شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الإسلام والأدب الروسي: هكذا قرأ الأدباء الروس القرآن

الإسلام والأدب الروسي: هكذا قرأ الأدباء الروس القرآن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 29 أغسطس 201706:24 م

يشكل الإسلام جزءاً من التراث الديني الروسي، حيث بدأ تفاعله مع حضارتها منذ القرن التاسع الميلادي، واستمر بأشكال مختلفة حتى اليوم. تختار المقالة القرن التاسع عشر، وتتبع في السطور التالية انعكاس التأثير الإسلامي على الأدب الروسي: بدءاً بترجمات القرآن إلى الروسية، وانتهاء بكتابات عدد من أبرز الشعراء والأدباء الروس الذين كان تواصلهم مع الثقافة العربية والإسلامية مباشراً وقوياً. كما تقدم الدكتورة مكارم الغامري، أستاذة الأدب الروسي والعميد السابق لكلية الألسن في جامعة عين شمس، في كتابها "مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي"، بدأ الاحتكاك العميق بالثقافة العربية في العصر الحديث، في القرن الـ18 بناء على مبادرة من القيصر بطرس الأول، أو بطرس العظيم، قيصر روسيا الخامس، الذي حكم من 1682م حتى وفاته في 1725م، والذي كان يعتبر أنجح حكام روسيا عبر تاريخها، والمسؤول عن تحويلها إلى إمبراطورية. بمباركة من بطرس الأول، تأسست أول مطبعة بالحروف العربية على يد أنتيوخ كانتيمير (1708م–1744م)، الذي كان يعتبر أشهر المفكرين والدبلوماسيين في عهده. وفي هذه الفترة، بدأت ترجمة القرآن إلى الروسية تأخذ حيزاً من الانتشار في الأروقة الثقافية في البلاد، لتبدأ على أثرها موجة من التأثر المباشر بالثقافة الإسلامية.

القرآن في روسيا

في لقاء مع رصيف22، تشرح الدكتورة مكارم الغامري، أنّ الترجمة الأولى للقرآن إلى الروسية ظهرت في عام 1716م، في عهد القيصر بطرس الأول، حيث أنجز تلك الترجمة "بوسنيكوت" نقلاً عن اللغة الفرنسية، التي قام بها المستشرق الفرنسي "دي يوري" عام 1674م. وفي هذا السياق تذكر الدكتورة دينا محمد عبده أستاذة الأدب الروسي في ورقة بحثية نشرتها بمجلة "الرواية" الأدبية والتي تصدر عن الدار المصرية للطباعة والنشر، أن تلك الترجمة أعقبها ترجمات عديدة للقرآن وكان أغلبها نقلاً إلى الروسية عن الفرنسية، ومنها ترجمة ميخائيل فيريوفكين 1790م والتي تعرف من خلالها أمير شعراء روسيا ألكسندر بوشكين على القرآن. كما أعقب تلك الترجمة ترجمات أخرى، منها: ترجمة ألكسي كولماكوف عام 1972م، ونيقولايف عام 1864م، وسابلوكاف عام 1877م، لتأتي في النهاية ترجمة شيخ المستعربين الروس كراتشكوفكسي، وهي أول ترجمة أكاديمية علمية للقرآن من العربية إلى الروسية بشكل مباشر.

ويذكر الناقد السوڤيتي براجنيسكي في كتابه "ملاحظات في التركيبة الغربية الشرقية في الشعر الغنائي عند بوشكين"، أن القرآن أصبح مصدراً للتعبير عن الأفكار البطولية، والشجاعة الصلبة والنضال المنكر للذات في الفترة التي سبقت ما يعرف بحركة الديسمبريين (1825م). أما تشادييف الثائر الديسمبري والأديب الكبير، فقد ذكر في الجزء الثاني من الكتاب الذي حمل مؤلفاته وخطاباته، أن السيرة النبوية صارت بالنسبة للنخبة الروسية المثقفة ورواد الحركة الوطنية، نموذج القدوة الحسنة الصابرة على الرسالة، كما أكد على عظمة الرسول محمد الذي حمل لواء الدعوة الجديدة، حيث أوضح أن الفضل في ظهورها "الغليان الديني في الشرق". 

"آية مقدسة من القرآن... مخطوطة بالذهب"، عن عشق الشعراء الروس للقرآن ونبي الإسلام
كيف حملت آيات القرآن وسيرة النبي قيماً ثورية وأخلاقية ألهمت شعراء روسيا في القرن التاسع عشر
بحسب دراسة "الإسلام في روسيا والإسلام الروسي" (2012) للباحث فيكتور بوكاديف، أنّ أول الكتّاب الروس الذين تحدثوا عن الإسلام باحترام وإعجاب كبيرين كان الشاعر جافريلا ديرزهافين (1743م ـ1816م)، الذي عاش في طفولته في بيئة مسلمة في مدينة قازان الروسية. رغم أنه من أوائل من عبروا عن فهم عميق للإسلام، إلا أنّ الشهرة الأكبر كانت لأمير الشعراء بوشكين.

ألكسندر بوشكين، هكذا تأثر أمير شعراء روسيا بالقرآن

قال الأديب الروسي العالمي دستويفسكي في أعماله الكاملة الأتي "كل الكوكبة الحالية من الأدباء تعمل على هدى بوشكين، ولم تصنع الجديد من بعده، فكل البدايات كانت منه، أشار بها علينا، ونحن صنعنا أقل مما أشار به علينا". وتقول مكارم الغامري لرصيف22 أن ألكسندر بوشكين يعد شمس الأدب الروسي وبداية البدايات، وأن تأثره بالشرق والإسلام يعود إلى عدة أسباب، منها أنه عاصر فترة ازدهار الاستشراق في روسيا، وأنه قرأ القرآن في ترجمة ميخائيل فيريوفكين 1790م ، ولكن هناك سبب أخر وهو أصول بوشكين الإفريقية والتي كانت دافعاً كبيراً لغوصه في أعماق الشرق. 

يذكر أن بوشكين له في الأساس أصول إفريقية، تعود إلى إثيوبيا، وأنّ جد والدته كان يدعى إبراهيم هانيبال، عثر عليه وهو بعمر الـ8 سنوات، وتم اقتياده إلى تركيا ومن هناك اشتراه سفير روسي أهداه إلى القيصر بطرس الأول، واقتناه القيصر على عادة النبلاء في ذلك الوقت. سرعان ما وضع بطرس الأول ثقته في إبراهيم وكان يوكل إليه الكثير من المهام وأرسله للتدريب العسكري في فرنسا، ثم عاد إلى روسيا ونصّب بمرتبة جنرال في الجيش الروسي، ونال من الأوسمة ما لا يناله الكثير من الروس، وقد تمكن عالم الأنثروبولجي أنوشتين من إثبات هذا النسب في التسعينيات. كل هذا جعل بوشكين يحنّ إلى الشرق، وتذكر الغمري أنه خلال إقامة بوشكين في أوديسا توطد العلاقة بينه وبين بحّار مصري يدعى علي، وكان هذا في سنة 1823م، ويذكر بوشكين تلك الفترة بأنها مصدر "المتعة الوحيدة"، ويقول عن علي "من يعرف فربما جدي وجده من أقرب الأقارب". تأثر أمير شعراء روسيا بالقرآن والسيرة النبوية بشكل كبير وأخرج للمكتبة الروسية والعالمية قصيدتين الأولى حملت عنوان "محاكاة القرآن" والثانية "الرسول"، فقصيدة محاكاة القرآن كتبت في 1824م والرسول كتبت في 1826م. تتحدث قصيدة الرسول عن الصعاب التي واجهت نبي الإسلام قبل نشر الدعوة، وهو ما تلامس مع الحس الثوري الذاتي عند بوشكين، ليتناول ما حدث في غار حراء وليلة القدر في صورة شعرية أسقطها على نفسه. فعندما كتب بوشكين عن النبي، إنما كان يرى فيه رسالة عظيمة كالتالي يحملها إلى روسيا، ورأى في صفاته كقائد عسكري ما حمله على الإعجاب به، متلامساً مع سيرة جده إبراهيم هانيبال اليتيم الذي كافح حتى أصبح من أعظم القادة العسكريين في جيش القيصر الروسي. تجدر الإشارة إلي أن دوستويفسكي وقف خلال حفل افتتاح النصب التذكاري لبوشكين في 1880م، وقرأ تلك القصيدة "بانفعال وتوتر حتى بات من الصعب سماعه". أما قصيدة "محاكاة القرآن"، فقد حملت الكثير من الجدل بداية من ترجمة عنوان القصيدة مروراً بالترجمة التي استند عليها بوشكين في محاكاته، ففي حديث مع رصيف22، أبدى أستاذ الأدب الروسي، الدكتور محمد الجبالي، اعتراضه على ترجمة عنوان قصيدة بوشكين إلى "قبسات من القرآن" مؤكداً أن الترجمة الحرفية الأدق لها هي "محاكاة القرآن". وعن هذا تقول مكارم الغمري أنها اختارت في كتابها "مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي"، أن تستخدم عنوان قصيدة بوشكين كـ"قبسات من القرآن"، في حين أكدت أن الترجمة الحرفية هي "محاكاة القرآن"، ولكنها فضلت الترجمة الأولى لأن وقعها خفيف وغير صادم على القارئ. وعن التركيب البنيوي للقصيدة، فهي مكونة من تسع قصائد غير معنونة اعتمد بوشكين على ترقيمها فقط، وتشير الغمري أن القصائد تم استلهامها من القرآن مباشرة، فكما يشير الدكتور ممدوح أبو لوي، في دراسته "مؤثرات الأدب العربي في أدب بوشكين"، "فعلى سبيل المثال استلهم بوشكين القصيدة الخامسة من سورة لقمان والقصيدة السادسة من سورة الفتح والقصيدة التاسعة من سورة البقرة". ويسترعي الانتباه أن القصيدة الثانية أعلى فيها بوشكين من قيمة العفة وحشمة المرأة في القرآن، فقد أتى على ذكر الحجاب وآدابه مستنداً إلى سورة الأحزاب والنصح بعدم الاتجاه إلى تبرج الجاهلية الأولى، وتشير الغمري، أنّ سبب هذا تجاوبه مع نفور بوشكين من البهرجة والتبرج السائد في طبقته الأرستقراطية، وميله إلى النموذج الإسلامي للعفة. كما يذكر فيكتور بوكاديف أن دوستويفسكي قال جملته الشهيرة عن تلك القصيدة: "ألا نرى فيها كاتباً مسلماً؟ ألا نستشف فيها الروح الحقيقة للقرآن والسيف والعظمة والقوة والإيمان الثابت؟"

ميخائيل ليمرنتوف خليفة بوشكين وعشقه للإسلام

يعتبر ميخائيل ليرمنتوف ثاني أعظم الشعراء الروس بعد ألكسندر بوشكين، كما أنه يعد خليفته في الشعر الروسي بحسب النقاد، ويشير أستاذ الأدب الروسي محمد الجبالي لرصيف22، أنّ تأثر ليرمنتوف بالإسلام جاء نتيجة احتكاكه بسكان منطقة القوقاز المسلمين.


أما مكارم الغمري فتشير إلى أنّ الشاعر ارتحل عدة مرات إلى القوقاز لأسباب علاجية، حيث كان يقصد الاستشفاء بالمياه المعدنية في تلك المنطقة، وهناك من خلال تعامله مع مسلمي القوقاز تعرف على الأعياد والمناسبات الإسلامية، منها عيد الأضحى، ويذكر ذلك الناقد الروسي مانويلوف الذي كتب "في عمر العاشرة، تعرّف ليرمنتوف على هذا العيد من أحاديث الكبار". نهاية ليرمنتوف جاءت كنهاية أستاذه؛ فبوشكين مات في مبارزة، وكذلك ليرمانتوف، مات أيضاً في مبارزة وعمره 27 عاماً. وعن هذا تذكر الغمري لرصيف22، أنّ ليرمانتوف عاش في قرابة روحية مع الإسلام حتى أنّه عبر خلال رسائله إلى صديقه كرايفسكي أنه يرغب السفر إلى مكة موطن الرسول ومهد الإسلام. وظهر تأثُّر ليرمنتوف بالإسلام والقرآن في العديد من القصائد منها قصيدة "ثلاث نخلات" والتي رأي فيها النقاد تقاطعاً مع القصيدة التاسعة لبوشكين "محاكاة القرآن"، والتي تأثر فيها بوشيكن بسورة البقرة. كما تشير دينا محمد عبده، إلى أنّ تأثر ليرمنتوف بالإسلام ظهر في قصائد عديدة منها "فاليريك"، وقصيدة "الرسول"، و"إبليس"، وقصيدة "هبات التركي"، وتدلل الغمري على تبجيل ليرمنتوف للقرآن في "هبات التركي"، مستشهدة بالبيت الذي قال فيه "آية مقدسة من القرآن ...مخطوطة بالذهب". عند دراسة أشعار ليرمنتوف والظروف الاجتماعية التي أحاطت به، نجد أنه مثل بوشكين، قد وجد في الإسلام والشرق قيماً أخلاقية تمتاز بالعالمية، تذوق فيها جمالاً روحياً خالصاً ساعده على إنتاج نوع من الأدب الواقعي المتلامس مع ظروف مجتمعه، فقد أجمع مع بوشكين على الجمليات الأخلاقية في القرآن، والمثال الثوري الذي يبحث عنه في شخص رسول الإسلام. 

ليو تولستوي، "إنسان الإنسانية" في حضرة الرسول

لقب تولستوي بـ"إنسان الإنسانية"، فلأدبه مذاق خاص يتلامس روحياً مع كل من يقرأه أياً كانت ديانته أو اتجاهه الفكري، عرف عنه اهتمامه باللغة العربية وقد آثر في مراحل دراسته المبكرة دراسة اللغة العربية والتركية، وقد تعرّف في صغره على الحكايات العربية التراثية مثل "حكاية قمر الزمان" وغيرها. وهذا ما تؤكده دينا محمد عبده، مشيرة إلى أنّ علاقة تولستوي بالأدب العربي تعود إلى 1882م؛ حيث نشر في ملحق مجلته التربوية "يا سانيا باليانا" بعض الحكايات الشعبية العربية.

أما عن الإسلام والشرق، فتقول مكارم الغمري لرصيف22، أنّ "تولستوي نظر إلى الشرق باعتباره المكان الذي ظل متمسكاً بالقيم الأخلاقية والعلاقة النبيلة مع السماء، وهو ما كان يفتقده في مجتمه، لذلك رأى فيه المخرج من الأزمة الأخلاقية التي كانت تعاني منها روسيا في ذلك الوقت"، وتؤكد على هذا من خلال كتبات تولستوى حيث أشار أنه كان يدرس البوذية، ورسالة محمد من الكتب، أما المسيحية فمن خلال الكتب والناس الأحياء المحيطين به. وتتابع الغمري لرصيف22 أنّ "تولستوي وجد في أحاديث الرسول صدى لأفكاره التي آمن بها وكان يدعو لها، ولهذا حظت سنّة الرسول مكانة خاصة لديه حتى أنه أصدر كتابه "أحاديث مأثورة لمحمد"، حمل بين دفتيه مجموعة من الأحاديث النبوية، والتي اختارها تولستوى بنفسه وأشرف على ترجمتها إلى الروسية وعلى مراجعتها والتقديم لها. ويشير تولستوى إلى أنّ مصدره في جمع الأحاديث هو ترجمة بالإنجيليزية لكتاب عبد الله السهروردي. 

عن الجمليات الأخلاقية في القرآن، والمثال الثوري الذي بحث عنه الشعراء الروس في شخص رسول الإسلام.

وتؤكد الغمري في كتابها "مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي"، أنّ تولستوى اختار أحاديث لا تتحدث عن طرق العبادة، إنما الأحاديث التي تحمل الجمليات الأخلاقية في الإسلام، منها العدل والعمل والسماحة والعفة. كما عقبت على ذلك بأن تولستوي كان قلباً كبيراً فياضاً بالتسامح وهذا ما تأكد في مرسلاته مع الإمام المجدد محمد عبده، حيث كتب في رسالته على أنهم يعبدون ديناً واحداً ملخّصه "الإيمان بالله وقانونه، وحب الأقربين، وأن تتمنى للأخريين ما تتمنى أن يصنعوه لأجلك"، متابعاً "إنني أخال أنّ كل المبادئ الدينية الصادقة تنبع من هنا".



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard