرقصات والملابس. أمام خيمة كبيرة وسط شارع في صنعاء، تحلق جمهور صغير لمشاهدة رقصة البرع، وهي رقصة حربية في إيقاعاتها أو من خلال حركات الراقصين واستخدامهم الجنابي. وفي بعض القرى، يخرج العريس وأقاربه واصدقاؤه لممارسة "النصع" وهو إطلاق النار على هدف معين ولا يعود العريس الا بعد أن يصيب هدفه. خلافاً للمناطق الجبلية مثل صنعاء، تبدو طقوس الزواج في المناطق الساحلية متخفّفة من المظاهر القتالية. وباستثناء العرضة (رقصة السيف) التي تنتشر في بعض مناطق الساحل الغربي، لا يستخدم السلاح الأبيض أو الناري في معظم رقصات الساحل التي تتسم بإيقاعات فرحة. غير أن رقصات أعراس ساحلية مثل الرقصة الشقرية التي يؤديها ذكر وأنثى، تحاكي عملية ترويض الصياد فريسته. يرجع الأستاذ في علم الاجتماع في جامعة صنعاء الدكتور عادل الشرجبي استمرار التقاليد العنيفة وامتدادها إلى المناطق الحضرية، إلى فشل مشروع التحديث وتماهي الدولة مع القبيلة. مؤكداً لرصيف22 وجود دور بارز يلعبه نظام الحكم في صوغ المجتمع سلباً أو إيجاباً.ترجع تقاليد الأفراح العنيفة في اليمن إلى فشل مشروع التحديث وتماهي الدولة مع القبيلة وامتدادها إلى المناطق الحضريةيؤكد الباحث في مجال الفولكلور، أحمد السعيد لرصيف22، وجود تغيير طرأ على عادات الزواج وتقاليده في مدينة عدن (363 كم) مثل إطلاق النار في الأعراس الذي اعتبره ظاهرة دخيلة على المدينة الجنوبية الكبرى، إضافة إلى انتشار صالات الأعراس الذي تسبب في انحسار "المخدرة "، التسمية المحلية لخيمة الزفاف. يتهم الشرجبي وآخرون نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح في إطلاق أيدي جماعات الإسلام السياسي، ما تسبب في القضاء على ثقافة التعدد. وتقول أم رمزي (55 سنة) لرصيف22، أن فتيات قريتها الواقعة في محافظة لحج (336 كم) كن حتى ثمانينيات القرن العشرين يرقصن في مناسبات الزواج والأعياد بمشاركة الشباب كما لم يكن النقاب منتشراً في تلك الفترة.
سلطة الأزياء
تقدم محال تجهيز الأعراس في صنعاء نمطاً واحداً لزينة العريس هو النمط السائد في صنعاء والمناطق المجاورة لها. بيد أن البعض يحرص على توفير الزينة السائدة في منطقته. وخلافاً لماجد، رفض الموظف الحكومي في صنعاء عبدالله نعمان (62 سنة) طلب نجله ارتداء الزي الصنعاني. وذكر نعمان لرصيف22، أنه أقنع نجله بأن يرتدي في حفل زفافة الزي المحلي السائد في مسقط رأسه تعز. يُظهر اللباس المرتبة الاجتماعية، حيث يذكر محمد المطاع (57 سنة) لرصيف22، أن رئيسه في العمل اتخذ موقفاً عدائياً إزاءه، بعد أن شاهده في حفل زواجه في ثمانينيات القرن العشرين مرتدياً لباس السادة الهاشميين الذين حكموا شمال اليمن حتى 1962. مع تصاعد التوتر المذهبي والجهوي، بات اللباس جزءاً من الصراع. وأثار ظهور الرئيس السابق، خلال مشاركته في اجتماع قمة الدول الثماني الصناعية في ولاية جورجيا الأميركية في يوليو 2014، مرتدياً الزي الشعبي لمنطقته، انتقادات اتهمته بارتداء لباس لا يمثل جميع اليمنيين.قرابين بشرية
تتباين تقاليد الزواج بحسب المنطقة والطبقة والمذهب، غير أنها تشترك في ملامح عدة، مثل إطلاق الرصاص الذي يتسبب في سقوط وإصابة العشرات سنوياً بحسب ما تبين الإحصاءات الرسمية. ووفق الشرجبي، فإن ظاهرة انتشار السلاح وإطلاق النار هي انعكاس لفشل مشروع التحديث وغياب دولة القانون، مشيراً إلى أن إطلاق النار في الأعراس منتشر في دول عربية كثيرة، إلا أنه في اليمن أكثر انتشاراً. قال مصدر أمني طلب عدم الكشف عن هويته أن حوادث أعراس، تحل ودياً ولا تقيد في السجلات الرسمية، خصوصاً في المناطق النائية. وهناك قضايا تصل إلى السلطات لا يبت فيها. تستعيد الناشطة في الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال، زهرة صالح قضية مقتل الشابين حسن أمان وخالد الخطيب، كواحدة من صور فوضى النظام القبلي وتفلته من القوانين وفق رسالة بثتها صالح عبر تطبيق واتس آب. قتل أمان والخطيب في مايو 2013 أثناء محاولتهما تجاوز سيارة عروس تربطها صلة قرابة بزعيم قبلي بسيارتهما، فيما يقول منظمو الموكب أن سيارة الشابين اصطدمت بسيارة العروس، ما دفع مسلحاً إلى إطلاق النار عليها ظناً منه أنها لمهاجمين يحاولون استهداف العروس على خلفية ثأرات قبلية. تقضي العادات أن يرد أهل العريس أو العروس على إطلاق الضيوف النار بمثله. وقبل سنوات، أصيبت طائرة مدنية كانت تحاول الهبوط في مطار صنعاء، برصاصة انطلقت من حفل زفاف. وتُتهم الطائرات الأميركية من دون طيار، وطيران التحالف العربي الداعم الحكومة الشرعية في اليمن باستهداف حفلات زواج، ما يتسبب في قتل وجرح العشرات.رصاص سياسي
إطلاق النار تعبيراً عن الفرح لا يقتصر على الأفراد، بل تمارسه أيضاً جهات حكومية وحزبية. مساء 7 يونيو 2011، قتل ما لا يقل عن 6 أشخاص وجرح 100 آخرين في صنعاء، نتيجة نيران كثيفة أطلقها مناصرون للرئيس علي عبدالله صالح ابتهاجاً بظهوره على التلفزيون بعد أسابيع من إصابته بتفجير مقر إقامته. تشرح ذكرى (52 سنة) لرصيف22، كيف وجدت نفسها تنبطح أرضاً وتزحف في شقتها، مدفوعة بفزع لا إرادي. ولا تستبعد ذكرى أن تكون إصابتها اللاحقة بمرض السكري سببها الخوف الذي انتابها تلك الليلة. هكذا، يبدو تنظيم 3 من منتسبي الجيش اليمني حفل زواجهم في ثكنة عسكرية تقع في منطقة تشهد مواجهات مسلحة بين القوات الحكومية وميليشيات الحوثيين، غير منفصل عن سياق الطقوس الحربية لحفلات الزواج. يصنف اليمن ثاني أفقر دولة في العالم ويحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في انتشار الأسلحة الخفيفة بين المواطنين. في محاولة لمحاربة العادات السلبية، شهدت صنعاء أخيراً حفل زواج خلا من إطلاق النار وتخزين القات، لكنه لم يخلُ من رقصة البرع وحمل السيف والبندقية كزينة. مقابل طقوس تمجيد الذكر، تظهر طقوس العروس صورة دونية للأنثى، ويقول الشرجبي أن وثيقة الزواج في صنعاء تسمى "المُلكة"، من التملك. وعلاوة على زواج الرجل بأربع، تحضر رموز التمييز ضد المرأة من خلال الأدعية الدينية مثل قول العريس: "أللهم إني أسألك خيرها وأعوذ بك من شرها"، وهو دعاء يُقال أيضاً عند شراء بعض الأدوات، مثل السيارة. وحتى نهاية القرن العشرين، كان العريس يدوس على قدم العروس لتبقى طائعة له. في جزيرة سقطرى (360 كم)، كان يُطلب من الفتاة المراد تزويجها الذهاب مع رفيقاتها إلى الرعي. وفي الطريق يختبئ لها والدها أو شقيقها، ثم يخطفها ليأخذها إلى البيت. في مناطق أخرى، تباغت الأم أو أي امرأة من الأقارب، الفتاة المراد تزويجها برمي قطعة قماش عليها، وتغطي بها رأسها ووجهها. ويصاحب ذلك إطلاق نار وزغاريد، وعندئذ تعلم الفتاة أنها حُجبت، أي زُوِّجت وفي حالتي الخطف والحجب، لا تعرف الفتاة غالباً هوية زوجها إلا في تلك اللحظة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...