شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
سوريون في ألمانيا… هل انفلتت الطائفية من عقالها؟

سوريون في ألمانيا… هل انفلتت الطائفية من عقالها؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

نكأ الاقتتال الطائفي الذي شهده الساحل السوري، وأودى بحياة أكثر من ألفَي شخص، جرحاً غائراً في ذاكرة السوريين المقيمين في ألمانيا، الذين فرّوا يوماً من قمع نظام الأسد، حاملين معهم حلم تأسيس دولة تقوم على مبادئ الحرية والعدالة.

شهدت محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص، منذ السادس من آذار/ مارس 2025، اشتباكات مسلحةً اندلعت شرارتها عقب كمين أعدّه من عُرّفوا من قبل الإدارة السورية الجديدة بـ"فلول النظام السابق"، واستهدف إحدى دوريات الأمن العام الحكومية، والمسؤولة عن ضبط السلاح وملاحقة مجرمي النظام السابق في قرية بيت عانا.

أعقب هذا الكمين إرسال تعزيزات حكومية لمواجهة ما أُشيع أنّه "تمرّد"، ما أدى إلى دخول فصائل أخرى لمؤازرة القوات الحكومية، الأمر الذي خرج عن السيطرة وأسفر عن اقتتال سقط ضحيته مدنيون، معظمهم من الطائفة العلوية، ما أثار تساؤلات حول وجود دوافع طائفية أو انتقامية وراء هذا التطور الأمني.

غير أنّ دماء المدنيين تحديداً التي سالت في تلك المناطق، وتفاخر بعض مرتكبيها بجرائمهم عبر نشر مقاطع فيديو، كشفت للسوريين/ ات المغتربين/ ات خطورة المشهد وتعقيداته. 

وبالتزامن مع احتدام الاقتتال، وقّع الرئيس السوري الحالي، أحمد الشرع، في 13 آذار/ مارس 2025، على مسوّدة "الإعلان الدستوري" الذي يحدد معالم المرحلة الانتقالية للسنوات الخمس المقبلة. وقد أثار ذلك ردود فعل متباينةً وجدلاً حول شراكة المكوّنات السورية في تسيير البلاد، وتجنّب الوقوع في الحصرية الطائفية أو القومية. إذ رأى كثيرون أنه لم يرقَ إلى مستوى آمال السوريين/ ات وتطلعاتهم/ نّ، ولا سيّما أولئك المقيمين/ ات خارج البلاد.

وفي هذا السياق، يعلّق ناصر زهير، رئيس وحدة الشؤون الدبلوماسية والاقتصادية في المنظمة الأوروبية للسياسات، لرصيف22، قائلاً: "إنّ الإعلان الدستوري بحاجة إلى تعديلات والتطرق إلى مواضيع كثيرة، إذ لم يراعِ النقاط التي تتطلبها سوريا في هذه المرحلة الانتقالية، وأهمها الخلافات المستعرة حالياً مع الأقليات، وشكل الجمهورية والنظام المقبل، والمدة الزمنية حتى عقد الانتخابات، بالإضافة إلى كيفية محاسبة الرئيس، وآلية تعيين مجلس الشعب، وخريطة الطريق التي يجب أن يتضمنها الإعلان الدستوري. لذلك، هو بحاجة إلى مراجعة".

في ألمانيا، يعبّر سوريون/ ات لرصيف22، عن مخاوفهم من الانفلات الأمني واستئثار السلطة الحالية بالحكم دون إشراك جميع الأطراف والمكونات القومية والطائفية في إدارة البلاد. 

وفي المقابل، تبرز أصوات على الجانب الآخر، تتراوح بين من يرى أن من حق الدولة الناشئة السيطرة على الأمن والسلاح المنفلت والقوى الانفصالية في البلاد، وبين من يؤيد استهداف العلويين كطائفة، بحجة أنهم من بقايا النظام السابق، ما دفع جهات مناهضةً للإرهاب والتطرف في ألمانيا إلى الدعوة للإبلاغ عن أصحاب هذه الدعوات التحريضية.

على حدّ السكين 

يقول إبراهيم (36 عاماً)، وهو اسم مستعار لمهندس سوري علويّ مقيم في ألمانيا، يفضّل عدم ذكر اسمه الحقيقي خوفاً على عائلته الموجودة في سوريا من الاستهداف: "انقطع الاتصال بأهلي في بانياس. الله أعلم أين هم الآن وما حدث لهم! بعض أفراد عائلتي غادروا إلى لبنان، فيما يعيش جزء منهم في طرطوس في ظلّ الرعب اليومي. الوضع أسوأ مما يتخيّله العقل".

ويضيف لرصيف22: "ما حدث "ليس مجرد حدث عبثي، بل كان مخططاً له من قبل المنظومة الحاكمة الحالية، لأنّ جزءاً كبيراً من القوى الأمنية يتكوّن من المتطرفين الجهاديين الذين يحملون أيديولوجيا معيّنةً لحكم سوريا. وبغضّ النظر عن محاولات التلميع من قبل الإعلام العربي، وحتى العالمي، والتي صوّرت الإجرام والأفكار الجهادية التكفيرية على أنها مجرد حركات طيش شبابية، فإنّ هذه المجموعات لم تتغير، بل يتم تقديمها اليوم بشكل مختلف لطمأنة الأقليات وكسب الرأي العالمي".

"الاقتتال الطائفي الحالي في سوريا لا يهدد السلم المجتمعي فحسب، بل يهدد أيضاً مستقبل البلاد وحالة الاستقرار فيها"

ويشير إبراهيم، إلى أنّ ارتكاب النظام السابق للمجازر، وظلمه شريحةً كبيرةً من المجتمع السوري، لا يعني أنّ على الطائفة التي كان ينتمي إليها الرئيس أن تدفع الثمن، مبدياً تخوّفه من أن يطال الانتقام جميع المنتمين إليها. 

ويقول: "هناك حقد تم ترسيخه لسنوات طويلة في العقل الجمعي للجماعات التي تدور في فلك السلفية الجهادية، والإخوان المسلمين، وكل التيارات الإسلامية المتشددة، والتي تحاول استغلال مظلومية أهل السنّة ورفع شعارات دولة الأمويين، والتي كانت في كل خطاباتها تتوعد العلويين والمسيحيين بالذبح والقتل".

من جهته، يرى زهير أنّ "الاقتتال الطائفي الحالي في سوريا لا يهدد السلم المجتمعي فحسب، بل يهدد أيضاً مستقبل البلاد وحالة الاستقرار فيها، بالإضافة إلى انعكاساته السلبية على الاقتصاد والسياسة. فاستمرار هذه الانتهاكات التي تأخذ طابعاً طائفياً يعني غياب الاستقرار، ما يجعل من المستحيل البدء بعملية إعادة الإعمار أو جذب الاستثمارات".

الدستور لا يستر عورةً

يُعرب الناشط السوري حمزة (32 عاماً)، عن خيبة أمله في الإعلان الدستوري، قائلاً: "لم أتوقع هذا الإهمال لمشاركة الشعب السوري في القرارات السياسية. كنت أتوقع مزيداً من الشفافية في التعامل من قبل السلطة الحالية".

ويفضّل حمزة، الذي ينشط في مجال حقوق الإنسان، عدم ذكر اسمه الكامل، "خوفاً من مآلات هذه التطورات الأمنية"، حسب تعبيره.

ويضيف في تعليقه لرصيف22: "الحكم الحالي يتحمل مسؤولية متابعة ما يجري في سوريا، وعليه محاسبة المتسببين في الجرائم الطائفية الأخيرة. كما يجب تجريم الأسدية وملاحقة فلولها، مع ضمان عدم التعرّض للمدنيين/ ات وضمان حمايتهم/ نّ أينما كانوا. بالإضافة إلى ذلك، يجب فرض السيطرة الكاملة على تصرفات الجيش والأمن العام، ومن يتبع لهم من أفراد غير سوريين/ ات".

بدورها، تصف المديرة التنفيذية لحملة "من أجل سوريا"، رزان رشيدي في حديثها لرصيف22، ما يحدث بأنّه "فصل مأساوي آخر من العنف والإفلات من العقاب، يتم فيه استهداف المدنيين/ ات، بمن فيهم عائلات بأكملها، عبر عمليات قتل ميدانية. ولا يزال الآلاف مختبئين/ ات في الجبال خوفاً على حياتهم/ نّ، دون مأوى أو سبيل إلى الاحتياجات الأساسية. شهادات الناجين/ ات ترسم صورةً مروعةً لعمليات قتل جماعي، وتهجير قسري، وإرهاب ممنهج. للأسف، نشهد تكراراً لبعض الفظائع التي عانى منها السوريون/ ات لأكثر من عقد، حيث يتم اللجوء إلى الإنكار والتضليل مرةً أخرى لتبرير هذه الجرائم".

رزان رشيدي: ما يحدث فصل مأساوي آخر من العنف والإفلات من العقاب، يتم فيه استهداف المدنيين/ ات، بمن فيهم عائلات بأكملها، عبر عمليات قتل ميدانية.

وبحسب رأيها، المجتمع الدولي لم يرقَ إلى مستوى المسؤولية المنوطة به. تقول: "هو مسؤول عن عدم الوقوف في وجه التجاذب الإقليمي، وبالخصوص التهديدات الإسرائيلية لأمن وسلام سوريا والمنطقة، وتغاضيه عن هذه الجرائم، تماماً كما فعل مع جرائم الأسد. من دون تحقيق العدالة والمحاسبة الحقيقية، ستستمرّ دوامة العنف إلى ما لا نهاية".

وهذا ما أكدته هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، في ردها على التقارير التي تحدثت عن مقتل مئات المدنيين في المناطق الساحلية بسوريا. حيث شددت على ضرورة تحرك السلطات بسرعة لضمان حماية المدنيين في أي قتال مستمر أو مستقبلي، ومنع وقوع المزيد من عمليات القتل غير المشروعة والانتهاكات. وأضافت:سيشجّع التقاعس عن التحرك بشكل حاسم، وإجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة وفعالة، وضمان تقديم مرتكبي الجرائم إلى العدالة، وهم الأشخاصَ الذين يعتقدون أنهم يستطيعون ارتكاب جرائم القتل والإفلات من العقاب".

الشارع مقابل الشرع 

وتعبّر الناشطة الحقوقية السورية، دانيا نجاري، عن غضبها وخيبة أملها، قائلةً: "أشعر بالخزي مما يحدث في سوريا الآن، من مجازر بحق المدنيين/ ات العُزّل، ومن إعلان دستوري مثير للخجل والعار لأرواح الثوار الذين استشهدوا/ نّ من أجل هذه اللحظة التاريخية".

تقول: "عند هجوم فلول النظام على قوات الأمن العام، أعلنت الحكومة النفير، ودعت الفصائل وأيّ متطوع إلى الفزعة. بعض هذه الفصائل معروفة منذ زمن طويل بأيديولوجيتها التكفيرية للعلويّين، وتسمّيهم بالنصيريين وتشرّع قتلهم، بالإضافة إلى أنّ عدداً ليس بالقليل من المتطوعين في الأمن العام قد تطوعوا مؤخراً، وهم غير مؤهلين للقيام بمهمة خطيرة ضد فلول النظام. ولذلك، فالسلطة تتحمل مسؤولية دمائهم عندما سقطوا في مواجهة الفلول الذين يملكون خبرات قتاليةً محترفةً بسبب عملهم لسنوات طويلة مع نظام الأسد، وهي غير مكافئة لخبرة بعض متطوعي الأمن العام الجدد".

فيما توضح المديرة التنفيذية لحملة "من أجل سوريا"، رزان رشيدي، أنّ الأولوية اليوم لـ"إيقاف التحريض عبر التحرك الفوري على مستويات عدة، منها ضمان استقلالية التحقيق والقيام بتحقيق مستقلّ في المجازر لمحاسبة المسؤولين عنها وحماية الشهود، واتخاذ السلطات المحلية موقفاً واضحاً ضد الخطاب الطائفي بدلاً من تأجيجه. كما يجب أن تتعاون وسائل الإعلام والمجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان لتوثيق الحقيقة ومواجهة التضليل الإعلامي".

"هل أريد من دول الاستعمار إيقاف إرهاب الإسلاميين والجهاديين، وفي المقابل استعمار بلادي؟"

في المقابل، يطرح زهير، رأياً متوازناً تجاه جميع الأطراف، فيقول إنه "لا يمكن إلقاء المسؤولية على طرف معيّن دون الآخر، فالمسؤولية تقع على السلطة القائمة التي يجب أن تدمج الجميع في المرحلة الانتقالية الحالية، ولكن أيضاً على إيران وحزب الله اللذين لديهما مشاريعهما في سوريا، وسيفتعلان الكثير من المشكلات. كما يجب أن يكون هناك دور للمجتمع الدولي".

وعن التحريض الطائفي، يقول: "يهدد هذا التحريض السلم المجتمعي، فهناك بيئة تحريض اليوم تشبه تلك التي بدأت قبل اندلاع الحرب الأهلية. يجب أن يكون هناك توجه نحو اتخاذ إجراءات سواء من القائمين/ ات على المكونات في سوريا، وكذلك السلطة والأطراف الأخرى، لوقف هذه الحملات التحريضية بالقوانين والمساءلة وحتى بالردع المجتمعي من رجال الدين والوجهاء".

الخصم والحكم 

وتشير رشيدي، إلى ضروري تفعيل الآليات القانونية وآليات حقوق الإنسان الممكنة في أوروبا لوقف عمليات القتل في سوريا، فالضغوط الدولية ضرورية لضمان عدم استمرار أنماط العنف والإفلات من العقاب. وأن بإمكان القادة الأوروبيين الذين التقوا بالشرع، في الأشهر الأخيرة، أن يضغطوا عليه لضمان إنهاء العنف والتحريض الطائفي. مطالبة أوروبا بأن تدفع في اتجاه تحقيقات مستقلّة، وأن تمارس الضغط على السلطات المحلية لحماية المدنيين. "يجب ألا يكون القتال ضد الإرهاب انتقائياً"، تضيف.

وتقول دانيا نجاري، خلال حديثها إلى رصيف22: "هيئة تحرير الشام وغيرها من الفصائل الإسلامية أو الجهادية هي فعلاً فصائل إرهابية انتهكت العديد من حقوق الإنسان على مرّ السنوات الماضية، وأنا أقف حائرةً اليوم إزاء التدخل الأوروبي. فكلنا نعلم مدى حب الدول الاستعمارية للعب دور البطل في دولنا عند زعزعتها، لتبرير استعمارها". 

وتتساءل: "هل أريد من دول الاستعمار إيقاف إرهاب الإسلاميين والجهاديين، وفي المقابل استعمار بلادي؟ أو أن يُترك الإرهابيون أحراراً طلقاء يحكمون بلدي ويقتلون إخوتي وشعبي من أجل ألا يستعمر الأجنبي الأبيض بلادي؟ أنا لا أريد أياً من هذين الخيارين، وبالتأكيد لا أريد شماتة بشار الأسد وإسرائيل بنا!".

ويدعو زهير، المجتمع الدولي ليتصدّر المشهد في سوريا، قائلاً: "المرحلة الانتقالية في سوريا تحتاج إلى رعاية من المجتمع الدولي، وأيضاً إلى كبح جماح الأطراف المتصارعة، لأنّ كل طرف لديه جهة دولية ترعاه وتؤثر فيه، لذا فإنّ تكاتف المجتمع الدولي مهم في المرحلة الحالية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image