شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
ماذا تروي مذكرات زوجات الرؤساء السابقين عن

ماذا تروي مذكرات زوجات الرؤساء السابقين عن "اليوم الأصعب" في حكمهم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 5 أغسطس 201710:11 ص

"زوجي ضحية السلام"، تقول جيهان السادات. "كنا نسمع في القصر هتافاتهم المفعمة بالكراهية"، تتذكر فرح بهلوي صرخات الإيرانيين. زين العابدين بن علي اعترض على إطلاق النار على المتظاهرين، بحسب ليلى الطرابلسي. وتحية كاظم كانت تعد الأكل في المطبخ عندما عاد زوجها عن قراره بالتنحي.

حين تكون السير الذاتية للرؤساء العرب مكتوبة بأقلام زوجاتهم، لا يعود ممكناً البحث عن الحقيقة في ثناياها، ويصير المأمول من هذه الكتب الاطلاع على انطباعات الزوجات الخاصة عن اليوم الأصعب في حكم أزواجهنّ،

وهذا ما تكشفه سير أربع زوجات رؤساء، اثنان فارقا الحياة وهما لا يزالان في منصبهما، واثنان سقطا بفعل ثورتين شعبيتين.

جيهان السادات: "زوجي ضحية السلام"

"لقد قتل التهاون زوجي، لقد قتل الإهمال زوجي. إن حب أنور شخصياً للقوات المسلحة واعتقاده بأن المتطرفين المسلمين لن يتغلغلوا فيها ساعدا على قتل زوجي. وقفنا جميعاً لنراقب، "هذا غير معقول"، كانت تلك كلمات أنور الأخيرة إلى حسني مبارك، حين جرى بعض أفراد جيشه نحوه وهم يحملون الرشاشات التي تمطر الموت. وفي الحال نظرت إلى أنور وكان واقفاً مشيراً إلى حراسه وكأنه يقول: "إذهبوا وأوقفوا هذا"، وكان هذا آخر ما رأيت من زوجي".

هذا مما قالته جيهان السادات في الفصل الأول "موت زوجي" من مذكراتها بعنوان "سيدة من مصر" التي قدمت فيها صورة لتاريخ مصر منذ قيام ثورة 1952، حتى اغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات عام 1981، مروراً بزيارة السادات التاريخية للقدس واتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979.

تصف السادات في مذكراتها تفاصيل حياة زوجها قبل الذهاب إلى المنصة لحضور عرض عسكري بمناسبة "انتصار أكتوبر"، في السادس من أكتوبر عام 1981، وتقول: "كان أنور في ذلك الصباح شديد العناية بأناقته، وقد أعدّ للعرض سترة جديدة تليق بالأهمية الكبرى لهذا اليوم الجديد، وقد كان ذلك نابعاً من اعتزازه الشديد بالجندية وزهوه بزي ضباط الجيش".

كان السادات يشعر بأن موته بات قريباً. تقول جيهان: "دفن أنور في قبر على شكل هرم صغير، عبر ساحة العرض في مدينة نصر، حيث أطلق عليه الرصاص. كان هذا قراري وليس قراره".

وتقول إنها وزوجها كانا يتحدثان عن المكان الذي سيدفن فيه، "وخاصة في الشهور الأخيرة حيث شعر أن موته بات قريباً"، وتنقل عنه أنه كان يريد أن يُدفن في ميت أبو الكوم، أو عند سفح جبل سيناء عند دير سانت كاترين، حيث سيبني جامعاً ومعبداً يهودياً، باعتبار أن دفنه هناك "سيقول للناس إن جميع الأديان واحدة وأن الله واحد لنا جميعاً".

وتتابع: "كان الدفن هناك رمزاً خاصاً لأنور فقد كرس نفسه لاستعادة هذه الأرض التى استولت عليها إسرائيل في عهد عبد الناصر ومن سخريات القدر أن نجاح زوجي في هذه المهمة بالطرق السلمية كان هو ما حكم عليه بالموت".

تروي السيدة الأولى السابقة أسباب مقتل السادات من وجهة نظرها وتقول: "أدى الصراع الديني إلى زيادة معارضة الأقلية لقيادة أنور وبسبب السلام الذي حققه مع إسرائيل اتهم بالخيانة من جانب الجماعات المتطرفة وبعض قادة الدول العربية. ومن أجل حلمه بأن يقيم التوافق بين معتنقي المسيحية واليهودية والإسلام، وصف أنور بالكفر، وبسبب سياسة الانفتاح الاقتصادي تجاه الاستثمارات الأجنبية قيل إنه ألعوبة في يد الغرب".

وتشير جيهان إلى أنها اعتقدت في البداية، كما أشيع، أن زوجها فقط أصيب في يديه، لكنها بعد ذهابها إلى المستشفى علمت بوفاته وإصابته بثلاث طلقات.

وتصف الجنازة الخالية من حضور أي زعيم عربي فتقول: "سار موكب الجنازة الحزين وسار من خلفه المشيعون وقد صدمت وحزنت من عدم وجود أي زعيم عربي إلا الرئيس (جعفر) النميرى رئيس السودان ورئيس الصومال سياد بري اللذين جاءا ليقدما احترامها إلى أخ سقط".

وتعلق: "الإسلام يقول إن أية خلافات في هذه الحياة يصفيها الموت، إن واجب القادة العرب بصفتهم مسلمين كان تكريم وفاة واحد منهم، ولكنهم لم يفعلوا ذلك وسألت واحداً من الزعماء العرب في ما بعد لماذا؟ فأجاب: لأن (رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم) بيغن حضر الجنازة ولن أسير في جنازة يسير فيها رئيس وزراء إسرائيل. وكنت أعرف أن هذا كان مجرد عذر، إن غيابهم أصابني بجرح عظيم".

يوم عزل الشاه

تصف فرح ديبا، في كتابها "مذكرات فرح بهلوي"، يوم ترك زوجها الشاه محمد رضا بهلوي وأسرته إيران فتقول: "عندما أتذكر ذلك الصباح من يناير 1979 يعاودني نفس إحساس الحزن المؤلم بكل حدته. كانت طهران تعاني هجوماً ضارياً منذ شهور، اليوم السادس عشر من الشهر ونحن على وشك مغادرة بلدنا. من الناحية السياسية كنا مسافرين لقضاء بضعة أسابيع للاستجمام وهو الانطباع الذى أراد الملك أن يتركه، لم أستطع تصديق أن هذا الرجل الذي خدم شعبه طيلة سبعة وثلاثين عاماً ربما لا يسترد ثقته قريباً".

تقول بهلوي بأن زوجها لم يتمالك نفسه وسقطت دموعه في القصر حين توسله البعض للبقاء وتضيف: "رغم إعلان الأحكام العرفية، ينجح المتظاهرون كل ليلة في تحدي الجنود، ويتسلقون أسطح المنازل حتى صرنا نسمع ونحن في القصر، هتافاتهم المفعمة بالكراهية "الله أكبر والموت للشاه". قاد زوجي الطائرة طوال الوقت الذي حلقنا فيه فوق إيران وبمجرد أن تجاوز مجالها الجوي، تخلى عن جهاز القيادة وانضم إلينا في المقصورة. أصبحت حينها مدركة تماماً للهاوية التي يدفعنا إليها التاريخ".

لم تعترف بهلوي بأي خطأ ارتكبه زوجها وتعدد "إصلاحاته" السياسية والاقتصادية والثقافية وتقول: "خلال نصف قرن تم إنجاز الكثير ومهندسا هذا الانتعاش الهائل هما رضا شاه وزوجي. لم تكن البلاد من قبل في مثل هذا الموقف المطمئن الذي كانت عليه. عام 1974 ارتفع إنتاجنا من البترول الخام من 73 مليون طن في 1963 إلى 302 مليون طن، لتصبح إيران رابع أهم الدول المنتجة للبترول".

ولم تخل مذكرات بهلوي من تقديم الشكر لمصر التي استضافتها هي وزوجها وتقول عن لحظة علمها بمقتل السادات: "جزء مني مات في نفس الوقت. جزء منا أيها السادات العظيم، أود أن أخبرك كم كنت رائعاً، أباً لأطفالي وصديقاً لي، كنت قوياً مثل الجبل، وهادئاً مثل صفحة الماء. كانت عيناك مليئتين بحب الناس وتفهمهم، يا لها من خسارة لمصر والعالم ولنا، لقد لحقت بصديقك ونحن الآن أيتام للمرة الثانية".

تحية عبد الناصر

كتبت تحية عبد الناصر في مذكراتها "ذكريات معه" بلغة بسيطة لزوجة تقدر زوجها. وعن يوم قرار زوجها الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر التنحي عن الحكم بعد هزيمة 67، كتبت: "في يوم 9 حزيران/ يونيو ألقى الرئيس خطاباً، وكنت جالسة في الصالة كعادتي وقت إلقائه خطاباته أمام التلفزيون ومعي أولادنا، وسمعته وهو يعلن تنحيه عن الحكم، ورأيت الحزن على وجهه وهو يتكلم، ولم أكن أعرف أو عندي فكرة أبداً عن التنحي، لم تمض دقائق حتى علا صوت الجماهير حول البيت... وحضر الرئيس وصعد للدور الثاني ودخل حجرته وخلع بدلته ولبس البيجاما ورقد على السرير. انسد الشارع وتعذر الدخول إلى البيت".

وتضيف: "كنت أدخل للرئيس في الحجرة وأخبره عمن يطلب مقابلته. وقد سمح لعدد قليل بالدخول إلى حجرته، ثلاثة أو أربعة وأراهم يخرجون من عنده وهم ينتحبون، ثم قام وارتدى البدلة ونزل إلى الدور الأول ومكث معهم لوقت قصير. وصعد إلى حجرته مرة أخرى وخلع البدلة وارتدى البيجاما ورقد في السرير وأخذ مهدئاً وقال: سأنام".

تتذكّر أنها نامت حتى الصباح وقامت "وأصوات الجماهير والهتافات لم تنقطع وتعلو بشكل لا أقدر أن أصفه". خرجت من الحجرة وظل جمال عبد الناصر راقداً على السرير.

في العادة كانا يتبادلان تحية الصباح ثم تتركه ليقرأ التقارير ويجري الاتصالات "حتى يطلب الإفطار ويطلبني لأجلس معه".

كانت تحية عبد الناصر تعد أكلاً خاصاً للرئيس فدخلت ابنتها منى وقالت لها: أنور السادات يعلن في التلفزيون أن بابا رجع رئيساً

ولكن في ليلة التنحي، تروي: "لم أدخل الحجرة في هذا الصباح إذ كان يدخل عليه زوار فرادى، يمكثون وقتاً قصيراً ويخرجون، وهو في حجرته لم يغادرها. ووقت الظهر وجدت الحديقة من الخلف ترص فيها الكراسي صفوفاً، ووجدت الإذاعة والتلفزيون تجهزان في الحديقة، ورأيت مذيعاً من الإذاعة وفريقاً من الأخبار في التلفزيون، ونظمت الكراسي ووضعت منضدة أمام الصفوف. سألت: ما هذا؟ فقيل لي إن مجلس الأمة سيجتمع هنا. وكان ترتيب الكراسي والصفوف بشكل أدهشني وكأنها صالة مجلس الأمة في الهواء الطلق. فقلت في نفسي: لقد رأيت كثيراً من المواقف والمفاجآت الغريبة في حياتي، وها هي تختتم بمجلس أمة في البيت".

وتتتابع: "تركت الفراندة (الشرفة)، وكنت أعد أكلاً خاصاً للرئيس فذهبت لإكماله. فدخلت ابنتي منى وقالت: يا ماما أنور السادات - وكان في منصب رئيس مجلس الأمة - يعلن في التلفزيون أن بابا رجع رئيساً للجمهورية وأنت يا ماما هنا؟ فذهبت للصالة، كل هذا والرئيس في حجرته لم يخرج منها. دخلت الحجرة ووجدته راقداً على السرير. ولم أقل شيئاً".

ليلى بن علي: خرج التونسيون احتفالاً

اختارت ليلى الطرابلسي أن تبدأ سرد مذكراتها بعنوان "هذه حقيقتي" بالفصل الأخير، آخر يوم في حكم زوجها زين العابدين بن علي، واللحظات الأخيرة لهم في تونس قبل أن تطوي الثورة التونسية صفحة حكمهما إلى الأبد.

وتقول: "يوم 13 جانفي (يناير)، قرر بن علي أن يتوجه بخطاب إلى الشعب على أمل أن يعيد الهدوء. سأكتشف ذلك اليوم - مساء الخميس - ككل المشاهدين تصريحات الرئيس التي تدعو إلى المصالحة والتعقل والالتزام من الرئيس بعدم الترشح في انتخابات سنة 2014، وأن يكرس التعددية الحزبية، ويحترم حكم صندوق الاقتراع وحرية التعبير".

وتضيف: "أعجبني خطاب الرئيس مثل العديد من المواطنين الذين خرجوا في مختلف الولايات معبرين عن فرحتهم به. ادعى البعض أن الزغاريد ومظاهر الفرح ما هي إلا مسرحية من تنظيم التجمع. هذا غير صحيح فهؤلاء هم مواطنون من عامة الشعب خرجوا بتلقائية  وعفوية. التجمع كان عاجزاً عن تنظيم أي شيء في تلك الليلة".

تصف بن علي الثورة بالانقلاب المدبر في مذكراتها، وتعفي زوجها من مسؤولية الدم الذي سقط في سبيل المطالبة بالحرية وتقول: "يكفي أن نستمع إلى آخر مكالمة للرئيس مع وزير الداخلية رفيق الحاج قاسم قبل رحيله. بن علي قال بالحرف: شرطتك تطلق النار بسهولة. لقد سمعت بسقوط قتلى وهذا غير مقبول! فرد الوزير: أعوان الشرطة كانوا في حالة دفاع شرعي عن النفس، سيدي الرئيس ضع نفسك مكانهم، هاجموا مراكزهم وسرقوا أسلحتهم، وأرادوا قتلهم. هم مجبرون على الدفاع عن أنفسهم".

وكشفت بن علي أن وجهتهما إلى السعودية كانت محددة مسبقاً، وقالت في مذكراتها: "لم نستطع تصديق السيناريو الذي رسم لنا بعناية، فخلال عدة أيام كنّا نعتقد بأن الأمر يتعلق بتضليل من جهة ما، أو بفترة سيئة ستمر، وأننا سنعود من جديد إلى بلدنا".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image