نحو 50 ألف فتاة تجمعن في مكان واحد، هدفهن واحد، ربما تمزح بعضهن، وربما يختلط الجد بالسخرية، فتجدون أنفسكم في النهاية تصطدمون بواقع تحققت فيه كوميديا فيلم "هاتولي راجل"، الذي أنتج عام 2013، من بطولة أحمد الفيشاوي.
الحديث هنا عن ظاهرة "الشقط".
ماذا يعني مصطلح "شقط"
الشقط بالعامية المصرية هو أن يستطيع الشخص ذكراً كان أو أنثى إيقاع فريسته، ونصب الشرك للطرف الآخر ليقع في حبه، ومن هنا ظهر المصطلح خلال السنوات الخمس الأخيرة، خصوصاً في مواقع التواصل الاجتماعي.بداية الفكرة
سرّب عمرو المراكشي، أحد مدوّني فيسبوك، فكرة الغروب السري للبنات الذي تم تدشينه لشقط الذكور، عن طريق جمع المعلومات عن الضحية، ونشر صورته. ثم تبدأ مهمة جمع الطرفين، وبذلك تكون المهمة قد اكتملت. المراكشي وجد نفسه صدفة في غروب "كيف تشقطين ذكراً (للبنات فقط)" ليتفاجأ بوجود 3 آلاف عضوة هدفهن واحد: اصطياد الرجال للوقوع في حبهن. وحول تفاصيل الغروب وفكرته وملاحظات المراكشي، دوّن منشوراً على فيسبوك لاقى انتشاراً كبيراً وصل لأكثر من 1200 مشاركة، وجاء فيه:المفتش كرومبو يبحث عن الشقط
تقول الصحفية المصرية سماح عبد القادر، التي تقمصت دور المفتش كرومبو، بحسب قولها، إنها قررت اكتشاف هذه المجموعة، ووصلت بالفعل إلى أدمن الغروب التي أسسته رفقة أخريات، وأكدت الأدمن التي رفضت الصحفية الكشف عن اسمها، أنها لا يهمها انتشار وزيادة أعضاء المجموعة بالأساس. فبعد تسريب الفكرة، وتلصص البعض عليها، أصبحت هناك معايير صارمة للانضمام للمجموعة، خصوصاً أن معظم المنتسبات إليها يعرف بعضهن بعضاً. لذا هناك شروط صارمة للانضمام، وهي إجراء مقابلة شخصية "اتصال فيديو" ليتم التأكد من هوية العضوة، لتدخل بعدها عالم الشقط، وتساعد رفيقاتها. وأكدت مديرة الغروب إغلاق الإضافات، بسبب خطأ دخول رجل للمجموعة ثم سرب الفكرة، تقصد عمرو المراكشي، وأكدت أن الغروب لن يسمح سوى بالصفوة فقط من مجتمع بنات فيسبوك اللواتي يتصفن بالذكاء. ولفتت إلى أن الغروب لا يتوقف نشاطه فقط على العالم الافتراضي، بل يصل إلى تكوين مجموعات ويخرجن معاً لتوطيد أواصر الصداقة بينهن. وحكت إحدى الفتيات فكرة الغروب، وقوانينه، في فيديو ونشرته على فيسبوك، فلاقى رواجاً كبيراً، خصوصاً أن الفتاة استنكرت المجموعة وحكت عن تجربتها داخلها، وقوانينها، والمنشورات في الغروب ونوعيتها. وأوضحت أن هنالك مشاركات يرين الموضوع أبسط من ذلك، فبعض البنات تقع في الحب من كلمة "هاي"، واستنكرت ما يحدث على المجموعة، ووجهت سؤالاً للشباب الذي يسعى لأن يكون "مشقوطاً": "إنت فرحان إنك مشقوط؟". وتوجهت بالقول إلى البنات إن ذلك يجعل صورة البنت متدنية، وتتنازل عن كرامتها وعفتها وحيائها، وإن عليهن الالتزام واحترام أنفسهن. وأكدت أن تصرفات البنات تجعل صورة البنت والمرأة بشكل عام في نظر الرجال متدنية.الشقط الناجح
تواصل مديرة الغروب إفصاحها للصحفية عن قصص "شقط" ناجحة تمت من خلال المجموعة، ووعدتها بإرسال تفاصيل 3 قصص شقط ناجحة أخرى، متضمنةً خطط الإيقاع بالفريسة، لكن من دون الإفصاح عن أسماء.الشقط المضاد
يبدو أن بعض الشباب لم يعجبهم الأمر، فقاموا بهجوم مضاد ودشنوا صفحات مماثلة "كيف تشقط أنثى"، لكنها لم تلق رواجاً كبيراً مثل الفكرة الأصلية، وكذلك لم يشترك بها عدد كبير، عكس الغروبات الأنثوية.الفكرة وتطورها
الفكرة التي أُثارت الرأي العام المصري، لم تكن مستغربة للمتابعين، فقبل عدة سنوات ظهرت عناوين مثيرة لكتب مثل "كيف تصطادين عريساً"، و"عشان السنارة تغمز"، وأثارت حينها جدلاً واسعاً بين المتابعين، وكان أساسها حتمية أن تأخذ الفتيات خطوة للأمام ويبادرن إلى اختيار شريك حياتهن.الشقط له قواعد وأخلاق
المتابع لصفحات ومجموعات الفتيات، يجد أن الغروب الأصلي وضع قوانين صارمة لأعضائه، لا يجوز اختراقها مهما كان. ولعل أهمها، والتي وصفها المتابعون بأنها قوانين أخلاقية، بأن الشرط الأساسي هو المجموعات للفتيات أولاً، وممنوع شقط المرتبطين، لأن بحسب القوانين الموضوعة "اللي ما نرضهوش لنفسنا ما نرضهوش لغيرنا"، وممنوع المساعدة التي تجلب ضرراً لأي شخص. كما أن السخرية لا مكان لها بين عضوات الغروب، وتؤكد صاحبة المجموعة أن الشقط يكون للذكور وليس للرجال، لأن الرجل لا يتم شقطه، بمعنى أن الذكر فقط هو من يندفع خلف تلك المحاولات لإيقاعه، لأن الرجل الذي يحمل صفات الرجولة من الصعب الإيقاع به.عواقب وخيمة
بعد الضجة التي أثارها غروب "كيف تشقطين ذكراً"، بدأت العواقب الوخيمة في الظهور، فكانت هناك ضحية لحساب مزيف، سرق صورها من حسابها الرسمي من إنستجرام، الضحية، مونيكا صدقي، التي فوجئت بوجود حساب بصورها الشخصية، ودخوله في الغروب، وكتابة كلام سيئ ونسبها لصاحبة الصورة الأصلية. ما أدى إلى فضيحة كبيرة للفتاة وسط أهلها وأصدقائها، ما دفعها لتسجيل فيديو توضح فيه حقيقة الأمر، وكيف أثّر هذا الغروب على حياتها الشخصية، وطالبت الجميع بأن يرحموها ويكفوا عن نشر صورها الشخصية.رأي المجتمع
تواصل رصيف 22 مع بعض المدونين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي لسؤالهم عن رأيهم الشخصي في المجموعة، تقول الدكتورة، اعتماد جمال، وهي معيدة في كلية الأداب: "هذه الظاهرة نتيجة طبيعية لما وصلت له حياتنا في العالم الافتراضي، على مواقع التواصل الاجتماعي، فبعد ظهور مصطلح الكراش، كان طبيعي جداً أن نجد ما يسمى بالشقط. وتؤكد أنها تحاول حث طالباتها في الجامعة على عدم الانجراف خلف هذه التفاهات، خصوصاً أن المجتمع أصبح منفتحاً لأبعد الحدود. وأوضحت أن المجتمع سيشهد ظواهر أسوأ في المرحلة المقبلة، وطالبت كافة التربويين في المراحل التعليمية المختلفة بالقيام بدورهم مع الجيل الناشئ. أما علياء أحمد، فتعتبر أن هذه المجموعات تؤكد ما وصلنا له من يأس وجهل، واستغربت بشدة طريقة تفكير المشاركات في الغروب. وترى شيماء نبيل أن هناك فئة كبيرة في المجتمع مليئة بمثل هذه الشخصيات الافتراضية، قد يكونون من العائلة، أو أصدقاءنا في العمل، وتؤكد أن طريقة تفكير البنات بهذه الطريقة ستؤدي إلى كوارث اجتماعية، خصوصاً أن ظاهرة "الشقط" مبنية على الشكل فقط من دون دراسة الطرف الآخر، وعليه فهي علاقة سطحية وكاذبة ووهمية مثل العالم الافتراضي.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...