أُنجز هذا التقرير بدعم من أريج.
فدوى الخزرجي، صحافية وناشطة حقوقية سودانية، تقول إنها تلقّت ذات يوم اتصالاً دولياً؛ سألها المتحدث حينها عن مكان إقامتها، من دون أن ينتظر جواباً منها. لا تزال تهديداته تثير مخاوفها؛ بعد أن تعهّد بالوصول إليها، وفق روايتها.
جاء الاتصال بعد أن نشرت الخزرجي تحقيقاً استقصائياً يوثق حوادث الاغتصاب التي تتعرض لها الفتيات والنساء في دارفور، كان هذا بعد مرور أربعة أشهر على الحرب التي اندلعت بالسودان، في الـ 15 من نيسان/ أبريل 2023.
ورغم التهديد الذي تلقته، واصلت فدوى الخزرجي تغطيتها للحرب في السودان؛ فتعرّضت لمزيد من التهديدات.
في صباح السبت 15 نيسان/ أبريل 2023، بدأت الاشتباكات في العاصمة الخرطوم، بين القوات المسلحة بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي". وخلال اليوم الأول من الحرب، قُتل ستة وخمسون شخصاً على الأقل، وفقاً للجنة أطباء السودان المركزية، قبل أن تمتد لاحقاً لأقاليم الولاية الشمالية وولاية شمال كردفان وجنوب كردفان وإقليم دارفور، وكل من ولاية النيل الأزرق والقضارف، والجزيرة وغيرها وفقاً لتقارير منشورة.
"كانت عائلتي تخشى خروجي من المنزل"... تقرير يستعرض قصص صحافيات سودانيات، تعرضن لتهديدات رقمية - بعضها تحول لانتهاكات مباشرة - معظمها يأتي رداً على قصص قمن بتغطيتها بهدف إسكاتهن
ومنذ اندلاع الحرب، حرصت فدوى الخزرجي على تغطية القصص الإنسانية، وإيصال الحقيقة كما هي؛ الأمر الذي جعلها عرضة لمواجهة مزيد من التهديدات والتنمر أيضاً. قامت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي بنشر صور للخزرجي، مصحوبة بتعليقات مسيئة في الـ 22 من شباط/ فبراير 2024، بعد نشرها تقريراً عن تدهور الأوضاع كافة في ولاية جنوب كردفان، التي شهدت حصاراً من القوات المسلحة والدعم السريع والحركة الشعبية لتحرير السودان.
شملت تغطيتها كتابة تقرير عن رجل دفعه الجوع لمقايضة ابنته، البالغة خمسة عشر عاماً، مقابل حصة من الدقيق.
تؤكد الصحافية السودانية فدوى الخزرجي أن ما مرت به ليس جديداً عليها؛ فسبق أن تعرضت لمحاولة اختطاف؛ كما تلقت تهديدات خطيرة حتى قبل اندلاع الحرب، وفق قولها. تضيف الخزرجي: "لا يريدون لانتهاكاتهم أن تصل".
تتشابه تفاصيل ما عاشته فدوى الخزرجي مع مآسٍ تعرضت لها الصحافية سمر سليمان. فبعد دخول الهدنة الأولى بين أطراف النزاع في السودان (18 نيسان/ أبريل 2023) حيز التنفيذ، غادرت سليمان الخرطوم متجهة إلى ولاية كسلا، التي تبعد أكثر من 480 كيلومتراً عن العاصمة. كتبت من هناك عدة تقارير عن الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة السودانية أثناء الحرب، بالإضافة إلى اشتراكها في تقديم المساعدات الإنسانية للفارين من النزاع، بمراكز الإيواء في الولاية.
تلقت سليمان تهديدات عبر تطبيق ماسنجر، من بينها - وفقاً لروايتها - تهديد من وزير سابق، بالإضافة إلى مطالبتها بنشر أخبار عبر صفحتها على فيسبوك، مقابل عرض مادي. وعندما رفضت العرض، تلقت تهديدات بالوصول إليها.
قوائم سوداء
تقول الصحافية سمر سليمان إن التهديدات شكلت مصدر قلق لها ولأسرتها: "كانت عائلتي تخشى خروجي من المنزل، وكنت لا أغادر منزلي إلا برفقة أختي أو صديقتي".
سرعان ما أصبحت سليمان مستهدفة على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى وصفها البعض بالخلايا النائمة؛ واتهموها بالانتماء لقوات الدعم السريع والعمل سراً لصالحهم.
إضافة إلى ذلك، وُضعت أسماء صحافيين وصحافيات ضمن قوائم وُصفت بـ"الخزي والعار"؛ وهي قوائم سوداء يُتهم فيها ناشطون وصحافيون وسياسيون بالانتماء لقوات الدعم السريع. تقول الصحافية سارة تاج السر إن اسمها ورد ضمن هذه القوائم إلى جانب آخرين، مضيفةً أنها واجهت، وعدد من زملائها، انتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي بعد مقابلتها مبعوثاً أمريكياً، وتحديداً بعد نشر الأخير صورة تجمعه بالصحافيين على صفحته الرسمية.
ووفقاً لتقرير نقابة الصحافيين، ظهرت قوائم مجهولة المصدر، تضم أسماء صحافيين وصحافيات، متهمَين بالعمل لصالح أحد طرفي النزاع. وأشارت النقابة إلى خطورة هذه القوائم، التي تجعل مَن يرد اسمه أو اسمها عرضة للتصفية الجسدية، حال انتهاء القتال.
تؤكد الصحافية السودانية فدوى الخزرجي أن ما مرت به ليس جديداً عليها؛ فسبق أن تعرضت لمحاولة اختطاف؛ كما تلقت تهديدات خطيرة حتى قبل اندلاع الحرب، وفق قولها. تضيف الخزرجي: "لا يريدون لانتهاكاتهم أن تصل"
مَن يحمي الصحافيين؟
خلال العام الأول للحرب، رصدت نقابة الصحافيين في السودان 393 حالة انتهاك ضد صحافيين وصحافيات؛ شملت القتل والاختفاء القسري والاعتقال وإطلاق النار والاحتجاز والاعتداء بالضرب ونهب الممتلكات الشخصية والمنع من السفر، والاعتداء على المنازل، بالإضافة إلى التهديدات.
ووفقاً للنقابة، بلغ عدد التهديدات المباشرة أو التي جاءت عبر اتصال هاتفي أو رسائل نصية ثلاثة وأربعين تهديداً، من بينها خمسة عشر تهديداً على الأقل لصحافيات.
تقول سكرتيرة الحريات بنقابة الصحافيين السودانيين إيمان فضل، إن الانتهاك الأول الذي يتعرض له الصحافيون والصحافيات هو إجبارهم على إخفاء هويتهم الصحافية عن طرفي النزاع؛ لأن "الصحافي مجرم في نظر الطرفين".
وتوضح فضل أن النقابة تقوم بتوثيق ورصد الانتهاكات، وإصدار البيانات وإيصال التقارير إلى جهات حقوقية وعالمية، بالإضافة لدورها في تقديم العون لتلك الحالات؛ مشيرة إلى صعوبة اتخاذ إجراءات قانونية بسبب ظروف الحرب.
في نيسان/ أبريل 2024، تقدمت سمر سليمان بشكوى للنيابة المختصة التي سجلت سبعة بلاغات؛ بعد تلقي الصحافية عدة تهديدات، وتعرضها لحملة إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحركت وحدات الاستخبارات العسكرية بكسلا للقبض عليها من خلال تعميم يحمل صورتها. حينها أظهرت نقابة الصحافيين دعمها للصحافية من خلال بيان أصدرته، وزخت مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات تضامنية معها.
من جهة أخرى، أشارت الصحافية فدوى الخزرجي إلى أن النقابة سجلت ما تعرضت له، غير أنها لم تتمكن من تقديم شيء ملموس. ولا تلقي الخزرجي باللوم على النقابة، فهي "جسم صحافي مكون من صحافيين معرضين للانتهاكات ذاتها، التي يتعرض لها الصحافيون"، وفق تعبيرها.
توقّف التغطية
عام 2023، ذكر بحث أجرته منظمة النساء في الصحافة، وموقع ريتش (reach)، وشاركت فيه 403 صحافيات وعاملات في مجال الإعلام؛ أن نحو نصف المشاركات روّجن لعملهن بشكل أقل عبر الإنترنت بسبب التهديدات الرقمية. في حين أن نحو ثلث المشاركات قلن إنّ التهديدات بالإيذاء عبر الإنترنت دفعتهن للتفكير جدياً في الانسحاب من العمل في مجال الإعلام.
تتفق خلاصات البحث مع نتائج دراسة أجرتها منظمة اليونسكو، والمركز الدولي للصحافيين نُشرت عام 2021، عن "الاتجاهات العالمية للعنف المرتكب ضد الصحافيات عبر الإنترنت"، بمشاركة نحو 900 صحافية. وأظهرت الدراسة أن العنف الرقمي يؤثر في عمل الصحافيات وإنتاجيتهن. وأكدت 38%، من الصحافيات المستطلعة آراؤهن، أنهن يُقللن من ظهورهن على مواقع التواصل الاجتماعي، نتيجة التهديدات الرقمية. من جهة أخرى، تدفع التهديدات 4% من العينة المُستطلعة إلى ترك عملهن.
خلال العام الأول للحرب، رصدت نقابة الصحافيين في السودان 393 حالة انتهاك ضد صحافيين وصحافيات؛ شملت القتل والاختفاء القسري والاعتقال وإطلاق النار والاحتجاز والاعتداء بالضرب ونهب الممتلكات الشخصية والمنع من السفر، والاعتداء على المنازل، بالإضافة إلى التهديدات
ظروف الحرب بطبيعة الحال أوقفت عمل العديد من المؤسسات الإعلامية في السودان، لكن ما تعرضت له بعض الصحافيات من حملات تشويه للسمعة أو تهديدات؛ دفعت بعضهن للتوقف أحياناً عن الكتابة.
التعرض للتهديدات لم يكن جديداً على المصورة الصحافية إنعام أحمداي؛ فتقول إن منزلها تعرض للهجوم من قوات الدعم السريع ست مرات؛ واجهت فيها عنفاً لفظياً ومحاولات إيذاء جسدي، كما طال الأذى إخوتها وأقاربها الذكور أيضاً؛ وذلك بسبب توثيقها بالصور عدة انتهاكات قامت بها أطراف النزاع المسلح في السودان.
وبحسب أحمداي، فإنها ما زالت تتلقى تهديدات عبر اتصالات من أرقام مجهولة، أغلبها تأتي من دول مجاورة؛ فتبادر بحظرها أو تكتفي بعدم الرد عليها.
تمكنت كل من الصحافيتين سمر سليمان وفدوى الخزرجي من مغادرة السودان، وتبحثان عن سبل لمواصلة عملهما الصحافي.
في تاريخ الرابع من تموز/ يوليو 2024، خضعت إنعام أحمداي للتحقيق بعد خروجها في مهمة صحافية لتغطية أوضاع النازحين من سنار وسنجة. تقول أحمداي إن الاستخبارات العسكرية مسحت كل الصور والتسجيلات التي حصلت عليها، ومن ثَم أُطلق سراحها، ولم تعد للعمل بعدها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين