بينما كان سامي الأحمدي يستعد لاصطحاب أسرته في نزهة مساء الخامس من أغسطس، فوجئ بإطلاق نار كثيف من قوات الأمن السعودية أصابت محال تجارية ومنازل عدة في حي المُسوَّرة ببلدة العوامية ذات الأغلبية الشيعية.
استقر الأحمدي، السعودي الذي ينتمي للطائفة الشيعية، في منزله، وسط حالة من الخوف على أطفاله الذين لا يتعدى عمر أكبرهم عشرة أعوم. زاد إطلاق الأمن السعودي للرصاص، وبعدها بأقل من ساعتين كان مسلحون يتبادلون النيران مع الأمن. "لم أعرف النوم في تلك الليلة. كانت ليلة مُرعبة"، يقول.
في صباح اليوم التالي هدأت أصوات الرصاص، لكن دُمّرت بعض المنازل والمحال التجارية، وسقط عشرات القتلى: "المتجر الخاص بي تعرّض للتدمير. لم يعد صالحاً، وهذا مصدر رزقي"، أضاف المواطن السعودي الشيعي.
وتأتي تلك الاشتباكات المسلحة وفق بيانات الشرطة، مع مسلحين يرفضون هدم حي المسورة ببلدة العوامية الواقعة شرق السعودية.
وتُبرّر السلطات حملتها بأن الحي بات "وكراً للإرهابيين ومروجي المخدرات"، في وقت تقول إن هدفها إقامة مشروع تنموي يتضمن إعادة بناء الحي ليكون حياً راقياً يتضمن مراكز تسوق وسوقاً تراثياً ومباني إدارية ومساحات خضراء ونوافير مياه.
ويعترض جزء كبير من سكان العوامية على ما يتضمنه المشروع من هدم لمنازل ويطالبون بالحفاظ على الهوية التاريخية للحي الذي يبلغ عمره نحو 400 سنة، وقال مسؤولون في التاسع من أغسطس الماضي إن قوات الأمن سيطرت عليه.
ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن المواجهات المسلحة التي بدأت في مايو الماضي، وتجددت في أغسطس، أسفرت عن مقتل العشرات، بجانب فرار مئات من سكان العوامية.
وقالت المنظمة إنه بمقارنة صور التقطت بالأقمار الصناعية في فبراير وأغسطس، يظهر تعرض أجزاء كبيرة من بلدة العوامية لدمار هائل طال بنيتها التحتية المدنية، متحدثة عن حصار السكان ومطالبةً السلطات بتوفير الخدمات الأساسية لهم.
لم تنته فصول الحملة الأمنية السعودية التي بدأت على بلدة العوامية الشيعية. تهجير للسكان أم تطوير للحي؟
سعوديون شيعة يرفضون هدم منازلهم في العوامية، والسلطة: لا بديل من إخراج المسلحين الممولين من إيران منها
سُكان: نَرى الموت يومياً... و20 ألفاً فرّوا من العوامية
جمع رصيف22 شهادات من ثمانية أشخاص من أبناء العوامية، رفضوا الإعلان عن هويتهم، خشية الاعتقال، وقالوا إن المواجهات تحوّلت إلى حرب شوارع بين قوات الأمن ومسلحين، وتسببت السلطات السعودية في تدمير محال تجارية ومنازل، وصار مُلاكها دون عمل، مشيرين إلى أن ما يقرب من 20 ألفاً هجروا العوامية منذ مايو الماضي حتى الآن. أحد هؤلاء السكان، قال إنه كاد يُقتل أثناء عودته إلى منزله في أواخر شهر يوليو الماضي، وقال: "كنت عائداً من منزل والدتي بالسيارة باتجاه منزلي بحي المسورة، وأطلق الأمن السعودي النار تجاه السيارة، وأصبت برصاصة في كتفي الأيمن. نحن نرى الموت يومياً". وقال آخر إن المملكة تنتقم من الشيعة ولا تميّز بين المسلحين والسلميين، وأضاف: "هناك انتقام واضح، وصل إلى إزالة صور الشهيد نمر النمر المعلقة على أعمدة الإنارة". ويتفق تقرير لـ"هيومن رايتس ووتش" مع شهادات الأهالي، إذ أصدرت المنظمة الحقوقية تقريراً منتصف الشهر الجاري، قالت فيه إن ما بين 20 إلى 25 ألفاً فروا من العوامية، وعملت السلطات السعودية على تسكين بعضهم في شقق بمدينة الدمام، بجانب إغلاق الصيدليات والعيادات الطبية. وتنتمي أغلبية سكان العوامية إلى المذهب الشيعي، فهي مسقط رأس رجل الدين الشيعي البارز نمر النمر، الذي أعدمته المملكة بتهمة الإرهاب في يناير 2016، وخرجت منها تظاهرات إبان ثورات الربيع العربي عام 2011، تُطالب بالإصلاح والديمقراطية. المواجهات الدائرة بعيداً عن وسائل الإعلام العربية الموالية للسعودية، لم تمنع خبراء في الأمم المتحدة، يعيَّنون من قبل مجلس حقوق الإنسان، من دعوة السلطات إلى وقف أعمال الهدم لحي المسورة التاريخي الذي "يتعرّض سكانه لضغوط الإخلاء دون توفير سكن بديل أو تعويض مناسب". وقالت المفوضية السامية لحقوق الإنسان في بيان، إبان الاشتباكات: "فريق خبراء الأمم المتحدة يؤكد أنه على الرغم من محاولاتنا المتعدّدة في التعبير عن قلقنا ومن سعينا الدائم للحصول على أي تفسير من الحكومة بشأن أعمال الهدم المخطط لها، يبدو أن الجرافات وغيرها من آليات الهدم بدأت، وبمساندة قوى عسكرية مسلحة، في هدم المباني والمنازل في الحي التاريخي المسَوَّرة وفي أماكن أخرى من العوامية، موقعةً جرحى وقتلى ومكبدةً أماكن إقامة المدنيين خسائر مادية". يرفض الأهالي مغادرة الحي، بدعوى أن منازلهم تقع في المنطقة التي يعملون فيها. ويقول المواطن سامي الأحمدي: "كيف نسيب بيوتنا ومحلاتنا مصدر رزقنا ونروح منطقة تانية؟". تضغط السلطات، وفق السكان، لتهجيرهم من المسورة، عن طرق قطع الكهرباء، والمياه، ووضع نقاط تفتيش في مواقع كثيرة، وإغلاق الصيدليات، والعيادات الطبية.حرب إعلامية
ونشر ناشطون شيعة مقاطع مصورة لأعمال الهدم والاشتباكات في حي المسورة، منددين بما تقوم به قوات الأمن من إطلاق الرصاص دون تحديد الهدف، ما أدى إلى مقتل عشرات المدنيين، وكتبوا عليها: "هنا ليست سوريا ولا العراق ولا فلسطين. هنا بيوت الشيعة التي دمرتها القوات السعودية في العوامية". وبُثت بعض التقارير التلفزيونية التي تتحدث عن الأمر نفسه. فيما ردت السلطة بمقاطع فيديو يقول فيها مواطنون، إنهم تركوا الحي، ووفرّت لهم الحكومة مساكن. وظهرت دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي لتوفير مساكن آمنة للفارين. ونشرت صحف سعودية، صوراً لمصنع قذائف وعبوات ناسفة، قالت إن قوات الأمن عثرت عليها في حي المسورة. كما نُشرت فيديوهات تتحدث عن عمل القوات السعودية الخاصة على إخلاء أبناء العوامية الذين يحاصرهم "الإرهابيون" في حيهم، إنقاذاً لهم. وقال التلفزيون الرسمي، إن السلطات دعت الفارين للتوجه إلى مقر محافظة القطيف لطلب مساكن مؤقتة أو الحصول على تعويض عن منازلهم التي تركوها.محلل سعودي: حصّنا السكان... وإيران تدعم المسلحين
وقال المحلل الأمني السعودي أحمد الأنصاري لرصيف22 إن قوات الأمن حصّنت المدنيين قبل الدخول في مواجهة مع المسلحين الذين يرفضون هدم الحي، و"هم مطلوبون أمنياً قبل فترة من قبل السلطات السعودية". وأضاف أن هؤلاء المسلحين يتلقون تمويلاً من إيران التي تسعى جاهدة للسيطرة على المنطقة، وإشعال الفتن في المملكة. وعن هدم الحي، قال: "الحي قديم، ويختبئ فيه عشرات الإرهابيين والمتشددين من أصحاب الفكر المتطرف، والمطلوبين أمنياً". واتفق معه في الرأي الباحث حمود الزيادي، المختص بشؤون الجماعات المتطرفة. وقال لرصيف22 إن "الإرهابيين في العوامية تابعون للحرس الثوري الإيراني. لا يمكن الصمت، ولم يكن هناك بديل عن المواجهة وتطوير الحي، والقبض على المطلوبين أمنياً". وأشار إلى أن المملكة عانت من الإرهاب في العامين الماضيين، وما تقوم به جزء من دورها في مكافحة الإرهاب بالمنطقة.حقوقي: جرائم حكومية... وسُكان مهجّرون
في المقابل، استنكر رئيس المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان علي الدبيسي ما تقوم به السلطات السعودية في العوامية، مؤكداً "وقوع جرائم كثيرة بأيدي القوات الحكومية". وقال لرصيف22: "وقعت جرائم كثيرة وانتهاكات بأيدي القوات الحكومية، وليس للمواطن قانون مستقل يحميه"، مشيراً إلى أن أكثر سكان العوامية مهجرين، والجرائم تُرتكب بحماية رسمية. ولم يُنكر الدبيسي وجود مسلحين في العوامية، لكنه يُرجع ذلك إلى قمع الشيعة في المملكة، وإعدام نمر النمر، الأمر الذي دفع البعض إلى التفكير في مواجهة الدولة بالسلاح.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع