شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
اختيار جنس المولود بالحقن المجهري... حلقة جديدة من التمييز ضد النساء

اختيار جنس المولود بالحقن المجهري... حلقة جديدة من التمييز ضد النساء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الخميس 14 مارس 202411:09 ص

لوحة عملاقة لا يمكن أن أشيح بوجهي عنها، أراها كلما دخلت إلى مدخل مدينتي التي تقع في ضواحي القاهرة. تقدّم هذه اللوحة وعداً لم أسمع عنه من قبل، يتمثل في إعطاء كل أب وأم القدرة على اختيار جنس مولودهما.

أثارت هذه اللافتة مشاعر عدة في داخلي، وبعض السخرية من التناقض في اسم عيادة الحقن المجهري الذي استُخدمت في جزء منه الآية القرآنية "المال والبنون زينة الحياة الدنيا"، وتُرك الجزء الآخر، إذ يعد العنوان بالبنين ولكن في الوقت ذاته يسلب أموال الآباء والأمهات. ثم شعرت بالاستغراب من قطعية هذا الوعد ومدى مصداقيته، والكثير من الغضب لأنها وسيلة جديدة يبتكرها البشر لإيذاء الإناث، وهذه المرة قبل حتى الحمل بهنّ، وهنّ لا يزلن بويضات مخصبةً في المعامل.

الحقن المجهري والتلقيح الصناعي

أصبحت تقنية الحقن المجهري، منذ اكتشافها، مصدر الأمل للعديد من النساء والرجال الذين لم يستطيعوا إنجاب الأطفال بطريقة طبيعية. وهذا النوع من الإخصاب في المختبر مفيد أكثر في حالات العقم عند الذكور، حيث يحقن مقدّم الرعاية الصحية الحيوانات المنوية في البويضة للمساعدة في الحمل.

يمكن أن يؤدي هذا الإجراء إلى تكوين جنين (بويضة مخصبة). والحقن المجهري هو شكل من أشكال الإخصاب في المختبر (التلقيح الاصطناعي)، ويستخدم مقدّمو الرعاية الصحية الحقن المجهري بشكل شائع عندما يؤثر العقم عند الذكور على قدرة الشخص على إنجاب طفل.

لوحة عملاقة لا يمكن أن أشيح بوجهي عنها، أراها كلما دخلت إلى ضواحي القاهرة. تقدّم هذه اللوحة وعداً لم أسمع عنه من قبل، يتمثل في إعطاء كل أب وأم القدرة على اختيار جنس مولودهما

والحقن المجهري ICSI، نوع من التلقيح الاصطناعي IVF. فمع التلقيح الاصطناعي التقليدي، يضع مقدّم الرعاية الصحية آلاف الحيوانات المنوية بجوار البويضة في طبق المختبر، منتظراً ما إذا كان أحد الحيوانات المنوية سيخترق البويضة لتخصيبها وهو الأمر المتروك للصدفة. وإذا لم يقم أيّ من الحيوانات المنوية بتخصيب البويضة، فلن يحدث الحمل، بينما يعزز الحقن المجهري الإخصاب من خلال الحقن المباشر لحيوان منوي واحد في بويضة واحدة. ومع ذلك، لا يضمن الحقن المجهري الحمل، ففي كل من الحقن المجهري والتلقيح الصناعي التقليدي، يقوم مقدّم الرعاية الصحية بزرع البويضة المخصبة (الجنين) في الرحم، ويحدث الحمل إذا تعلق الجنين ببطانة الرحم.

أما فرص حدوث حمل ناجح، فهي نفسها في حالة الحقن المجهري والتلقيح الاصطناعي التقليدي. تشير التقديرات إلى أن 50% إلى 80% من محاولات الحقن المجهري تؤدي إلى الإخصاب، ولكن حدوث الإخصاب لا يعني ضمانة حدوث الحمل -وهي ملاحظة يجب وضعها في الحسبان عند الحديث عن خدمة تحديد جنس المولود التي تقدّمها هذه المراكز مثل التي تحدثت عنها في المقدمة- فحتى مع حدوث تخصيب لأكثر من بويضة يجب زرع هذه البويضة المخصبة في الرحم، وتعليق الجنين ببطانة هذا الأخير، الأمر الذي قد يفشل، ما يعني الحاجة إلى إعادة هذا الإجراء الطبي.

عبء على أكتاف النساء

كما ذكرنا في السابق، فإن هذا النوع من التخصيب يصلح أكثر لعلاج العقم عند الذكور، وقد يوصي مقدّم الرعاية الصحية بالحقن المجهري إذا كان الرجل يعاني من عدم القدرة على القذف، أو الانسداد في الجهاز التناسلي الذكري، أو الانخفاض في عدد الحيوانات المنوية، أو سوء نوعية هذه الحيوانات المنوية، أو القذف الرجعي -وهي حالة طبية يتدفق فيها السائل المنوي إلى الخلف، إلى المثانة- بينما يصلح للنساء في حالتين فقط، وفق كليفلاند كلينك: عندما يبلغ عمر المرأة أكثر من 35 عاماً، أو في حال كانت تستخدم بويضات مجمدةً مسبقاً أو حيوانات منويةً محفوظةً بالتبريد لمحاولة الحمل.

وعلى الرغم من أن الحقن المجهري علاج لحل مشكلة العقم لدى الرجال بصورة كبيرة، إلا أن غالبية العبء والنتائج السلبية والآثار الجانبية تقع على النساء، فقبل إجراء الحقن المجهري، يجب على مقدّم الرعاية الصحية جمع البويضات والحيوانات المنوية.

في العادة، يبدأ الأمر بما يُسمّى تحريض الإباضة (يُطلَق عليه أيضاً تحفيز المبيض)، حيث تُحقن المرأة بدواء يزيد من عدد البويضات من مدة 8 إلى 14 يوماً، ويحفز هذا الدواء المبايض على إنتاج بويضات متعددة في وقت واحد لتنضج، ويستخدم مقدّم الرعاية الصحية تقنية الموجات فوق الصوتية عبر المهبل لتوجيه وإدخال إبرة رفيعة عبر جدار المهبل إلى المبيضين، وباستخدام جهاز شفط متصل بالإبرة يسحب ويجمع البويضات التي يتم تخصيبها ثم إعادة زرع المخصّبة منها إلى الرحم، وهي المرحلة التي يتم عندها اختيار جنس المولود.

ويمكن أن تسبب أدوية تحريض الإباضة أعراضاً جانبية للمرأة منها الانتفاخ، الغثيان، الصداع وفقدان القدرة على التنفس، الهبات الساخنة، زيادة الوزن والرؤية الضبابية.

اختيار جنس المولود وخلل جديد في المجتمع

لفهم المزيد حول تقنية اختيار جنس المولود نفسها، تقول طبيبة النساء والتوليد، ياسمين أبو العزم، لرصيف22: "بدأ الحقن المجهري في الأصل لعلاج تأخّر الحمل، سواء كان الرجل هو السبب فيه أو المرأة، ثم ظهرت تقنيات الفحص الوراثي للأجنّة المخصبة قبل نقلها إلى الرحم، بالأساس لاكتشاف حالات الخلل الجيني أو الأمراض الوراثية، وتالياً لا يتم زرع جنين مصاب بخلل في الرحم، ومع هذه التقنية ظهرت إمكانية اختيار جنس المولود، حيث يتم فحص الأجنّة لمعرفة جنسها، ويتم زرع الجنس المرغوب فيه".

وتشير ياسمين إلى إمكانية عدم اكتمال شهور الحمل، وتالياً تستدعي الحاجة إلى إجراء التخصيب مرةً أخرى، مشددةً على أن نسب النجاح التي تعلنها بعض هذه المراكز ليست صحيحةً، حيث يتم حسابها على أساس الأجنّة المزروعة التي تتعلق ببطانة الرحم وليس الحمل المكتمل.

تختلف تكلفة الحقن المجهري من مركز إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى، ولكن في الغالب يكلّف الإجراء من دون اختيار نوع المولود من 30 إلى 40 ألف جنيه (نحو 1،250 دولاراً)، بينما تبلغ تكلفة فحص الأجنّة، سواء بحثاً عن الأمراض الوراثية أو لاختيار جنس المولود من 20 إلى 30 ألف جنيه (أي ألف دولار تقريباً) فوق تكلفة الحقن نفسها، وتزيد هذه التكلفة كلما تم اختبار عدد أكبر من الأجنّة. فعلى سبيل المثال، عند البحث عن جنين ذكر قد يحتاج مقدّمو الرعاية الصحية إلى فحص عدد أكبر من الأجنّة، ما يعني زيادة التكلفة.

الرغبة في إنجاب الذكور

لم أحتج إلى بحث جدّي لمعرفة أي جنس من المواليد هو الغالب عند الاختيار، فالمواليد الذكور كانوا وما زالوا المرغوبين والذين يتمناهم الكثيرون، ومن قبل ظهور هذه التقنية تم استخدام طرائق أكثر وحشيةً للتأكد من إنجاب الذكور أكثر من الإناث، منها على سبيل المثال الإجهاض عند معرفة جنس المولودة، وهي الممارسة الشائعة في الهند وبلاد أخرى.

قامت دراسة في 2019، بإعادة نمذجة نسب الجنسين عند الولادة في جميع أنحاء العالم بناءً على مجموعة من المصادر السكانية، بما في ذلك بيانات التعداد والمسح الأسري، وتظهر النتائج أدلةً إحصائيةً قويةً على أنه ليست هناك نسبة توازن بين الجنسين في كل من ألبانيا وأرمينيا وأذربيجان والصين وجورجيا وهونغ كونغ والهند والجبل الأسود وكوريا الجنوبية وتايوان وتونس وفيتنام.

وتم إرفاق ملاحظة من هؤلاء العلماء مفادها أن هذا لا يعني أن البلدان الأخرى ليس لديها تفضيل للذكور أو بعض الأدلة على وجود نسبة غير متوازنة بين الجنسين، بل هناك دلائل إحصائية على هذا الخلل المنتشر في العديد من البلاد حول العالم.

لا يمكن إغفال النعمة التي تقدّمها تقنية الحقن المجهري لملايين الرجال والنساء الذين يرغبون في تجربة الأمومة والأبوة، ولكن استغلال إجراء طبي بشكل يؤثر على التوازن الطبيعي بين الجنسين لأغراض شخصية هو بعيد عن أبعاده الديموغرافية والاجتماعية وغير أخلاقي وحلقة جديدة في سلسلة من التمييز ضد النساء

ويمكن أن تكون للنسب غير المتوازنة بين الجنسين عواقب سلبية على كل من الرجال والنساء والمجتمع على نطاق أوسع، فهناك العديد من الأبحاث التي تؤكد على أن الأمر سيؤدي أيضاً إلى المزيد من الجريمة والعنف والفوضى في المجتمعات.

وأحد أكثر الأسباب شيوعاً لتفضيل الابن عن الابنة، هو النسب العائلي، أي نقل اسم العائلة من خلال الذكور في الأسرة، ومن المحتمل ألا يحدث هذا في العائلات التي لا يتزوج فيها الأبناء.

قد نفترض أن نقص عدد النساء سيجعل وضعهن أفضل في المستقبل، لكنهنّ قد يعانين أيضاً من عواقب سلبية، فتبعاً لهذه الورقة البحثية عن نتائج تفضيل إنجاب الذكور واستخدام التقنيات الطبية لذلك، ستكون قيمة المرأة بشكل متزايد متمثلةً في دورها كزوجة أو زوجة ابن أو أم، وهذا قد ينكر مساراتها البديلة مثل البقاء عزبةً أو تكريس مساحة أوسع من حياتها لمسيرتها المهنية، وقد تشعر النساء بزيادة الضغط أو الحوافز للزواج أو إنجاب الأطفال في وقت مبكر من الحياة، وقد تتعرض النساء لخطر متزايد من العنف العاطفي أو الجسدي.

لا يمكن إغفال النعمة التي تقدّمها تقنية الحقن المجهري لملايين الرجال والنساء الذين يرغبون في تجربة الأمومة والأبوة، ولكن استغلال إجراء طبي بشكل يؤثر على التوازن الطبيعي بين الجنسين لأغراض شخصية هو بعيد عن أبعاده الديموغرافية والاجتماعية وغير أخلاقي وحلقة جديدة في سلسلة من التمييز ضد النساء.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image