شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
رواية

رواية "كان غداً"، بيروت التي توشك على الانفجار

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 23 يونيو 201701:58 م
في روايته الرابعة "كان غداً" يحاول الروائي اللبناني "هلال شومان" رسم صورة لبيروت الموشكة على الانفجار. تقترب منه إلى درجات مخيفة مراراً ولكنها لا تصل إليه، فتظل محتفظةً بنظام "السلم" الذي تعيش فيه، رغم فشله. هكذا، يتحوّل كل شيء في الواقع إلى صورة متضخمة عنه في الرواية، وتصبح الأجواء الكابوسية هي المسيطرة: حوادث موت فجائي وغريب تتزامن مع ظهور عربات غاز في بعض الأحياء، موت قطط بأعداد كبيرة دون أسباب، غزو الحشرات لبيوت المدينة بشكل مبالغ فيه، حالات انتحار متزايدة، تلوث في مياه الشرب، ظهور حيوانات مفترسة في الشوارع، انفلاتات أمنية وانفجارات عديدة، حوادث سير غريبة، وموت أطفال رضّع في المشافي... إننا أمام مدينة تنهار تدريجياً، شبح الحرب يخيّم عليها ويقضّ مضجعها. يلعب "شومان" على السخرية من كل شيء، السخرية في تضخيم الأحداث المأساوية حتى لتبدو كأنها أشبه بكاريكاتور، واللعب عليها بتصوير حدث كابوسيّ ما والإيهام بأنه نتج عن سبب معيّن، ثم الكشف عن سبب حقيقي مختلف كلياً. السخرية من كلام أصحاب القرار وأفعالهم المتكررة إثر كل حدث، السخرية أيضاً من ادعاءات الحفاظ على حالة السلم وإبعاد الخطر المظلم الآتي من وراء الحدود بإرسال الشباب للقتال هناك. تبلغ السخرية والفكاهة مداها بحملة "ما تحلق لبلدك" التي تقوم بها ثلاث فنانات، يقمن بحلق شعورهن بعد إلقائهن خطابات حول الوحدة الوطنية، والوقوف ضد التحديات التي تواجه البلد، ودعم المؤسسات الرسمية. "تفاجأ اللبنانيون بقطع أربع قنوات تلفزيونية خاصة لبثها البرامجي الأرضي، ونقلها لبث مباشر جمع الفنانات الشهيرات الثلاث: رايا وكنزي وأنيسا. وظهرت الفنانات في كامل أناقتهنّ، وقمن بداية بتحية المشاهدين، قبل أن تلقي كل منهنّ خطاباً قصيراً بالعامية. وبعد الانتهاء من الخطابات، توسع كادر التصوير فجأة ودخل ثلاثة من أهم مصففي الشعر في لبنان، ليقفوا وراء الفنانات الثلاث، ويقوموا بحلق شعورهن بالماكينات". هكذا، تقدّم الرواية كل التراجيديا الممكنة على طبق من سخرية مجنونة تغامر بحمل الفضاء العام للرواية: مدينة بيروت في الأعوام الأخيرة الماضية أو الأعوام القليلة القادمة ربما، وفي هذا الفضاء تتحرك مجموعة من الشخصيات مشكّلين بتفاعلهم - مع بعضهم ومع المكان الذي يعيشون فيه - الخيط الذي سيشد ما تفرّق من أخبارٍ وحوادث غريبة تجري في المدينة فتغيّر أقداراً وترسم مصائر.
تنجح “كان غداً” في رسم بيروت بكل العنف الذي يجتاحها، بكل الضجيج الذي ينهش ساكنيها وبكل العطب الذي يطالهم
تنبش الرواية في عمق العلاقات الإنسانية وتعقيداتها، وبالأخص الشخصيات التي تعيش علاقات مرتبكة، فـ"خالد" الذي ما زال عالقاً في تلك المنطقة التي تلي الفراق، يبحث عن أسباب لما حدث مع "سهى"، لماذا وصلا إلى النهاية وتطلقا؟ ولكنه لا يعثر على أجوبة يقينية. وفي غمرة أحاسيسه تلك، يلتقي بـ"ريم" الباحثة أصلاً عن خلاصٍ من علاقتها بمدير عملها الذي يمارس الجنس العنيف معها. على الطرف الآخر، تبوح "سهى" لصديقهما المشترك "روجيه" بأسباب الطلاق: إجهاضين متتالين، علاقة جنسية مضطربة مع زوجها، ثم لقاءٌ بوالده وسماعها حكايته، كل ذلك جعلها تدرك أنها غير مناسبة له، "إن استماعي لقصة الأب والأم جعلني أفهم خالد أكثر. عرفت عندها أن عليّ إنهاء علاقتي به فوراً". سرّع في اتخاذها القرار حملها من شاب آخر التقته في إحدى رحلاتها إلى لندن، "قلت سأنتظر، لأن جسمي سيجهض الطفل كما في الحملين السابقين. جسمي لم يفعل! ويوماً بعد يوم، تأكدت. جسمي لا يقتل الأطفال. جسمي يقتل أطفاله فقط". تحضر الحرب الأهلية اللبنانية في الرواية وفق مستويين: المستوى الأول - المباشر - في حكاية "ضرغام" الرجل العجوز الذي يروي لخالد عن "جانيت خوري"، المرأة التي أحبها في شبابه وتزوج منها لكنها تركته ورحلت بعد هروب ابنها أيام الحرب، فصار يبحث عنها حتى أعياه البحث، وهو الآن بعد مرور كل تلك السنوات يطلب من جاره الشاب أن يساعده في إيجادها.

رواية تلعب على السخرية من كل شيء... وهل يمكن للبنانيين أن يواجهوا عبث ما يعيشونه بغير السخرية؟

"كان ينبغي لي حينها، قبل أن أصعد للمرة الأخيرة إلى منزل سوق الغرب، أن أعرف أن قصتي لن تنتهي إلا بعد أن أفقد كل شيء. حتى جانيت كان عليّ أن أفقدها. لكن هل فقدت كل شيء فعلاً فقداناً نهائياً؟ هل انتهت القصة فعلاً؟". وأما المستوى الثاني الذي تحضر فيه الحرب الأهلية، فيتمثل في شبحها، في ترقبها والخوف من عودتها، ما يدفع بالجميع إلى الرغبة في الإبقاء على "السلم"، رغم كل الفشل الذي يعتريه. يتلخص كل ما يمكن قوله في هذا المستوى، في مقطعين سرديين تتضمنهما الرواية، كلاهما جاء تحت عنوان أول موحّد: "مقالة رئيس التحرير"، وعنوان ثانٍ مختلف، حمل المقطع الأول عنوان "ملل"، وجاء فيه ما يشير إلى عنوان الرواية: "لقد فعل الشباب فعلتهم في الشارع نفسه الذي اندلعت منه شرارة الحرب اللبنانية، وهذا يدلل من جديد على حقيقة واحدة: الأمس هو اليوم، والخوف أن يبقى الأمس هو المستقبل!"، وحمل المقطع الثاني عنوان "أمل"، وجاء فيه ما يتوهمه البعض أنه الحل لإبعاد شبح الحرب: "تلك هي المفارقة! وعلى عكس ما يعتقده كثيرون غرقوا في حقد الحسابات الطائفية الضيقة، فإن الوضوح الذي لجأ إليه بعض الشباب اليافعين، بالذهاب وراء الحدود لإبعاد الخطر المظلم الآتي من هناك، هو بصيص الأمل الوحيد لبقاء هذا البلد!". تنجح الرواية في رسم بيروت بكل العنف والكابوسية اللذان يجتاحانها، بكل الضجيج الذي ينهش أرواح ساكنيها، وبكل العطب الذي يطالهم. هلال شومان، روائي لبناني من مواليد 1982. صدرت له أربع روايات: "ما رواه النوم"، "نابوليتانا"، "ليمبو بيروت" (ترجمت إلى الإنكليزية)، و"كان غداً". الناشر: دار الساقي/ بيروت عدد الصفحات: 384 الطبعة الأولى: 2017
يمكن شراء الرواية من موقع نيل وفرات.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image