شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
كفرشوبا بعد الحرب… حين يصبح الركام شاهداً

كفرشوبا بعد الحرب… حين يصبح الركام شاهداً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحقوق الأساسية

الخميس 27 مارس 202509:09 ص

وأنا أحمل "كاميرتي" مجتازاً مدخل بلدة كفرشوبا الحدودية، استقبلني صمت ثقيل يقطعه مشهد منزل مدمَّر بالكامل، وبجانبه آخر شبه منهار. كأنّ هذين الهيكلين المنكوبين يلخّصان ما حلّ بالبلدة التي تقع على مشارف موقعَي رويسات العلم والسمّاقة الإسرائيليَين، حيث لا يزال الخطر قائماً، برغم توقّف الحرب.

مع تقدّمي في شوارع البلدة، بدت ملامح الحياة وكأنها تحاول أن تتسلّل من بين الأنقاض. رأيت وجوهاً تجهد في رفع الحجارة، وأيادي تنبش بقايا البيوت، بحثاً عن شيء يُرمّم أو يُنقذ. بعض الأهالي قرّروا العودة برغم الأضرار الهائلة، وبرغم الركام الذي يحيط بمنازلهم، وكأنهم يشهرون بوجودهم تحدّياً جديداً في وجه الدمار.

في وسط البلدة، لفتني مشهد المسجد المدمَّر. لم يكن مجرد مكان للعبادة، بل كان قلب كفرشوبا النابض. هنا كانت تقام المناسبات الاجتماعية والثقافية، وهنا كان الناس يجتمعون لتبادل الأفراح والأحزان، وتداول الهموم وتنسيق الأمل. الآن، لا شيء فيه سوى الحجارة المتناثرة والغبار، كأنّ الزمن توقّف بين جدرانه المهدّمة.

في كفرشوبا، الركام لا يروي عمّا دمّرته الغارات فحسب، بل يحكي عن أهلٍ لم يغادروا ذاكرتهم، وعن بلدة لا تزال تقاتل على طريقتها؛ بشجرة، بفرن، بمسجد منهار، وبدفء الذاكرة

على مقربة منه، يقع الفرن الوحيد في البلدة. عمره أكثر من عشرين عاماً، وقد بدأ صاحبه بترميمه بصمت وإصرار. كان يعمل هناك حتى خلال فترات التوتر، والآن يعيد بناءه كحجر أساس لإعادة الحياة، فالخبز اليومي ليس مجرد طعام، بل رمز للصمود والاستمرارية.

في شارع ضيّق، جذبتني شجرة معمّرة تقف بشموخ واضح برغم كل ما حولها من دمار. عمرها 80 سنةً. زرعها صاحب المنزل الذي لم تبقَ منه سوى كومة من الركام. بقيت الشجرة شاهدةً على تاريخ وذاكرة أراد أن الإسرائيلي أن يمحوهما. أمامها كانت تتناثر بقايا حياة: دمية قطنية، درّاجة هوائية صغيرة، أدوات منزلية، وأشياء أخرى صامتة، لكنها تنطق بأصوات أصحابها الذين رحلوا أو نزحوا.

رأيت رجلاً مسنّاً يجلس قرب بيته المتضرر. في عينيه شيء من الحزن، وأشياء من التحدّي. كأنّه شهد الحروب السابقة كلّها، وها هو ذا الآن يشهد على واحدة جديدة، ضمن سلسلة طويلة من الاعتداءات التي لم تكسر روح كفرشوبا، البلدة التي كانت شرارةً أولى لمقاومة المحتلّ، وما زالت.

في كفرشوبا، الركام لا يروي عمّا دمّرته الغارات فحسب، بل يحكي عن أهلٍ لم يغادروا ذاكرتهم، وعن بلدة لا تزال تقاتل على طريقتها؛ بشجرة، بفرن، بمسجد منهار، وبدفء الذاكرة.

منزل مدمّر بشكل كامل عند مدخل بلدة كفرشوبا الحدودية.

منزل مدمّر بشكل كامل عند مدخل بلدة كفرشوبا الحدودية.

سيّدة تمشي في الشارع الرئيسي لبلدة كفرشوبا أمام مسجد البلدة الرئيسي المدمّر بشكل كامل.

سيّدة تمشي في الشارع الرئيسي لبلدة كفرشوبا أمام مسجد البلدة الرئيسي المدمّر بشكل كامل.

الدمار في محلّ تجاري وزينة شهر رمضان على مدخل مبنى.

الدمار في محلّ تجاري وزينة شهر رمضان على مدخل مبنى.

رجل مسنّ يجلس على شرفة منزله أمام أضرار منزل جاره.

رجل مسنّ يجلس على شرفة منزله أمام أضرار منزل جاره.

دمية لطفل فوق الدمار لمنزل تم مسحه بالكامل ولم يبقَ منه سوى بعض محتويات المنزل.

دمية لطفل فوق الدمار لمنزل تم مسحه بالكامل ولم يبقَ منه سوى بعض محتويات المنزل.

شجرة معمّرة في فناء أمامي ومنزل الرجل الذي زرعها مدمّر بشكل تام في الخلفية.

شجرة معمّرة في فناء أمامي ومنزل الرجل الذي زرعها مدمّر بشكل تام في الخلفية.

ساعة متوقفة عن العمل فوق ملابس لعائلة دُمّر منزلها بشكل شبه كامل.

ساعة متوقفة عن العمل فوق ملابس لعائلة دُمّر منزلها بشكل شبه كامل.

ألعاب أطفال وملابس داخل مبنى من أربعة طوابق لم يبقَ منه طابق واحد.

ألعاب أطفال وملابس داخل مبنى من أربعة طوابق لم يبقَ منه طابق واحد.

الدمار في الجانب الشمالي من بلدة كفرشوبا تحت أنظار موقع رويسات العلم الإسرائيلي.

الدمار في الجانب الشمالي من بلدة كفرشوبا تحت أنظار موقع رويسات العلم الإسرائيلي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image