بعد مرور ما يقرب من 11 عاماً على شن تنظيم داعش هجومه الذي يرقى إلى الإبادة الجماعية ضد الإيزيديين العراقيين، لا تزال العدالة للناجين والضحايا وعائلاتهم بعيدة المنال. ولا يزال معظم أفراد المجتمع الإيزيدي العراقي – يُشير إليهم هذا التقرير باسم الإيزيديين – نازحين داخلياً أو لاجئين خارج البلاد، حيث لم تفلح السلطات العراقية في إعادة إعمار موطنهم التاريخي، سنجار، أو في تنفيذ برنامج جبر الضرر.
ومن بين أكثر الموروثات المؤلمة للإبادة الجماعية ضد الإيزيديين يلوح مصير ومكان وجود الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الإيزيديين الذين اختطفهم داعش خلال هجومه على سنجار في آب/ أغسطس 2014. وعلى الرغم من تهريب العديد من النساء الإيزيديات لاحقاً بشكل عشوائي وفردي إلى عائلاتهن، واستخراج رفات مئات الإيزيديين/ات من كبار السن الذين قتلهم التنظيم الإرهابي في عام 2014 من مقابر جماعية في جميع أنحاء سنجار منذ ذلك الحين، إلا أن أكثر من 2,800 إيزيدي لا يزالون في عداد المفقودين.
عقب مرور 11 عاماً على محاولة تنظيم داعش إبادة إيزيديّي العراق، تقرير للمركز السوري للعدالة والمساءلة يصف الأنماط الرئيسية في عمليات اختطاف الإيزيديين والإتجار بهم ووفياتهم. كما يضع إطاراً للتحقيق في حالات اختفاء الإيزيديين خلال ثلاث فترات زمنية مميزة
ثمّة مضامين عديدة لتوقّف البحث عن الإيزيديين المفقودين. كما هو الحال في أوقات ما بعد الصراع الأخرى حيث مورس الإخفاء القسري على نطاق واسع، فقد حُرمت عائلات الإيزيديين المفقودين من حقها في معرفة مصير ومكان وجود ذويها. كما أن العائلات غير قادرة على الشروع في معاملات تتعلّق بالأحوال الشخصية للمفقودين، مثل الوصول إلى الميراث أو الزواج مرة أخرى.
وعُرقلت الجهود البطولية التي بذلها المجتمع المدني الإيزيدي لتحديد أماكن المفقودين في سوريا لسنوات نتيجة غياب التنسيق والشفافية من جانب السلطات الحكومية في جميع أنحاء المنطقة، وخاصةً في تعاملها مع المنظمات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان؛ وقد تجلّى ذلك بوضوح في عدم القدرة على إعداد قائمة شاملة ومشتركة بأسماء المفقودين الإيزيديين لتيسير جهود البحث.
وقد أدّى عدم اكتمال عملية البحث إلى التخلي عن الإيزيديين الذين بقوا على قيد الحياة في وضعية الأسْر، وترك عائلاتهم في حالة من الفراغ القانوني والنفسي والاجتماعي، مما أعاق جهود تحقيق العدالة والسلام المستدام في حقبة ما بعد داعش.
أين المفقودون الإيزيديون؟ على الرغم من إنقاذ بعضهم من الأسْر في مواقع بعيدة عن المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش سابقاً، يُعتقد أن العديد منهم أو حتى معظمهم موجودون في سوريا، حيث أسر داعش آلافاً من الإيزيديين بين عامي 2014 و2019.
يمثّل هذا التقرير علامة فارقة في الجهود التي بذلها المركز السوري للعدالة والمساءلة (SJAC) على مدار عام 2024 لبدء البحث عن هؤلاء السكان، كجزء من برنامجه الأوسع المخصّص لإلقاء الضوء على مصير وأماكن وجود أولئك الذين فُقدوا في الصراع السوري. ويمثّل ملف الإيزيديين المفقودين تحدياً لمنهجية البحث القياسية للمركز، والتي تتضمّن تحليل أعداد كبيرة من حالات الأشخاص المفقودين الفردية والتحقيقات السياقية المتعمقة في مرافق الاحتجاز ومواقع القبور.
وعلى الرغم من أن المركز السوري يفترض أن جميع الأشخاص المفقودين على قيد الحياة، فإن منهجيته تسعى في المقام الأول إلى تحديد المسار الذي سلكه الأفراد المختطفون أو المعتقلون في ظروف مماثلة لربط مرافق الاحتجاز ومواقع القبور. ويتيح ذلك للمركز السوري بناء فرضيات حول هوية الرفات البشرية في مواقع القبور المجهولة، تمهيداً لعمليات استخراج جثث مستهدفة، وتحليلها، واختبار الحمض النووي، بالتعاون مع شركاء مثل فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري (SMFT) في الرقة، ومؤسسة أنثروبولوجيا الطب الشرعي في غواتيمالا (FAFG).
الهدف النهائي من ذلك هو تحديد هوية الرفات البشرية باستخدام الطب الشرعي على نطاق واسع، ليتسنّى إعادتها إلى عائلاتها وتحديد مصير المفقودين. غير أن طبيعة حالات اختفاء الإيزيديين تميز هذه الفئة عن الفئات الأخرى للأشخاص المفقودين في السياق السوري. إذ بخلاف المحتجزين في مرافق احتجاز رسمية وطويلة الأمد من قبل داعش أو نظام الأسد، كان الإيزيديون (وخاصة النساء والأطفال) يُحتجزون عادةً بمفردهم في منازل خاصة ومجمعات سكنية – ما يزيد من صعوبة تحديد أنماط عامة للاحتجاز والنقل.
ويصف هذا التقرير، الذي يعتمد بشكل أساسي على شهادات الناجين/ات من الإيزيديين من أسْر داعش في سوريا، الأنماط الرئيسية في عمليات اختطاف الإيزيديين والإتجار بهم ووفياتهم. كما يضع إطاراً للتحقيق في حالات اختفاء الإيزيديين خلال ثلاث فترات زمنية مميزة، تميّزت كل منها بأنماط إتجار وحالات وفاة فريدة. ويركز على حالات الإيزيديين التي تفيد تقارير بأن أصحابها لقوا حتفهم في شمال شرق سوريا.
ويُرجع ذلك إلى الأدلة الملموسة التي كشفت عنها تحقيقات المركز السوري، وإلى إمكانية إجراء تحقيقات واستخراج جثث مستهدفة في المنطقة – حيث استخرج فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري بالفعل أكثر من 6,000 رفات من قبور مجهولة وهياكل منهارة وسحب ما يقرب من 1,500 عينة لاختبار الحمض النووي. ويصف التقرير أيضاً قضايا البحث عن هؤلاء الإيزيديين الذين ربما لا يزالون على قيد الحياة في سوريا، سواء في مواقع أسْر سرية أو في الاحتجاز من قبل كيانات مرتبطة بالتحالف الدولي لمناهضة تنظيم داعش (يشار إليه لاحقاً بـ "التحالف" في هذا التقرير).
وفي ضوء النتائج التي توصل إليها المركز السوري، من الواضح أن هناك فرصاً لأصحاب المصلحة لإحراز تقدّم ملموس في ملف الإيزيديين المفقودين، لا سيّما مع تسارع الجهود الأوسع في البحث عن المفقودين في سوريا ما بعد الأسد.
ويتألّف هذا التقرير من ثلاثة أقسام، يناقش كل منها مرحلة مختلفة في المسار الذي سلكه العديد من الأسرى الإيزيديين بعد نقلهم إلى سوريا. ويصف كل قسم الخصائص الأساسية للإتجار بالإيزيديين وأسْرهم في تلك الفترة في سياق البحث عن المفقودين في سوريا. ويسلط التقرير الضوء على حالتي وفاة إيزيديتين بشكل خاص، إلى جانب أفضل فهم للمركز السوري للعدالة والمساءلة لكيفية التخلّص من رفات الإيزيديين عقب هذه الحوادث. علماً أنه ينبغي إجراء مزيد من التحقيق في هذه الروايات والتحقق منها في سياق جهود البحث باستخدام الأدلة الجنائية والطب الشرعي.
هناك فرص لأصحاب المصلحة لإحراز تقدّم ملموس في ملف الإيزيديين المفقودين، لا سيّما مع تسارع الجهود الأوسع في البحث عن المفقودين في سوريا ما بعد الأسد.
ويركّز القسم الأول من التقرير على الفترة بين عامي 2014 و2016، عندما اختُطف الإيزيديون في البداية واحتُجزوا في أسْرٍ طويل الأمد في مراكز حضرية سورية رئيسية مثل مدينة الرقة. ويبدو أن حوادث الوفاة الفردية في سياق التعذيب والانتحار والقتل خارج نطاق القضاء كانت الأكثر شيوعاً في هذه المرحلة من الأسْر، حيث من المرجّح أن تكون المؤسسات الطبية متورطة في التخلص من بعض الرفات على الأقل في مقابر رسمية.
ويركّز القسم الثاني على الفترة بين عامي 2017 و2019، عندما تم نقل الأسرى الإيزيديين بشكل متزايد إلى محافظة دير الزور وعبرها مع تسارع حملة التحالف ضد داعش. ويبدو أن الحوادث التي نجم عنها وفيات جماعية والناتجة عن القصف الجوي والمدفعي كانت الأكثر شيوعاً في هذه المرحلة من الأسْر، حيث يرجّح أن جثامين الضحايا تُركت دون دفن تحت أنقاض المباني أو دُفنت بشكل غير رسمي في قبور مؤقتة أو مقابر مدنية غير رسمية.
ويركّز القسم الثالث على مطلع عام 2019، عندما تجمّع معظم الأسرى الإيزيديين قرب بلدة الباغوز، وهو يناقش أماكن تواجدهم اللاحقة بعد هزيمة داعش إقليمياً إذ وقعت حوادث نجمت عنها وفيات فردية وجماعية في هذه المرحلة من الأسْر، ومن المرجح أن بعض الرفات دُفنت في مجموعات في قبور مؤقتة وغير موسومة.
منهجية التقرير
يعتمد هذا التقرير على مجموعة من المصادر. أهمها المقابلات شبه المنظمة التي أجراها موظفو المركز السوري في العراق خصيصاً لهذا التحقيق مع 30 من الإيزيديين/ات الناجين من الأسْر في سوريا. وتنوّعت المقابلات من حيث الأصل الجغرافي والنوع الاجتماعي حيث أجريت مقابلات مع سبعة رجال اختطفهم تنظيم داعش قُصّراً وجنّدهم، و23 امرأة اتّجر بهن تنظيم داعش لأغراض الاستعباد الجنسي.
ولتجنّب إعادة إحياء الصدمة النفسية لدى الناجين/ات، وللتركيز على المعلومات الأكثر فائدة في البحث عن المفقودين – من قبيل أماكن احتجاز الإيزيديين، ومشاهدات إيزيديين آخرين في الأسْر، وتقارير عن إيزيديين لقوا حتفهم في سوريا – لم يستفسر المركز السوري بشكل استباقي عن الانتهاكات التي تعرّض لها الناجون/ات.
ونظراً لصعوبة تذكّر الناجين تواريخ أسْرهم الدقيقة في مكان معين، كل ما كان بمقدور المركز السوري فعله هو رسم جدول زمني تقريبي للمسار الذي سلكه كل ناجٍ/ية. وفي كثير من الحالات، على سبيل المثال، لم يتمكّن المركز السوري إلا من تقدير نطاق تاريخي عام لأسْر ناجٍ/ية في موقع معين. وإلى جانب هذه المقابلات التي ركزت على الإيزيديين المفقودين في سوريا، أعاد المركز السوري أيضاً تحليل 10 مقابلات مع ناجين/ات إيزيديين كان قد جمعها سابقاً كجزء من جهده الأوسع لتوثيق العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي في الصراع السوري على وجه التحديد، علماً أن جميع أسماء الناجين المشار إليها في هذا التقرير هي أسماء مستعارة.
ومن بين الوثائق الأخرى التي أنتجها المركز السوري خصيصاً لهذا التقرير مقابلات الشهود والصور التي سجلتها الفرق الميدانية أثناء البحث عن المواقع المشار إليها في المقابلات التي أجريت مع ناجين/ات الإيزيديين. ومعظم هذه المواقع موجودة في دير الزور، وتتعلّق بالأحداث التي أودت إلى وفيات والتي من المحتمل أن تكون قد وقعت نتيجة لهجمات التحالف. وبالإضافة إلى ذلك، استشار المركز السوري سلطات حكومة إقليم كردستان المسؤولة عن ملف المفقودين الإيزيديين ومنظمات المجتمع المدني الإيزيدية التي توثق عمليات الاختطاف منذ عام 2014.
ويستند هذا التقرير أيضاً إلى بيانات ووثائق عربية مغلقة المصدر جمعها المركز السوري، تتعلّق بعناصر مزعومين تابعين لداعش وعملياتهم في العراق وسوريا. وفي صميم هذه المجموعة من البيانات، توجد ثلاثة ملفات إكسل تحتوي على الأسماء القانونية وجنسيات أكثر من 70,000 عنصر مزعوم تابع لداعش، بالإضافة إلى مراسلات حول أنشطتهم.
ويبدو أن الجهات الأمنية العراقية أنتجت هذه المواد بين عامي 2015 و2019، وبالتالي يجب التدقيق فيها. ومع ذلك، فإنها توفر معلومات قيّمة تمكّن المركز السوري من التحقق من صحتها في حالات متعددة. وقد حصل المركز السوري على هذه السجلات بعد تقديم العديد من الطلبات إلى الحكومة الأمريكية بموجب قانون حرية المعلومات على مدى السنوات الأربع الماضية، ويعتقد أن القوات الأمريكية حصلت على البيانات في سياق عمليات التحالف في العراق وسوريا. بالإضافة إلى ذلك، يستخدم هذا التقرير معلومات جمعتها وأنتجتها حكومة الأسد عن عناصر مزعومين تابعين لداعش احتجزتهم في سوريا، بالإضافة إلى أولئك الموجودين في منشآت التحالف مثل مخيمي الهول وروج. وحصل المركز السوري على نسخ من هذه الوثائق والملفات في سياق جهوده للحفاظ على السجلات التي كانت محتجزة داخل منشآت الاستخبارات والأمن في دمشق وشمال شرق سوريا بعد سقوط حكومة الأسد.
وأخيراً، يعتمد التقرير على وثائق مفتوحة المصدر، وخاصة صور الأقمار الصناعية التي تشير إلى مواقع القصف الذي زُعِم أنه أودى بحياة أسرى إيزيديين في سوريا. كما تمت الإشارة إلى وثائق سابقة أنتجتها وجمعتها جهات معنية بالتعامل مع الجمهور مثل لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني الإيزيدية.
أولاً: الاختطاف والنقل إلى الرقة (2014/2016)
يوجد توثيق جيد للمسار الأولي الذي سلكه الأسرى الإيزيديون خلال هجوم داعش على القرى المحيطة بقضاء سنجار وبعده مباشرةً. ففي الفترة ما بين 3 و15 آب/ أغسطس 2014، اختطف داعش نحو 6,800 إيزيدي، منهم نحو 3,547 أنثى و2,868 ذكراً. وأعدم داعش آلافاً آخرين من الإيزيديين – معظمهم من الرجال والنساء الكبيرات في السن – في مناطقهم الأصلية أو بالقرب منها خلال الفترة نفسها.
وكما وثقت تقارير سابقة، فصل داعش الأسرى حسب العمر والجنس وحالة الإعالة في عدد قليل من مواقع الاحتجاز في محافظة الموصل إذ كان الرجال والقاصرون الذين تزيد أعمارهم عن 12 عاماً يُؤخذون عادةً لمشاريع العمل القسري، بينما كان يتم تنظيم معظم النساء غير المتزوجات والقاصرات فوق سن التاسعة لبيعهن في نهاية المطاف بصفتهن سبايا لأعضاء داعش. جرى لمّ شمل بعض عائلات أولئك الذين اعتنقوا الإسلام قسراً لعدة أشهر بعد ذلك بوقت قصير في محافظة الموصل، ولكن بحلول أيار/ مايو 2015 جرى التفريق بينهم مرة أخرى.
لا يُعرف عدد الأسرى الإيزيديين الذين نُقِلوا في نهاية المطاف إلى سوريا في الأسابيع والأشهر التي تلت الهجوم على سنجار. في الواقع، لم يذهب بعض الأسرى الإيزيديين إلى سوريا على الإطلاق. وجد المركز السوري في مقابلاته بشأن العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي أن بعض النساء الإيزيديات بقين في العراق طوال فترة أسْرهن.
وتشير سجلات المخابرات العراقية إلى أن العشرات من أعضاء داعش المزعومين كانوا يقيمون مع نساء إيزيديات في قرية في شرق قضاء سنجار وفي بلدة بعاج حتى فترة متقدمة من عام 2017. فضلاً عن ذلك، لم يذهب جميع الأسرى الإيزيديين الذين أخرجهم عناصر داعش من العراق إلى سوريا. فبعد سقوط الموصل في حزيران/ يونيو 2014. على سبيل المثال، وُجد أن ثلاثة على الأقل من أعضاء داعش المزعومين كانوا يتاجرون بالنساء الإيزيديات من تلك المدينة إلى دول الخليج العربي.
رغم ذلك، تشير منظمات حقوق الإنسان عادةً إلى أن معظم الأسيرات الإيزيديات ذهبن إلى سوريا. هناك أيضاً فجوة بين الجنسين في تقديرات عدد الأسيرات/الأسرى الإيزيديين الذين نُقِلوا إلى سوريا. وركزت تقارير سابقة بشكل شبه حصري على الأسيرات الإيزيديات اللواتي نُقِلن إلى سوريا، مع قلة المعلومات المتاحة عن مصير الأسْرى الذكور – وخاصةً الأحداث الذين جنّدهم داعش.
غير أن ما يتضح من وثائق المركز السوري هو أنه بين آب/ أغسطس 2014 ومنتصف عام 2015، قام داعش بشكل ممنهج بأخذ ثلاث فئات واسعة من الأسرى الإيزيديين إلى سوريا بأعداد كبيرة: النساء غير المتزوجات والقاصرات اللواتي تبلغ أعمارهن 9 سنوات فأكثر، والنساء المتزوجات اللواتي لديهن أطفال ذكور وإناث تتراوح أعمارهم بين 7 و8 سنوات أو أقل على الترتيب، والأحداث الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و12 عاماً تقريباً.
وتم أخذ معظم الأسيرات اللواتي قابلهن المركز السوري للبيع المنظم كسبايا في مجموعات كبيرة تضم عادةً عشرات الإيزيديات من مجموعة من القرى. ولعب العديد من أعضاء داعش أدواراً حاسمة وطويلة الأمد في الإتجار بأسيرات وأسرى إيزيديين، بما في ذلك شخص واحد قابله عشرة ناجين في كل من محافظة نينوى وشمال شرق سوريا. وذهب الأسرى الذكور من الأحداث أحياناً إلى سوريا مع عائلاتهم قبل فصلهم، وأحياناً على أساس فردي بصفتهم مجندين في كتائب داعش على وجه الخصوص.
وتجدر الإشارة إلى أن عمليات نقل الأسرى استمرت بعد منتصف عام 2015، ولكن عادةً على أساس فردي مع تنقّل الآسرين من داعش بين مناطق العراق وسوريا الخاضعة لسيطرة التنظيم. غير أن غالبية الناجين من الإناث والذكور الذين قابلهم المركز السوري من أجل هذا التقرير – 69% و57% على الترتيب – نُقلوا إلى سوريا من العراق بحلول منتصف عام 2015. وظل جميعهم تقريباً في الأسْر هناك لعدة سنوات على الأقل، مع تمكن ثلاثة ناجين فقط ممن جرت مقابلتهم لغرض هذا التقرير من الفرار خلال الفترة 2014/2016.
مواقع الأسْر في سوريا
ذهبت جميع الناجيات الست عشرة اللواتي نُقلن إلى سوريا خلال هذه الفترة، باستثناء اثنتين، مباشرةً إلى الرقة. ونُقلن عموماً في البداية إلى مراكز الاحتجاز نفسها في الرقة. وصفت ما يقرب من نصف النساء اللواتي أُجريت معهن المقابلات أنهن نُقلن أولاً إلى مجمّع ريفي خارج مدينة الرقة – وهو على الأرجح نفس الموقع الذي أشارت إليه وثائق سابقة للإتجار بالإيزيديين باسم "المزرعة". وحدّد المركز السوري هذا المجمّع في موقع جنوب غرب مدينة الرقة بالقرب من قرية السحل على ضفاف نهر الفرات، ويعتقد أنه كان تحت إدارة أحد أعضاء داعش المعروف باسم أبو محمد العراقي.
وكما هو ثابت في الوثائق السابقة، استضافت مواقع احتجاز مثل مجمع السحل عمليات بيع أو مزادات منظمة لأسيرات إيزيديات ليشتريهن أفراد منتمون لداعش. وعادةً ما بقيت الأسيرات في مجمع السحل وغيره من مراكز الاحتجاز لعدة أسابيع، على الرغم من أنه في إحدى الحالات، بقيت إحدى الناجيات هناك لمدة أربعة أشهر.
وبعد مغادرة مرافق الاحتجاز، تم نقل الأسيرات خلال الفترة 2014/2016 إلى مواقع أصغر – عادةً ما تكون مساكن خاصة لأعضاء داعش الذين اشتروهن. وكن يمكثن عادةً في هذه المواقع لمدة ستة أشهر تقريباً، وينتقلن بين ثلاثة مواقع منفصلة في المتوسط خلال هذه الفترة. ويمثّل هذا النمط شكلاً أكثر استقراراً من أشكال الأسْر من ذلك الذي ميز الفترة من عام 2017 فصاعداً، عندما أجبر القصف المكثف والخسارة السريعة للأراضي أعضاء داعش وأسيراتهم الإيزيديات على التنقل بشكل متكرر.
وفي مدينة الرقة، كانت بعض الأحياء نقاطاً ساخنة لأسْر الإيزيديين، حيث اعتقدت 34% من الناجيات الإيزيديات اللائي تمت مقابلتهن لغرض هذا التقرير أنهن احتُجزن في منطقة بين مشفى الرقة الوطني ودوار النعيم ودوار الساعة. وكانت المعالم أو أسماء الأماكن المتكررة الأخرى نقاطاً ساخنة لنشاط داعش. وكانت المنطقة المحيطة بحي الادخار شمال غرب مدينة الرقة، حيث احتُجز ناجيان إيزيديان، مركزاً رئيسياً لمقاتلي داعش والعمليات العسكرية.

بقي معظم الناجين الذكور الذين قابلهم المركز السوري في محافظة الرقة خلال هذه الفترة، حيث احتُجزوا عادةً في عدة معسكرات تدريب أو مقرات عسكرية مختلفة لداعش لمدة ستة أشهر تقريباً في كل مرة. والجدير بالذكر أن اثنين من الناجين الذكور نُقلا بسرعة إلى بلدات وقرى في محافظة حلب، إلى جانب قريباتهما اللواتي فُصلن عنهما في النهاية. وكما هو الحال مع غيرهم من الأسرى الذكور، نُقل هؤلاء الناجون إلى معسكرات للتدريب على الأسلحة أو إلى مقرات قادة داعش للقيام بالأعمال المنزلية.
شبكات أعضاء داعش
نُقلت الناجيات الإيزيديات اللواتي قابلهن المركز السوري لغرض هذا التقرير بين أعضاء داعش بمعدل خمس أعضاء تقريباً خلال فترة أسرهن في سوريا بين عامي 2014 و2016. ويبدو أن تكرار الأعضاء كان ضئيلاً نسبياً: فمن بين 84 عضواً مختلفاً في داعش حددتهن الأسيرات الإيزيديات في مواقع مختلفة في سوريا خلال هذه الفترة، ظهر اثنان فقط في أكثر من رواية ناجية.
وكانت الأرقام متقاربة بين الناجين الذكور: فقد ورد اسم 22 عضواً مختلفاً فقط في شهادات الناجين الذكور بشأن أسْرهم في سوريا بين عامي 2014 و2016، ولم يتكرر أي اسم في الروايات المختلفة. ونُقل الأسرى الذكور بين التنظيمات التابعة لداعش ثلاث مرات تقريباً خلال هذه الفترة. وقد يعكس قلة عدد من قابلوا الأسرى الذكور من تنظيم داعش، ونُقلوا أيضاً مرات أقل خلال هذه الفترة، انخراط عدد أقل نسبياً من الأفراد في إدارة شؤون المجندين الأحداث الذكور.
هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أهمية الجنسية في تحديد عمليات نقل الأسيرات/الأسرى الإيزيديين. إذ من بين 48 عضواً في داعش حددهم الناجون الإيزيديون حسب بلدانهم الأصلية، وجد أن ما يقرب من نصفهم يحملون الجنسية السعودية. ويشير حجم العينة المحدود للغاية إلى أنه خلال هذه الفترة، غالباً ما كان أعضاء التنظيم يتاجرون بأسيرات/أسرى إيزيديين بين مواطنيهم: أكثر من 75% من حالات الإتجار بين الأعضاء من نفس الجنسية وقعت بين عامي 2014 و2016.

الحوادث التي نجم عنها وفيات والتخلص من الرفات
تشير وثائق المركز السوري إلى أن الوفيات في سياق التعذيب والانتحار والقتل خارج نطاق القضاء كانت الأكثر شيوعاً في هذه المرحلة من أسْر الإيزيديات/الإيزيديين، وحدثت هذه الوفيات في مرافق الاحتجاز والمعسكرات ومواقع الأسر طويل الأمد. ومن الجدير بالذكر أيضاً أن الوفيات في صفوف الإيزيديين ربما حدثت نتيجة للقصف والقذائف التي بدأت تستهدف المناطق التي كان الإيزيديون محتجزين فيها أسرى في الفترة 2014/2016. غير أن الغارات الجوية على وجه الخصوص كانت لا تزال محدودة النطاق نسبياً في هذه المرحلة، ولم يعلم المركز السوري بأي وفيات إيزيدية ناجمة عنها خلال هذه الفترة.
وعلى الرغم من أن الناجين الإيزيديين أخبروا المركز السوري عن حوادث وفيات متعددة شهدوها خلال هذه الفترة، إلا أنهم نادراً ما تمكنوا من التعرف على الضحايا بأسمائهم القانونية أو كنياتهم الأصلية. أشار أعضاء داعش عموماً إلى الأسرى الإيزيديين بأسماء جديدة أطلقوها عليهم؛ ونتيجة لذلك، فإن الناجين الإيزيديين الذين واجهوا أسرى آخرين خلال فترة وجودهم في مكان معين غالباً ما عرفوا فقط الأسماء المخصّصة لهؤلاء.
وتمكن المركز السوري من تحديد الاسم القانوني أو الكنية الأصلية لاثنين فقط من الضحايا الإيزيديين الذين ماتوا في سوريا في هذه الفترة. في إحدى هاتين الحالتين، ووفقاً لأحد الناجين الذي شهد الواقعة، انتحرت امرأة من قرية كوجو في سنجار في مدينة الرقة في آب/ أغسطس 2014 في منزل أحد أعضاء داعش الذي قيل إنه يحمل الجنسية السعودية.
ومن غير الواضح ما حدث لرفات هذه الضحية أو غيرها ممن لقوا حتفهم في حوادث مميتة خلال هذه الفترة. وبالنظر إلى أن الأسرى الإيزيديين كانوا يُنقلون بانتظام إلى مؤسسات طبية مثل مشفى الرقة الوطني لتلقي العلاج، ويفترض أن الموظفين المرتبطين بهذه المؤسسات تخلّصوا من رفات أولئك الذين قضوا تحت رعايتهم: فكانوا إما يُدفنون في قبور فردية في مقابر مدنية مثل مقبرة شهداء تل البيعة على المشارف الشرقية لمدينة الرقة، أو في مقابر غير رسمية/مؤقتة مثل موقع مقبرة تل الشيخ خضر التي تم إنشاؤها في منطقة السلحبية الغربية خارج مدينة الرقة مباشرة.
مع تزايد أعداد ضحايا داعش تحت وطأة هجمات التحالف المكثفة، نُقلت أسيراتهم الإيزيديات عادةً إلى مضافات في بلدات ومدن مثل الميادين والشعفة والسوسة والباغوز. وكن يبقين في هذه المضافات رهن الاحتجاز لدى نساء داعش، عادةً حتى يختارهن رجال داعش للشراء أو الزواج
ومن المرجّح أن يتطلّب المزيد من التحقيق في هذا النوع من الحالات إجراء مقابلات مع الموظفين العاملين في المؤسسات الطبية المحلية في هذه الفترة. ربما تكون رفات الضحايا الإيزيديين الذين لقوا حتفهم في مراكز احتجاز كانت سرية في العادة، مثل مجمع السحل، قد سلكت مساراً مختلفاً، وتتطلب تحقيقات جنائية في تلك المواقع الفردية.
ثانياً: الإتجار بالبشر في دير الزور (2017 – مطلع 2019)
أدّى هجوم التحالف على مدينة الرقة عام 2017، بما في ذلك الحملة الجوية الضخمة التي بدأت قبل أشهر من الهجوم البري في تشرين الأول/ أكتوبر، إلى نزوح العديد من عناصر داعش وأسراهم الإيزيديين من المدينة بحلول ذلك الوقت. وبالفعل، بحلول بداية العام، غادرت نحو 75% من الناجيات اللواتي قابلهن المركز السوري الرقة إلى دير الزور، ولم يبقَ في المدينة سوى 25% منهن طوال معظم هذا العام.
علماً أن عمليات إطلاق سراح الإيزيديين تسارعت أيضاً خلال هذه الفترة، حيث فرّ عناصر داعش بشكل متزايد من سوريا وسط فقدان التنظيم سيطرته على الأراضي، وباعوا أسراهم للمهربين. وانتهى الأسر في هذه الفترة لنحو نصف الناجيات اللواتي تمت مقابلتهن لهذا التقرير (مقارنةً بواحد فقط من بين الناجين السبعة الذكور). وبحلول كانون الثاني/ يناير 2019، عشية حصار الباغوز وتمركز الأسرى الإيزيديين في ذلك الموقع، نُقل جميع الناجين الذين تمت مقابلتهم لهذا التقرير، باستثناء واحد، إلى محافظة دير الزور.
مواقع الأسْر
ازداد عدد مواقع الأسْر بشكل كبير خلال الفترة الممتدة من عام 2017 إلى مطلع عام 2019 إذ احتُجزت الناجيات في 12 موقعاً في المتوسط قبل وصولهن إلى الباغوز في شباط/ فبراير 2019، وعادةً ما كنّ يمكثن في كل موقع لمدة شهر أو شهرين فقط في كل مرة. ويختلف هذا عن مسار الأسرى الذكور، الذين استمروا في البقاء في موقع معين لأكثر من ستة أشهر، ولم يمروا، في المتوسط، إلا بموقعين أو ثلاثة مواقع خلال هذه الفترة.
وكانت معظم المواقع التي ظهرت في هذه المرحلة من الأسْر مساكن خاصة ومقرات لقادة معينين من داعش. وتشير شهادات العديد من الناجيات إلى أن الاحتجاز في المضافات – وهي بيوت ضيافة مخصصة للنساء فقط، كان داعش يحتجز فيها بانتظام النساء السوريات والأجنبيات اللاتي فقدن أولياء أمورهن الذكور – أصبح أكثر شيوعاً للأسيرات في هذه الفترة. ومع تزايد أعداد ضحايا داعش تحت وطأة هجمات التحالف المكثفة، نُقلت أسيراتهم الإيزيديات عادةً إلى مضافات في بلدات ومدن مثل الميادين والشعفة والسوسة والباغوز. وكن يبقين في هذه المضافات رهن الاحتجاز لدى نساء داعش، عادةً حتى يختارهن رجال داعش للشراء أو الزواج.
شبكات أعضاء لداعش
اتسمت شبكة أعضاء داعش الذين يتاجرون بأسرى إيزيديين بتنظيم أكبر قليلاً بين عامي 2017 و2019. والجدير بالذكر أن عدد أعضاء داعش المختلفين المذكورين في روايات الناجين من الإناث والذكور خلال هذه الفترة انخفض من 84 إلى 50 لدى الناجيات، ومن 19 إلى 12 لدى الناجين. وبالتالي، حتى مع ازدياد وتيرة نقل الأسرى الإيزيديين بين المواقع الجغرافية، فقد احتُجزوا لدى نفس الأعضاء لفترات أطول. ونُقلت الناجيات بين مختلف أعضاء داعش ثلاث مرات فقط في المتوسط خلال الفترة من 2017 إلى مطلع 2019، ونُقل الناجون مرات أقل.
وظهر أعضاء داعش الذين يحملون نفس الأسماء المستعارة في العديد من روايات الناجين/ات، وربما كان ذلك يشير بالفعل إلى نفس الشخص. وعاد العديد من أعضاء داعش الذين التقت بهم إحدى الناجيات في بداية أسرها في سنجار إلى الظهور في رواية ناجية أخرى تم الإتجار بها إلى دير الزور بحلول عام 2017. وقد تعكس هذه الأنماط حقيقة أنه مع تزايد دفع أعضاء داعش إلى شرق دير الزور، ضاق النطاق الجغرافي لسوق الأسرى الإيزيديين.
وبالتالي، في حالة معينة، قد يكون العضو نفسه في التنظيم قد تكرر في ثلاث مقابلات مختلفة مع الناجين/ات. وإذا كان الاسم المستعار يشير إلى نفس الشخص، فإن هذا العضو السعودي المزعوم قد انتقل من مدينة حلب في أيار/ مايو 2015 إلى مدينة الميادين بحلول تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، وأخيراً إلى بلدة الباغوز بحلول آذار/ مارس 2019. وقد يسمح التجمع الملحوظ لأعضاء داعش في شرق دير الزور خلال هذه الفترة بإجراء تحليل منهجي للشبكة، بهدف التنبؤ بمسار الإيزيديين المفقودين الذين شوهدوا آخر مرة مع هؤلاء الأفراد.
الحوادث التي نجم عنها وفيات والتخلص من الرفات
كانت الوفيات في صفوف الإيزيديين نتيجة استخدام الأسلحة المتفجرة الثقيلة – من قبيل الغارات الجوية والقصف المدفعي وقذائف الهاون – أكثر أنواع الوفيات شيوعاً التي وثقها المركز السوري منذ عام 2017 فصاعداً. وبالطبع، استمرت وفيات الإيزيديين الناجمة عن الانتحار والتعذيب والإعدامات. على سبيل المثال، شهد أحد الناجين الذكور وفاة طفل إيزيدي مجند تحت التعذيب في بلدة الشعفة في وقت ما بين منتصف عام 2017 ومطلع عام 2019، يُزعم أنه ذهب إلى المشفى لتلقي العلاج قبل أن يموت متأثرًا بجراحه.
غير أن حالات الوفاة الخمس الأخرى التي وثقها المركز السوري لهذه الفترة، تضمنت جميعها أشكالاً مختلفة من القصف، لم يتمكن الناجون عادةً من التمييز بينها. وهذا ليس مفاجئاً نظراً لأن هجمات التحالف تكثفت بشكل كبير في الأراضي الخاضعة لسيطرة داعش منذ عام 2017 فصاعداً، ما أدّى إلى وقوع خسائر بشرية هائلة في صفوف المدنيين نتيجة لذلك.
وثّق المركز السوري خمس حوادث وفاة فردية أو جماعية شملت إيزيديين في هذه الفترة، وحصل على الأسماء الأصلية الكاملة أو أجزاء منها للضحايا الذين لقوا حتفهم في ثلاث منها. وعلى الرغم من أن جميع هذه الحوادث وقعت في محافظة دير الزور، فمن المرجح جداً أن القصف على مدينة الرقة أدّى أيضاً إلى وفيات في صفوف الإيزيديين.
ويُفترض أن رفات ضحايا هذه الاعتداءات قد تم التخلص منها بطريقة مماثلة لرفات الضحايا الآخرين في ذلك الوقت – إذ دُفنت في إحدى المقابر الجماعية التي حُفرت في جميع أنحاء مدينة الرقة حيث منع حصار التحالف الوصول إلى المقابر التقليدية خارج المركز الحضري. وفي هذا السياق، يُشار إلى أن بعض المقابر الجماعية في مدينة الرقة من عام 2017 كانت تقع بالقرب من نقاط ساخنة لاحتجاز الإيزيديين. وتقع مقبرة ملعب الرشيد الجماعية، التي حُفرت بين آذار/ مارس وأيار/ مايو 2017، حيث سبق القصف الجوي والمدفعي وصول القوات البرية للتحالف، في منطقة احتُجز فيها ثمانية ناجين خلال فترة أسْرهم في مدينة الرقة.
وتم استخراج ما يقرب من 392 جثة من هذه المقبرة الجماعية في نهاية المطاف. ووجد التحليل الجنائي الأولي أن العديد من الرفات قد دُفنت في أكياس جثث من مشفى الرقة الوطني القريب، مع تحديد ما لا يقل عن 68 رفات على أنها لإناث. ويجب مقارنة ملفات تعريف الحمض النووي المُستقاة من عينات رفات الإناث على وجه الخصوص بعينات الحمض النووي المرجعية من عائلات الإيزيديين المفقودين.
ويبدو أن التخلص العشوائي نسبياً من الرفات في مقابر مرتجلة أو غير رسمية قد حدث في المناطق النائية من محافظة دير الزور التي استهدفتها العديد من هجمات التحالف خلال هذه الفترة. ويختلف هذا مع المراكز الحضرية الكبرى مثل مدينة الرقة، حيث استمرت المؤسسات الطبية، كما ذُكِر في القسم السابق، في العمل واستقبال رفات الموتى لدفنها في مقابر رسمية طوال معظم الفترة التي سيطرة فيها تنظيم داعش.
ورغم وجود تقارير عن مقابر جماعية في أماكن مثل مدينة الميادين وبلدة غرانيج – حيث من المعروف وقوع وفيات بين المدنيين نتيجةً لهجمات التحالف الدولي وعمليات الإعدام الميدانية التي نفذها داعش – تشير الوثائق المتاحة من البلدات والقرى الصغيرة شرق محافظة دير الزور إلى أن المقابر الفردية كانت أكثر شيوعاً هنا على الأرجح. ويختلف هذا عن مناطق مثل الباغوز التي استضافت أعداداً كبيرة من عناصر داعش والمدنيين لفترة طويلة من الزمن.
ونظراً لقتل بعض الضحايا الإيزيديين مع عناصر داعش في نفس هجمات التحالف الدولي، فمن المرجح أن رفاتهم تُركت تحت أنقاض المباني المنهارة، ولم تُستخرج وتُدفن إلا لاحقاً في مقابر غير رسمية جديدة أو كتوسعات مرتجلة للمقابر الرسمية القديمة. وفي كثير من الحالات في دير الزور، من المرجح أنه لم يكن هناك أي عملية دفن على الإطلاق. وفي بلدة هجين، حيث احتُجِز 10 ناجين تمت مقابلتهم لغرض هذا التقرير في نقاط مختلفة، انتُشِلت أكثر من 100 جثة من مباني منهارة وشوارع حضرية وأراضي زراعية ريفية بعد انسحاب داعش من البلدة في كانون الأول/ ديسمبر 2018.

بحلول أواخر عام 2018، اختطفت أسيرة يزيدية تُدعى شيرين من قبل أحد أعضاء داعش، ويُقال إنه سعودي الجنسية. عاشت شيرين وامرأتان إيزيديتان أخريان مع خاطفهن، الذي تعرّفت عليه ناجية من خلال اسمه المستعار، بجوار مسجد الخلافة مباشرة بين قريتي الكشمة والشعفة شرقي دير الزور. وبين 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 و11 كانون الثاني/ يناير 2019، أدّى القصف والقذائف إلى تدمير المنطقة بشدّة وتسوية العديد من المباني حول مسجد الخلافة بالأرض. وأصيبت النساء الإيزيديات الثلاث بجروح خطيرة في الهجوم ونُقلن إلى مشفى الشعفة القريب لتلقي العلاج، وتوفيت شيرين متأثرة بجراحها بعد ذلك بوقت قصير.

ولا تعرف الناجية التي شهدت هذه الواقعة ما حدث لرفات شيرين. غير أن أفراداً من المجتمع المحلي أبلغوا موظفي المركز السوري وفريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري أنهم دفنوا رفات ضحايا هذا الهجوم تحديداً في قبور غير موسومة في مقبرتين على مشارف قرية الشعفة. وفي زيارات ميدانية حديثة للمقبرتين، عثر موظفو المركز السوري وفريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري على عشرات القبور المجهولة/غير الموسومة.
وتشير صور الأقمار الصناعية إلى حدوث اضطرابات في سطح الأرض، بما يتوافق مع حفر قبور في إحدى المقبرتين خلال الفترة نفسها. وبالتالي، فإن حادثة وفاة الإيزيديات هذه تُمثل حالة هامة لمزيد من التحقيق، وربما لاستخراج الجثث وتحليل الطب الشرعي واختبار الحمض النووي بشكل مُستهدف.

ثالثاً: الباغوز وتداعياتها (من مطلع عام 2019 فصاعداً)
إذا كان الأسرى الإيزيديون قد تشتتوا جغرافياً على مدار نصف عقد من الإتجار، فإن انسحاب العديد من عناصر داعش إلى المنطقة المحيطة ببلدة الباغوز شرق محافظة دير الزور قد لمّ شمل العديد منهم فعلياً. إذ نُقل جميع من كانوا لا يزالون أسرى في بداية عام 2019 إلى الباغوز – نحو نصف جميع الناجين الذين تمت مقابلتهم لغرض هذا التقرير – وقامت قوات التحالف باقتياد معظمهم إلى مخيم الهول. وتجدر الإشارة إلى أن الإيزيديين وخاطفيهم من داعش لم يكونوا السكان الوحيدين الذين تجمعوا حول الباغوز بحلول شباط/ فبراير 2019، حيث أدّى القتال بين داعش وقوات التحالف إلى نزوح آلاف المدنيين إلى المنطقة، ناهيك عن الأسرى والمعتقلين غير الإيزيديين الذين أحضرهم داعش معهم أيضاً.
مواقع الأسْر
احتُجز الإيزيديون في منازل في بلدة الباغوز نفسها (باغوز الفوقاني) التي استولى عليها قادة داعش، وفي مساكن مؤقتة في منطقة قريبة غالباً ما أشار إليها الناجون/يات باسم مخيم الباغوز. وكان الأخير عبارة عن امتداد للخيام والخنادق والأنفاق التي ظهرت في منطقة محاذية لنهر الفرات مباشرة بين 25 كانون الثاني/ يناير و3 آذار/ مارس 2019. وعلى النقيض من المراحل السابقة في مسارهم، لم يعد العديد من الإيزيديين محصورين في مساحات خاصة للأسر بحلول هذه المرحلة. إذ روى العديد من الناجين/ات كيف تفاعلوا، خلال الأسابيع الستة تقريباً التي يبدو أن معظمهم قضوها في مخيم الباغوز، مع عشرات الإيزيديين الآخرين – سواء في المغامرة بالخروج لجلب الطعام والماء أو في الاحتماء تحت الأرض للهروب من القصف.
شبكات أعضاء داعش
يبدو أن شبكات التهريب التابعة لداعش قد انهارت إلى حد ما في الباغوز. من بين الناجين الأربعة عشر الذين تم نقلهم إلى الباغوز، أشار ستة إلى أنه لم يكن هناك أي عضو معين من داعش يحتجزهم أسرى، وأشار خمسة إلى أعضاء من داعش لم يكونوا على اتصال بهم من قبل؛ في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن ناجيتين إيزيديتين نُقلتا إلى الباغوز من قبل نفس أعضاء داعش الذين احتُجزتا لديهم بشكل مستمر تقريباً منذ عام 2015.
ولكن من المرجح أن تكون الحالتان الأخيرتان استثناء يثبت القاعدة: فقد أدت هجمات التحالف إلى مقتل العديد من عناصر داعش بشكل يومي، وأصبحت فرص الهروب من الخاطفين أكثر تكراراً – بما في ذلك من خلال الممرات الإنسانية التي فتحتها قوات التحالف في أواخر شباط/ فبراير 2019.
الحوادث التي نجم عنها وفيات والتخلص من الرفات
حصل المركز السوري على الأسماء الأصلية الكاملة أو الجزئية لخمسة إيزيديين لقوا حتفهم في حوادث في الباغوز مطلع عام 2019. في جميع هذه الحالات، رأى الناجون ضحايا يموتون في مخيم الباغوز نتيجة استخدام أسلحة متفجرة ثقيلة أو نيران أسلحة صغيرة خلال هجوم قوات التحالف. ويبدو أن العديد من الرفات قد دُفنت في مقابر مؤقتة، سواء من قِبل المتواجدين في المخيم أثناء الحصار أو من قِبل أفراد المجتمع المحلي في أعقاب هجوم التحالف.


على سبيل المثال، يشهد السكان المحليون على وجود تلال ترابية طويلة متعددة يُزعم أنها تحتوي على مقابر جماعية في الموقع السابق لمخيم الباغوز، لكن موظفي المركز السوري وفريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري لم يتمكنوا من توثيق الموقع بسبب وجود ذخائر غير منفجرة. وأفادت تقارير بتغير حال بعض التلال نتيجةً لاستئناف النشاط الزراعي في أجزاء من الموقع السابق لمخيم الباغوز، بالإضافة إلى محاولات التنقيب عن المقتنيات الثمينة في المنطقة. إلا أن أجزاءً أخرى، بحسب التقارير، ظلت سليمةً نسبياً منذ ذلك الحين.

ورغم إمكانية إجراء بعض عمليات استخراج الجثث من قبور فردية، إلا أن المقابر الجماعية الخمس التي أُبلغ عنها في جميع أنحاء بلدة الباغوز تحتوي على الأرجح على رفات مختلطة، مما يستدعي إجراء اختبارات الحمض النووي الجماعية لتحديد هويات الضحايا من خلال الطب الشرعي. وعندما يصبح إجراء فحص كامل للموقع السابق لمخيم الباغوز ممكنًا، ينبغي مقارنة أي ملفات تعريف للحمض النووي الناتجة عن استخراج الرفات بعينات الحمض النووي المرجعية من عائلات الإيزيديين المفقودين.
بعد أن فقد عباس والده في هجوم داعش على سنجار، وما عاناه لسنوات من الأسر عقب ذلك، وجد نفسه بحلول شباط/ فبراير 2019 مختبئاً في نفق بمخيم الباغوز. وعلى الرغم من أن الظروف القاسية التي فرضها حصار الباغوز دفعت عباس إلى أكل الحبوب البرية أثناء محاولته النجاة من القصف اليومي للمخيم، إلا أنه على الأقل قد التقى بأمه وخالته، اللتين كانتا مأسورتين لدى داعش أيضاً.
وعندما تفاوضت قوات التحالف وداعش على وقف إطلاق نار إنساني في أواخر شباط/ فبراير، خاطر الثلاثة بالسير في الطريق الذي سيقودهم إلى الأراضي التي تسيطر عليها قوات التحالف والمتمركزة فوق المخيم على طول سلسلة جبال الباغوز. ولكن، بمجرد وصولهم إلى سلسلة الجبال، ولقائهم بصبيين مراهقين إيزيديين على طول الطريق، انفجرت بالقرب منهم قذيفة هاون بحسب ما شاهده الناجون – مما أسفر عن مقتل عباس وإصابة والدته بجروح خطيرة.

وساعد الصبيان المراهقان خالة عباس على عجل في لف جثته ببطانية خضراء قبل دفنه بمحاذاة السلسلة في مكان يتذكره الناجون بأنه بجوار صخرة كبيرة وقبرين مؤقتين آخرين. وفي زياراتهم الأخيرة إلى الباغوز، وبالتعاون مع عائلة عباس، حدد موظفو المركز السوري وفريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري المنطقة التقريبية من سلسلة الجبال التي قُتل ودُفن فيها عباس. ويعملون الآن على تحديد موقع القبر نفسه، على أمل أن تُتيح عملية استخراج مُستهدفة وتحليل الطب الشرعي للجثة إعادة رفات عباس إلى عائلته.

بعد الباغوز
انتهى أسر بعض الإيزيديين في الباغوز، بعد أن تمكنوا من الوصول إلى الأراضي التي تسيطر عليها قوات التحالف وأثبتوا لقوات التحالف أنهم ليسوا منتمين لداعش. غير أن هذا السيناريو كان غير شائع بين الناجين الذين تمت مقابلتهم لغرض هذا التقرير؛ حيث دخل معظمهم إلى مراكز احتجاز التحالف، وبقي عدد قليل منهم مع آسريهم من داعش الذين تمكنوا من تأمين ممر آمن للخروج من الباغوز.
وفي حالتين من هؤلاء وثّقهما المركز السوري، نُقل الناجون بالتناوب إلى مواقع خلايا داعش النائمة في دير الزور، وإلى مناطق شمال غرب سوريا التي فرّ إليها العديد من أعضاء داعش مع العديد من المقاتلين السلفيين الجهاديين الآخرين في الصراع السوري منذ عام 2017 فصاعداً. وتشير أدلة سردية محدودة إلى أن العديد من النساء الإيزيديات، إن لم يكن معظمهن، ممن بقين في أسر داعش في سوريا نُقلن إلى محافظة إدلب.
كما نُقل مئات الإيزيديين إلى منشآت تابعة للتحالف تديرها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، سواء كانت معسكرات الاعتقال شديدة الحراسة مثل الهول وروج أو منشآت احتجاز رسمية مثل سجنيّ سيني وبانوراما. ومن بين الناجين الثلاثين الذين تمت مقابلتهم لغرض هذا التقرير، نُقل سبعة إلى مخيم الهول. وعلى الرغم من أن معظمهم لم يبقوا في مخيم الهول إلا لعدة أشهر، إلا أن أحد الناجين ظل محتجزاً هناك حتى أيلول/ سبتمبر 2022.
وتشير السجلات الموجودة في مرافق الأمن التابعة للأسد في شمال شرق سوريا إلى أنه في عام 2019، احتُجز أكثر من 4,300 فرد من محافظة نينوى في مخيم الهول وحده. وعلى الرغم من أن غالبية هؤلاء الأفراد كانوا على الأرجح محتجزين عرباً أو كرداً أو أعضاء داعش من نينوى، يعتقد المركز السوري أن العديد من الأسماء على الأقل تخص إيزيديين، بما في ذلك شخص واحد على الأقل قد لا يزال محتجزاً في مخيم الهول حالياً.

وأفاد الناجون أيضاً برؤية قوات التحالف تعتقل العشرات من الذكور الإيزيديين في الباغوز في آذار/ مارس 2019، حيث احتجزت هذه القوات أكثر من 6,000 رجل وفتى يُعتقد أنهم منتمون لتنظيم داعش. ويُرجّح أن هؤلاء الرجال الإيزيديين نُقلوا إما إلى سجني سيني أو بانوراما في الشدادي والحسكة على الترتيب، واحتُجزوا بمعزل عن العالم الخارجي دون تهمة أو محاكمة.
بالنسبة لـ"العشرات" وربما المئات من الإيزيديين الذين يُعتقد أنهم لا يزالون محتجزين في مرافق التحالف الدولي ضد داعش في شمال شرق سوريا، فإن السياق السياسي المتغيّر لسوريا ما بعد الأسد يقدم فرصة لإحراز تقدّم.
كما أفادت تقارير بأن قوات التحالف نقلت قاصرين إيزيديين من الذكور خارج مخيمات مثل الهول وروج – حيث نُقلوا في البداية مع العديد من النساء والأطفال الإيزيديين – إلى مرافق الاحتجاز الرسمية هذه. ووفقاً لتقارير سابقة، أُعيد أكثر من 400 إيزيدي إلى وطنهم من مرافق قوات التحالف (سجون ومخيمات) بين عامي 2019 و2024.
الاستنتاجات والخطوات المستقبلية
يُشاع أن معظم الإيزيديين المفقودين، والبالغ عددهم نحو 2,800، موجودون على الأرجح في سوريا. وفي حين لم يُحرَز سوى تقدم ضئيل في تحديد مصير هؤلاء الأفراد وأماكن وجودهم على مدى العقد الماضي، فإن مهمة العثور عليهم ليست مستحيلة. ويضع هذا التقرير إطاراً لفهم حوادث اختفاء الإيزيديين خلال فترات الصراع المختلفة، والتي يمكن استخدامها كأساس لإجراء مزيد من التحقيقات. ولكي تنجح تحقيقات من هذا القبيل على نطاق واسع، فإن التنسيق والتعاون بين الجهات المعنية ضروريان.
وبالنسبة لـ"العشرات" وربما المئات من الإيزيديين الذين يُعتقد أنهم لا يزالون محتجزين في مرافق التحالف في شمال شرق سوريا، فإن السياق السياسي المتغيّر لسوريا ما بعد الأسد يقدم فرصة لإحراز تقدّم. وبينما تسعى الدول إلى وضع خطط للتعاون الإقليمي حول الملف الأمني لداعش مع دور أكبر للحكومة السورية الجديدة، تقوم قوات التحالف بإفراغ مخيمات مثل الهول – الذي انخفض عدد سكانه بنحو النصف منذ عام 2019 إلى ما يقرب من 38,000 شخص اليوم.
ويجب أن يكون هناك تنسيق أكبر بين السلطات السورية والعراقية وسلطات التحالف من جهة، والمنظمات الإنسانية وحقوق الإنسان الدولية والسورية والإيزيدية من جهة أخرى حتى يمكن تحديد هوية الأفراد الإيزيديين في سكان المخيم وإعادتهم إلى وطنهم بأمان، إذا كان هذا هو خيارهم المفضل. وقد تسهّل الموارد المتاحة حديثاً، مثل قوائم مخيم الهول المشار إليها في القسم الثالث من هذا التقرير، هذه الجهود.
وتنشأ الصعوبات بطبيعة الحال من حقيقة أن العديد من الإيزيديين المحتجزين لدى التحالف يترددون في التقدّم بطلب الإعادة إلى الوطن. وفقاً للناجين الذين قابلهم المركز السوري، يخشى العديد من الإيزيديين من أن القيام بذلك قد يؤدي إلى خطر مواجهة الانتقام العنيف من قبل أعضاء داعش في مخيمات مثل الهول، ورفضهم من قبل مجتمعاتهم الأصلية، والانفصال عن أفراد عائلاتهم المقربين، وخاصة أطفال الأسيرات.
وشهدت مرافق الاحتجاز الرسمية مثل سجن سيني حركة أقل من المخيمات، ويظل من الضروري أن تحدد قوات التحالف هوية جميع المدنيين وتطلق سراحهم بأمان – بمن فيهم الرجال والفتيان الإيزيديين – في حال لم توجّه إليهم أي تهم. ولم تتم الاستجابة حتى الآن للمطالبات التي قدّمتها منظمات حقوق الإنسان منذ فترة طويلة بالكشف المنهجي والشفاف عن جنسيات معتقلي التحالف، حتى مع استمرار الإجراءات القانونية غير الرسمية في شمال شرق سوريا.
وفي ما يتعلّق بمئات الإيزيديين الذين يُحتمل أن يكونوا على قيد الحياة في الأسْر بسوريا، قد لا يكون هناك بديل عن العمل الشاق المتمثل في تتبّع أفراد داعش الذين شوهد الإيزيديون المفقودون معهم آخر مرة. وإن تحديد مكان الإيزيديين الذين ما زالوا على قيد الحياة في مواقع الأسْر السرية في سوريا أكثر صعوبة، وسيتطلّب تتبّع سلسلة الأفراد – بعضهم قد لا يكون منتميًا لداعش في هذه المرحلة – الذين تم الإتجار بهم من خلالها مؤخراً.
ويمكن لشهادات الناجين الذين عادوا مؤخراً من سوريا أن تساعد في تسليط الضوء على هذه الشبكات والأماكن المحتملة للإيزيديين المفقودين الذين ما زالوا على قيد الحياة في الأسْر. وكما أوضح هذا التقرير، يمكن أن تكون هذه الشهادات ذات قيمة خاصة عند دمجها بشكل مدروس مع المعلومات المتاحة حديثاً حول هويات وأنشطة عناصر داعش. ويُعدّ تعزيز تبادل المعلومات بين المنظمات السورية والإيزيدية التي جمعت شهادات الناجين أمراً بالغ الأهمية لإنتاج نوع من تحليل الشبكات ذي الدلالة الإحصائية الذي قد يشير إلى المواقع المحتملة للإيزيديين الذين ما زالوا في الأسر في سوريا اليوم.
يمكن إحراز تقدم فوري في البحث باستخدام الأدلة الجنائية/الطب الشرعي عن إيزيديي العراق الذين لقوا حتفهم في الأسْر في سوريا، وهم فئة تُقدّر أعدادها بالعشرات. فما الذي يعرقل ذلك؟
ويمكن إحراز تقدم فوري في البحث باستخدام الأدلة الجنائية/الطب الشرعي عن الإيزيديين الذين لقوا حتفهم في الأسْر في سوريا، وهم فئة تُقدّر أعدادها بالعشرات، ومن المرجح أن تضم مئات الضحايا الإيزيديين. وعلى المدى القصير، تتمتع منظمات مثل فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري بخبرة واسعة في تحديد الحالات ذات السياق المغلق، حيث يُعتقد أن ضحايا إيزيديين معينين دُفنوا فرادى في قبور فردية. وهي مستعدة لاستخراج رفات هذه القبور وإجراء تحليل الحمض النووي لتأكيد هوية الضحايا وإعادة رفاتهم إلى عائلاتهم.
وقد حدد هذا التقرير بالفعل ما يقرب من 12 حالة وفاة ومواقع مهمة يمكن أن ترسي الأساس لمثل هذه التحقيقات في المستقبل. ويعتزم المركز السوري وفريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري متابعة هذه الحالات في الأشهر المقبلة، بالتواصل الوثيق مع عائلات الضحايا الإيزيديين.
كما ينبغي مواصلة التحقيقات السياقية الأوسع نطاقاً، لتطوير فهم حالات اختفاء الإيزيديين ووفياتهم خلال الفترات الثلاث التي حددها هذا التقرير. كما يجب تحليل واستخدام الوثائق المتاحة حديثًا، بما في ذلك السجلات التي أنتجها داعش والتي أنتِجت حول داعش، والتي لم تتمكن منظمات حقوقية مثل المركز السوري من الوصول إليها إلا مؤخراً، خصيصاً لغرض تتبع حالات اختفاء الإيزيديين وغيرهم من المفقودين.
ويمكن أن تكشف هذه التحقيقات عن حالات جديدة في سياق مغلق بمرور الوقت – على سبيل المثال، من خلال تطوير تحليل شبكي قوي لمواقع عناصر داعش بمرور الوقت – بالإضافة إلى مواقع أكثر تعقيداً مثل مخيم الباغوز حيث يُحتمل أن يكون الضحايا الإيزيديون قد دُفِنوا في مقابر جماعية واختلطت رفاتهم.
على المدى الطويل، ينبغي على الجهات المسؤولة عن التحقيقات في شؤون الأشخاص المفقودين داخل الحكومة السورية الجديدة بناء علاقات مع نظيراتها والعائلات في العراق لضمان أن تشمل عمليات الأشخاص المفقودين في سوريا الضحايا الإيزيديين. ومن المرجح أن يتطلب تحديد هوية الضحايا الإيزيديين في أكثر المقابر الجماعية تعقيداً، حيث لا شك أن رفات الإيزيديين قد اختلطت برفات ضحايا آخرين لقوا حتفهم في الأراضي الخاضعة لسيطرة داعش، تحليلاً واسع النطاق للحمض النووي.
وسيتطلّب هذا تعاوناً مكثّفاً عبر الحدود، بما في ذلك مشاركة عينات مرجعية من الحمض النووي من عائلات الضحايا الإيزيديين، والنقل الدولي للرفات، وعملية توافق بموجبها السلطات العراقية على الاعتراف بشهادات الوفاة وغيرها من الأوراق القانونية اللازمة وإصدارها، بناءً على التعرف على الهوية باستخدام الأدلة الجنائية/الطب الشرعي الذي تم إجراؤه في سوريا. ويمكن تنسيق هذا التعاون الدولي من خلال منظمة دولية، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ذات خبرة في التحقيق في شؤون المفقودين عبر الحدود.
ورغم صعوبة هذه الجهود طويلة الأمد، إلا أن فهم المحققين المتزايد لسياق حالات اختفاء الإيزيديين، إلى جانب الإمكانات الجديدة للتحقيقات المركزية في شؤون المفقودين في سوريا، يُتيح فرصاً واعدة جديدة للتعرف على هوية المفقودين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.