برغم فتاوى الشيوخ وتحريمهم إيجاد وسيط بين العبد وربه، كأن يذهب البسطاء لأولياء الله الصالحين أو لآل البيت، حرص المصريون طوال تاريخهم على التبرك بآل البيت ووضعهم في أعلى المراتب.
ومن أشهر الشخصيات التي ارتبط بها المصريون هي السيدة زينب حفيدة النبي محمد، وذلك منذ حضورها إلى مصر واختيارها القاهرة لتموت فيها. فمن يوقد شمعة فوق المقام لا يريد أن تنير قبر السيدة الطاهرة، وإنما ينتظر منها أن تنير له حياته.
يُعدّ مولد السيدة زينب بمثابة عيد لكل المصريين يعد له من العام للعام ويحمل الكثير من البهجة.
"جيتك يا طاهرة تغيتيني"
تحاول بصعوبة الوصول إلى الشباك الذي يطل على مقام السيدة زينب أو كما أتفق المصريون على تسميتها "أم العواجز"، وبصوت متضرع خفيض تقول "جيتك يا طاهرة تغيثيني، يا أم العواجز البت أديلها سنتين متجوزة من غير خلفة، وراجلها هيطلقها. سُقت عليكي جدك سيدنا النبي ترديني مجبورة الخاطر في يوم عيدك". تخطو مبتعدة بعد الكثير والكثير من الأمنيات والدعاء لتجلس في ركن قريب تفتح شنطة مملوءة بأرغفة العيش المحشو بالأرز وقطعة من اللحم وتوزعها على كل من مد يده. هذا مشهد زينبيّ يتكرر طوال العام، ولكن في مولد السيدة زينب له طعم خاص، فيأتيها مريدوها من كل حدب وصوب محتفلين بقدوم ذكرى مولدها.ترتيبات واستعدادات أحباب "أم العزائم"
افترش مريدو رئيسة الديوان الحدائق العامة، وأرصفة الشوارع، ومداخل البنايات، والعقارات تحت الإنشاء، منذ مطلع هذا الأسبوع. وأقام أغلب الطرق الصوفية من جميع المحافظات، خاصة الرفاعية والعزمية والأحمدية والإدريسية، خيام الخدمة التي تسمى الحضرات في محيط مسجد السيدة زينب، ودأب رجال ونساء الخدمة على دعوة المارة إلى تناول النفحات، وهي عبارة عن طبق أرز وقطعة لحم، أو طبق أرز بلبن، أو خبز وطبق من الفول النابت، أو حتى كوب شاي. وعلى الجانب المقابل للجامع من ناحية شارع المبتديان نجد الأراجيح وألعاب الأطفال وقد نصبت استعداداً لرسم الذكريات في مخيلة الأطفال من زائري "أم هاشم". وبينما ينغمس الرجال في الحضرات وتقديم الأناشيد والرقص عليها، تفضل السيدات الزائرات للمولد من أقاصي الصعيد ووجه بحري، الالتفاف حول الضريح الذي غالباً ما يكون مكتظاً بالزائرين. وتنصب الخيام التي قد يتجاوز عددها العشرين، وتعلق كل خيمة لافتة كبيرة تعلن فيها عن انتمائها الصوفي وطريقتها المتبعة، وتدعو محبي آل البيت والسيدة زينب إلى المشاركة معها وتناول بعض الأطعمة محبةً وتبركاً بصاحبة المولد."مدد يا رئيسة الديوان مدد يا طاهرة"
تقول الحاجة صافية (58 عاماً) "أحضر كل عام في مثل هذا الوقت من محافظة المنيا للاحتفال بمولد الطاهرة، وأحرص على الحضور منذ أكثر من عشرة أعوام وتحديداً منذ وفاة زوجي وزواج أولادي، فقديماً كنت أخشى الحضور مع أطفالي فربما يضيع أحدهم في الزحام، لكن الآن وقد كبروا لم يعد هنالك من يمنعني". تردد الحاجة "مدد رئيسة الديوان مدد يا طاهرة" وتقول: "يكفيني أن أعود مستشعرةً ببركتها، فأنسى ما بي من هموم وأندمج مع المحتفلين، وعندما أشعر بالنعاس أفترش سجادة الصلاة داخل المسجد وأنام كغيري من بنات السيدة، ولا أنسى قبل رحيلي شراء الحمص والفول السوداني من المولد لأجل أحفادي"."محدش يزور أم العواجز ويرجع جعان"
من بين السرادقات المنصوبة نجد "أم مصطفى"، وهي امرأة أربعينية ترتدي عباءة سوداء تقف أمام وعاء ضخم على موقد وتطبخ لزائري السرادق الذي تقف بجانبه. تقول "أتيت بطفلي حمزة وهو رضيع ورجوتها أن تشفيه لي فهو ولد على ثلاث بنات وبعد أقل من ثلاثة أشهر شفى حمزة، حينها قطعت وعداً على نفسي ألا أتخلف يوماً عن خدمتها فآتي مع الأهل والأصدقاء من البحيرة كل عام لتقديم الخدمة لمحبيها". وتكمل أم مصطفى "نحن هنا في الطريقة البرهامية لا نقدم الطعام ثلاث مرات في اليوم، ولكننا نقدمه طوال اليوم في كل أيام المولد وفي الليلة الكبيرة نقوم بذبح بقرة أو جاموسة ونورع لحمها على الفقراء والمساكين وكل من دخل السرادق وجلس في الحضرة". على الأرض توضع صينية كبيرة من الفتة التي تعدها، وفوقها قطع من اللحم، وكل ما يقومون بإنفاقه في المولد من مواردهم الخاصة وبشكل تطوعي، بحسب أم مصطفى.الحمص والفول والنوجا هدايا للأحباب
على الرصيف المقابل لجامع السيدة زينب نجد البائعين وقد اصطف بعضهم بجانب بعض في مشهد زاهِ بالألوان يحمل من صوت الأطفال الذين يلهون ويلعبون وبهجة الفتيات الملتفات حول البخور والسبح ودلايات السلاسل والخواتم. من بين هؤلاء الباعة التقينا السيدة انتصار محروس (45 عاماً) تقطن في حي الجمالية وتعمل في بيع الحمص والفول السوداني والنوجا والملبس. تحكي محروس كيف أنها احترفت هذه المهنة منذ أن ورثتها عن والدتها التي كانت تطوف معها على الموالد، وتضيف: "قديماً وقبل الغلاء كان الزائر يحرص على شراء شيء يهديه لمعارفه وأقربائه عند عودته وكان ينوع ما بين الحمص والفول وقليل من البونبون والنوجا، ولكن الآن قل الشراء كثيراً فلا نجد سوى الزائرين من وجهي قبلي وبجري، أي الفلاحين والصعايدة، فهم من يحرصون على الشراء قبل مغادرتهم للمولد". ولكن رغم تراجع المبيعات، تقول محروس "مولد أم العواجز له دائماً طابع خاص، وتكفي الفرحة التي تدخل قلوبنا سواء قمنا بالبيع أو لا". قبل أن تضيف "طبعاً لا يمكن الخلاص من القلق الذي تسببه الحكومة (الشرطة)، يزيلون البسطات من على الرصيف كرامة للكبارات الذين يقصدون المولد كل سنة، بس ربنا بيسترها". ورغم كل مظاهر الفرقة والاختلاف، يبقى مولد السيدة زينب شاهداً على روح المحبة التي جمعت شتات طرق ومذاهب وعقائد مختلفة تحت مظلة واحدة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع