شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
مشروع

مشروع "إكس- لينكس" في المغرب… طاقة نظيفة أم سرقة نظيفة؟ 

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والبيئة

السبت 19 أبريل 202512:21 م

نشر موقع صحيفة "تيليغراف"، مقالاً يتضمن شكاوى السيد ديف لويس، الرئيس السابق لشركة "تيسكو"، ورئيس مجلس إدارة شركة "إكس-لينكس"، من تأخر إنجاز مشروع تزويد المملكة المتحدة بالكهرباء الخضراء من المغرب. امتعض السيد ديف لويس، من ثقل الإجراءات الإدارية داخل المملكة المتحدة، مُحمّلاً المسؤولية تارةً لحكومة حزب المحافظين وتخبطاتها الوزارية، وتارةً أخرى لحزب العمال الذي سيؤدي "سباقه للوصول إلى صافي الصفر بحلول نهاية هذا العقد، إلى تجاهل مجموعة من المشاريع الخضراء القابلة للتطبيق تماماً، بما في ذلك مخطط 'إكس-لينكس'، لأنها لن تكون جاهزةً إلا بعد الموعد النهائي".

وفي إطار شكاواه، عدَّد السيد ديف لويس، ما يعدّها جمائلَ شركته على سكان المملكة المتحدة من جهة، وعلى المغرب من جهة أخرى، محذّراً من أنّ "البيروقراطية المطوّلة قد تعرقل الخطة التي تَعد بخفض فواتير المنازل، وخفض الانبعاثات، وخلق آلاف الوظائف". 

فهل يتعلق الأمر إذاً بصحوة إنسانية لدى رأسماليّ يسعى إلى نشر الخير وثمار النمو عبر العالم؟ أو بما اعتدناه من رأسماليي المركز من سعي إلى الاستيلاء على موارد الجنوب وتغليف استعماريتهم بنشر الحضارة والرسالة الإنسانية؟

توقٌ إلى استعادة إمبراطورية لا تغرب عنها الشمس

في مقال نُشر في موقع الشركة، ورد ما يلي: "أسس سايمون موريش، شركة إكس-لينكس في عام 2019 لتحقيق مفهوم 'عالم واحد، شمس واحدة، شبكة واحدة'"، بالمعنى الحرفي للكلمة.

وبالروحية الاستعمارية القديمة نفسها، يتحدث ديف لويس، عمّا ينقص المملكة المتحدة: "المشكلة بالنسبة لنا كبلد هي أنه عندما لا تهبّ الرياح، لأننا بلد صغير جداً، فإنّ ذلك يؤدي أساساً إلى القضاء على جميع أصول التوليد". 

في القرون السابقة، كانت بريطانيا متعطشةً إلى القطن والبترول والفحم، وغيرها من المواد الأولية، وكان الحلّ هو التوسع الاستعماري لتلبية حاجيات اقتصادها. ونحن هنا نرى المنطق الاستعماري نفسه مستمراً في خطاب ديف لويس، عن المغرب: "وفرة أشعة الشمس في البلاد وصحراؤها الشاسعة تجعلانها موقعاً متميزاً لتوليد الطاقة الشمسية، ويعني ساحلها الطويل على المحيط الأطلسي أنها تتمتع برياح تجارية قوية ليلاً، ما يجعلها مثاليةً لتوليد الطاقة من الرياح أيضاً". 

رغم شعارات الطاقة النظيفة، يكشف مشروع "إكس-لينكس" عن إعادة إنتاج منطق الاستعمار الاقتصادي: استغلال مساحات شاسعة من المغرب لصالح تزويد الشمال بالكهرباء، مقابل تدمير أنماط معيشية رعوية وزراعية قائمة منذ قرون، من دون أن تكون للمجتمعات المحلية الكلمة الأولى أو الاستفادة الحقيقية

لكن على عكس السابق، لا يحتاج السيد لويس، إلى البحرية البريطانية، فاستبداد الدولة المغربية كفيل بتحقيق ما كانت تحققه مدافع بريطانيا.

أراضي المغرب وسواحله و"صحراؤه" الشاسعة، مجرد مورد طبيعي بالنسبة إلى شركة "إكس-لينكس" ورئيس مجلس إدارتها. مجرد رقم يوضع في دفاتر مسك الحسابات وجرد الأرباح. وكأنّ تلك البلاد فارغة من السكان، أو على أقل تقدير، وفي استعادة للخطاب الاستشراقي القديم، سكانها "خاملون كسالى، لا يتقنون استغلال الموارد الغنية التي حبتهم بها الطبيعة"، ويحتاجون دوماً إلى "الرجل المستثمِر الأوروبي الأبيض"، كي ينقل إليهم الحضارة ويوفر لهم المناصب والعمل. 

استحواذ وإزاحة وتدمير

سيتعاطف القارئ الأجنبي مع شكاوى لويس ديف، ما دام لا يكلّف نفسه عناء التأكد مما يحدث على تلك "الأرض البعيدة عنه". 

في المنطقة الصحراوية التي من المتوقَّع أن يُنشَأَ فيها مشروع "إكس-لينكس"، القريبة من مدينة طانطان، خصصت الدولة 150 ألف هكتار لهذه الشركة. بالنسبة إلى الشركة ورئيس مجلس إدارتها، تلك "مجرد صحراء شاسعة وسواحل طويلة"، لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى المجتمعات المحلية وسكانها. 

إنه مجال جغرافي واسع جداً، يضمّ مساحات مخصصةً للزراعة الصغيرة ولتنقّل قطعان الرعاة. ماذا سيكون مصيرهم؟ هذا أمر لا تهتمّ به الشركات ولا السلطات. سيجري دفع الرعاة إلى خارج هذه المناطق، وهذا ما سبّب سابقاً مصادمات بين هؤلاء الرُحّل والمستقرّين في حوض سوس. وستؤدي هذه الإستراتيجية المتكاملة، لا محالة، إلى تدمير أنماط العيش المرتبطة بالإنتاج الصغير للغذاء (الزراعة والرعي)، وخلخلة الحياة البرية الصحراوية. 

تصريحات رئيس "إكس-لينكس" تكشف أن الغاية الحقيقية ليست بيئية، بل استثمارية بحتة، مدفوعة بطلب السوق المتزايد على الكهرباء النظيفة، وليس برغبة إنسانية صادقة.

فأحد المواقع المحتمَل أن يُنشأ فيها مشروع "إكس-لينكس"، مصبّ "واد شبيكة"، القريب من مدينة طانطان، حيث ستصل الكابلات البحرية من المملكة المتحدة إلى اليابسة. هذه ليست صحراء فارغةً. يسكن هذه المنطقة بدو قبائل الرقيبات والتكنة الذين ينتشرون تقليدياً عبر مناطق واسعة من الصحراء بحثاً عن مراعي لأغنامهم وجمالهم.

فرص عمل؟

قال السيد ديف لويس، إنّ شركته ستوفر 10،000 وظيفة في المغرب. إنه أمر مغرٍ في بلد تنتشر فيه البطالة، بفعل سياسات تقويم اقتصادي مفروضة من دول، تُعدّ بريطانيا إحداها. لكن ثمة أمرَين لا يتحدث عنهما السيد ديف لويس: طبيعة تلك المناصب، والكلفة الاجتماعية والبيئية للمشاريع التي ستوفرها.

مشاريع الطاقة المتجددة التي تريد الدول الأوروبية إنشاءها في المغرب، مشاريع رأس مالها كثيف ولا تخلق آلاف مناصب الشغل سوى في المرحلة الأولى للبناء والتشييد، وبعدها القليل من المناصب التقنية، وتؤول في الغالب إلى أشخاص من خارج مناطق تلك المشروعات. 

ومعظم تلك المناصب التي تُعدّ بالآلاف مؤقتةً، وعبر شركات السمسرة والمناولة، وفقاً لقانون الشغل المغربي الذي جرى تعديله سنة 2004، بإيعاز من الاتحاد الأوروبي ومنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي.

لنقارن 10 آلاف وظيفة من الوظائف التي وعد بها السيد ديف لويس، بتدمير آلاف الحيازات المعيشية وغلق مسالك العبور أمام الرعاة، لنُدرك حجم الكلفة الاجتماعية والبيئية التي يُنذِرُ مشروع "إكس-لينكس" بها المنطقة. 

تؤكد سابقة محطة نور ورزازات، هذا التحليل. فما نتج عنها لم يتعدَّ عدداً قليلاً من المشاريع الزراعية الصغيرة للنساء وأعمال بناء أو وظائف عرضية لغسيل المرايا في شمس الصحراء الحارقة. 

في غضون ذلك، أصبحت المنطقة الأوسع، منشأةً عسكريةً بأبراج مراقبة لحماية الموقع. وأشار Boris Schinke من Germanwatch، وهي منظمة غير ربحية مقرّها بون (ألمانيا)، حول قضايا البيئة والتنمية، إلى أنه كانت هناك "خيبة أمل واسعة النطاق" في استفادة المجتمع من المشروع.

الربح أولاً… الربح أخيراً

يريد السيد ديف لويس، تصوير الأمر كأنه خدمة لسكان المملكة المتحدة، واصفاً المشروع بـأنه "وعد بخفض فواتير المنازل، وخفض الانبعاثات". لكن تصريحه يؤكد أنّ ما يهمّ دائماً هي الأرباح. فعنوان المقال الذي يتضمن تصريحات لويس، هو: "ادعم مشروعنا للطاقة الخضراء الذي تبلغ قيمته 25 مليار جنيه إسترليني أو سنأخذه إلى الخارج"، وللوصول إلى غايته يضغط السيد لويس، باحتمال هروب المستثمرين الدوليين، الذين دخلوا على خط تمويل المشروع. ويشدد من ضغطه وابتزازه قائلاً: "قد تقرر شركة X-Links نقل المشروع إلى بلد آخر وسط إحباط متزايد بسبب الوقت الذي يستغرقه الحصول على الضوء الأخضر من الحكومة". 

بينما يتحدث المستثمرون عن توفير آلاف الوظائف، تظهر التجربة أن أغلب هذه الوظائف مؤقتة، ومحدودة لسكان المناطق المتضررة. مشاريع الطاقة الكبرى مثل "نور ورزازات" سابقاً، أثبتت أن الوعود بالتنمية تنتهي بوظائف متواضعة أو موسمية، مع استفادة حقيقية محصورة في كبار المستثمرين

هكذا إذاً تبخرت وعود تزويد 9 ملايين منزل بريطاني بطاقة نظيفة، وأصبح الرهان على المستثمرين الدوليين والدعم المالي الحكومي والتهديد بترحيل المشروع.

استدامتهم على حسابنا

حسب المقال المنشور في "التيليغراف"، يستغرق نقل الكهرباء الخضراء من مدينة طانطان في جنوب المغرب إلى المملكة المتحدة (4 آلاف كيلومتر)، أقلَّ من ثانية. تباهى السيد لويس بذلك، قائلاً: "هذه طاقة دون الثانية. حرفياً، يمكنك تشغيل المصباح فتجده موجوداً". تماماً كما كان الأمر في السابق، حين كان ساكن بلدان الشمال يشغل السيارة في أقل من ثانية لأنها معبّأة بالبترول المستورَد من إفريقيا وغيرها من بلدان الجنوب.

حسب تصريحات الشركة، من المتوقَّع أن يولِّد مشروع "إكس-لينكس"، 3.6 جيغاوات من الطاقة الكهربائية. إنّ شركة واحدة ستولِّد 3.6 جيغاواط، أي ما يمثّل ربع القدرة الإجمالية المنشأة في المغرب سنة 2022، مصدر %70 منها من الفحم! وبرغم ذلك، يرفض السيد لويس، "الإيحاء بأنّ هناك شيئاً مشكوكاً فيه من الناحية الأخلاقية حول استغلال الموارد الطبيعية لبلد نامٍ لإزالة الكربون من الدول الصناعية الغربية"، كما ورد في مقال "التليغراف".

مشروع "إكس-لينكس" لا يرى في صحراء طانطان سوى مورد طاقة ضخم، متجاهلاً أن هذه الأراضي مأهولة، وتشكل مصدر رزق رئيسياً لآلاف الرعاة والأسر المحلية.

على المستثمرين الأجانب أن يكفّوا عن التلاعب بعقولنا وعقول سكّان بلدانهم. إنّ الانتقال العادل لن يخرج من محافظ أرباحهم وأسهم شركاتهم. فما يدفع حملة أسهم "إكس-لينكس" ورئيس مجلس إدارتها، هو ما تَعد به سوق الكهرباء النظيفة من أرباح، وهو ما برره السيد لويس، بشكل صريح، بقوله: "لأنّ الطلب آخذ في الارتفاع ولا يوجد سوى ثلاثة موردين في جميع أنحاء أوروبا... من المتوقع أن يتسارع الطلب على الطاقة بعد عام 2030 بسبب الكهرباء: 'أنت بحاجة إلى البناء لمواجهة هذا الطلب، الآن. فأنت لا تريد الانتظار'". 

هذا هو الرهان، وإذا لم تستجب الحكومات، يقوم السيد لويس، بحمل محفظة استثماره إلى بلد آخر، وكأنّ مشاريع الطاقات المتجددة علبة تبغه لا مؤسسة ضرورية لحياة كل الأمة.

ستهتدي الشعوب إلى انتقالها العادل عندما تقطع مع منطق الرأسمالية الساعية إلى توليد الأرباح، لا إلى توليد طاقات نظيفة محترمة لكوكبنا.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

البيئة هي كل ما حولنا، وهي، للأسف، تتغير اليوم باستمرار، وفي كثير من الأحيان نحو الأسوأ، وهنا يأتي دورنا كصحافيين: لرفع الوعي بما يحدث في العالم من تغييرات بيئية ومناخية وبآثار تلك التغييرات علينا، وتبسيط المفاهيم البيئية كي يكون الجميع قادرين على فهمها ومعرفة ما يدور حولهم، وأيضاً للتأكيد على الدور الذي يمكن للجميع القيام به لتحسين الكثير من الأمور في حياتنا اليومية.

Website by WhiteBeard
Popup Image