شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
مخطط

مخطط "صنعاء الجديدة"... ما غرض الحوثيين من تفكيك الحزام القبلي المحيط بالعاصمة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الاثنين 24 يونيو 202408:40 ص

في الحادي عشر من أيار/ مايو 2024، احتشد العشرات من أفراد قبائل مديرية همدان في منطقة شملان (إحدى بلدات مديرية همدان، شمال العاصمة صنعاء) وهم مدججون بأسلحتهم الخفيفة والمتوسطة، للتعبير عن رفضهم لتقسيم المديرية، وضم أجزاء منها إلى مديريتي معين وبني الحارث التابعتين لـ"أمانة العاصمة".
كان ذلك إشارة جديدة إلى توتر العلاقات بين جماعة الحوثي وقبائل محيطة بصنعاء، وأبرزها همدان التي تعتقد قيادتها أن الحوثيين يسعون إلى تفكيك القبائل جغرافياً وتشتيت أفردها المنتشرين في عموم المنطقة.
مصادر قبلية أوضحت لرصيف22 أن مشايخ القبائل في مديرية همدان، هم من دعوا إلى الاحتشاد المسلح، والخروج للاجتماع وتدارس الرد على مخطط الحوثيين، وتأكيد رفضهم تقسيم مديريتهم أو انتزاع أي أجزاء منها وضمهما لصالح مديريات مجاورة، ضمن التقسيم الإداري الجديد للعاصمة صنعاء.
كما أكدت المصادر أن العديد من شيوخ القبائل ما زالوا يجرون لقاءات تشاورية ويعقدون اجتماعات مع قيادات حوثية، وأنهم لم يتوصلوا بعد إلى اتفاق نهائي، في ظل تمسكهم برفض مخطط التقسيم.

اعتراض القبائل

وجيه قبلي من همدان، طلب عدم ذكر اسمه لحساسية الأمر، ذكر أن جماعة الحوثي بدأت، في أيار/ مايو 2024، تنفيذ ما يصفها بـ"المخططات المرسومة لتفكيك الحزام القبلي المحيط بصنعاء".
وأشار إلى أن الجماعة ابتكرت تقسيماً جديداً لمديريتي (همدان، وبني مطر)، تحت مسمى تشكيل "صنعاء الجديدة" كجزء من "خطة تغيير ديمغرافي تستهدف إضعاف القبائل وتغيير خارطة ولائها، والسطو على أراضيها والمنشآت الحيوية في مجال المياه والصناعة وكسّارة الأحجار"، على حد قوله.
"خطة تغيير ديمغرافي تستهدف إضعاف القبائل وتغيير خارطة ولائها، والسطو على أراضيها والمنشآت الحيوية في مجال المياه والصناعة وكسارة الأحجار"... ماذا نعرف عن "صنعاء الجديدة" التي يسعى الحوثيون إلى تشكيلها؟ ولِمَ تعارضها قبائل يمنية؟
ويشرح: "جماعة الحوثي عملت على انتزاع أهم بلدات مديرية همدان، ممثلة بحي شملان الذي يمتاز بالحيوية وما تجاوره من مناطق جرى إلحاقها بمديرية معين، وضم أراضي بلدة العرة لمديرية بني الحارث، واقتطاع أجزاء واسعة من عزلة مخلاف دايان التابعة لمديرية بني مطر لصالح مديرية سنحان".
بدوره، قال شيخ منطقة الجاهلية التابعة لمديرية همدان، محمد جمعان، لرصيف 22: "يجب ألّا ننسى أن جماعة الحوثي تسيطر على الدولة، ولا أحد يتصور أن يخرب شدَّته بيده كما يقول المثل الشعبي"، في تحذير منه بأن يؤدي دخول الجماعة في صراع مع القبائل إلى تفكيك حكم وسلطة الحوثي في صنعاء.
وأضاف: "الناس وجلهم أبناء القبائل في همدان متضررون من مخطط الحوثيين، ومحاولة ضمهم إلى أمانة العاصمة. لأن مستمسكاتهم الشخصية ، ووثائق ممتلكاتهم، وأوراق أراضيهم، وأسماءهم أباً عن جد تعود لمديرية همدان". وتساءل: "ماذا سيسمونهم لو نفذوا مخطط الضم؟ هل يسمونهم العائدين من همدان أو المنضمين إلى الأمانة؟". 
كما لفت إلى أن قبائل أخرى مجاورة في همدان، اعترضت وخرج أبناؤها مسلحين بالأسلحة الخفيفة، رافضين قرار محافظ صنعاء عبد الباسط الهادي، بإضافة شملان والعرة إلى العاصمة.
أكد الشيخ جمعان أيضاً أن اعتراض القبائل على التقسيم لم يأتِ لأسباب اقتصادية أو كما يشاع أن "جماعة الحوثي تهدف إلى السيطرة على إيرادات مصانع شملان للمياه أو غيرها من المصالح المتواجدة في مديرية همدان"، مبيّناً "الدولة بيد الحوثيين، بمديرياتها ومصانعها وكسّاراتها بدون أي منافس. لكن احتشاد قبائل همدان المسلح جاء اعتراضاً على التقسيم والشرذمة للمديرية".
وذكر الشيخ أن القبائل "تتشاور فيما بينها وتتحدث مع المواطنين في مديرية همدان بشأن تشكيل بلدة شملان همدان لتصبح مديرية همدان مديريتين، ويجري ضمها لأمانة العاصمة صنعاء، دون حدوث أية اعتراضات قبلية".

"صنعاء الجديدة"

تتكون محافظة صنعاء، أمانة العاصمة (وسط صنعاء) من عشر مديريات هي: صنعاء القديمة، وشعوب، وأزال، والصافية، والسبعين، والوحدة، والتحرير، ومعين، والثورة، وبني الحارث. وتعمل جماعة الحوثي على توسعة النطاق الجغرافي لهذه المديريات العشر، على حساب مديريات عدة مُحيطة، وتشمل مديريتي بني حشيش وأرحب من الشمال، ومديرية بلاد الروس من الجنوب، وفي الشرق مديريتي خولان وبني ضبيان.
أما من الغرب، فتوجد مديرية بني مطر ومديريتا الحيمتين، الداخلية والخارجية، ومديرية سنحان وبني بهلول، ومن الناحية الشمالية الغربية توجد مديرية همدان التي تعد ثانية مديريات محافظة صنعاء من حيث عدد السكان بعد مديرية سنحان وبني بهلول، وتقع مديرية نهم شمال شرق صنعاء.
وتعيش قبائل رئيسية في المديريات المحيطة بصنعاء، هي "قبائل بكيل"، وتعد أكبر القبائل اليمنية من حيث العدد، و"قبائل حاشد" التي تتمتع بنفوذ سياسي وعسكري كبيرين منذ ستينيات القرن المنصرم أي منذ سقوط حكم الإمامة وإعلان النظام الجمهوري في شمال اليمن عام 1962.
تتفرع هذه القبائل الرئيسية إلى عدة فروع قبليّة، وتشمل "قبائل بكيل"، و"قبائل خولان الطيال"، التي تسمى بالقبائل السبع، وهي: بني سحام، وبني شداد، وبني ضبيان، وبني جبر، وبني بهلول، واليمانيتين العليا والسفلى، وهي موزّعة في مديرية خولان.
كما تتضمن "بكيل" قبائل بني حشيش القاطنة في مديرية بني حشيش، وقبائل بني الحارث، التي تتواجد في مديرية بني الحارث، وقبائل حراز، الموجودة في منطقة حراز في الجنوب الغربي من صنعاء.
إلى جانب قبائل بني مطر، وقبائل الحيمتين الداخلية والخارجية، وقبائل أرحب وقبائل همدان، وجميعها في مديريات تحمل أسماءها نفسها.
ومن قبائل حاشد، قبيلة سنحان الموجودة في مديرية سنحان جنوب العاصمة صنعاء، فيما باقي القبائل المنتمية لحاشد وهي قبيلة بني صريم، وقبائل خارف والعصيمات وعذر وتحت هذه القبائل تتفرع عدة قبائل أخرى، ومعقلها التاريخي محافظة عمران (50 كم شمال صنعاء). 

