شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الوصاية على الحريات... كيف تستخدم السلطات الليبية

الوصاية على الحريات... كيف تستخدم السلطات الليبية "الحجاب" للتغطية على إخفاقاتها؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الجمعة 15 نوفمبر 202412:05 م

في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً، أعلن وزير الداخلية الليبي، عماد الطرابلسي، خلال مؤتمر صحافي عُقد في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، عن رغبته في فرض الحجاب الإلزامي على النساء، خاصةً في المدارس، إلى جانب اشتراط موافقة وليّ الأمر الذكر لسفر النساء، ومنع الاختلاط بين الذكور والإناث في الأماكن العامة مثل المقاهي والمطاعم، كما طالبت الوزارة الرجال بالالتزام بما وصفته بـ"قصّات شعر لائقة"، للتماشي مع "المعايير الأخلاقية" التي تسعى لترويجها.

هذه القرارات أثارت موجةً من الانتقادات داخل ليبيا وخارجها، وقد عدّتها العديد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، وعلى رأسها منظمة العفو الدولية، خطوةً نحو فرض المزيد من القيود على الحريات الفردية، وإحياء لما يُعدّ عودةً لتشديد السيطرة الأخلاقية من قِبَل الدولة على الأفراد.

تصعيد خطير في مستويات القمع

في بيان حديث، وصفت منظمة العفو الدولية، هذه الخطوات، بأنها "تصعيد خطير في مستويات القمع في ليبيا"، محذرةً من أن فرض الحجاب الإلزامي ومراقبة مظهر الأفراد ومنع الاختلاط بين الجنسين، تُعدُّ خروقات صارخةً لحقوق الإنسان وحريات الأفراد وتتنافى مع التزامات ليبيا بالمعاهدات الدولية.

بالإضافة إلى ذلك، أشارت منظمة العفو الدولية إلى أن هذه القيود تأتي في وقت حساس، حيث تشهد ليبيا اضطرابات اجتماعيةً وسياسيةً تؤثر على حياة الأفراد اليومية.

في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً، أعلن وزير الداخلية الليبي، عماد الطرابلسي، خلال مؤتمر صحافي عُقد في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، عن رغبته في فرض الحجاب الإلزامي على النساء، خاصةً في المدارس، إلى جانب اشتراط موافقة وليّ الأمر الذكر لسفر النساء، ومنع الاختلاط بين الذكور والإناث في الأماكن العامة

ورأت المنظمة أن السلطات الليبية تُحاول تحويل الانتباه عن التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجهها البلاد، من خلال هذه القوانين التي تشدد السيطرة الأخلاقية، ما يؤدي إلى المزيد من تقييد الحريات الشخصية وفرض الوصاية على حياة الناس.

على الصعيد المحلي، لاقت هذه القرارات ردود فعل غاضبةً على وسائل التواصل الاجتماعي.

ناشطات وناشطون وفنانون ليبيون أعربوا/ ن عن استيائهم/ نّ مما وصفوه بتقييد حرية المرأة، ومحاولة فرض وصاية على حياتها الخاصة، كما عبّرت العديد من النساء الليبيات عن قلقهنّ من هذه التدابير التي يعددنها محاولةً لفرض قوالب نمطية تُعيد النساء إلى أدوار تقليدية مقيّدة، وتحدّ من حريتهنّ في المجال العام.

تُعدّ هذه السياسات امتداداً لنزعة شعبوية متصاعدة في ليبيا نحو تقييد الحريات الشخصية باسم القيم الأخلاقية والدينية.

ففي العام 2012، أثارت تصريحات لرئيس المجلس الوطني الانتقالي آنذاك، مصطفى عبد الجليل، حول فرض الحجاب، جدلاً واسعاً، حيث عبّرت بعض النساء آنذاك عن رأيهنّ بأن الحجاب قضية شخصية بين الفرد وربّه، ولا ينبغي أن تُملى عليهنّ عبر قرارات رسمية.

بيئة مليئة بالقيود

من داخل ليبيا، عبّرت ناشطات حقوقيات عن رفضهنّ الشديد لهذه القرارات.

تقول إحدى الناشطات النسويات، لبنى (اسم مستعار)، لرصيف22: "شعرتُ بالغضب والاستياء عندما سمعتُ بهذا القرار؛ فهي خطوة جديدة في سلسلة القيود التي تهدف إلى قمع حرية النساء وتقييد حقوق الشباب. هذه القرارات تسلب المرأة حقها في الاختيار، وتؤكد على وصاية الدولة على حياتها".

 "رسالتي للعالم أن ليبيا بحاجة إلى تضامنكم ودعمكم. النساء والشباب الليبيون يعانون من قيود جائرة على حياتهم وحرياتهم الأساسية. حرياتنا ليست رفاهيةً، بل هي حق يجب الدفاع عنه بكل الوسائل الممكنة"

تتابع: "تؤثر هذه القرارات مباشرةً على حرية النساء في التنقل، واتخاذ القرارات المتعلقة بحياتهنّ، ومنع الاختلاط يعرقل الشباب والشابات من الالتقاء بشكل طبيعي في الأماكن العامة، ما يعمق العزلة الاجتماعية ويعزز الأفكار السلبية حول العلاقات الاجتماعية. هذه التصريحات كفيلة بأن تُحوّل المجتمع الليبي إلى بيئة مليئة بالرقابة والقيود، وتجعل الأفراد يفقدون حقهم في ممارسة أبسط حرياتهم".

يرى كثيرون أن هذه القرارات تأتي في إطار نهج الدولة المستمر في استخدام الدين والأخلاق كوسيلة للسيطرة الاجتماعية وتبرير التدخل في حياة الأفراد.

تعليقاً على ذلك، تقول لبنى: "أرى أن هذا القرار جزء من توجه أكبر للسيطرة على المجتمع الليبي. الدولة تستغلّ الدين والأخلاق لتبرير تدخلها في حياة الأفراد، وهذه القرارات ليست إلا وسيلة لصرف الانتباه عن الأزمات الحقيقية التي يعاني منها المواطنون، مثل الأزمات الاقتصادية والسياسية".

وتختم بالتشديد على أهمية التضامن الدولي قائلةً: "رسالتي للعالم أن ليبيا بحاجة إلى تضامنكم ودعمكم. النساء والشباب الليبيون يعانون من قيود جائرة على حياتهم وحرياتهم الأساسية. حرياتنا ليست رفاهيةً، بل هي حق يجب الدفاع عنه بكل الوسائل الممكنة".

السيطرة على الفئات المهمشة

من جهة أخرى، يرى البعض أن هذه القيود تعكس محاولات الدولة المستمرة للسيطرة على الفئات المهمشة.

في هذا الصدد، يقول تازر، وهو كاتب وناشط ليبي: "نحن نواجه الوسائل ذاتها المتكررة لتلهية الناس بملاحقة المظاهر وتجاهل الأزمات الأساسية. برغم اختلاف فئتي النساء ومجتمع الميم-عين، إلا أنهما يشتركان في كونهما من الفئات المهمشة، ما يجعلهما أهدافاً سهلة لحشد الناس ضدهما".

ويضيف الناشط لرصيف22، أن هذه السياسات "تجعل حياة النساء ومجتمع الميم صعبةً ومعزولةً في ليبيا، حيث يصبح التنقل والمظهر الشخصي عرضةً للرقابة المستمرة"، مشيراً إلى أنه "بينما تواجه النساء القيود الجديدة، يعاني مجتمع الميم أيضاً من تمييز متزايد يتخذ من الأخلاق ذريعةً للتضييق عليهم".

تأتي هذه السياسات الجديدة في سياق متوتر، حيث تشهد ليبيا صراعات داخليةً وحالةً من عدم الاستقرار السياسي. في الوقت الذي يعاني فيه الليبيون من تحديات اقتصادية وأمنية، تُظهر هذه القرارات محاولةً من الحكومة لصرف الانتباه عن تلك الأزمات، من خلال فرض سيطرة اجتماعية على الأفراد باسم "الحفاظ على الأخلاق".

"هذه السياسات تجعل حياة النساء ومجتمع الميم صعبةً ومعزولةً في ليبيا، حيث يصبح التنقل والمظهر الشخصي عرضةً للرقابة المستمرة"

في الختام، يبقى السؤال حول ما إذا كانت السلطات الليبية ستستجيب لمطالب الشعب والمجتمع الدولي بالتراجع عن هذه القرارات، قائماً.

ومن المتوقع أن تتصاعد حملات الضغط على الحكومة الليبية، سواء من داخل البلاد أو من المجتمع الدولي، لضمان حماية حقوق الإنسان، خاصةً في ما يتعلق بالحريات الشخصية وحرية الاختيار، وسط تصاعد الوعي بأهمية هذه القضايا في المشهد الاجتماعي والسياسي في ليبيا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image