شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"الروبوتات القاتلة"... هل تُنهي المُسيَّرات عصر سيطرة الإنسان على الحروب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتنوّع

السبت 26 أكتوبر 202402:37 م

في التاسع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، اخترقت طائرة من دون طيار (درون) أجهزة الردع الجوية الإسرائيلية، لتضرب نافذة غرفة نوم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لتشكّل العملية التي تبناها حزب الله اللبناني تطوراً نوعياً كبيراً، في دقة الاستهداف والقدرة على اختراق التحصينات الجوية، في حين تُثير تساؤلات حول قدرات توظيف الذكاء الاصطناعي والروبوتات القتالية في الحروب، وما الذي يمكن أن تفعله المُسيَّرات في صراعات المستقبل.

الطائرة التي جرى التحكم فيها عن بعد من قبل مقاتلي حزب الله اللبناني، وفقاً لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، غافلت سلاح الجو الإسرائيلي، واخترقت تحصينات القبة الحديدية، لتصل إلى المنزل الواقع في مدينة قيسارية الساحلية على بعد 55 كيلومتراً من تل أبيب، وهو ما يشير إلى القدرات التي قد تحوزها هذه الطائرات مستقبلاً، لا سيّما وأن لها سابقة أعمال غيّرت مسار النزاعات المسلحة، كما هو الحال في السودان وليبيا وأذربيجان.

تغيير موازين القوى في الحروب

في البلدان الثلاثة السالفة الذكر، استطاعت الطائرات المُسيَّرة المنتجة في بلدان لا تصنف على أنها في طليعة منتجي السلاح العالميين، قلب موازين الصراع، ففي السودان الذي يشهد صراعا أهليا بين قوات الدعم السريع، والجيش السوداني، نجحت المُسيَّرات الأجنبية التي حصل عليها الجيش السوداني في توجيه ضربات نوعية ضد خصمه، في الحرب الأهلية الدائرة منذ منتصف نيسان/ أبريل 2023، قوات الدعم السريع. الأمر نفسه حدث في طرابلس الليبية، فبعد أن كادت قوات "الجيش الوطني الليبي" التي يقودها الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، أن تفرض سيطرتها الكاملة على العاصمة، قلبت المُسيَّرات التركية دفة الصراع لصالح القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني آنذاك.

"مستقبل الحروب قد يكون كارثياً على الإنسانية كلها وليس فقط في المناطق التي تشهد صراعاً"... إلى أي مدى وصلت قدرات توظيف الذكاء الاصطناعي والروبوتات القتالية في الحروب؟ وما الذي يمكن أن تفعله المُسيَّرات في صراعات المستقبل؟ هل بوسعها أن تُغني عن أي دور للبشر في الحروب يوماً ما؟

دفع ذلك الباحثة في الشؤون الخارجية، غلوريا شكورتي أوزدمير، إلى أن تقول في ورقة بحثية لها نشرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أيلول/ سبتمبر 2022، تحت عنوان "صعود دور المُسيَّرات القتالية التركية… إطار للفهم" إن الدرون التركية أصبحت "عنصراً لا غنى عنه" في العمليات العسكرية التركية والتي من بينها "غصن الزيتون، ونبع السلام، والمخلب"، وهي عمليات نُفذت منذ عام 2018، وبعضها ما يزال مستمراً حتى الآن.

يعزز أهمية هذه المقاتلات الذكية في المستقبل ما تؤكده الباحثة أولريكي فرانك، في مقال لها نشره المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR)، والذي تشير فيها إلى أن استخدامات المُسيَّرات لم تعد قاصرة على المراقبة وجمع المعلومات وغيرها من المهام الاستبخارية، بل امتدت للقيام بمهام قتالية دقيقة من بينها توجيه وتنفيذ الهجمات الجوية.

تصاعد محموم في المنافسة 

لا يقف توظيف الذكاء الاصطناعي على الدرون، لكن العملية ذاتها موجودة على مستويات أساليب العمليات البرية والبحرية، حيث ندّدت منظمة العفو الدولية في تقرير سابق لها، بحالة التنافس المحمومة التي تقوم بها الدول المنتجة للروبوتات القاتلة، مشيرةً إلى أن أنظمة الأسلحة الذاتية التشغيل، لم تعد ضرباً من ضروب الخيال العلمي، بل باتت واقعاً ينتج في عدد كبير من دول العالم، من بينها " الصين وإسرائيل وكوريا الجنوبية وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية" وهي الدول التي تقول عنها المنظمة إنها تنتج بالفعل أسلحة تتسم باستقلالية مطردة تنتزع من الإنسان دوره في اتخاذ قرارات مهمة بشأن الحياة والموت. وهو ما اعتبرت المنظمة أنه يُثير "مخاوف عديدة على المستويات الأخلاقية والقانونية والأمنية وعلى مستوى المساءلة".

حضور طاغي في مسرح العمليات 

عطفاً على ما سبق، تشير تقارير معنية برصد واقع استخدام الطائرات المُسيَّرة في الصراعات الكبرى في العالم، إلى أنها حاضرة بشكل لافت، في الحرب الروسية الأوكرانية، والتي توصف بأنها حرب "الدرون"، وذلك لكثرة ما تنفذه هذه الطائرات المُسيَّرة يومياً في ساحة المواجهة، المندلعة منذ شباط/ فبراير 2022، إذ يقدّر المعهد الملكي للخدمات المتحدة أن أوكرانيا وحدها تخسر 10000 طائرة بدون طيار شهرياً، وهو ما يعطي مؤشراً على عدد الطائرات المستخدمة في هذه الحرب.

الأمر نفسه يحدث في قطاع غزة إذ يؤكد تقرير، نشرته مجلة جورج تاون للشؤون الدولية (GJIA)، أن التصعيد الذي تشهده المنطقة بالتزامن مع حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، شهد توظيفاً كبيراً لأدوات الذكاء الاصطناعي في الحرب، حيث استخدمت إسرائيل أنظمة ذكية تعرف باسم "لافندر" لمهاجمة مقاتلي حركة حماس الفلسطينية في القطاع.

"حرب الذكاء الاصطناعي الأولى"

تضيف المجلة أن الحرب بين إسرائيل وحماس يمكن أن يطلق عليها "حرب الذكاء الاصطناعي الأولى"، وذلك لكثرة استخدام الطائرات الذكية في إدارة الصراع. يدعم ذلك ما يقوله تقرير مكتب محاسبة الحكومة الأمريكي (GAO) والذي يصنف أنواع الطائرات لثلاثة مستويات من التطور، أدناها الذي يتحكم فيها العنصر البشري بشكل مركزي، بينما يأتي في المرتبة الثانية التحكّم اللامركزي، وهي طائرات تعمل بواسطة مشغل بشري يرسل عناصر تحكم إلى المركبات، والتي ترسل أيضاً إشارات إلى بعضها البعض.

 ويشير التقرير إلى أن أخطر هذه الأنواع وأكثرها تطوّراً هو المستوى الثالث الذي تكون فيه المُسيَّرات مستقلة تماماً، حيث يتم برمجتها بهدف تنظيم الهجمات بشكل آلي، وفي هذا النظام تستطيع الدرونز تجاوز التحكم البشري، حيث تعمل أسراب الطائرات على رسم خطتها الهجومية وتعديلها وهي في الجو، دون تدخل بشري إضافي لإنجاز مهمتها، مؤكداً أن هذه الطائرات نفذت عمليات في غزة خلال الفترة الماضية.

إدارة الحلبة بيد الروبوت؟

القفزات الكبيرة التي شهدتها صناعة الروبوتات العسكرية تشير إلى أن الإنسان ربما لن يظل يمتلك السيطرة على ساحات القتال المستقبلية، وأنه ربما يشاركه الذكاء الاصطناعي في ذلك، وهو ما يعارضه الخبير العسكري المصري، اللواء محمد الغباشي، والذي يلفت إلى أن الإنسان سيظل هو المسيطر على مجريات الأمور، لأنه هو من يتحكم في البيانات التي يتحرك من خلالها الروبوت أي كان نوعه.

ويضيف في حديث لرصيف22 أنه لا يمكن التنبؤ بما سيحدث في المستقبل حول شكل الصراعات في ظل تطور التكنولوجيا الرقمية وتوظيفها في صناعة الأسلحة. الغباشي يقول أيضاً إن الحروب التي بدأها الإنسان بقطع العظم والحجارة، قد تصل إلى مستويات مرعبة في المستقبل، مبرزاً أن هناك دولاً تسعى إلى توظيف قدراتها العلمية الهائلة لضمان الهيمنة العسكرية، أو حتى تحقيق الردع.

تشير الباحثة هامبل إلى أن الذكاء الاصطناعي سيغير شكل الحروب إلى الأبد، كما أنه سيتحكم في شكل العلاقات بين القوى العظمى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، مرجحةً دخول لاعبين جدد، من بينهم دول في الشرق الأوسط مثل السعودية، التي تعهدت باستثمار 69 مليار دولار في عام 2023 في الطائرات بدون طيار، وخططت لإنشاء صندوق بقيمة 40 مليار دولار للاستثمار في الذكاء الاصطناعي، ما يجعلها أكبر مستثمر في الذكاء الاصطناعي في العالم

وهو يؤكد أنه بعد أن كان السباق يدور حول إنتاج صواريخ قادرة على الوصول لمسافات طويلة، وطائرات قادرة على التخفي، أصبح السباق حالياً يدور حول امتلاك تكنولوجيا ذكية قادرة على الوصول للأهداف بأعلى دقة وأقل تكلفة.

يعزز ذلك ما ذهب إليه جيمس جونسون، وهو محاضر أول في الدراسات الإستراتيجية في جامعة أبردين، في مقال له، من أنه لن يكون هناك منافسة بين الإنسان والآلة في ساحة المعركة، بل سيكون الذكاء الاصطناعي معاوناً في الحروب، وليس رئيسياً، مستشهداً بالتعاون بين شركة بوينغ والقوات الجوية الأمريكية في تطوير مشروع "Loyal Wingman" للدرون القتالية المستقلة الأسرع من الصوت القادرة على الطيران في تشكيل مع مقاتلات الجيل الخامس من طراز F-35.

ويطالب جونسون بالتوقف عن الحديث عن قدرات الذكاء الاصطناعي والإيحاء بأنه قادر على اتخاذ قرارات أخلاقية، مؤكداً أن هذه المجازفة قد تكون باباً لتوسيع الانتهاكات وإلقاء اللوم على الآلة بدلاً من مشغليها، كما أنه قد يكون سبباً لتقاعس الجنود عن القيام بالمهام الموكلة إليهم في المستقبل.

القتل ببصمة الوجه 

وبالعودة إلى الغباشي، فإنه يقول إن دولاً مثل بريطانيا والصين وغيرها استطاعت توظيف تكنولوجيا التعرّف على بصمة الوجه في عمليات الاستهداف الجوي، وإن القنبلة التي كانت تطلقها الطائرات في الجو لاستهداف منطقة أو هدف معادي، أصبحت قادرة على الانشطار لمجموعة هائلة من المقذوفات القاتلة، يتم توجيهها بواسطة الذكاء الاصطناعي، لإصابة الهدف/ الأهداف وفق بصمة الوجه.

ولا يقف التطوّر على هذا الحد، بل إن بعض الطائرات المُسيَّرة أصبحت قادرة على تعديل خطتها في الجو، في حالة تحرك الهدف أو تدميره قبل الهجوم، وفق الغباشي الذي يتابع بأن مستقبل الحروب قد يكون كارثياً على الإنسانية كلها وليس فقط في المناطق التي تشهد صراعاً.

ويتفق مع ذلك الخبير العسكري اللبناني، يعرب صخر، في أن الحروب في المستقبل ستشهد استخدام آليات متعددة من الأسلحة من بينها توظيف التكنولوجيا لتدمير الخصوم. يحيل صخر رصيف22 لدى  التواصل معه إلى مقال سابق له، أكد فيه أن الحروب الحديثة لن تقتصر على نوع واحد تقليدي من الأسلحة بل سيتم توظيف التكنولوجيا في لتدمير الأهداف سواء كانت عسكرية أم مدينة، مؤكداً أن الحروب المستقبلية ستكون "بلا ضجيج"، حيث ستقوم القوى الكبرى بإنهاك تدريجي وغير مكلف لخصومها.

ويشتمل هذا الإنهاك على (الخنق الاقتصادي، والعقوبات والتضييق التجاري، وسد منافذ السيولة والتداول، وتنظيم الهجمات السيبرانية، والحروب بالوكالة، وتعظيم العقائديات في البلدان ذات الأطياف المركبة، والتوسع في استخدام الطائرة بدون طيار (Drone)، والتحكم في أسواق الطاقة، والسيطرة على البحار والمحيطات، والمراقبة الجوية والجاسوسية النشطة، وتأليب الجماهير على دولها، وإحداث الانقلابات العسكرية".

صراع الهيمنة 

يُحيلنا السرد السابق إلى احتمالات صعود لاعبين جدد على مستوى إنتاج الروبوتات القاتلة، وهو ما جعل كثير من الخبراء يتوقعون تراجع الهيمنة الغربية على صناعة السلاح، وسط ترجيحات بأن تشهد الفترة المقبلة صعود أطراف جديدة على مستويات التصنيع، وأقرب الأمثلة على ذلك وصول الطائرات المُسيَّرة التركية إلى 33 دولة حول العالم، وفقاً لمجموعة الأزمات الدولية.

وفي هذا الإطار تقول  الباحثة كريستيان هامبل، أستاذ مشارك في القانون الدولي في كلية الحقوق وعلم الجريمة بجامعة غرينتش بلندن، إن العالم حاليا يشهد صراعا خفيا لامتلاك أدوات الذكاء الاصطناعي، لا سيّما المستخدمة في الحروب، مستشهدة بتصريحات سابقة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد فيها أن من يتحكم في الذكاء الاصطناعي سيحكم العالم في المستقبل.

تغيير شكل العالم للأبد...

وتشير هامبل في مقال لها إلى أن الذكاء الاصطناعي سيغير شكل الحروب إلى الأبد، كما أنه سيتحكم في شكل العلاقات بين القوى العظمى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، لا سيّما في ظل حشد كل دولة منهم لمزيد من النفقات لتطوير هذا القطاع، حيث تعهدت الصين بضخ نحو 150 مليار دولار لتصبح الرائدة عالمياً في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، مقارنة بالإنفاق الروسي البالغ 181 مليون دولار من عام 2021 إلى عام 2023 والإنفاق الأمريكي البالغ 4.6 مليار دولار في عام 2019.

وتشير الباحثة إلى أن المنافسة قد تشهد دخول لاعبين جدد، من بينهم دول في الشرق الأوسط منها السعودية، التي تعهدت باستثمار 69 مليار دولار في عام 2023 في الطائرات بدون طيار، كما أنها خططت لإنشاء صندوق بقيمة 40 مليار دولار للاستثمار في الذكاء الاصطناعي، مما يجعلها أكبر مستثمر في الذكاء الاصطناعي في العالم.

الهيمنة الغربية باقية وتتمدد

يتفق اللواء المصري، الغباشي مع ما ذكرته هامبل، من أن ساحة الهيمنة العسكرية قد تشهد دخول لاعبين جدد، لا سيّما وأن دولاً فقيرة مثل كوريا الشمالية على سبيل المثال، نجحت من قبل إنتاج أسلحة متطورة قادرة على تحدى الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن مجال الطائرات المُسيَّرة شهد أيضاً تطوراً ملحوظاً في الإنتاج بعد دخول دول مثل مصر وتركيا وإيران لهذا الملعب، مؤكداً أن القاهرة نجحت في إنتاج أكثر من طراز في مجال المُسيَّرات الجوية والبحرية.

ويعارض الغباشي فكرة "فقدان الغرب للهيمنة العسكرية مستقبلاً"، مؤكداً أنه رغم دخول لاعبين جدد في هذه الساحة، إلا أن امتلاك الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية للتكنولوجيا والمال، يجعلها قادرة على مجاراة التقدم المحرز في هذا المجال، مشيراً إلى أن التطوّر لا يقتصر على مجالات الهجوم، بل أيضاً مجالات الردع أيضاً تشهد تطوراً ملحوظاً.

"الحروب المستقبلية ستكون 'بلا ضجيج'، إذ ستقوم القوى الكبرى بإنهاك تدريجي وغير مكلف لخصومه ومن أشكال هذا الإنهاك الخنق الاقتصادي، والهجمات السيبرانية، والحروب بالوكالة، وتعظيم العقائديات في البلدان ذات الأطياف المركبة، والتوسع في استخدام الطائرة بدون طيار، والتحكم في أسواق الطاقة، والمراقبة الجوية والجاسوسية النشطة، وتأليب الجماهير على دولها، وإحداث الانقلابات العسكرية"

تكريس الإفلات من العقاب 

يكرّس التقدّم المحرز في مجالات التصنيع العسكري، وتوظيف الروبوتات القاتلة لتنفيذ مهام عسكرية، حالات الإفلات من العقاب، خاصةً في ظل تصاعد الانتهاكات، وعدم التفرقة بين الأهداف المدنية والعسكرية، كما أنها قد تساهم في زيادة حالات القتل خارج إطار القانون، إذ يشير الباحث أبو بكر محمد الديب في ورقة بحثية له، نشرتها مجلة الدراسات القانونية والاقتصادية، إلى أن السماح الروبوتات القاتلة التي تعمل بمعزل عن التحكم البشري، قد تتسبب في انتهاكات خطيرة.

ووفقاً للديب، لا يتوقف خطر الطائرات من دون طيار عند الانتهاكات الحقوقية بل إنها قد تكون أداة للتعدّي على سيادة الدول من قبل الجهات التي تمتلك هذه التكنولوجيا، وهو ما يكرّس هيمنة أطراف دولية على الشعوب الفقيرة في المستقبل.

 ويستشهد الباحث بما حدث من قبل إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في الحرب على ليبيا عام 2011، حيث عجز الكونغرس عن ثني الرئيس عن قرار الحرب، في ظل تمسّكه بأنها لن تكون حرباً برّية تستدعى المواجهة، بل حرباً تديرها الطائرات بدون طيار. ويشير الباحث إلى أن حملة ليبيا اتسمت بالخطورة لسببين، الأول هو الادعاء بأن هجمات المُسيَّرات لا تسبب الخسائر للمدنيين، وهو ما يحرم الضحايا من حق التعويض، والثاني وهو الادعاء بأن الأسلحة عالية التقنية تحقق النجاح دوما، وهو ما يمثل حكماً مطلقاً قد يسهم في تأجيج  النزاعات والحروب في العالم، ويمثل انتهاكا لقاعدة حظر استخدام القوة.

مطالب بإطار قانوني ملزم

وفي سياق متصل، تحذر منظمة العفو الدولية في تقريرها السالف الذكر من أن الروبوتات المسلّحة قد تقع في أخطاء مأسوية، وتهدد حياة المدنيين، مؤكدة أن السماح للأسلحة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لاتخاذ قرارات تتعلق بالحياة والموت يعد تعدّياً جوهرياً على حقوق الإنسان، ومخالفة أخلاقية جسيمة.

وتطالب المنظمة في حملة لها انطلقت تحت عنوان "أوقفوا الروبوتات القاتلة" إلى وضع وثيقة دولية تضمن السيطرة البشرية على عمل هذه الأسلحة، وهو ما يراه الغباشي ضرباً من الخيال، حيث يقول لرصيف22 إن أية محاولات لوضع إطار قانوني لعمل هذه الأسلحة لن تفيد مستقبلاً لأن التطوّر التكنولوجي الكبير قد يتفنن في التفلت من العقبات القانونية التي تضعها الدول والحكومات للسيطرة على آلات القتل الذكية.

المخاوف تتضاعف مع الفاعلون من غير الدول 

إلى ذلك، فإن ما يثير المخاوف أكثر من استخدام الروبوتات القاتلة سواء كانت جوية أو بحرية أو أرضية هو أنه لم يعد قاصراً على الدول، بل يكثر استخدامها وفقاً للديب من قبل الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية، وهو ما قد يزيد من الانتهاكات، ومخالفة القوانين الدولية، وقد يساهم ذلك في إطالة أمد وزيادة حدة النزاعات.

 وتزيد المخاوف في ظل احتمالات امتلاك الحركات الإرهابية والمجموعات الجهادية العنيفة لمثل هذه الأسلحة وبخاصة في ظل انتشار تجارة السلاح غير الرسمية، وهو ما ظهر جلياً في الصراعات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط إذ تشير التقديرات إلى أن حزب الله اللبناني إحدى أكبر المجموعات المسلحة - التنظيمات غير الرسمية - في المنطقة، يمتلك قرابة 2000 من دون طيار يُزعم حصوله عليها من إيران.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard
Popup Image