فرض القوة

قال المواطن سعيد المطري (57 عاماً)، لرصيف22، إن عشرات من العناصر المسلحة التابعة للحوثيين فرضت سيطرتها وبالقوة على مساحة واسعة من الأراضي والممتلكات الخاصة به في منطقة الصباحة، التابعة إدارياً لمديرية بني مطر "بحجة تقسيم المنطقة وضمها إلى المديرية المجاورة سنحان، دون مسوغ قانوني".
وبيّن: "في كانون الأول/ ديسمبر 2023، وبعد مرور ثلاثة أشهر على الاستيلاء على أرضي، بدأ أحد قيادات الجماعة، الذي لا أفضل ذكر اسمه حفاظًا على سلامتي وسلامة أسرتي، ترافقه أطقم مسلحة، بالإشراف على عملية البناء داخل أرضي، وعندما اعترضت على الحيلة التي حدثت باسم الدولة، وتوجهت إلى المحكمة لرفع قضية اعتداء على ممتلكاتي وتوقيفهم، لم أتلقَ أي تجاوب أو إنصاف".
الهدف الآخر لهذه التقسيمات، كما يعتقد الباحث دشيله، هو "إحكام السيطرة على مناطق طوق صنعاء أمنياً بحيث لا يحدث أي اختراق أمني لحكم الجماعة، وإخماد كل تمرد قبلي قبل أن يظهر، لأن هذه التقسيمات تتيح للجماعة الإطلاع على كل صغيرة وكبيرة في هذه المناطق القبلية ذات الأهمية الإستراتيجية"
وأشار المواطن اليمني إلى أن الأوراق الثبوتية التي تؤكد ملكيته لمساحة واسعة من الأراضي في الصباحة "اختفت" مع أوراق قضيته، وأنه تلقى تهديدات بالقتل في حال مضى بالدعوى. "تلقيت مكالمات هاتفية من أرقام مجهولة، وهددني المتصلون بخطف أفراد أسرتي، فوجدت نفسي عاجزاً ولا خيار أمامي سوى الصمت"، قال. 
ولفت المطري إلى أن العديد من جيرانه وأقاربه بالمنطقة حدث لهم الشيء نفسه، متابعاً "تقسيم المديريات وتشكيل ما يسمى بـ'صنعاء الجديدة'، هو مبرر لنهب المواطنين، والسطو على أراضي ومزارع السكان في مختلف مناطق مديرية بني مطر، وغيرها من المديريات الواقعة ضمن مخطط التقسيم باسم الدولة".
منع الحوثيون العديد من الاحتجاجات القبليّة على تقسيمهم المثير للجدل. في الثلاثين من أيار/ مايو 2024، منعوا قبائل بني مطر، من التظاهر والاعتصام في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء، فلجأ أفراد من القبيلة إلى التجمهر في حدود مديرية مطر، معبرين عن رفضهم للتقسيم.  
ونقلت وسائل إعلام محلية عن رجال قبائل بني مطر، تأكيد رفضهم لما وصفوه بنهب أراضيهم ولا سيما في منطقة الجعادب، معتبرين أن المخططات الحوثية تأتي تحت مسميات "الميناء البري، والخط الإقليمي، والجزر الخضراء، والمنطقة الخضراء، والأحزمة الفاصلة، والأراضي المضللة، والأراضي المحجوزة، والأراضي المخصصة، والشوارع المزدوجة، والجولات المنفرجة".
وذكروا أن الحوثيين صادروا مساحات واسعة من أراضي مواطني الجعادب الزراعية وممتلكاتهم الخاصة، ويخططون للاستيلاء على 70% من الأراضي "تحت اسم الأوقاف وأموال الدولة".

تصرفات فردية؟

وكيل محافظة صنعاء للشؤون الأمنية، العميد عبدالسلام عامر، نفى وجود أي توترات تستدعي القلق مع القبائل حيث قال لرصيف22: "قد تكون هناك تصرفات فردية من قبل بعض المشرفين التابعين لجماعة الحوثي، خاصة عندما يكون الشخص من نفس القبيلة، وهي تجري خارج علم القيادة السياسية، ودون الرجوع إليها، ومجرد أن تعلم القيادة بهذه التصرفات تسارع لاحتوائها وحل الخلاف بطرق سلسة".
برر عبد السلام، استحداث "صنعاء الجديدة" بأنه "عمل إداري نظراً للتوسّع العمراني والكثافة السكانية"، وأشار إلى أن عدداً من المديريات المجاورة لصنعاء "تتداخل معها في أحيائها وشوارعها"، وإلحاقها بالعاصمة هو "لسهولة تقديم الخدمات لهذه الأحياء وضبط المخالفات المعمارية فيها، وعدم رمي تلك المخالفات على المديريات المذكورة".
وفي ما يتصل باحتشاد أبناء القبائل مسلحين للتعبير عن رفضهم لمخطط تقسيم مديرياتهم ولا سيما همدان، أوضح العميد الحوثي: "النكف القبلي لمديرية همدان هو اجتماع قبلي عادي كي يتم توضيح سياسة الدولة لهم عن دمج بعض أحياء وبلدات مديرية همدان المتداخلة مع أحياء مديرية معين وغيرها لغرض ضبط المخالفات، إذ تتم مخالفات معمارية وغيرها وكل طرف يرمي بالتقصير على الآخر".
وتابع: "لن يكون هناك تصادم قبلي مع الحوثيين، خاصة أن أبناء قبائل مديرية همدان، هم صمام أمان الثورة، وجزء من الجيش واللجان الشعبية". كما لفت إلى أن الهدف الآخر من تشكيل "صنعاء الجديدة"، وضم أجزاء واسعة إدارياً لمديرية أمانة العاصمة على حساب مديريات "سنحان وهمدان وبني الحارث وبني مطر" يتمثّل في "توفير إيرادات أكثر وأكثر وتسخيرها في تحسين مداخل العاصمة صنعاء من الطرقات والجزر الوسطية وشق وتزفيت شوارع الأحياء في هذه الأجزاء المتلاصقة مع أمانة العاصمة، علماً بأن كل خطوات تخطوها القيادة السياسية مدروسة بدقة وعناية من جميع الاتجاهات".

برّر المسؤول الحوثي استحداث "صنعاء الجديدة" بأنه "عمل إداري نظراً للتوسّع العمراني والكثافة السكانية" و"لسهولة تقديم الخدمات لهذه الأحياء وضبط المخالفات المعمارية فيها".
وردًا على ما قاله العميد الحوثي، ذكر أحد شيوخ قبائل همدان لرصيف22، مفضلاً عدم ذكر اسمه: "جماعة الحوثي لم تعترف بحقوق المواطن، ولن تعترف بأنها أخطأت، وتحاول عادة التبرير والمغالطات عندما تخرج المشكلة إلى الرأي العام"، مضيفاً "الحوثيون يحاولون الظهور وكأن الوضع مستقر، ويرفضون الاعتراف بوجود توترات قبلية معهم في بعض مديريات صنعاء بينما في الحقيقة هناك حالة احتقان غير مسبوقة وسط القبائل اليمنية".
وأكد الشيخ أن موقف قبائل طوق صنعاء "لن يتغير مهما كانت المساعي والضغوط التي يتعرضون لها من قبل جماعة الحوثي"، مشدداً على تمسّك أبناء القبائل بالرفض القاطع لتقسيم المناطق والمديريات المحيطة بالعاصمة.
هذا وقد اتهم الوجه القبلي الحوثيين، باستهداف مصالح القبائل وما تملكه من أراض زراعية، وغيرها من الممتلكات والمشاريع الخاصة، موضحاً "القبائل تحمل إرثاً تاريخياً في الاعتماد على أعراف القبيلة، وتنظيم النزاعات وتحقيق العدالة... كما هو معروف عن القبائل اليمنية بالتمسك بما هو لها، والتزام حدودها، إلى جانب الانتصار للمظلوم والتصدي للمعتدي، والوقوف وقفة رجل واحد ضد من يحاول خلخلة تماسك ووحدة القبيلة".

سيطرة أمنية

بعض المراقبين والباحثين يعتقدون بأن مخطط الحوثيين لضم أجزاء من مديريات تقيم فيها القبائل إلى صنعاء، هدفه إحداث تغيّيرات داخل الهرم القبلي، وإضعاف تماسك البناء الاجتماعي للقبائل، مستندين في ذلك إلى ما يصفونها انتهاكات حوثية طالت شيوخاً وشخصيات قبلية خلال السنوات المنصرمة لفرض المزيد من السيطرة على الحزام القبلي المحيط بالعاصمة صنعاء.
لكن آخرين يخالفونهم الرأي. نفى الكاتب والباحث الأكاديمي عادل دشيله، في حديثه لرصيف22، أن تكون خطوة الحوثيين في تقسيم المديريات وإلحاق أجزاء منها بصنعاء تهدف إلى تفكيك القبائل "لأنه من الصعب تفكيك القبيلة ككيان اجتماعي لأن الأواصر القبيلة تبقى متماسكة مهما لحق بها من أضرار".
واستدرك بأن "القبيلة ليست كياناً سياسياً حتى تتفكك في حال تعرضها لهزة سياسية أو عسكرية" لذا يعتقد دشيله أن الحوثيين يسعون "لإحكام السيطرة على القبائل ومعرفة من يوالي منها فكرهم ومن لا يفعل، وأن البداية كانت مع قبيلة بني حشيش، شمال صنعاء". 
وأشار الباحث اليمني بذلك إلى أحداث شباط/ فبراير2023 حين أرسل الحوثيون قوة عسكرية تضم 20 مدرعة و100 سيارة دفع رباعي محملة بعناصر مسلحة لتداهم قرية صرف التابعة لبني حشيش، واقتحام المنازل وترويع الأطفال والنساء، واختطاف أكثر من 40 من سكان القوية من دون أوامر قضائية.
حسب دشيله، فإن مديرية بني حشيش، تعد من "المعاقل الموالية للإمامة تاريخياً"، ويبين بأنها كانت المخزن البشري للمقاتلين بالنسبة للأئمة الزيديين، في فترة الحكم الإمامي لليمن ما قبل قيام النظام الجمهوري وترسيخه بثورة 26 أيلول/ سبتمبر 1962.
وأضاف:"مع ذلك، قام الحوثيون بتقسيم تلك المنطقة وغيرها من المناطق القبلية إلى ما يشبه المربعات الأمنية، وهو نظام يعتمد عليه الحوثيون لإحكام السيطرة على المناطق، وتعيين قيادي من الحوثيين ليشرف على كل مربع قبلي من هذه المربعات، ويتم ربطها بالمركز، بحيث لو حدثت مشكلة صغيرة تكون الجماعة على إطلاع عليها"، مستدركاً "هذه الإستراتيجية أضعفت دور زعماء القبائل وقللت من دورهم السياسي والمجتمعي في مناطقهم القبلية".
الهدف الآخر لهذه التقسيمات، كما يعتقد الباحث دشيله، هو "إحكام السيطرة على مناطق طوق صنعاء أمنياً بحيث لا يحدث أي اختراق أمني لحكم الجماعة، وإخماد أي تمرد قبلي قبل أن يظهر، لأن هذه التقسيمات تتيح للجماعة الإطلاع على كل صغيرة وكبيرة في هذه المناطق القبلية ذات الأهمية الإستراتيجية". 
وعن مستقبل هذه التوترات، وما إذا كانت ستقود لصراع قبلي حوثي، تكهّن دشيله: "يُظهر هذا التقسيم مدى هشاشة الجماعة وعدم اعتمادها على الحاضنة الشعبية لأنها أصلاً منبوذة وغير مرحب بها، وحتى ولو هناك بعض القبائل التي تدين بالولاء للمذهب الزيدي، لكنها ترفض فكر جماعة الحوثي وتصرفاتها وحكمها، إلا أنّها غير قادرة على قلب المعادلة نظراً للفارق في السلاح والعتاد".
جماعة الحوثي وقّعت في بداية صعودها وتحركاتها العسكرية اتفاقيات مع القبائل، استفادت منها في تَجنُّبِ أي عنف متوقع من هذه القبائل، والعمل على الاعتراف بها كطرف، لتحييد القبائل عن مواجهتها، "ما مكّنها من الاستفراد بخصومها من القبيلة نفسها أو من قبائل أخرى حليفة"... لماذا تستعديها الآن؟
مراقبون آخرون تواصل معهم معد التقرير اتفقوا على أن جماعة الحوثي تلجأ لخيارات القبضة الأمنية من أجل الاستمرار في الحكم، وهم يعتقدون أن هذه الإستراتيجية لا يمكن أن تدوم، لأن التحركات القبلية "ستربك الجماعة الحوثية، وتجعلها تعيش في حالة ذعر وخوف من أي تمرد مسلح".
قالوا كذلك إن تعيين الحوثيين مشرفين أمنيين "من مناطق صعدة على قبائل صنعاء يزيد حالة الاحتقان ويغذي الثارات في المستقبل". كما يظن هؤلاء المراقبون أن القبائل قادرة على هزيمة جماعة الحوثي "في حال تحركت الدولة المعترف بها دولياً، وسارعت لدعم وتسليح هذه القبائل، وفي هذه الحالة ستفتح القبائل مناطقها للقوات الحكومية".

دور القبيلة

في دراسة أعدها الباحث أحمد الطرس العرامي في مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، نُشرت في أيلول/ سبتمبر 2019، بعنوان "الحوثيون بين السياسة والقبيلة والمذهب"، يظهر أن القبيلة في اليمن كانت دوماً البديل الأول للدولة، ودائماً ما كان لها دور مؤثر في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
كونها تمثل نظاماً موازياً للدولة ومؤسساتها، تتموضع القبيلة بوصفها وحدة اجتماعية تكتسب شرعيتها من مجموعة من القواعد التقليدية، التي تشكل عقداً اجتماعياً بين أفرادها، وكذلك بينها وبين مشايخها وسائر القبائل.
القبائل قادرة على هزيمة جماعة الحوثي "في حال تحركت الدولة المعترف بها دولياً، وسارعت لدعم وتسليح هذه القبائل، وفي هذه الحالة ستفتح القبائل مناطقها للقوات الحكومية".
وجاء في الدراسة: "على الرغم من اعتبار القبيلة خزان الأئمة، يغرفون منه المقاتلين تاريخياً، إلا أن القبائل مرنة ومواقفها متحركة، وهي مثلاً تخلت في وقت ما عن الإمام، ولعبت دوراً محورياً في ثورة 1962، وفي الانتصار للنظام الجمهوري"، وذلك في إشارة إلى المواقف الوطنية للقبائل، ومناهضة الحكم الإمامي.
وتشير دراسة العرامي إلى أن "دور القبيلة السياسي تقلّص على نحو غير مسبوق مع استيلاء الحوثيين على الدولة ومؤسساتها منذ عام 2014 إذ تلقت القبائل ورموزها السياسية وقواها التقليدية أكبر صفعة في تاريخ اليمن المعاصر، ونعني بذلك الإطاحة بالقوى السياسية القبلية التقليدية على يد الحوثيين".
ويعتمد الحوثيون في حل القضايا الخلافية بينها وبين القبائل على العرف القبلي السائد، مثل قضايا التحكيم، ومن خصائص هذا السلوك، بحسب ناشط سياسي ملم بالشأن القبلي، طلب عدم ذكر اسمه حفاظاً على سلامته، أنه "يمنح الجماعة ميزة إرضاء القبيلة دون تحميل نفسها مسؤولية الخطأ المراد تصحيحه".
وبمزيد من التوضيح، قال لرصيف22:"حين يعتدي الحوثيون أو حلفاؤهم على شيخ ما أو على فرد من قبيلة بالقتل، يلجأون في حل القضية إلى التحكيم القبلي، ويحمِّلون الجرم، أو الخطأ الذي ارتكبه مثلاً قيادي في الجماعة أو حليف لهم، لأفراد، ويدعون أنه مجرد تصرف أو خطأ فردي".
وتشير مصادر قبلية مطّلعة إلى أن جماعة الحوثي وقعت في بداية صعودها وتحركاتها العسكرية اتفاقيات مع القبائل، وأنها استفادت منها في تَجنُّبِ أي عنف متوقع من هذه القبائل، والعمل على الاعتراف بها كطرف، لتحييد القبائل عن مواجهتها، "ما مكّنها من الاستفراد بخصومها من القبيلة نفسها أو من قبائل أخرى حليفة".
وبالعودة إلى دراسة العرامي، فإن عامي 2014 و2015 كانا قد شهدا توقيع العديد من الاتفاقيات بين الحوثيين وعدد من القبائل، أبرز هذه الاتفاقيات ما عُرف بـ"وثيقة الشرف القبلي" التي وقعتها الجماعة مع قبائل طوق صنعاء عند بداية تدخل "التحالف العربي" بقيادة السعودية عسكرياً في اليمن عام 2015.
ومن الملاحظ أنها عادت لإحياء بنود هذه الاتفاقية، في العاشر من آذار/ مارس 2019 بعد معارك حجور، خشية ظهور تمرد قبلي، و"يمكن توصيف هذا التوجه بأنه إحياء لقيم أو قوانين عرفية لتسخيرها في صالح الجماعة إذ ركزت الوثيقة على سلب من يقف ضد الجماعة حقوقه القبلية والاجتماعية، وذلك حتى تبرر أعمالها الانتقامية ضده بمعزل عن قبيلته وما توفره له من حماية كفرد فيها"، وفقاً للدراسة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image