لم يهنأ الصحافي النقابي وليد صلاح بالنوم في منزله بمنطقة شبرا الخيمة خلال الأيام الأخيرة، فمنذ توسيع حملة الاعتقالات الأمنية على معارضي اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية أصبح منزله مزاراً للمباحث لمراقبة تحركاته دون سند قانوني واضح.
كان صلاح، الذي يعمل في إحدى الصحف الخاصة، عائداً لتوه عقب يوم عمل شاق، فأبلغه جيرانه بانتشار مجموعات المباحث ورجال يرتدون ملابس وأقنعة سوداء ظلوا يراقبون شرفة منزله لفترة طويلة، فهرول سريعاً لجمع أغراضه من ملابس وأوراق شخصية وحاسوبه، مقرراً المغادرة للابتعاد عن أعين البوليس.
لم يتلقّ صلاح إخطاراً بالضبط والإحضار على ذمة قضية التظاهر ضد "سعودية تيران وصنافير"، لكنه يعيش الآن مهدداً بعيداً عن منزل زوجته وابنته الصغيرة، وعن الواقع الافتراضي أيضاً بعدما أغلق حسابه على فيسبوك.
"لست خائفاً من الاعتقال لكن أخشى أن تشاهدني ابنتي، أربع سنوات، في قبضة الرجال المقنعيّن في إحدى حملات زوار الفجر"، يقول صلاح لرصيف22 في حديث هاتفي.
لا يزال صلاح مواظباً على الحضور إلى مقر عمله بمنقطة غاردن سيتي، إلا أنه قلل من ظهوره في الأماكن التي اعتاد ارتيادها يومياً مثل نقابة الصحافيين والمقاهي المحيطة بها. ويقيم حالياً في منزل أصدقائه، لحماية زوجته وابنته وأهله من التعقب الأمني.
ينتمي الصحافي الشاب إلى شريحة النشطاء الهاربين من شبح الاحتجاز في ظل الإجراءات الأمنية المشددة التي تتبعها وزارة الداخلية المصرية مع كل مَن له موقف سياسي أو مهني من اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، التي تنتقل بموجبها السيادة على جزيرتي تيران وصنافير للمملكة، إذ اتسعت دائرة الملاحقات لتشمل الحزبيين والصحافيين والمحامين. بعضهم يُحتجز وآخرون يتعرضون للمضايقات والمراقبة.
"ولما كان للاعتقال رهبةٌ في نفوسنا جميعاً، فإن هذه الرهبة تكون كبيرة خاصةً عند من لم يُقبض عليهم من قبل". جملة بدأ بها الإعلامي البارز يسري فودة مقدمة كتاب "سجنك ومطرحك... دليل القبض والتحقيق والسجون"، الذي نشرته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أخيراً، ورصد فيه تجارب النشطاء من خلف القضبان.
[caption id="attachment_112420" align="alignnone" width="700"] وليد صلاح[/caption]
يعلم صلاح أن مشاركته في الاحتجاجات التي احتضنتها نقابة الصحافيين في شارع عبد الخالق ثروت بمنطقة وسط البلد، تُعدّ سبباً واضحاً في متابعته أمنياً. فعلى مدار عام كامل كانت النقابةُ المسرحَ الوحيد للأحداث السياسية في مصر، بعد إغلاق الميادين في وجه المعارضين، ويقول: "هي ضريبة العمل تدفع بنفس راضية في مهنة ومناخ عام سلبي، لكن لا أريدها بإهانة أمام ابنتي الوحيدة".
"لست مزعجاً للسلطة إلى هذه الدرجة، أنا شخص عادي سلاحي هو قلمي وانتمائي الوحيد لكيان نقابة الصحافيين ولم أنضم لأى حزب سياسي"، يضيف صلاح.
في منزل صلاح يسيطر الخوف ويفرض تفاصيله على الأسرة الصحافية الصغيرة. تتحسس زوجته نادية مبروك، الصحافية بالجريدة نفسها، الأصوات والحركات الغريبة التي تجري في محيط بيتها كلما زارها وليد للاطمئنان عليها وعلى ابنته. تقول: "وليد ترك البيت منذ حملة الاعتقالات، وحين يأتي إلينا أرتعب كلما سمعت صوتاً في الشارع".
محمد سالم... الحياة تحت عينَي الرقيب
يضطر محمد سالم، عضو المكتب السياسي بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، إلى تغيير كلمات مرور بريده الإلكتروني وحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل دوري، وفي أحيان أخرى يلجأ إلى حذفها تماماً، بغرض التصدي لمحاولات اختراقها التي تكررت كثيراً معه في الآونة الأخيرة. هذا نموذج من التدابير التي يتبعها سالم، 24 عاماً، لفرض سياج من الخصوصية على نشاطه الإلكتروني، في محاولة لتخفيف درجة التعقب الأمني لكومبيوتره وهاتفه، إذ يشير إلى أنه رصد محاولات للدخول إليها من مناطق تقع فيها مقار الأجهزة الأمنية. [caption id="attachment_112418" align="alignnone" width="700"] محمد سالم[/caption] لكن ما يؤرق سالم هو وضع مكالماته تحت المراقبة المستمرة، فيؤكد أنه يشعر أن شخصاً ثالثاً يرافقه طوال المكالمة، يقول: "حياتي الشخصية تحت تصرف المراقب، أخشى أن أسمع تسريبات لي عبر التلفزيون، لذا أتجنب حالياً الحديث عن أي شيء عام أو خاص عبر الهاتف". كان سالم يتحدث لرصيف22 من أحد مقاهي وسط البلد، بينما لا يتوقف عن مطالعة الأخبار المتناثرة عبر الشبكة العنكبوتية عن مداهمة منازل النشطاء في محافظات مختلفة، ورصد أية محاولات جديدة لاختراق بريده. ويتحدث القيادي بالمصري الديمقراطي عن أشكال التدابير الأخرى في حياته، فيوضح أن الحملات الأمنية المستمرة تدفعه لعدم الوجود كثيراً في منقطة وسط المدينة. "غادرنا الشقق التي نستأجرها بالقرب من وسط البلد، كما نحرص على عدم الجلوس في المقاهي التي نعلم بانتشار المخبرين فيها وعمل أصحابها لصالح الأمن".الصحافي وليد صلاح يترك منزله خوفاً من زوار الفجر... وسالم يعيش في هامش التدابير الاحترازية
"حد ضامن يمشي آمن أو مآمن يمشي فين"... قول لأحمد فؤاد نجم يلخّص حالة الهاربين من تعقب الأمن في مصريحرص سالم أيضاً على عدم حمل كتب سياسية في المواصلات العامة خشية من توقيفه بتهمة الترويج لأفكار معارضة لنظام الحكم. يتذكر أن أحد أفراد المباحث استوقفه داخل مترو الأنفاق حينما كان يحمل كتاباً لهيلاري كلينتون، لكنه أفلت من هذا الموقف بهذه الطريقة: "قلت له هيلاري دي زوجة رئيس ريال مدريد". وانتشرت ظاهرة "حملة الكتب" في العامين الماضيين، أبرزها واقعة ضبط الجهات الأمنية طالباً يحمل كتاب 1984 لجورج أورويل، بدعوى التحريض على النظام. الحاسة الاحترازية التي يتعايش معها سالم تصل أوجها في مواعيد الدعوات للتظاهرات وإحياء ذكرى الثورة في 25 من يناير في كل عام، حين تنشط الأجهزة الأمنية لفرض كلمتها على منطقة وسط المدنية، بؤرة التظاهرات قديماً. غير أن سالم لا يأبه لتلك التدابير حينما يمسك هاتفه ويدوّن مواقفه إزاء المشهد العام في مصر، يقول: "أكتب على صفحتي بما يمليه علي ضميري بحرية تامة، فلا أميل للتجاوز في الانتقاد بقدر تسجيل موقفي مما يحدث حولي". يعلم الشاب أن رصيده الإعلامي والسياسي كواحد من الرموز الشبابية المعارضة لا يمثل أية حصانة له. "لست بعيداً عن الاحتجاز الأمني، فالمشاهير يرافقون المجهولين خلف الجدران دون تفرقة، لكن بالطبع أريد أن أكون حراً لمواصلة عملي الحزبي".
شريف الروبي... النشاط "الأبريلي"
"الخوف لم يتسلل إلى دماغي لكن أسرتي هي مصدر قلقي الوحيد"، يقول شريف الروبي، عضو حركة 6 أبريل. ربما يختلف وضع الروبي عن الحالات الأخرى التي تتوجس من الاقتراب إلى حافة السجن، فالناشط الأبريلي يبدو متصالحاً مع فكرة المطاردة إلى حد كبير، ويربط مصيره بأمان زوجته وأبنائه الثلاثة. لا يعبأ كثيراً بالرسائل التي يتلقاها عبر وسطاء بوضع اسمه على قائمة المطلوبين للتحريض على التظاهر. اعتاد الروبي أن يحل ضيفاً على مبنى جهاز الأمن الوطني من حين لآخر، بغرض استجوابه بشأن المنشورات المعارضة التي يتداولها على صفحته الشخصية ودعوته للتظاهر بشكل مستمر، وهي زيارات تركت انطباعاً لديه بأنه سيظل ضيفاً على أقسام الشرطة والسجون. [caption id="attachment_112419" align="alignnone" width="700"] شريف الروبي[/caption] وتعرض الروبي للحبس مرتين خلال العام الفائت قبل أحداث الذكرى السادسة لثورة 25 يناير، والاحتجاجات المصاحبة لرفض اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية. لا يخفي القيادي في 6 إبريل قلقه من التعقب الأمني لكومبيوتره أو مراقبة هاتفه، لكن اقتناعاته تبقى دليله: "دائماً ما ينصحني ضباط أمن الدولة بإيجاد فرصة للعمل خارج البلاد أو العيش تحت الضغوط في صمت وإلا لا ألوم إلا نفسي". على المستوى المهني، تبقى بصمة الأمن في حياة شريف الروبي واضحة. تسبب نشاطه في إيقاف أنشطة تجارية مختلفة له يوضحها: "الأمن أغلق 4 محالّ بيتزا خاصة بي بتعطيل إجراءات التراخيص في البلدية، ورفض صديق لي عملي معه في شركة توظيف عمالة للخارج لأنني مدرج باستمرار على قوائم الداعين للتظاهر". لا يحتاج الروبي إلى النظر حوله على المقاهي أو التحقق من محاولات اختراق أجهزته الإلكترونية كي يتذكر باستمرار المطاردة، وتبقى قلة حيلته في العمل شاهداً على القيود المفروضة عليه.مالك عادلي... العمل السياسي جريمة
"حد ضامن يمشي آمن أو مآمن يمشي فين"... من قصيدة "كل عين تعشق حليوه" لشاعر العامية أحمد فؤاد نجم. أمام المشاعر القلقة التي يحملها المشاركون في العمل السياسي في أقسى لحظاته بمصر، تتشكل كتائب من المحامين المتطوعين لدعم المعتقلين سواء بالانتشار على أقسام الشرطة والنيابات لحضور التحقيقات مع المقبوض عليهم، أو دعم مَن هم في الخارج وينتظرهم المصير نفسه. "الأجهزة الأمنية تتعامل على أساس أن العمل السياسي جريمة لا تغتفر وتستحق العقاب عليها، لذا لا يوجد أحد أياً كان بمنأى عن الاعتقال"، يقول المحامي الحقوقي مالك عادلي الذي يتبنى ملفات عدد من قضايا المعتقلين في قضية الجزيرتين، والتي شهدت احتجازه هو الآخر بضعة أشهر على ذمة القضية ذاتها. بالنسبة لعادلي، لا يستطيع أحد أن ينجو من المراقبة الأمنية لكن يمكن السعي إلى تقليل حجم الخسائر الناجمة من وراء هذا. يقول: "ننصح دائماً بالتقليل من استخدام الهواتف الذكية السهلة التتبع والاختراق وعدم الاحتفاظ بمبالغ كبيرة في المنازل أو بأية منشورات سياسية، والابتعاد عن المنزل بقدر المستطاع في أوقات الخطر". يعلق عادلي على إرفاق مطبوعات المنشورات الفيسبوكية ضمن محاضر النشطاء في الفترة الأخيرة: "ضروري أن يحضر محامٍ في مثل هذه التحقيقات لأنها تتطلب الإلحاح على النيابة لإثبات أنك المستخدم للحاسوب. يمكن أن تتنصل منها". رغم جهود الكتائب الحقوقية إلا أنها تواجه أزمة الملاحقات الأمنية، فلم تسلم فئة المحامين من المطاردات، وآخرها ضبط المحامي طارق تيتو الذي يتبنى الدفاع عن عدد من الشباب. يرى عادلي أن الحكومة المصرية تتبع إستراتيجية استنزاف قطاع المهنيين بشكل عام سواء المحامين أو الصحافيين، لأنهم اتخذوا موقفاً سلبياً من وجهة نظرها في قضية تيران وصنافير، تجلت في الجولات القضائية التي شارك فيها عادلي مع خالد علي لإثبات مصرية الجزيرتين واحتضان شارع النقابات بوسط المدينة الاحتجاجات. لذا من الطبيعي أن يدفعوا الفاتورة الأكبر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع