في صباح الثامن من كانون الأول/ يناير 2024، حقّق الشعب السوري انتصاراً عظيماً على الديكتاتورية، يُمثّل تتويجاً لنضال استمرّ 13 عاماً، وانطلاقةً نحو مرحلة جديدة من الإصلاح وإعادة بناء البلاد.
أحد أهم القطاعات التي تحظى بأولوية في عملية إعادة الإعمار، قطاع الطاقة. فمن دون الوقود أو الكهرباء، لن يكون ممكناً إنعاش القطاعات الأخرى، أو توفير الحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة الكريمة للسوريين، داخل وطنهم.
في هذا المقال، نستعرض مجموعةً من الأجوبة حول أسئلة الطاقة الأساسية في سوريا، مع الإشارة إلى الحلول الممكنة، بالأرقام والاحتمالات.
بدايةً، علينا أن نعرف أين يتمركز السوريون، وما تأثير التوزّع السكّاني على احتياجاتهم للطاقة؟ وبحسب المصادر الأحدث، ومنها إحصائيات الأمم المتحدة، فالإجابة على النحو التالي:
10 ملايين سوري بقوا في بيوتهم ولم ينزحوا، ولكنهم عانوا من انقطاع الكهرباء، ونقص الوقود والخدمات الأساسية
6.5 ملايين سوري نزحوا من بيوتهم داخل سوريا، في مناطق مثل داريا، ضواحي دمشق، وحلب الشرقية، بالإضافة إلى أحياء كاملة في حمص أُخليت ودُمّرت تماماً.
3.5 ملايين سوري يتواجدون في تركيا.
1.5 ملايين سوري يتواجدون في ألمانيا.
2 مليون سوري موزّعون بين الأردن ولبنان.
مليون في بلاد أخرى.
هذا بالطبع بالإضافة إلى نصف مليون لا يزالون مفقودين أو مغيّبين.
البنية التحتية
بحسب دراسة أجراها الصليب الأحمر، في عام 2023، يعيش 90% من السوريين تحت خط الفقر. فقد أسفرت سنوات الحرب الطويلة عن تدمير قرابة 40% من البنية التحتية في سوريا، ما أدّى إلى محو أحياء كاملة مثل شرق حلب، وحي الخالدية في حمص، ومدينة حرستا في غوطة دمشق. وقد قُدّرت الخسائر بنحو 530 مليار دولار أمريكي.
وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "الثورة"، عاد 115 ألف سوري إلى بلادهم خلال الأسابيع الثلاثة الأولى بعد سقوط النظام. بينما تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أنه من المتوقع عودة مليون لاجئ سوري خلال الأشهر الستة المقبلة فقط، بالإضافة إلى عدد كبير من النازحين داخل سوريا، الذين يسعون للعودة إلى مدنهم ومنازلهم التي أُجبروا على مغادرتها.
لكن هذا الخبر المفرح يعني -للأسف- أنّ عودة المهجّرين سوف تزيد من أزمة الطاقة، وتفاقم الضغط على الموارد في سوريا، وهاتان من أهم المشكلات التي يجب التعامل معها والاستجابة لها بسرعة. فما هي حالة الموارد الطبيعية في سوريا اليوم؟
النفط السوري
من ضمن الموارد الطبيعية للطاقة في سوريا، الزيت الخام (النفط)، الذي يُستخرج عن طريق آلات حفر الآبار، ويتمّ ضخّه بواسطة مضخّات ميكانيكية، ويعالَج لإزالة الشوائب، ثم يُنقل عبر خطوط الطاقة/ الأنابيب أو الشاحنات إلى المصافي (مثل مصفاة حمص أو بانياس)، أو إلى الموانئ للتصدير بواسطة سفن صهريجية. وبحسب تقارير صحافية، تحتوي محافظة دير الزور، وحدها، على 40% من احتياطي الزيت في أكبر الحقول، مثل حقلَي العمر وتنك. وحتى قبل 2011، كان احتياطي النفط الخام المؤكد في سوريا، يُقدّر بنحو 2.5 مليارات برميل، ما يجعلها من الدول ذات الاحتياطيات المتوسطة في الشرق الأوسط. ولا توجد تقديرات دقيقة محدّثة بعد ذلك العام، بسبب تراجع عمليات التنقيب والإنتاج نتيجة النزاع.
وقد أشارت دراسة صادرة في 2023، عن "Sciencedirect"، إلى أنّ الوضع الحالي لاستخراج النفط السوري سيئ جداً، بسبب العقوبات وقلة الاستثمار والتقنيات القديمة، ناهيك عن تدمير جزء من الحقول جرّاء القصف (متل حقل العمر).
عاد 115 ألف سوري إلى بلادهم بعد سقوط النظام. ومن المتوقع عودة مليون لاجئ خلال الأشهر الستة المقبلة فقط، وبالتالي سوف تزيد عودة المهجّرين من أزمة الطاقة، وتفاقم الضغط على الموارد، وهاتان من أهم المشكلات التي يجب التعامل معها والاستجابة لها بسرعة. فما هي حالة الموارد الطبيعية، وما هي خارطة الطريق لأمن الطاقة السوري؟
وفي حين كانت سوريا تنتج في العام 2010، نحو 400 ألف برميل، انخفض هذا الرقم في 2023، إلى 90 ألفاً، لأسباب عدة، منها العقوبات التي عرقلت قدرة النظام السابق على الإصلاح، وكذلك بسبب الصراع في شمال شرق سوريا، ولفقدان السيطرة، وفوق هذا زلزال شباط/ فبراير 2023.
مركز "ألما" الإسرائيلي للدراسات الأمنية، كان قد نشر تقريراً حول السنوات العشر الأخيرة، أشار فيه إلى أنّ سوريا خلال تلك الفترة كانت تستورد كميات تتراوح بين 50 و70 ألف برميل من النفط الخام يومياً من إيران، بالإضافة إلى قرابة 140 ألف برميل يومياً من العراق، لكن هذه الأرقام تظلّ محل تساؤل، ومشكوكاً في دقتها، نظراً إلى العقوبات المفروضة، والتي تجعل هذه الكميات الكبيرة صعبة التحقّق.
هذا ليس كل شيء، فهناك مزيد من النفط السوري، المسروق هذه المرة. في حوار أجراه في العام 2015، مع "الإيكونوميست"، أشار كبير الجيولوجيين في شركة "أفك"، يوڤال بارتوف، إلى أنّ شركته اكتشفت "مكمن نفط بإمكانات تصل إلى مليارات البراميل"، في الجولان المحتل، ما قد يشكل حافزاً مهماً لإسرائيل للبقاء على الأراضي السورية وأخذ المزيد منها. وهو ما شهدناه فور سقوط نظام الأسد.
الغاز الطبيعي ومياه الساحل غير المكتشفة
تتمركز حقول الغاز في سوريا في محافظات دير الزور وتدمر، وأيضاً في هضبة الجولان المحتل. ومعيقات استخراج الغاز الطبيعي في سوريا تشبه إلى حدّ كبير معيقات استخراج النفط، حيث يعتمد الاستخراج على تقنيات حديثة، وتقييم دقيق للحقول، هذا بالإضافة إلى أنّ الغاز الطبيعي له متطلبات خاصة بسبب طبيعته.
وكما في حالة الزيت الخام، وبرغم امتلاكها احتياطات محليةً، إلا أنّ سوريا استوردت الغاز الطبيعي من الخارج في فترات مختلفة، وجاء الاعتماد على الاستيراد نتيجةً لعوامل متعددة، تتعلق بالإنتاج المحلي، والطلب المتزايد، والبنية التحتية.
في العودة إلى ما قبل 2011، حيث كانت البلاد تنتج نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً، كان معظم هذا الإنتاج يُستخدم محلياً في توليد الكهرباء، وتشغيل المنشآت الصناعية. مع ذلك كانت سوريا تستورد الغاز المصري عن طريق خط الغاز العربي الذي يمرّ عبر الأردن.
بعد الـ2011، انخفض إنتاج الغاز إلى مليارَي متر مكعب، بسبب تضرر الحقول والبنية التحتية، وسيطرة أطراف متعددة على مناطق وحقول إنتاج الغاز، كالموجودة في دير الزور وتدمر. هذا بالإضافة إلى العقوبات الدولية التي منعت تطوير القطاع. وكما في حالة النفط، اعتمدت سوريا اعتماداً كبيراً على استيراد الغاز الإيراني والروسي عبر الصهاريج، وعن طريق الموانئ في حالة الغاز المسال.
إذا نظرنا إلى خريطة حقول الغاز والنفط في البحر المتوسط، على صفحة Global Energy Monitor، سنلاحظ عدم وجود حقول بين سوريا ولبنان وقبرص، في حين تمتلك إسرائيل حقلَي "لفنتين" و"تمار"، وتعمل على تطوير 10 حقول.
وحسب تقريرين صادرين في العامين 2007 و2011، عن مجلة "جيو أرابيا" -الممولة من أكبر شركات النفط في العالم- فهنالك احتمالية عالية لوجود مركبات هيدروكاربونية (المكوّنات الأساسية للبترول)، في مياه الساحل السوري. ويُقدَّر بأنّ المنطقة تحتوي على من 1.7 مليارات برميل من النفط، و122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وفي حال ثبتت هذه الأرقام، فقد تُمثّل ثلث إجمالي الموارد الهيدروكربونية في حوض المتوسط.
حسب تقرير مجلة "أويل أند جاز"، بدأت شركة "سي سي جي فيريتاس"، المدعومة من الحكومة الفرنسية، باستكشاف الموارد البحرية في سوريا في العام 2010، وتم التعاقد معها من قبل نظام الأسد، وكان هذا السبب وراء استضافة دمشق لمؤتمر الغاز والنفط الطبيعي السابع في السنة نفسها، والذي حضرته أبرز شركات النفط والغاز العالمية.
تغيّر الوضع بعد الثورة السورية، فوضعت روسيا يدها على الميناء، وفي 2015 بدأت شركة "سويوز نيفتي غاز"، الروسية للنفط والغاز، عمليات التنقيب عن النفط على الساحل الغربي لسوريا، وهو الموقع نفسه الذي قامت "سي سي جي فيريتاس" باستكشافه. واستندت هذه العمليات على اتفاقية موقعة بين سوريا وروسيا، في العام 2013، تنصّ على أن تستثمر "سويوز نيفتي غاز" مبلغاً أولياً يقارب 9 ملايين دولار.
حقول النفط و الغاز و محطات الضخ في سوريا
المصدر: syriafiles.net، needs to be contacted for permission
ما هو الوضع الحالي للبنية التحتية
بالإضافة إلى حقول النفط والغاز المذكورة، تمتلك سوريا خطوط نفط تربط حقولاً مثل العمر ورميلان بمصفاة بانياس ومصفاة حمص. وخطوط غاز تنقل الغاز من الحقول في تدمر وحمص إلى محطات توليد الكهرباء. أيضاً خطّ الغاز العربي الذي كان ينقل الغاز من مصر إلى الأردن وسوريا، لكنه توقف عن العمل في الجزء السوري.
المصافي النفطية، أو محطات التكرير، هي منشآت صناعية متخصصة في معالجة النفط الخام، وتحويله إلى منتجات قابلة للاستخدام مثل الوقود، الزيوت، والمواد الكيميائية. هدفها الأساسي، فصل النفط الخام إلى مكوناته الأساسية ثم تحسينها لتلبية احتياجات السوق. تمتلك الدولة السورية مصفاتين أساسيتين: الأولى في بانياس (طاقتها الإنتاجية تُقدّر بنحو 130،000 برميل يومياً)، والثانية في حمص (طاقتها الإنتاجية تقدّر بنحو 100،000 برميل يومياً). ومع سقوط النظام، تراجع إنتاج المصافي بشكل كبير لعدم وصول الوقود الإيراني و الروسي، ما أدى إلى وضع حرج للغاية في المصافي.
بعد أن كانت سوريا تنتج نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً، انخفض الإنتاج إلى مليارَي متر مكعب، بسبب تضرر الحقول والبنية التحتية، وسيطرة أطراف متعددة على مناطق وحقول إنتاج الغاز.
أما بالنسبة إلى الموانئ البحرية، فهناك موانئ بانياس واللاذقية وطرطوس، التي تُستخدم لتصدير واستيراد النفط والغاز. ووفقاً لتقرير من سنة 2019، لجوزيف داهر، وهو باحث سوري في علوم الاقتصاد، وقّع نظام الأسد مع الشركة الروسية "ستروي ترانس غاز"، اتفاقيةً لإدارة وصيانة ميناء طرطوس لمدة 49 عاماً، وفي عام 2017، وقّع النظام مع الشركة الروسية "جلوجيستيك"، عقداً لصيانة واستخراج الفوسفات في البادية السورية وصناعة الأسمدة مع إعطاء سوريا 30% من الأرباح. حسب المصادر فقد ألغت الحكومة السورية الانتقالية هذه الاتفاقيات. فما هو وضع خطوط الطاقة والدور الذي يمكن أن تلعبه سياسياً؟
خطوط الغاز والنفط هي شبكة أنابيب مصممة لنقل الوقود الأحفوري (النفط الخام، الغاز الطبيعي، المنتجات البترولية)، من أماكن الإنتاج إلى محطات التكرير، فالتوزيع، أو الاستهلاك. تُصنع عادةً من الفولاذ أو البولي إيثلين عالي الكثافة. تحتوي على صمامات التحكم في التدفق، ومحطات ضخّ وضغط لدفع الغاز أو النفط مسافات طويلة، ونظام مراقبة لمراقبة الضغط والكشف عن التسربات. غالباً تكون الأنابيب مدفونةً تحت البحر لحمايتها وتقليل المخاطر وبعضها يمتد تحت البحر.
خط الغاز العربي
دخل خط الغاز العربي، الخدمة في عام 2003، لربط مصر، الأردن، سوريا، ولبنان، بالغاز الطبيعي. واكتمل بناؤه وتم توصيله بين الأردن ومدينة حمص السورية، لكنه لم يصل إلى لبنان. وحالياً، تضخّ مصر وإسرائيل الغاز عبر هذا الخط فقط لتلبية احتياجات الأردن، مع غياب أي تبادل بين سوريا والأردن منذ عام 2012.
هناك خطة لإعادة تأهيل خط الغاز العربي وتوسيعه ليشمل حقول الغاز في شمال شرق سوريا، وربطه بتركيا ولبنان. مثل هذا المشروع سيعود بالفائدة على جميع الأطراف، ما يتيح تنوعاً في مصادر الطاقة ويعزز التعاون الإقليمي.
وبحسب تقرير كريم الجندي، الباحث في شؤون الاستدامة وسياسات المناخ، تركيا تمتلك 7 خطوط أنابيب غاز طبيعي منها خط الغاز الطبيعي العابر للأناضول (تاناب) الذي يربط أذربيجان بأوروبا. وتمتلك أيضا 5 موانئ لاستقبال الغاز المسال ( إل إن جي)، و5 منشآت للتخزين، ما يجسّد طموحاتها لتوسيع دورها كمركز طاقة إقليمي. من بين هذه الطموحات، تطمح تركيا إلى الاتصال بخطّ الغاز العربي لتعزيز تدفق الغاز إلى أوروبا.
خط قطر-تركيا
بالنسبة إلى خطّ الغاز الذي كان يرمي إلى ربط قطر بتركيا، فكان يُفترض أن يبلغ طوله 1،500 كم بكلفة تفوق الـ10 مليارات دولار، وقد بدأ الحديث عنه في عام 2008، وتم عرضه على بشار الأسد، لكنه قوبل بالرفض، ربما بسبب ضغوط روسية، إلا أنّ السبب الحقيقي وراء الرفض غير واضح تماماً، وتوقّف المشروع بعدها.
وتشير تقارير إلى أنّ احتمالية تنفيذ هذا الخط اليوم ضئيلة نظراً إلى عدم الاستقرار في المنطقة، واعتماد أوروبا المتزايد على الغاز المسال الذي يتم نقله عبر السفن، ومن المحتمل أن يكون جزء كبير من الغاز القطري قد تم تخصيصه للتصدير كغاز مسال لعقود قادمة، بالإضافة إلى توقع انخفاض استهلاك أوروبا للغاز، بحلول عام 2030.
مع ذلك، وبحسب تصريح صادر عن وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار، فقد أعرب عن اهتمامه بإعادة فتح ملف هذا الخط بين قطر وتركيا، ودعم البلدين لسوريا. في الوقت الحالي يظهر أنّ هناك اهتماماً بتفعيل هذا المشروع.
إلا أنّ تنفيذ هذين المشروعين قد يؤدي إلى منافسة مباشرة مع خط الغاز "إيست ميد"، الذي يخطَّط لأن يربط إسرائيل بقبرص وأوروبا، وهو الذي تعارضه تركيا معارضةً شديدة لأنه يمرّ بمياهها. كما سيخفّض عائدات قناة السويس، بسبب تراجع عبور السفن القطرية.
خط كركوك-بانياس
خط كركوك-بانياس، الذي كان غير فعّال منذ ثمانينيات القرن الماضي، بسبب الحروب والعقوبات والمشكلات الأمنية، عاد إلى دائرة الاهتمام بعد سقوط نظام بشار الأسد. ظهرت دعوات بحسب تقرير من كانون الثاني/ يناير هذه السنة من مجلة "بايب لاين جورنال" لإعادة بناء هذا الخط، خاصةً من الخبراء العراقيين، الذين يرون فيه فرصةً إستراتيجيةً لتعزيز تصدير النفط العراقي إلى أوروبا عبر البحر المتوسط.
يمثّل هذا المشروع جزءاً من جهود العراق لتوسيع منافذ تصدير النفط، والتقليل من الاعتماد على موانئ تركيا، مثل ميناء جيهان، مع السعي للوصول المباشر إلى الأسواق الأوروبية. إعادة تأهيل الخط قد تساهم في تنويع مسارات تصدير النفط وتقليل الاعتماد على البنية التحتية الحالية في تركيا.
برغم الاهتمام المتزايد، يواجه مشروع إعادة بناء خط كركوك-بانياس، تحديات كبيرةً، تشمل تدهور البنية التحتية، نقص التمويل، وعدم استقرار الأوضاع السياسية. ومع ذلك، في حال تنفيذه، سيشكل هذا المشروع خطوةً إستراتيجيةً للعراق لتوسيع أسواق تصديره النفطية، بالإضافة إلى تقديم دعم اقتصادي مهم لسوريا.
ما هي حالة الشبكة الكهربائية؟
سوريا تمتلك محطات عدة لتوليد الطاقة الكهربائية، موزعة في الرسم التوضيحي أدناه، وتعتمد في إنتاجها بنحو 40% على الغاز الطبيعي، و60% على الوقود، مثل محطة تشرين في ريف دمشق (100 ميغاواط)، محطة ريف حمص (1،000 ميغاواط)، محطة بانياس (680 ميغاواط). كما تعتمد بعض المحطات على الطاقة الكهرومائية مثل محطة سدّ الفرات (800 ميغاواط)، بحسب خريطة "غلوبال إينرجي مونيتر" لمحطات الغاز والنفط لإنتاج الكهرباء.
الميغاواط هي وحدة قياس للطاقة الكهربائية أو القدرة الكهربائية، وتعادل مليون واط. تُستخدم عادة لقياس القدرة الإنتاجية لمحطات توليد الكهرباء أو استهلاك الكهرباء في شبكات كبيرة.
وبحسب تقرير من مجلة "ساينس دايركت"، صادر في سنة 2023، فقد كان استهلاك الشخص في سوريا في العام 2010، يعادل 1،960 كيلو واط/ ساعة، لينزل الاستهلاك تدريجياً حتى وصل إلى أصبح 761 كيلو واط/ ساعة في سنة 2020، ولغرض المقارنة يقدّر استهلاك المواطن في الأردن سنة 2022، بـ1،786 كيلو واط/ ساعة، حسب الوكالة الدولية للطاقة.
قبل 2011، كانت سوريا تستورد كهرباء من الأردن وتصدرها إليه، ولكن هذا الاستيراد انقطع تماماً بسبب العقوبات، وأصبح استيراد وتصدير الكهرباء مقتصراً على إيران ولبنان. مع العلم أنّ سوريا مرتبطة بجميع جيرانها بخطوط 400 و230 كيلو فولت (كما في الرسم التوضيحي أدناه)، بينما تزوّد خطوط لشركة "أي كي إينرجي" التركية مناطق المعارضة الشمالية. وهذا العزل الكهربائي أضعف موقف سوريا جداً، وجعلها بحاجة ماسّة إلى المساعدات.
الشبكة الكهربائية السورية
المصدر: Noonpost.com
وتعمل شركة "كارباورشيب" التركية، حالياً، على إعداد تقرير تحليلي للشبكة الكهربائية السورية، والذي من المتوقع أن يكون جاهزاً خلال الأسابيع المقبلة. أما في الوقت الحالي، فتزوّد تركيا سوريا بالكهرباء عبر خطوط التمديد وعبر المحطات الكهربائية العائمة، والمعروفة باسم "السفن الكهربائية"، بحسب تقرير المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء السورية، وتقرير "العربي الجديد". فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، واصلت تركيا دعم المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة في شمال سوريا من خلال توفير الكهرباء، كما جاء في تقرير من 2021، في صحيفة "الشرق الأوسط".
محطة كهرباء عائمة تابعة لشركة كارباورشيب التركية و محطة قطرية
المصدر: صفحة وزارة الكهرباء السورية
تعرّضت الشبكة الكهربائية السورية، لدمار هائل في السنوات الـ13 الأخيرة، لأنّ المحطات والخطوط الكهربائية تم استهدافها، بينما قُطعت الإمدادات، بالإضافة إلى تدهور الخدمات بسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء والضغط على الإمدادات التي ظلّت في الخدمة، ناهيك عن نقص الصيانة والاستثمار.
وبحسب تقرير صحيفة "صدى"، في تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، فإنّ 50% من الشبكة السورية دُمّرت، وبحسب تقرير مجلة "ذا سيريا ريبورت"، من آذار/ مارس 2022، فقد كانت هناك مشاريع لبناء محطات كهرباء جديدة من قبل شركات روسية، ولكنها توقفت. فما هي الحلول قصيرة الأمد (في الأشهر القادمة) لتوفير الحدّ الأدنى من الطاقة للمواطن السوري؟
الحلول قصيرة الأمد
اعتمدت سوريا اعتماداً كبيراً على إيران وروسيا في تلبية احتياجاتها من الطاقة المحلية، والآن بعد سقوط نظام الأسد وتحقيق هذا الإنجاز التاريخي، يحتاج الشعب السوري إلى دعم كبير لأجل النهوض، وليبدأ مسيرته في بناء وطن جديد. لذا فعلى الإدارة السورية الجديدة، العمل على النقاط التالية:
محاولة رفع العقوبات الدولية التي تعيق تطوير قطاع الطاقة، والمفروضة على استيراد التكنولوجيا والمعدّات اللازمة لتوليد الطاقة، بالإضافة إلى القيود المالية التي تعرقل الاستثمار والتمويل. وحتى لحظة إعداد هذا التقرير، كان هناك تخفيف على بعض القيود على المواد والمعدّات اللازمة لإعادة الإعمار، مع السماح بتوفير الوقود والمشتقّات النفطية للأغراض الإنسانية. وفي هذه المصادر، يوجد شرح مبسط للعقوبات المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مع التذكير بوجود عقوبات من دول أخرى مثل بريطانيا وكندا.
إصلاح الطرق البرّية الأساسية والموانئ لضمان سلامة الشحنات من الوقود وسلامة السفن الكهربائية، مثل السفينة القطرية والسفينة التركية اللتين ترسوان في ميناء طرطوس واللاذقية، ويفترض أن تساهما في إمداد سوريا بـ800 ميغاواط.
العمل على خلق علاقات دبلوماسية قوية لضمان دخول الوقود والكهرباء، والاستثمار في البنية التحتية. مع العلم أنّ سوريا يمكنها أن تكون صلة وصل بين البلاد المجاورة عبر تمديدات خطوط الغاز وخطوط الكهرباء، وأن تكون ذات منفعة لهم بمكانتها الإستراتيجية.
تعرّضت الشبكة الكهربائية السورية لدمار هائل في السنوات الـ13 الأخيرة لأنّ المحطات والخطوط الكهربائية تم استهدافها، وبحسب تقارير حديثة فإنّ 50% من الشبكة السورية دُمّرت، وكانت هناك مشاريع لبناء محطات كهرباء جديدة من قبل شركات روسية، ولكنها توقفت، مما يجعل من أمن الطاقة أولوية طارئة لبناء سوريا الجديدة
تأمين الوقود لمحطات الكهرباء، وذلك سيكون غالباً عن طريق شحنات في البحر المتوسط من تركيا وقطر والعراق، ومن الوارد من السعودية. فبحسب مقالين لمركز "ألما" للبحوث الإسرائيلية، و"العربي الجديد"، في كانون الأول/ ديسمبر 2024، أعربت كلّ من تركيا والسعودية وقطر عن رغبة في دعم سوريا بالزيت الخام والوقود، وعن إرادة لمساعدة سوريا في البنية التحتية للغاز والزيت.
يُعدّ التوافق مع الفصائل في سوريا، مثل الموجودة في درعا والسويداء، وشمال سوريا وشرقها، ضامناً لاستهلاك الإمكانيات الموجودة، مع الحذر من حصول سيناريو مشابه للّذي حصل في العراق، باستيلاء أحزاب وفصائل مسلحة عدة على بعض الحقول، لتحقيق القوة السياسية والاقتصادية.
بدء العمل على إصلاح وتحسين بنية الطاقة التحتية، كالحقول، وخطوط الطاقة، والمصافي، والمخازن، وغيرها، بهدف استرجاع القدرة على استخراج 400 ألف برميل من الآبار في سوريا.
بداية عمليات الإصلاح للشبكة الكهربائية ومكوناتها مثل مولدات الكهرباء، شبكة النقل، شبكة التوزيع، ونظم التحكم والمراقبة وغيرها.
إعداد إطار قانوني وتنظيمي لجذب الشركات العالمية لاكتشاف النفط والغاز الذي يمكن أن يكون موجوداً في البحر المتوسط وشمال شرق سوريا. يمكن لسوريا بناء نموذج مشابه لنموذج مصر وقبرص من خلال التعاون الدولي واستخدام التكنولوجيا المتقدمة.
نشر الوعي السوري بتعزيز المعرفة العامة بقضايا الطاقة وأنظمتها الطاقة في سوريا والدول الأخرى. يتطلب فهم الإمكانيات المتاحة، وتحديد نقاط القوة والمزايا التنافسية في البلاد، واستثمارها بفعالية. فعاجلاً أم آجلاً، ستصبح سوريا جزءاً من نظام طاقة متكامل مع دول الجوار، يشبه نظام الربط الكهربائي في أوروبا. يمثل الربط الكهربائي أهميةً كبيرةً، حيث يسهم في تحقيق توازن الحمل الكهربائي في أوقات الذروة، ويحسّن كفاءة الاستهلاك والطلب. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ ربط البلاد بشبكات وخطوط الطاقة سيؤدي إلى خفض تكاليف النقل، تعزيز أمن الطاقة، ودعم نمو الصناعات المحلية، ما يساهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية وتحقيق استقرار طاقي طويل الأمد لسوريا وجيرانها.
خريطة القوات في سوريا و البنية التحتية للطاقة
المصدر: bne IntelliNews - COMMENT: Will the US exit Syria, return its oil fields
كيف يمكن للطاقة المتجددة أن تجعل سوريا حرّةً بالفعل؟
المقصود بالطاقة المتجددة، الكهرباء المستمدة من مصادر طبيعية مستدامة لا تنفد مع الاستهلاك، مثل الشمس والرياح والطاقة الكهرومائية. ويمكن لأيّ شخص أو وجهة لديها الإمكانيات المادية والمعرفة اللازمة، تركيب الألواح الشمسية والاستفادة منها أو من مزارع الرياح. يمكن أن تكون الطاقة المتجددة مصدر طاقة ديمقراطياً للجميع، لأنها توفر إمكانيات متساويةً للحصول على الطاقة بشكل لامركزي ومستدام، وتقلل من اعتماد سوريا على بلاد أو شركات أخرى تمتلك الغاز والنفط وتحتكره.
حالياً، في سوريا ثلاثة أنواع من الطاقة المتجددة، الأول هو الطاقة الكهرومائية التي تعتمد على تدفق المياه لتوليد الكهرباء. يتم توليد الطاقة الكهرومائية من عدد من السدود الرئيسية التي بُنيت على الأنهار، وأبرزها سد الفرات وسد تشرين على نهر الفرات. وفي 2022، بلغت القدرة الإنتاجية للطاقة الكهرومائية 4% من إنتاج الكهرباء في سوريا. هذا مع العلم بأنّ هذه المحطات تضررت كثيراً بسبب الصراع وانخفضت كفاءة التوربينات ونظم التشغيل نظراً إلى نقص الصيانة.
والنوع الثاني هو الطاقة الشمسية، وبحسب موقع "غلوبال إنيرجي مونيتور"، هناك محطتان شمسيتان؛ محطة شيخ نجار في حلب، سعة 42 ميغاواط، ومحطة عدرا في دمشق سعة 10 ميغاواط. وهناك ألواح صغيرة ليست على القدرة الكافية لتغذية مدن أو قرى، فهي فقط مركّبة على أسطح بيوت ومصانع (أقل من 10 كيلو واط).
الخبر الجيد أنّ سوريا تمتلك مواقع مميزةً تتمتع بإمكانات عالية لتوليد الطاقة الشمسية، حيث يمكن أن يصل الإنتاج الفوتوفولطي المحدد إلى 5.3 كيلو واط/ ساعة لكل كيلو واط ذروة (kWh/kWp)، مثل مناطق يبرود والنبك والمناطق الصحراوية جنوبي شرق سوريا. لغرض المقارنة، متوسط إنتاج الطاقة الشمسية في ألمانيا يتراوح بين 2.5 إلى 3.5 كيلو واط/ ساعة لكل كيلو واط ذروة يومياً.
والنوع الثالث هو الطاقة المنتجة من زعانف أو توربينات الرياح. وهناك إمكانيات كبيرة لتطوير مزارع الرياح، فبحسب دراسة في العام 2012 صادرة عن "ساينس دايركت"، عن الرياح في سوريا، فبعض المناطق في حمص مناسبة لإنتاج طاقة رياح بسرعة تصل إلى 8 متر/ ثانية، وبطريقة مستمرة. إذ يتراوح متوسط سرعة الرياح في سوريا بين 4 إلى 6 متر/ ثانية. وحالياً، توجد زعنفتان للرياح في حمص من صنع وبناء وإدارة الشركة السورية "دبليو دي آر في إم".
الطاقة المتجددة في البلاد المجاورة
لفهم الإمكانيات السورية، لا بدّ من مقارنة القدرة الإنتاجية للطاقة مع البلاد المجاورة التي تتمتع بظروف جغرافية ومناخية مشابهة، ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أنّ هذه الدول لم تواجه ظروف الحرب التي مرّت بها سوريا، وهو عامل أساسي يؤثر على القدرات والإمكانيات المتاحة.
إذا نظرنا إلى الأردن، على مدار الـ 15 عاماً الماضية، فقد تمكّن من رفع نسبة الكهرباء المولّدة من الشمس والرياح من 0% إلى 30%. هذا الإنجاز أدى إلى تحقيق فائض في إنتاج الكهرباء في بعض الأوقات، ما ساهم في تعزيز استقلالية الأردن عن الدول الأخرى.
الكثير من الاستثمارات والمشاريع جاءت من الخارج، ومن الأمثلة البارزة مشروع التعديل على الشبكة الكهربائية لتصبح مهيأةً لاستقبال طاقة متجددة، هو مشروع "الممر الأخضر" في الأردن، ففي 2017، تعاونت شركات ألمانية وبلجيكية لمدّ خطوط نقل الكهرباء، ما أتاح نقل الطاقة الشمسية المولّدة في جنوب الأردن، الذي يتمتع بإمكانات شمسية كبيرة، إلى شمال الأردن حيث تتركز الكثافة السكانية.
هذا التطور مهّد الطريق لدخول السيارات الكهربائية إلى السوق الأردني، حيث أصبحت حوالي 45% من السيارات الحكومية تعمل على الكهرباء، ما خفف الاعتماد على الوقود الأحفوري، بالإضافة إلى تقديم دورات تعليمية وتدريبية للتوعية بأهمية وفوائد الشحن الذكي. يعتمد هذا النوع من الشحن على استغلال الفترات التي تكون فيها تكلفة الكيلو واط منخفضةً. فعلى سبيل المثال، أصبح مالك السيارة الكهربائية في الأردن، يشحن سيارته خلال الليل لتوفير التكاليف وتحقيق استخدام أكثر كفاءةً الشبكة الكهربائية الوطنية. بوجود الذكاء الاصطناعي وتطوره سوف تتطور تقنيات الشحن الذكي وتصبح أكثر فعاليةً.
تمتلك سوريا مواقع مميزةً تتمتع بإمكانات عالية لتوليد الطاقة الشمسية، مثل مناطق يبرود والنبك والمناطق الصحراوية جنوبي شرق البلاد.
إذا نظرنا إلى قطاع الطاقة المتجددة في تركيا، سنشهد تطوراً ملحوظاً خلال العقدين الأخيرين. تركيا بدأت باستثمار الطاقة المتجددة بشكل كبير لتقليل اعتمادها على الطاقة المستوردة وتعزيز استدامة الاقتصاد الوطني. فقد تجاوزت القدرة المركبة للطاقة المتجددة في البلاد، 35%، ما خفض اعتمادها على المحروقات بشكل كبير.
وهذا جعلها واحدةً من الدول الرائدة في استخدام مصادر الطاقة المتجددة في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا وحسن الأمن الطاقي، وخلق فرص عمل جديدة، وساعد في تحسين جودة الهواء وخفض تكاليف الطاقة على الأفراد. صرّح وزير الطاقة التركي مؤخراً، عن استعداد بلاده لدعم سوريا في بداية مشوارها نحو الطاقة المتجددة.
اللافت، والمحزن، أنّ إسرائيل تقوم حالياً ببناء أكبر محطة طاقة رياح (207 ميغاواط)، على أراضي الجولان السوري المحتلّ، والتي سوف تغذّي 17% من احتياجاتها للطاقة المتجددة، وهذا بحسب تقرير من مجلة "هارتز" للعام 2019.
كيف يمكن ترجمة الإمكانيات السابقة إلى أرقام؟
في عام 2022، أنتجت سوريا 20،000 جيجاوات ساعة GWh، من الطاقة (جيجا وات ساعة هي وحدة قياس الطاقة الكهربائية المنتجة أو المستهلكة). وإذا قامت بتركيب 3 جيجاوات من طاقة الرياح و6 جيجاوات من الطاقة الشمسية، فإنها ستتمكن من إنتاج حوالي 25،000 جيجاوات ساعة سنوياً. يتراوح الإنفاق الرأسمالي لتنفيذ هذا المشروع بين 7 إلى 8 مليارات يورو، ويعادل تكلفة بناء ملاعب كأس العالم 2022، في قطر.
بالإضافة إلى ذلك، ستحتاج سوريا إلى صيانة وتعديل الشبكة الكهربائية، وإضافة خطوط كهربائية لضمان قدرة الشبكة على التعامل مع تقلبات الإنتاج من الطاقة الشمسية والرياح. وهي مشاريع تشبه مشروع "الممرّ الأخضر" في الأردن. وقد تصل كلفة الإصلاحات والتعديلات إلى 5 مليارات أخرى. مع ملاحظة أنّ هذه الأرقام تقريبية ومبنيّة على معطيات من مشاريع أخرى.
مشروع بهذا الحجم يستغرق عادةً ثلاث سنوات للتطوير والدراسات، وسنتين لاستيراد وتركيب الماكينات من الخارج، وقد شهدت أسعارها انخفاضاً وصل إلى 82% في السنوات العشر الماضية، ومن بعدها يصبح المشروع جاهزاً للتشغيل وضخّ الكهرباء لما يعادل 25 إلى 30 سنةً بالشبكة السورية. هذا إذا تحققت الشروط المطلوبة، وأهمها إزالة العقوبات. ومن بعد ذلك، في استطاعتنا كسوريين أن نكون أكثر استقلاليةً مع دعم أقلّ من الخارج.
وفي مجال الطاقة الكهرومائية، هناك فرصة كبيرة لسوريا للتعاون مع البلدان الرائدة في هذا المجال، مثل النرويج، كندا، وتركيا للعمل على مشاريع إصلاح وتبديل للمحطات الموجودة.
يكمن التحدّي الأكبر في تأهيل وتدريب الشبان والشابات السوريين/ ات، وهو أمر أصبح أكثر سهولةً في عصرنا الحالي، بفضل الإنترنت وتقنيات الذكاء الاصطناعي. هذا غير أنّ السوريين أصبحوا بحكم الضرورة على معرفة جيدة بتركيب وتشغيل الألواح الشمسية، بحسب تقرير صحيفة "صدى" من تشرين الأول/ أكتوبر 2024، وذلك بسبب الانقطاع المستمر للكهرباء في السنوات السابقة، واعتمادهم على الألواح الشمسية الصغيرة لتلبية احتياجاتهم اليومية.
لمن يرغب في خلق افتراضات واستكشاف سيناريوهات مختلفة، يمكنه تجربة هذه الأداة المجانية المتاحة عبر الإنترنت، والتي تحسب تكلفة تلبية طلب كهرباء ثابت من خلال مزيج من طاقة الرياح والطاقة الشمسية والتخزين في مختلف مناطق العالم. لكنه مجرد نموذج تجريبي، ولا يجب استخدامه بطريقة تجارية.
الفرصة الذهبية
تمتلك سوريا حالياً فرصةً ذهبيةً للشروع في بناء محطات الطاقة الشمسية ومحطات طاقة الرياح وإصلاح سدودها على نهر الفرات. وبرغم تأخّرنا بالمقارنة مع الدول المجاورة والخليج وأوروبا، بسبب الحرب والديكتاتورية القامعة، إلا أنّ هذا التأخر قد يكون ميزةً في صالحنا من الناحية التجارية لأنّ سعر التركيب والتشغيل هبطت كثيراً مقارنةً بالسنوات الماضية.
من أولويات الحكومة الحالية وضع خطة واضحة للطاقة المتجددة، وبدأ العمل على تطوير الأنظمة والقوانين التي تتيح للمستثمرين الدوليين القدوم وإنشاء محطات الطاقة وإصلاح شبكات الكهرباء، وتهيئة بيئة مستقرة وجاذبة للاستثمار، والتعاون مع الشركات العالمية ودعم الشركات المحلية مثل شركة "دبليو دي آر في إم" التي أنجزت شيئاً شبه مستحيل في ظلّ ظروف السنوات العشر الأخيرة.
لقد خضعت سوريا في نصف القرن الماضي لسيطرة الجهات والشركات التي تمتلك الوقود وتتحكم في وصوله وتوقيته وكميته، والتي تحكمت كذلك بقدرة السوريين على استخدام الوقود الموجود على أرضهم، من خلال منع المعدات اللازمة، وخلق صراعات جديدة على أرضها لاستغلال ما يوجد فيها، ما أدى إلى معاناة الشعب السوري من نقص الكهرباء والتدفئة والغذاء. إنّ إدراك أهمية اعتماد سوريا على الطاقة المتجددة يمنحها استقلاليةً حقيقيةً، بعيداً عن أي هيمنة جديدة على مصادر طاقتها.
التحول إلى الطاقة المتجددة لن يقتصر على تحقيق الاستقلال الطاقي فحسب، بل سيساهم أيضاً في خلق فرص عمل واسعة، وتعزيز المجتمعات الصغيرة في القرى والمدن، وإنعاش الصناعة المحلية، فضلاً عن تحسين جودة الهواء الذي يتنفسه السوريون. وبرغم أنّ التكلفة الرأسمالية الأولية لهذه المشاريع قد تكون مرتفعةً مقارنةً بمحطات حرق الوقود الأحفوري، إلا أنّ العوائد طويلة الأمد ستكون أعظم بكثير. لذا، فهذه اللحظة تمثل فرصةً استثنائيةً للانطلاق نحو مستقبل مستدام ومستقلّ من دون احتكارات من شركات أجنبية أو بلدان أخرى.
تقع على عاتقنا نحن السوريين والسوريات، خاصةً المقيمين خارج البلاد، مسؤولية خلق المساحات المناسبة وتوفير المؤهلات اللازمة لإعادة إعمار هذا البلد. إذ صرنا نمتلك اليوم خبرات ثمينةً اكتسبناها خلال 13 عاماً من التهجير القسري والتحديات المرتبطة ببناء حياة جديدة في أماكن مختلفة. نعم، سوريا تواجه دماراً واسعاً وتحتاج إلى إصلاحات كبيرة، لكنها أيضاً فرصة لبداية جديدة بعقلية جديدة نصنعها مع شباب وشابات هذا البلد، الذين يشكلون أكثر من 60% من سكانه، ولديهم الطاقة على التعلم واكتساب المهارات والخبرات اللازمة لبناء المستقبل، هؤلاء الشباب متعطشون للعمل والإنتاج، ويتطلعون للعودة إلى التواصل مع العالم الخارجي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ يومl
Frances Putter -
منذ يومyou insist on portraying Nasrallah as a shia leader for a shia community. He is well beyond this....
Batoul Zalzale -
منذ 3 أيامأسلوب الكتابة جميل جدا ❤️ تابعي!
أحمد ناظر -
منذ 3 أيامتماما هذا ما نريده من متحف لفيروز .. نريد متحفا يخبرنا عن لبنان من منظور ٱخر .. مقال جميل ❤️?
الواثق طه -
منذ 3 أيامغالبية ما ذكرت لا يستحق تسميته اصطلاحا بالحوار. هي محردة من هذه الصفة، وأقرب إلى التلقين الحزبي،...
ماجد حسن -
منذ 6 أياميقول إيريك فروم: الحبُّ فعلٌ من أفعال الإيمان، فمن كان قليلَ الإيمان، كان أيضًا قليل الحب..