"هسيبك زي البيت الوقف"... نساء "معلّقات" على هامش الزواج

حياة نحن والنساء

الخميس 11 ديسمبر 202516 دقيقة للقراءة

"هسيبك زي البيت الوقف"، عبارة تتردد داخل بيوت كثيرة على آذان نساء قررن الانفصال نهائياً عن أزواجهنّ؛ ليُحتجزن على ذمتهم سنوات، عقاباً على تجرؤهنّ على طلب الانفصال، فلا يكنّ متزوجات فعلياً ولا مطلقات رسمياً، إنما عالقات في زيجات على الورق.

تجد هؤلاء النساء أنفسهنّ في النهاية محاصرات بين قرارات جبرية، تخضعهنّ لمواجهة كبرى، بين إصرار الأهل على إبقائهنّ معلقات، خشية من الوصم الاجتماعي المرتبط بلقب مطلقة أو انتظار قسري من أجل تربية الأطفال، مع ظروف اقتصادية تدفعهنّ إلى الصبر.

وسط كل هذا، يضطررن إلى التخلي عن احتياجاتهنّ العاطفية والجسدية.

معاناة صامتة

غادر زوج سهى أحمد (اسم مستعار) من المنصورة، تاركاً وراءه زوجة معلّقة وطفلاً رضيعاً لم يكمل شهوره، وذلك طوال ثلاث سنوات، دون نقود.

عادت سهى (25 عاماً) التي تعمل حالياً في تفصيل الملابس، إلى بيت والدتها وهي لا تملك جنيهاً واحداً حتى تتمكن من إعالة الطفل، ولم يسمح وضع أسرتها في مساعدتها؛ فبالكاد كان يجني أخوها الأصغر 80 جنيهاً في اليوم من عمله في أحد المطاعم، في حين تتولى أختها الصغرى مسؤولية الإنفاق على دروس الثانوية العامة، من عملها في حضانة، أما والدتها فقد توقفت عن العمل منذ فترة طويلة.

"هسيبك زي البيت الوقف"، عبارة تتردد داخل بيوت كثيرة على آذان نساء قررن الانفصال نهائياً عن أزواجهنّ؛ ليُحتجزن على ذمتهم سنوات، عقاباً على تجرؤهنّ على طلب الانفصال، فلا يكنّ متزوجات فعلياً ولا مطلقات رسمياً

تقول سهى لرصيف22: "قبل سفر زوجي بشهرين، طلب مني الذهاب إلى والدتي لأمضي عندها يومين، دون سبب، قائلاً إنه سيمر ليأخذني وابني في اليوم الثاني، ولم يأتِ، حاولت ووالدتي الاتصال به كثيراً، لكنه لم يجب، وأرسل لي ثيابي، وحظرني من حساباته الشخصية".

وتضيف: "في ذلك الوقت كان ابني مريضاً وانتظرت زوجي لنذهب إلى الطبيب، ولما حدث ذلك، توجهت به بمفردي، لفحصه، واضطررت إلى شراء الأدوية بالدَين، ولما أرسل عمه ليرى الطفل قبل أن يسافر، أرسلت معه تذكرة العلاج، لكنه رفض أن يسدد ثمنها، ومنذ ذلك الوقت، ظلت ثمن الأدوية ديناً عليّ، سددته بعد عامين من عملي".

وجدت سهى نفسها تحت عبء ثقيل، وفق ما تقول: "ضاقت بي الحياة، كنت في حيرة شديدة، لا أعرف ماذا أفعل"، إلى أن بدأت تُفكر في تعلم الخياطة، إذ تقول: "بحثت عن مكان في المنصورة، عبر مجموعات فيسبوك؛ لأخذ كورسات وأتدرب، حتى وصلت إلى مركز مخصص لتعليم الفتيات التفصيل، ولكي أبدأ فيه اضطررت إلى بيع ذهبي".

ما يقرب من سنة وسهى تواصل تعلم تفصيل الملابس، رغم ما لحقها من أضرار نفسية نتيجة زواجها، ووضعت هدفاً واحداً نصب أعينها: أن يكون لديها مصدر رزق تنفق منه على صغيرها.

تحمّلت الكثير من المعاناة في صمت، وفق ما تقول: "طوال هذه الفترة التي كنت أتعلم فيها، كنت أستخدم ثياباً مستعملة من الجيران ككسوة لابني، وكنت أذهب إلى الكورس بحذاء فارغ من فرشه، سبب ألماً في رجلي، كان أكثر ما يشغلني أن أعمل لأقدر أن أنفق على ابني لأن بعد فطامه لم يتوافر طعام في البيت".

وتضيف: "عندما أنهيت الكورس، ضاق بي الحال من جديد، لأنني كنت أنفقت كل نقود الذهب، وكنت في حاجة إلى شراء ماكينة خياطة، لأبدأ العمل، غير أنه بالمصادفة، استلم أهل زوجي إعلان دعوى نفقة صغير من طريق الخطأ، لوجود تشابه في الأسماء بين زوجي وشخص آخر رُفعت عليه الدعوى، لم ينتبهوا لبقية الاسم، وفوراً تواصلوا معنا لسداد نفقة ستة شهور بقيمة عشرة آلاف جنيه، اشتريت بهم ماكينة التفصيل".

تلفت سهى إلى أنها في البداية أنشأت صفحة في إنستغرام، وأخرى في فيسبوك، وبدأت تروّج لعملها عبر نشر صورة لقطعة فصّلتها أثناء الكورس: "كنت أعمل في تضييق ورف الملابس، جلبت لي نقوداً بسيطة، لم تكف في البداية لسد جميع احتياجاتنا، لكنها ساعدتني تدريجياً لشراء احتياجات طفلي مثل شراء الحفاضات".

قصة سهى مرآة لقصص كثيرة لم تُوثّق في إحصائيات رسمية، لكنها ممتدة إلى المدن والقرى، إذ لا تزال نساء كثيرات عالقات في منطقة رمادية، بين الزواج والطلاق، تحت ضغط المنظومة الأبوية التي لا تزال ترى في بقاء المرأة المعلّقة "فضيلة"، وفي طلاقها "عيباً"، وتالياً تجردها من أبسط حقوقها الإنسانية.

السيناريو عينه

تقاطعت حياة سهى مع والدتها التي تجرّعت الكأس عينها طوال 22 عاماً: "قضت أمي حياتها بأكملها معلّقة، لا أحداً من عائلتها وقف بجانبها، بل أهانوها ورفضوا تطليقها، وازداد إصرارهم على بقائها معلّقة بخاصة بعدما علموا بخبر حملها".

"افتقدت مشاعر الحنان والاحتواء، التي كانت رغم ضآلتها، إلا أنها كانت تمثل لي الكثير، كنت أنتظرها منه دائماً، الكلمة اللطيفة، أن يعانقني، يشاركني في يومي، يصغي إليّ، ويؤانسني في وحدتي، كل ذلك تبخّر"

هذا التقاطع أثر عليهما، إذ ارتعبت الأم من تكرار السيناريو، وأن تضيع حياة ابنتها معلّقة، أما سهى فقد خشيت أن تُطلق في سن صغيرة وأن يُشرد ابنها مثلما حدث معها ومع إخوتها: "خشيت على ابني من التشرد، فقد مررت بهذه المعاناة من قبل، حين تزوج أبي على أمي وتركنا نواجه الحياة بمفردنا، لا أحد من أفراد عائلة أمي استقبلنا، ظللنا مشتتين لسنوات طويلة، نتنقل بين بيوت أعمامي، ومُنعنا من رؤية أمي لمدة عامين، إلى أن خرجت أمي إلى العمل، وجمعتنا أنا وإخوتي في شقة صغيرة بالإيجار، رغم أن والدي يملك منزلاً، لكن كان يؤجره للغرباء، لا يسأل عنا ولا يعيرنا اهتماماً".

وتضيف: "طوال الـ 22 عاماً لم ينفق والدي أيّ فلس، كانت أمي تعمل في مختبر تحاليل بالمنصورة، ثم انتقلت للعمل في إحدى العيادات، لتتمكن من إعالتنا، لكن النقود لم تكن تكفي المعيشة".

ظلم للنساء

تحلّل الباحثة في قضايا النوع الاجتماعي، مي صالح، انتشار مصطلح "البيت الوقف" ورفض الرجال تطليق زوجاتهم، إلى أن العلاقة الزوجية يحكمها طرف واحد هو الزوج: "دائماً القرارات الأساسية تكون بيده، كما أن المجتمع عادة لا يقف في صف النساء، بل يضغط عليهنّ ويحدد أدوارهنّ، وتالياً يضع المرأة في مكانة أضعف من الرجل".

وتضيف لرصيف22: "من ضمن الأسباب الأخرى للظاهرة رغبة الرجال في عدم تحمل مسؤولياتهم نحو أُسرهم بعد الطلاق، من نفقات الطعام والشراب والسكن، ولهذا السبب يلجؤون إلى الطلاق الشفهي والغيابي".

وتوضح أنه في هذه الحالة، لا يكون أمام السيدات غير الخلع حتى يسوين أوضاعهنّ، وقد يضطررن إلى التنازل عن جميع حقوقهنّ: "هنا تكمن إشكالية أخرى هي أنهنّ يُسلبن حقوقهنّ المادية في ظل ظروف اقتصادية صعبة"، مشيرة إلى أن ذلك يعرضهنّ إلى ظلم كبير، لأنه يحرمهن من حقوق كثيرة: "لا تشعر المرأة بأنها منفصلة تماماً، فلا تستطيع أن تتزوج مرة أخرى، أو أن يكون بإمكانها التقدم على شقة في الإسكان، تُحرم من كل ذلك لمجرد أنها ما زالت معلقة".

وفي حديثها إلى رصيف22، توضح الناشطة النسوية ورئيسة مؤسسة ذات للتنمية المستدامة، رشا عبد الفتاح، أن "البيت الوقف" مصطلح مجتمعي متداول، يردده الرجال طوال الوقت، لتقييد حرية زوجاتهم: "يجعلها لا طائلة سماء ولا أرض، مستغلين بذلك عدم قدرتها المادية للسعي في مسارات قانونية، ومنعها من ممارسة حقها في تحقيق حياة مستقرة"، مضيفة أن هذه الظاهرة منتشرة تحديداً في الصعيد، ويتبين ذلك في الجلسات العُرفية التي تُدار من الأهل والزوج.

وتوضح رشا أنه: "في هذه الحالة، نقوم في المؤسسة برفع قضايا سواء طلاق للضرر، أو خلع، أو تمكين إذا كانت لديها أطفال، ونفقات، لكن يلزم أولاً لاتخاذ أية إجراءات موافقة واضحة من هؤلاء السيدات، لأن بعضهن أحياناً قد يتخاذلن عن استكمال الطريق، بسبب الضغط المجتمعي، ومخاوفهن من وصمة الطلاق، حتى السيدات الواعيات بحقوقهن محاطات باعتبارات نمطية، ومحاصرات بين قرارات خالية من القبول الحُر، مثل وجود الأطفال ونظرة المجتمع".

ظل صوري

بعدما سعت سعاد شاهين (اسم مستعار)، من المنوفية، إلى رفع دعوى طلاق للضرر، بعد العنف الذي تعرضت له داخل منزل زوجها، تراجعت في قرارها، وفق ما تكشف لرصيف22: "لم أكمل في الإجراءات، كنت أنجبت طفلتي حديثاً، خشيت أن أحرمها من والدها، أردت ألا تشعر باليُتم وحاولت أن يبقى ظل أبيها، لكن ذلك لم يحدث، طلّقني زوجي في النهاية بعد تسع سنوات معلّقة".

تروي سعاد (43 عاماً)، ربة منزل، كيف مرّت السنوات قاسية عليها وعلى ابنتها: "كنت أبكي دائماً، فجأة وجدت نفسي أتحمل رعاية طفلة بمفردي، وأواجه مواقف كثيرة تلزم وجود أبيها، لكنه كان دائماً غائباً وغير مبالٍ بأمرنا".

توالت الكثير من المواقف الصعبة في حياة سعاد، تذكر حين أُصيبت ابنتها بتسمم حاد، بسبب زميلتها في الفصل: "كانت دائماً تضايقها، وتعايرها بغياب والدها، ولما ابنتي غضبت وسبَّتها، وضعت لها حبراً في زجاجة المياه، وجعلت ابنتي تشرب منه دون أن تعرف، فوراً ركضت إلى الوحدة الصحية".

"تدفع النساء أثماناً باهظة، خصوصاً في المناطق الريفية والشعبية، تواجه نظرات من اللوم، وترديد روايات غير حقيقية، أما الآثار النفسية فحدث ولا حرج، من بينها حرمان المرأة المعلقة من وجود شريك تختاره بإرادتها، فتبقى تحت مظلة لقب متزوجة، لكنها في حقيقة الأمر ليست متزوجة"

وتتابع: "تعرضت ابنتي لمواقف كثيرة من التنمر، كنت أشعر بالخوف عليها حين تتعرض لمُضايقات من زملائها في المدرسة، ولا أعرف كيف أتصرف حيال ذلك، بخاصة في غياب أبيها، وبسبب عدم شعوري بالأمان رحت أشيع بين أهل القرية أنني أتواصل مع زوجي، وسنعود قريباً، قررت أن أحمي نفسي وابنتي بترديد رواية أن زوجي ما زال موجوداً في حياتنا".

في السياق نفسه، تحدثت الباحثة في قضايا النوع الاجتماعي، مي صالح، عن الآثار الاجتماعية المترتبة: "تدفع النساء أثماناً باهظة، خصوصاً في المناطق الريفية والشعبية، تواجه نظرات من اللوم، وترديد روايات غير حقيقية، أما الآثار النفسية فحدث ولا حرج، من بينها حرمان المرأة المعلقة من وجود شريك تختاره بإرادتها، فتبقى تحت مظلة لقب متزوجة، لكنها في حقيقة الأمر ليست متزوجة".

وعن الآثار المترتبة على الصحة النفسية للأطفال، تؤكد صالح: "قد يتعرضون إلى التنمر طوال الوقت من مجتمعهم، بسبب غياب والدهم وإهماله، ويدفعون أثماناً باهظة كما الأمهات، فنجدهم يواجهون سيلاً من التساؤلات حول غياب الآباء، وليس لديهم مبررات، فالأزواج عادة يتخلون عن أطفالهم ويعاقبونهم مثلما يفعلون مع الزوجة".

معاناة جنسية

لم يكن سهلاً على سامية فهمي، (اسم مستعار) من الجيزة، التأقلم مع غياب العلاقة الجنسية، بعد ابتعاد زوجها عنها لمدة 3 سنوات: "حاولت كثيراً لكن الأمر كان صعباً للغاية، أحياناً أستطيع التغلب على رغباتي، وأحياناً أخرى لا أتمكن من توقف التفكير فيها، فأستعيض عنها بأن أتخيل ممارسة العلاقة الجنسية مع زوجي".

تقول سامية، ربة منزل: "في البداية لم أعر الموضوع اهتماماً بسبب كثرة المشاجرات بيني وزوجي، لكن بعد ذلك شعرت بحاجتي الشديدة لممارسة الجنس، وبدأت تسيطر عليّ ذكريات حميمة كانت بيني وبينه، أحياناً دفعني ذلك إلى الشعور بالذنب نحوه".

وتوضح لرصيف22: "عدم إشباع رغباتي الجنسية سبب لي آلاماً حادة أسفل البطن تشبه آلام الدورة الشهرية، لم تكن موجودة أثناء ممارسة العلاقة الحميمية، كلما فحصتني طبيبة نساء تشخصها التهابات عادية، وتصف لي حبوباً وكريمات لكن بلا جدوى، الآلام مستمرة إلى الآن".

وتضيف أن "العلاقة الجنسية شيء ضروري للجسد؛ لأنها تحقق توازناً من الناحية العاطفية والنفسية، وتؤثر في الحالة المزاجية، غيابها يجعلني دائماً عصبية، حتى أنني كنت أغضب على ابنتي التي تبلغ 4 سنوات".

وتتابع بالقول: "افتقدت مشاعر الحنان والاحتواء، التي كانت رغم ضآلتها، إلا أنها كانت تمثل لي الكثير، كنت أنتظرها منه دائماً، الكلمة اللطيفة، أن يعانقني، يشاركني في يومي، يصغي إليّ، ويؤانسني في وحدتي، كل ذلك تبخّر".

وتوضح أنها كانت ترغب في أن تفتح باباً لحل مشاكلهما إلا أنها وجدته يستغل حاجتها الجنسية: "دائماً يرغب في الجماع، ثم بعد انتهائنا يوبخني ويشعرني بالذنب بأنني السبب في مشكلاتنا، كان دائماً يحاول أن يسيطر عليّ من طريق إشباع احتياجاتي الجنسية، ففي مرات كان يطلب مني ممارسة العلاقة الزوجية في التليفون، وكنت أرفض وأقول له إن ذلك يحدث بين الأزواج المسافرين عن زوجاتهم، لكن وضعنا مختلف".

تذكر سامية كيف تدهورت نفسيتها تدريجياً وفقدت الثقة في نفسها والرغبة في خوض تجربة زواج جديدة، ولم يخفف عنها سوى الانشغال بوالدتها المريضة وفي النهاية قررت أن ترفع دعوى الخلع، وهي الآن في انتظار صدور الحكم.

تؤكد رشا عبد الفتاح أنه مع انحسار إشباع النساء احتياجاتهنّ، تتأثر الصحة الإنجابية والجنسية، إذ يحدث لهنّ احتقان في الأعضاء التناسلية الأنثوية ومشكلات في الرحم، إلى جانب حدوث تغيرات في هرموناتهن، إذ يصبحن معرضات إلى انقطاع الدورة الشهرية أسرع كثيراً، كل ذلك يؤدي إلى إصابتهن باكتئاب حاد، نتيجة لفكرة البيت الوقف التي حرمتها من حقوقها الجنسية.

وتضيف رشا أن السيدات اللواتي انفصلن عن أزواجهنّ جسدياً وجنسياً، ووهبن حياتهنّ لأبنائهنّ، يشعرن بأنهن تجردنّ من إنسانيتهنّ ومن أنوثتهن وتحولن إلى آلات، مثل البيت الوقف".

معلقة بالإكراه

تعرضت شيرين حبيب (اسم مستعار)، 40 سنة، من القاهرة، من أسرتها إلى كافة الضغوط النفسية على مدار ثلاث سنوات: "رفضت عائلتي طلاقي تماماً، وكانوا يرددون دائماً بأن لا أحد في العائلة مُطلق، كنت أول حالة تسعى للطلاق، لأن ذلك بالنسبة إليهم عيب".

ولذا، أصرت العائلة على بقائها معلّقة: "قالوا لي اعتبريه كأنه مسافر"، الأمر الذي ضاعف من سوء حالتها النفسية يوماً بعد يوم، خلال هذه الفترة، إذ أصبحت تتناول المنومات والمهدئات، وانعزلت عن الجميع كما توقفت عن الطعام.

وأقبلت على الانتحار أكثر من مرة، من طريق تناول جرعات مضاعفة من المنومات وإلقاء نفسها من شرفة المنزل؛ لتتخلص من الضغط النفسي الذي مارسته عائلتها: "واصلوا الضغط النفسي عليّ، إذ اتهمونني بأنني على علاقة برجل آخر، لذا أرغب في الطلاق، وهددوني بأنهم سيتبرّؤون مني إذا أصررت على الطلاق".

وتضيف لرصيف22: "كنت أشعر بثقل فوق أكتافي، وأنني مُقيدة، ظلت تخنقني فكرة أنني مازلت على اسمه، كان ذلك مدمراً نفسياً بالنسبة إليّ".

مثل المتزوجة قانونياً

تقول المحامية الحقوقية المتخصصة في قضايا الأحوال الشخصية، دينا خليل، إن المرأة المعلّقة هي التي تعتبر متزوجة رسمياً في نظر القانون، موضحة أن ظاهرة "البيت الوقف" سائدة في المجتمعات، خصوصاً بين النساء اللواتي تجاوز أبنائهنّ سن الحضانة: "هؤلاء النساء يُجبرن على ظروف، لا يد لهنّ فيها، قد تعرقل حياتهنّ بعد الانفصال؛ فنجد أن غالباً ما يكون مؤخر الصداق زهيداً، ولا يكفي لتأمين حياة جديدة بعد الانفصال، أما نفقة المتعة التي يُفترض أن تستحقها عوضاً من سنوات الزواج، قد تخضع لتقدير القاضي، وفقاً لظروف زوجها المادية، وبعد صدور الحكم تبدأ المشكلة الكبرى وهي آلية التنفيذ التي تصبح معقدة وطويلة".

وتوضح أن الزوجة المعلّقة تتمتع بنفس حقوق المتزوجة فعلياً، من حيث الحقوق المادية: "يلزم الزوج بالإنفاق عليها، والتي تشمل المسكن والمأكل والملبس وكذلك مصروفات الأدوية، وغيرها من الأساسيات الأخرى، ما دامت في عصمته".

وتضيف خليل أن هذه النفقة حق شرعي بموجب قانون الأحوال الشخصية مقابل احتباسه لها على ذمته، سواء كانت تقيم معه في بيت واحد أو لدى أسرتها.

وينص قانون الأحوال الشخصية على ذلك؛ فوفقاً للمادة (1) من القانون رقم 25 لسنة 1920 المعدّلة بالقانون رقم 100 لسنة 1985، "تُجب النفقة للزوجة على زوجها من تاريخ العقد الصحيح إذا سلمت نفسها إليه ولو حكمًا، وتشمل الغذاء والكسوة والمسكن ومصاريف العلاج وغير ذلك مما يقضي به الشرع".

"نحضّ النساء على حب ذواتهنّ، وأن يروين دائماً معاناتهنّ واحتياجاتهنّ، دائماً نسعى إلى خلق مساحات لذلك حتى نكسر التابوهات المجتمعية التي بُنيت، ونفكك فكرة أن تكون القرارات بأيدي من حولها"

من جهتها، توضح الباحثة مي صالح أن المجتمع لا بد أن يتصدى لظاهرة المعلّقات، وذلك من خلال تعاون مؤسسات الدولة لنشر التوعية: "ينبغي أن تتصدى المؤسسات الدينية بأن تطلق فتاوى بتحريم أوضاع المعلقات، وأن توضح حقوق وواجبات كلا الطرفين، بحيث يعرف كل فرد مسؤولياته عند الانفصال قبل الزواج أولاً، لحفظ حقوق الأطفال، الذين يُعذبون في النهاية".

وتكمل: "يجب أن تقوم المؤسسات الدينية بتوعية الرجال بدورهم، وترسيخ فكرة المسؤولية المشتركة بين الزوجين، وأن الحياة الزوجية لا تُبنى على قرارات فردية، إنما بقرارات مشتركة، لأن المشورة الأسرية ضرورية".

وتتابع صالح: "إدارة الخلافات أمر ضروري، فعلى مؤسسات الدولة أن تُسهم في التوعية بإدارة الخلافات، حتى لا تنتج أفراداً عدوانيين، ومدمرين للأطفال، وأن يسهم الإعلام أيضاً في هذه التوعية، والأهم من ذلك "أن تعمل المؤسسات المتخصصة في قضايا الأحوال الشخصية على الفجوات القانونية التي تفتح مجالات لظلم النساء"، مؤكدة أن تعاون جميع الجهات سينهي هذا الظلم الواقع عليهن ولا سيما مسألة الزوجات المعلّقات.

وتتفق أيضاً رشا عبد الفتاح أنه لمعالجة جذور ظاهرة "النساء المعلقات" ينبغي نشر الوعي في المجتمع باستمرار: "لا بد أن يرين (النساء) أن الطلاق ليس وصمة، ولا يُنتج أُسراً غير مستقرة، بل أحياناً يكون حلاً جذرياً لمشكلات أكبر، كما من الضروري أن يكون لديهنّ الوعي الكافي لاتخاذ قرارات في صالحهنّ أولاً، لأنها ستصب بالتبعية على أسرتهنّ، وستقطع حبال دائرة العنف الممتدة".

وتختم حديثها بالقول: "نحضّ النساء على حب ذواتهنّ، وأن يروين دائماً معاناتهنّ واحتياجاتهنّ، دائماً نسعى إلى خلق مساحات لذلك حتى نكسر التابوهات المجتمعية التي بُنيت، ونفكك فكرة أن تكون القرارات بأيدي من حولها".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

وراء كل تحقيق، قصة بحث طويلة، وفريق يراهن على الدقة، لا السرعة.

نحن لا نبيع محتوى... نحن نحكي الواقع بمسؤولية.

ولأنّ الجودة والاستقلال مكلفان، فإنّ الشراكة تعني البقاء.

Website by WhiteBeard
Popup Image