على ورقة صغيرة، ترك إمام مسجد السيدة زينب في القاهرة رقم هاتفه معلقاً على أحد الجدران الملاصقة لضريح "أم العواجز".
طلب الدكتور أحمد البَهيّ، الذي تولى إمامة المسجد منذ شهرين، من الزوار والمصلين أن يتصلوا به في حال شاهدوا المتسولين يتجولون داخل ساحة المسجد.
من على منبره، وبعد انتهائه من إمامة صلاة العصر جلس على كرسيه الخشبيّ يخطب في المصلين.
بدأ حديثه عن قواعد الوضوء الصحيح، ثم تطرق إلى المياه التي تُهدر، لينتقل إلى الإهمال الذي يشهده المسجد بسبب ما وصفه سلوك بعض المصلين.
طلب منهم بشكلٍ مباشر أن يعينوا الإدارة على أمور النظافة، معتبراً أنها مسؤولية مشتركة بين المصلي وعمال المسجد.
فقد باتت نظافة المسجد الذي يضم ضريح حفيدة الرسول محمد، والذي يقصده آلاف المصريين كل أسبوع، شغل الإمام الشاغل.
فالإهمال الذي يتعرض له والوسخ الذي يحيطه لم يعدا خافيين على مرتاديه، عدا نتشار السرقات والتسول خارج وداخل حرمه.
فكيف وصل الأمر إلى ما آل إليه؟ وهل حقاً الإهمال سببه سلوك بعض المصلين فقط؟
مقام السيدة زينب
يتعلق المصريون بالمقامات ويهتمون بزيارة أولياء الله والأضرحة، التي يصعب تعدادها في المحافظات المختلفة. مقام ومسجد السيدة زين هو أحد أهمها. ففيما يعتبر معظم الشيعة في العصر الحديث أن السيدة زينب مدفونة في دمشق حيث يوجد لها مقام ومسجد بني بين ثمانينات وتسعينات القرن الماضي بحسب مجلة نيويورك ريفيو أوف بوكس، يعتقد أهل مصر أن حفيدة الرسول وإبنة الإمام علي، دُفنت في مصر، عند المقام الذي يقع داخل المسجد في وسط منطقة تعتبر اليوم شعبية وتحمل اسمها. كما تختلف المصادر في نسب بناء المسجد إلى حقبة معيّنة. "كل تواريخ الإنشاء الموجودة بالكتب وعلى الانترنت ليس لها قيمة"، يقول الدكتور مختار الكسباني أستاذ الآثار الإسلامية ومستشار أمين عام المجلس الأعلى للآثار السابق حديثه لرصيف22. مؤكداً أن تاريخ إنشاء المبنى الموجود حالياً يرجع إلى عهد الخديوي توفيق عام 1884، وهو التاريخ نفسه الذي ذكرته البوابة الإلكترونية لمحافظة القاهرة. وقد شهد المبنى أعمالاً توسعية كبيرة في عهد الملك فاروق عام 1942، لذلك كانت وزارة الآثار تتردد في تسجيله كأحد الآثار. يعتبر الكسباني أن مقام السيدة زينب أحد أهم المعالم الإسلامية لدى المصريين، ولفت إلى أن السيدة زينب حين جاءت للعيش بمصر لم تكن تُعامل كلاجئة، وإنما عاملها المصريون معاملة الأهل، لذلك فهناك علاقة خاصة بين أهل البلد وبين مقامها.تجد نفسك محاطاً بالقطط
رغم التغييرات التي طرأت على المسجد في معظم العصور، استطاع أن يحافظ على شكله الخارجي لعقود. أما من الداخل، فقد تغيرت أمور كثيرة، بعضها بسبب التوسعات، والبعض الآخر بسبب الإهمال. تدخل إلى ساحته الأساسية، وتنتقل إلى مصلى النساء، ترافقك في مسيرك رائحة مخلفات الهِرَرَة. ومع كل سجدة واقتراب من الأرض تجد الرائحة أكثر نفاذاً. تقترب من الزوايا والأعمدة، لتجد نفسك محاطاً بالقطط. "إحنا بنّضْف الوجهة الأمامية فقط كل يوم، لكن مش مهم المنطقة الخلفية"، يقول أحد عمال النظافة الذي يعمل لدى شركة المقاولون العرب، إحدى الشركات الخاصة المسؤولة عن نظافة المسجد، وهو ممسك بيد المُكنسة الكهربائية. نظرة واحدة على المنطقة الخلفية تؤكد كلامه: لون السجاد المتهالك فيها باهت، تملأه بُقع شديدة الاتساخ وتفوح منه رائحة العفن. فالسجاد، الذي تسير عليه القطط، لم يتغير منذ أكثر من عام. حتى الرخام لم يسلّم، بعض القطع الملاصقة للأرض بها كسور يبدو أنها قديمة تم تجاهلها لسنوات. براميل كبيرة ملقاة على الأرض، وصناديق قمامة وقاذورات، وكأنها المنطقة مخصصة لتكون مخزناً مفتوحاً للمسجد.المسجد الذي يضم ضريح حفيدة الرسول، السيدة زينب، ويقصده آلاف المصريين لقضاء حوائجهم، بحاجة للتنظيف
"اشتري مناديل... اشتري مناديل"، يكرر أحد الباعة بين المصلين. لا يلتفت أحدهم إليه وكأن وجوده طبيعي
عن إدارة المسجد ونظافته
يتولى إدارة مسجد السيدة زينب إمامه، الدكتور أحمد البَهيّ، الذي تعينه وزارة الأوقاف وتُشرف على عمله. يعترض الدكتور الكسباني على إدارة وزارة الأوقاف لمسجد السيدة زينب ويطالب إحكام السيطرة على الوزارة التي تمتلك ميزانية ضخمة. وأضاف أن المكتبة الموجودة داخل المسجد، ليست تابعة لوزارة الآثار، إنما لا تزال تحت سيطرة الأوقاف، مؤكداً أن المخطوطات الموجودة فيها عُرضة للنهب والسرقة. وفيم يخص شؤون التنظيف، وكباقي مساجد القاهرة، تتطوع شركة المقاولون العرب، أكبر شركة مقاولات في القطاع العام في مصر، لتنظيفه دون مقابل. وقال أحمد جودة، مدير صندوق النذور بالمسجد، خلال اتصال مع رصيف22، إن الإهمال ظهر مع تولي الشركة مسؤولية النظافة قبل أربع سنوات. ويضيف جودة إن المسجد يشهد إقبالًا من داخل وخارج مصر، ورغم ذلك لم تهتم الدولة بإدخاله ضمن خطة إنعاش السياحة.حماية المسجد من التسول
رغم رقم هاتف الإمام المعلق عند الضريح، لا يخلو المسجد من المتسولين والباعة المتجولين، الذين باتوا كامتداد للمسجد نفسه. "اشتري مناديل... اشتري مناديل"، يكرر أحد الباعة بين المصلين. لا يلتفت أحدهم إليه وكأن وجوده طبيعي. يقول الرجل الخمسيني محمد، وهو أحد المصلين في مسجد السيدة زينب لرصيف22، إنه لم يعد قادراً على المداومة على الصلاة داخل المسجد يومياً كما كان يفعل من قبل، بسبب انعدام النظافة وسوء التهوئة وتعرضه لسرقة هاتفه المحمول أثناء سجوده ذات مرة. يكتفي محمد بزيارة السيدة زينب في ضريحها، وفي نهاية زيارته يبحث عن متر نظيف يستطيع أن يصلي فيه. يعاني الإمام البهي كثيراً، بحسب قوله لرصيف22، بسبب كثرة حوادث التسول والسرقات، مشيراً إلى صعوبة ضبط الأمن داخل المسجد. فبإمكان المتسول أن يدخل إليه من أكثر من مدخل مرات عدة في اليوم. حتى اللصوص، الذين يتم تسليم ثلاثة منهم على الأقل يومياً لقسم الشرطة القريب من المسجد، يعودون مجدداً لسرقة المصلين عقب الإفراج عنهم. المشكلة لا تنحصر داخل حدود المسجد بل تنتشر عند السور المحيط به. فالباعة المتجولون يحاصرونه من جميع النواحي، والمتسولون لا يتركون أماكنهم هناك. ويقول خدام المسجد، وهم عمال الأوقاف الذي يعملون داخله، إن المتسولين أخذوا مكاناً يسمى بمجاذيب السيدة، وهم الذين ينامون منذ عشرات السنوات بجوار المقام، ويعيشون لخدمته ويرتدون ملابس لونها أخضر، &feature=youtu.beليست مشكلة كبيرة؟
لا يرى الشيخ خالد خضر، وكيل أوقاف القاهرة وأحد أكبر المسؤولين بالوزارة المشرفة على المساجد، موضوع سوء نظافة المسجد مشكلةً كبيرة، بل يقول إنه راض عن نظافة المكان. "النظافة موجودة والعمال موجودين.ودي ثقافة شعب"، يقول خضر شارحاً أنه من الصعب الحفاظ على نظافة المكان، مضيفاً أن تغيير تلك الثقافة للاهتمام بنظافة المسجد سيحتاج وقتاً. ونفى انتشار الهِرَرَة ومخلفاتها داخل المسجد، قائلاً: "يمكن قطة واحدة لكن مش مزرعة قطط". إلا أن زيارة واحدة للمكان، والاستماع لتجارب المصلين فيه، يظهران عكس ذلك. تقول السيدة سلوى، وهي إحدى المُحبات للسيدة زينب، لرصيف22، إنها كانت تصلي ذات مرة بجوار هِرة أنجبت صغيراتها بجوار أرفف المصاحف. ويقول البَهيّ إنه من المستحيل منع الهِرَرَة من دخول المسجد، وذلك بسبب كثرة المداخل والنوافذ، ويعني ذلك أن روائحها ومخلفاتها لن تختفي قريباً. وأضاف أن عدد العاملين بالمسجد هم 40، بما فيهم الحراس الموجودون على الأبواب، واعتبر أن هذا العدد قد لا يكون كافياً، خاصةً في المناسبات مثل أيام مولد السيدة زينب وشهر رمضان. وعن الأموال التي تنفق على المسجد، أوضح الإمام أنها تتعدى ملايين الجنيهات سنوياً، توفرها وزارة الأوقاف، لكنه لا يستطيع تحديد رقم رسمي خاصةً أن الأموال تأتي في صورة تبرعات عينية، كأدوات وأجهزة كهربائية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون