شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
القضاء والقوانين ليست فقط للضعفاء

القضاء والقوانين ليست فقط للضعفاء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقوق الأساسية

الخميس 10 أبريل 202510:13 ص

"الضعيف يذهب إلى القضاء"، عبارة شهيرة في السياسة اللبنانية أطلقها عام 2017، رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، في سياق خلاف على مرسوم ترقية ضباط في الجيش اللبناني، دار بينه وبين رئيس الجمهورية حينذاك ميشال عون، دعا فيه الأخير للّجوء إلى القضاء لحسمه.

عبارة بري اشتهرت لأنها برغم بساطتها لخّصت ثقافةً شائعةً في مجتمعاتنا، ولشدّة ما هي واقعية وفجّة وحقيقية. صحيح. في مجتمعاتنا، وحده الضعيف يذهب إلى القضاء. القوي لا يأخذ حقه بالقوة فحسب، فحقوق الأقوياء غالباً لا تُمسّ، بل هو يأخذ ما يريده بالقوة، حتى لو كان في ذلك انتزاع لحقوق آلاف الضعفاء.

على هذا النهج سار حزب الله في لبنان، وقد يكون آخر فصول ازدرائه القضاء والقوانين تعطيله لسنوات عمل التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، بالتكافل والتضامن مع شقّه الثاني في الثنائي الشيعي حركة أمل، وقبل ذلك وبعده وقائع كثيرة يصعب حصرها. وعلى هذا النهج سارت إيران، في داخلها وفي خارجها، من خلال سلوك صادراتها "الثورية" إلى دول عربية.

تُظهر تصريحات كثيرة صادرة عن حزب الله وإيران، وتتحدث عن الحقوق والقوانين، أنّ هنالك شيئاً ما خلط المفاهيم في منطقتنا في المرحلة الحالية. وما خلط المفاهيم معروف، وهو شيوع أعمال "بلطجة" أعنف من "بلطجتهما"


"شو عدا ما بدا؟"

في الفترة الأخيرة، هنالك شيء ما خلط المفاهيم الشائعة. صرنا نسمع النائب عن "كتلة الوفاء للمقاومة"، كتلة حزب الله في البرلمان اللبناني، وفي سياق انتقاده اعتداءات إسرائيل على مبانٍ سكنية في لبنان بعد غارة استهدفت مبنى في ضواحي بيروت الجنوبية في الأول من نيسان/ أبريل الجاري، يقول إنه "لو صَحَّ ما يُقال عن وجود مقاوم في الشقق المستهدفة، فالقوانين الدولية ومعاهدة جنيف تقول إنه يُمنع قتل الأفراد خارج نطاق الجبهة"، مضيفاً: "حتى إن كان الفرد في الجبهة، وهو ينسحب تمنع القوانين إطلاق النار عليه".

خلط مماثل للمفاهيم التي اعتدنا عليها جرى في واقعة شهدتها إيران، حين وجّهت "هيئة مراقبة الصحافة"، التابعة لـ"وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي"، قبل أيام، إنذاراً إلى صحيفة "كيهان" المحافظة، لأنها حذّرت في مقال نشرته، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من "تلقّي رصاصة في رأسه الفارغ في هذه الأيام انتقاماً لسليماني". وجاء في بيان الهيئة، أنّ موقف إيران الرسمي بشأن اغتيال أمريكا للقائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، عام 2020، في أواخر ولاية ترامب الأولى، وبأمر منه، هو "ضمان محاكمة الجناة، بمَن فيهم الرئيس الأمريكي، أمام محكمة دولية".

والسبب وراء هذه التصريحات الغريبة عنّا وعن مطلقيها، معروف، وهو شيوع أعمال "بلطجة" أعنف من "بلطجة" هؤلاء الدعاة حديثاً إلى احترام القوانين والاحتكام إلى المحاكم، وهوية ممارسيها معروفة: بنيامين نتنياهو في لبنان، ودونالد ترامب في إيران.

ما يشعر به حزب الله والنظام الإيراني حالياً، شعر به لوقت طويل مخالفوهما في لبنان وإيران وكل الدول العربية التي استورد بعض أبنائها ثورة إيران. وهذه ليست مناسبةً للتشفّي منهما، فمن غير الأخلاقي أن يتشفّى شخص من غيره بمناسبة تعرّض هذا الغير لنوع من الأفعال يريد الشخص أن توضع نهاية له


القوانين تحمينا جميعاً

في كتابه "عن الحرية"، يتحدث الفيلسوف الإنكليزي الكلاسيكي جون ستيوارت مِلْ، عن "حكم الأغلبية" في الأنظمة الديمقراطية، ويطرح الفرضية التالية: "افترض أن الأغلبية من الناس تقرر أنّ شخصاً ما مجرم، أو أنّ شخصاً ما يجب أن يُنفَّذ فيه حكم إعدام". ماذا سيحصل؟

لا يتحدث مِلْ، في فرضيته، عن "تسلّط الأقوياء" لأنّ الجواب بديهي، بل يتحدث عن احتمال "تسلّط الأغلبية". للوهلة الأولى قد نظن أن الجواب هو أن الشخص المذكور سيُعدَم لا محالة، لأنّ هذه إرادة الأغلبية. ولكن لا، فـ"الديمقراطية لا تعني أن الأغلبية يمكنها أن تفعل ما تشاء، بغض النظر عن مدى عدم العدالة أو الظلم فيه، لمجرد أنها الأغلبية"، والسبب بسيط، وهو أنه في النظام الديمقراطي "توجَد قوانين تحمي الأفراد من ظلم الأغلبية".

هذه القوانين "تحفظ لكل فرد حقوقاً معيّنةً لا يمكن أن تنتهكها إرادة الأغلبية"، فهي "تعمل كحماية، لضمان أنه حتى لو اعتقد جزء كبير من السكان بشيء غير عادل، فإنّ حقوق الفرد تبقى محميةً"، ولذلك، "الديمقراطية ليست مجرد حكم الأغلبية، بل هي الحكم بالقانون، مع احترام حقوق الأفراد".

ما يقوله مِلْ، هو من بديهيات الحديث عن النظام الديمقراطي وعن العدالة. ولكن يبدو أن علينا أن نستمر في ترديد البديهيات، خاصةً أمام مَن ينتهكها من دون أن يرفّ له جفن عندما يكون قادراً على ذلك، ولا يحسب حساب أنه يدمّر معياراً سيكون في أمسّ الحاجة إليه يوماً ما. وهذا مع العلم أن كثيرين من ضاربي القوانين بعرض الحائط في بلادنا، ليسوا أغلبيات في أنظمة ديمقراطية، بل هم الأقوى لمجرّد أنهم يمتلكون أسلحةً في بلاد تفككت ولم تعد ديمقراطيةً، تماماً كما أن إسرائيل والولايات المتحدة لا تمثّلان اليوم أغلبية العالم.

قد يكون ما يجري هو فعلاً تحقُّق لمقولة بري، عن أن الضعيف هو مَن يذهب إلى القضاء، ويتحدث عن حقوق تضمنها قوانين وخلافه، ولكن لا ضير من بعض التفاؤل والتمني بأن بعض معتنقي ثقافة الاستقواء بدأوا يغيّرون قناعاتهم، وهذا سيكون أمراً جيداً.

في كتابه "عن الحرية"، يتحدث الفيلسوف الإنكليزي الكلاسيكي جون ستيوارت مِلْ، عن "حكم الأغلبية" في الأنظمة الديمقراطية، ويطرح الفرضية التالية: "افترض أن الأغلبية من الناس تقرر أن شخصاً ما مجرم، أو أن شخصاً ما يجب أن يُنفَّذ فيه حكم إعدام"، ماذا سيحصل؟


ماذا بعد؟

ما يشعر به كل من حزب الله والنظام الإيراني حالياً، شعر به لوقت طويل مخالفوهما في لبنان وإيران وكل الدول العربية التي استورد بعض أبنائها الثورة الإيرانية. وهذه ليست مناسبةً للتشفّي منهما، فمن غير الأخلاقي أن يتشفّى شخص من غيره بمناسبة تعرّض هذا الغير لنوع من الأفعال يريد الشخص أن توضع نهاية له. هذه مناسبة للحديث عن مصلحتنا جميعاً في وضع حدّ لـ"البلطجة"، ولبناء دول تُحترم فيها القوانين فلا يستطيع القوي تجاوزها ولا الاستهانة أو الاستهزاء بها، ولبناء مؤسسات قضائية مستقلة قادرة على فرض هيبة منظومة حقوق وحريات تغطّي الجميع.

فهل يفهم حزب الله هذا، فيمتنع مثلاً عن التجاوز على حقوق مخالفيه ومعارضيه، وعن تكديس الأسلحة بين المدنيين الذي تحرّمه معاهدات جنيف أيضاً، وتعدّه "جريمة حرب"، تماماً مثلما تحرّم استهداف أي عسكري خارج نطاق "الجبهة"؟ وهل تفهم إيران هذا فتمتنع عن سياساتها القائمة على بناء قوى موازية للقوى الرسمية تمنع قيام دول قانون ومؤسسات في كل مكان تنشر فيه نفوذها؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image