على غرار حركات الطلاب العالمية التي تضامنت مع الشعب الفلسطيني في غزة، في الأسابيع الماضية، أسس طلاب مصريون من جامعات مختلفة حركة طلابية لدعم فلسطين، وعلى رأسهم الطالب بمعهد الفنون الشعبية زياد البسيوني، والطالب بكلية الطب جامعة طنطا مازن دراز، اللذان أصبحا منسقين للحركة.
ما إن تشكّلت الحركة التي حملت اسم "طلاب لأجل فلسطين"، مطلع أيار/مايو 2024، لتكون "صوت طلاب مصر لدعم صمود الشعب الفلسطيني"، وبالتزامن مع إصدارها بيانها الأول، حتّى تلقت ضربة أمنية في غاية القوة من السلطات المصرية إذ اعتقل الأمن المصري منسقي الحركة، دراز والبسيوني، وعضواً ثالثاً في الحركة يُدعى محمد إبراهيم.
ليس واضحاً إذا كان آخرون من المنتسبين للحركة الطلابية قد اعتقلوا إذ لا يجرؤ أهالي المعتقلين السياسيين أحياناً على الإفصاح عن اعتقال أبنائهم خاصةً خلال فترة الإخفاء القسري الذي قد يمتد لأيام قبل ظهورهم أمام نيابة أمن الدولة، فيما تختار بعض الأسر عدم الحديث عن اعتقال أفرادها اعتقاداً بأن ذلك قد يُسهم في سرعة خروجهم أو تفادياً لإغضاب السلطات فيرتد ذلك تنكيلاً على أبنائها.
تحرّك السلطات المصرية كان صادماً للبعض لا سيّما أن الحراك الطلابي لم يتعد نشاطه المطالبة بمقاطعة منتجات الشركات الداعمة لإسرائيل، وتعزيز وعي الشباب بالقضية الفلسطينية، وتمجيد دور "المقاومة الفلسطينية". لكن آخرين لم يستغربوا ذلك واعتبروه دليلاً جديداً على عدم تسامح السلطات المصرية مع كل فعل احتجاجي سياسي يندرج ضمن حرية التعبير.
"طلاب لأجل فلسطين"... اعتقال السلطات المصرية ثلاثة طلاب متضامنين مع غزة كان صادماً للبعض لا سيّما وأن حراكهم لم يتطرق للأوضاع الداخلية. لكن آخرين لم يستغربوا ذلك واعتبروه دليلاً جديداً على عدم تسامح السلطات المصرية مع كل فعل احتجاجي سياسي يندرج ضمن حرية التعبير
لا توجد "جريمة" حسب القانون
عقب إخفائهم قسراً مدة خمس أيام، وعرضهم على نيابة أمن الدولة العليا التي أمرت بحبس الطلاب خمسة عشر يوماً على ذمة التحقيقات، وتجديد الحبس الاحتياطي لهم تباعاً، على ذمة تهمتي نشر الأخبار الكاذبة والانضمام إلى جماعة إرهابية، يشكو أهالي الطلاب سوء معاملة السلطات لهم.
يقول أحد أفراد فريق الدفاع عن الطلاب وعضو لجنة العفو الرئاسي، المحامي كمال أبو عيطة لرصيف22 إن الطلاب الثلاثة المحبوسين - السالفي الذكر - متهمون في القضية رقم 1941 لسنة 2024 حصر أمن دولة عليا، لافتاً إلى أن "عدد الطلاب المقبوض عليهم مفتوح. تضاف كل يوم أعداد جديدة. لم نصل إلى حصر كامل لهم بعد".
ويوضح أبو عيطة أن الطلاب المحبوسين يتعرضون "لأسوأ معاملة، وحبس انفرادي وإهانات ومنع من طابور الشمس وعدم خروج من الزنزانة خلافاً للائحة السجون. يتمنّون معاملتهم أسوةً بعُتاة المجرمين والدواعش".
ويستطرد عضو لجنة العفو الرئاسي: "الشعب كله متضامن مع فلسطين، والأجهزة الأمنية تستبيح الآن كل المؤيدين والداعمين لفلسطين، وبالفعل كان الشباب يشكلون تنظيماً للتضامن مع فلسطين، لكن على الأرض لم يقوموا بأي خطوة سلباً أو إيجاباً". كما يلفت إلى أن الحبس الاحتياطي الموقع على الطلاب هو "الشكل الحديث من نسخة الاعتقال التي كانت تواجه المعارضين في وقتٍ سابق"، مشدداً على أنه لا يوجد جرم حقيقي أو أي فعل مادي فيه إثم حسب القانون في هذه الواقعة، وإنما "حبس الطلاب هو طريقة من طرق الاستباحة الأمنية تجاه أي صوت يعلو من أجل فلسطين".
تضييق داخل السجن وخارجه
يظهر ما يتعرض له الحراك الطلابي أن هناك حالة من التضييق، تكاد تقارب المنع المباشر، تواجه كل من يحاولون الحشد ضد ما ترتكبه إسرائيل من فظائع في حربها على غزة، بما في ذلك منع التظاهرات السلمية بشكل مباشر، أو التوقيف والحبس الاحتياطي.
في هذا السياق، يقول خالد البسيوني، عضو الهيئة العليا لحزب الكرامة، وشقيق الطالب المعتقل زياد منسق حركة "طلاب لأجل فلسطين"، إنه فجر أحد أيام الأسبوع الثاني من أيار/ مايو المنقضي، اقتحمت قوة أمنية من نحو 40 شخصاً، منزل والدتهما، الناقدة الفنية فايزة الهنداوي، وصوّبت أسلحتها نحوه ونحو والدته، لمنعهما من القيام بأي حركة، حتى وصل شقيقه زياد إلى المنزل وألقت القبض عليه.
ويؤكد خالد لرصيف22: "شقيقي زياد ظل مخفياً قسرياً، في أحد مقارّ أمن الدولة قرابة خمسة أيام، إلى أن ظهر في نيابة أمن الدولة العليا، ووجهت إليه تهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية… وهذه التهمة غير حقيقية طبعاً".
يستطرد عضو الهيئة العليا لحزب الكرامة: "شقيقي زياد مثله مثل غيره من الناس يدافع عن القضية الفلسطينية، وكان يشعر باستفزاز لوجود الحركات الطلابية الداعمة لغزة خارج مصر دون وجود أي مثيل لها في مصر التي يرى أنها الأجدر بذلك. بالإضافة إلى أن خالد نشأ وسط عائلة تنتمي للقضية الفلسطينية، فوالده كان الأمين العام لحزب الكرامة وأندية الفكر الناصري، ووالدته ناقدة فنية معروفة".
ويعرب خالد عن حزنه لأنه لم تتمكن الأسرة من إلحاق زياد بامتحانات نهاية العام في المعهد، رغم التواصل مع نيابة أمن الدولة العليا وإدارة سجن العاشر من رمضان، الذي يقبع فيه زياد، وطلب ذلك بالطرق القانونية، دون الحصول على أي رد.
موقف الحركة بعد القبض على منسقيّها
يبدو أن شيئاً لم يتغير عقب الضربة الأمنية للحراك الطلابي وتأكد اعتقال ثلاثة من أعضائها البارزين بعد اسبوع فقط من نشر بيانها التأسيسي. يوضح ناشط في "طلاب لأجل فلسطين"، تحدث إلى رصيف22 مفضلاً عدم ذكر اسمه لسلامته الشخصية، إن الحركة لم ولن تتواصل مع الجهات الأمنية أو السلطات الرسمية لأي إجراءات تنسيقية أو تنظيمية باعتبار أنها"نشاط طلابي سلمي لا دخل للأمن به" كما ليس له "أي صلة بالشأن الداخلي المصري".
محامي الطلاب المحبوسين يؤكد لرصيف22 أنهم يتعرضون "لأسوأ معاملة، وحبس انفرادي وإهانات ومنع من طابور الشمس وعدم خروج من الزنزانة خلافاً للائحة السجون. يتمنّون معاملتهم أسوةً بعُتاة المجرمين والدواعش"
ويتابع: "الحركة مستمرة في استكمال الخطوات التي بدأتها مسبقاً، من خلال مواصلة الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الداعمة والممولة لإسرائيل. كما نتواصل مع الحراكات الطلابية في جميع بلاد العالم وخصوصاً المنطقة العربية لممارسة الضغط اللازم للإفراج عن الطلاب المحبوسين".
ويكمل الناشط بالحركة: "الحركة مستمرة في تعزيز وعي الشباب بالقضية الفلسطينية، وأعضاؤها لم يقلقوا على الإطلاق بسبب حبس زملائهم في الحركة بل زادهم ذلك إصراراً وعزيمة"، مشدداً "لن تتوقف أبداً حتى نهاية الحرب وتحرير فلسطين بأكملها، من البحر إلى النهر، لأنها قضية مركزية، وقضية أمن قومي. ونعتقد أنه من الأولى أن يدعم الأمن حراكنا لأن الأمر يمثل خطراً على حدودنا".
ويلفت إلى أن التضامن مع الطلاب الثلاثة المحبوسين في مصر من قبل الحركات الطلابية في جامعات في لبنان وليفربول وكندا ومناطق أخرى من العالم "مس مشاعر وقلوب الطلاب المحبوسين" لأنه "يؤكد أن الحراك الطلابي واحد، وأن النضال من أجل فلسطين ليس جريمة".
تفاعل الأحزاب مع حبس الطلاب
تجدر الإشارة إلى أن عدداً من الأحزاب السياسية المصرية أعربت عن تضامنها مع الطلاب وحثت السلطات على الإفراج عنهم ومنح الطلاب المساحة الكافية للتعبير عن آرائهم وإبراز مواقفهم في القضايا القومية.
وقد أدان حزب الكرامة، صاحب التوجهات الناصرية، القبض على أعضاء حركة "طلاب لأجل فلسطين"، وطالب بسرعة تخلية سبيلهم، وتحميل الأمن مسؤولية سلامتهم، وتشجيع تلك الحركة على مواصلة نشاطها عوضاً عن التنكيل بها. وطالب حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي بالحرية للطلاب، داعياً إلى السماح لهم بإجراء الامتحانات الدراسية.
كذلك طالب حزب تيار الأمل تحت التأسيس بفتح مساحة حرة للطلاب، وتخلية سبيلهم، والتوقف عن عمليات الحبس الاحتياطي من دون وجه حق.
لا انفراجة في الأفق
رغم التضامن مع الطلاب وحراكهم السلمي، لا انفراجة بادية في الأفق لانتهاء محنة الطلاب الثلاثة. لم تتفاعل السلطات الرسمية بأي حال مع الدعوات الحزبية أو الحقوقية أو الطلابية المنادية بسرعة الإفراج عن الطلاب المتضامنين مع غزة.
يوضح الناشط في "طلاب لأجل فلسطين" الذي تحدث لرصيف22 أن الأمر من الناحية السياسية لا يشهد أي توقعات سواء بالسلب أو الايجاب، لأن "غالبية الذين يدخلون دوامة الحبس الاحتياطي في قضايا سياسية في مصر لا توجد مؤشرات لخروجهم".
مع ذلك، يستدرك: "لكن من ناحية أعضاء الحركة المقبوض عليهم، نثق بهم، ونتمنى أن ينتهي ذلك الأمر سريعاً حتى يستكملوا دعم فلسطين، ويستأنفوا دراستهم وحياتهم".
"هناك موقف من الطلاب على نحو خاص، باعتبارهم جماعة يمكن أن تتحول إلى قوة سياسية، أو تنظيم قادر على التعبير عن الآراء والمواقف، أو مبادرة سياسية. طالما كان للطلاب في مصر وجميع دول العالم تقريباً أدوار هامة في معارضة الأنظمة وإنتاج السياسة والتعبئة من أجل التغيير"
ما دلالات اعتقال الطلاب؟
بعد أن أصبحت واقعة القبض على أعضاء حركة "طلاب من أجل فلسطين"، حدثاً متداولاً بين الأحزاب والقوى المدنية في مصر، تباينت الآراء، والتحليلات لغرض السلطات من توقيفهم والتنكيل بهم عبر حرمانهم من أداء امتحاناتهم وسوء المعاملة داخل السجن الذي تحدث عنه أبو عيطة.
في هذا الصدد، يقول لرصيف22 الناشط السياسي أكرم إسماعيل "هناك قرار، وإصرار من السلطات في مصر، على ألّا تخرج أي مبادرة تخص الشأن الفلسطيني، وخصوصاً من جهة الطلاب أو الشباب، بالإضافة إلى الحرص على وأد مثل تلك الحركات حتى لا تتحول كرة لهب في ظل الأحداث الإقليمية والدولية الصعبة، ومنها الأوضاع في غزة، والغضب الشعبي والاحتقان نتيجة الظروف المعيشية الصعبة".
يضيف إسماعيل: "هناك قرار واع من السلطات بعدم السماح لمثل هذه الحركات، وإن كانت محدودة. إجهاض هذه الحراكات يتسق مع ممارسات النظام".
علاوة على ما سبق، يشير إسماعيل إلى أن "هناك موقفاً من الطلاب على نحو خاص، باعتبارهم جماعة يمكن أن تتحول إلى قوة سياسية، أو تنظيم قادر على التعبير عن الآراء والمواقف، أو مبادرة سياسية. طالما كان للطلاب في مصر وجميع دول العالم تقريباً أدوار هامة في معارضة الأنظمة وإنتاج السياسة والتعبئة من أجل التغيير، فكان هناك حساسية من الطلاب المتضامنين حول العالم مع فلسطين، أسفر عن قلق غريزي لدى السلطات خشية تطور الأمر".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.