يضم هذا التقرير شهادة امرأة من غزة، عاصرت الحرب، وفقدت فيها منزلها بالكامل، وفقدت معه -كغيرها- الأمان والخصوصية وراحة البال.
يعدّ العنف ضد النساء مشكلة عالمية تنتشر بنسب متفاوتة، إذ تتعرض امرأة واحدة على الأقل من كل ثلاث نساء لعنف جسدي أو جنسي في مرحلة من حياتها، لكن هذا العام لا عنف يعلو على عنف الحرب، وفي إطار حملة الستة عشر يوماً من النشاط لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي، من المهم رفع الوعي بما يحدث للنساء في غزة، أو فلنقل ستة عشر يوماً من الحداد، كما أسماها مركز قضايا المرأة المصرية.
أقساط بلا منازل
تشرح دينا أبو شهلا، الناشطة في حقوق المرأة والأشخاص ذوي الإعاقة، كيف كان أهل غزة يعيشون حياة طبيعية، وتضيف أن غزة ليست كما يظن البعض، فهي مدينة جميلة، بها أحياء راقية، وعائلات تعيش بسلام، تذهب للبحر عندما يضيق بها الحال، أما الآن حتى البحر لم يعد كما كان.
كانت دينا تعيش في حي راق في غزة، لكنه وقع ضمن الحزام الناري، ما يعني أن تلك المنطقة بالكامل، فبعد قصف استمر لثلاث ساعات، وهروب العائلة ليلاً، لم يتحول المنزل إلى حطام فحسب، بل إلى رماد.
بطبيعة الحال، تركزت الأخبار على الهجمات والشظايا وحطام المنازل وأعداد المرضى في المستشفيات –حين كانت تعمل-، لكن هذا ليس كل شيء، فهناك المعاناة اليومية للحياة في عدم وجود مياه، وكهرباء، وطعام، وخدمات.
تم تدمير نحو 45% من المنازل في قطاع غزة، وتنفيذ 117 هجوماً على البنية التحتية الصحية منذ السابع من تشرين الثاني/ أكتوبر، وهو ما أدى إلى توقف نصف المستشفيات عن العمل وإغلاق 64% من مراكز الرعاية الصحية الأولية.
دينا: "غزة ليست كما يظن البعض، فهي مدينة جميلة، بها أحياء راقية، وعائلات تعيش بسلام، تذهب للبحر عندما يضيق بها الحال، أما الآن حتى البحر لم يعد كما كان".
تقول دينا: "هربنا من منازلنا نركض، لم ننظر وراءنا، لم نأخذ معنا ملابس، هناك من اضطروا للاستمرار بنفس الملابس لعدة أسابيع، ثم ارتدائها مبللة عند غسلها، وبعضنا هرب حافي القدمين".
وتضيف، "في غزة سنضطر إلى دفع أقساط المنزل حتى بعد دمار المنزل".
في ظل تهدم المنازل والنزوح المستمر من منطقة لأخرى، يحدث تكدس كبير لأكثر من عائلة في البيت الواحد، فقد يمكث 60 شخصاً في نفس الطابق من المنزل، مع فقدان كامل للخصوصية، وعدم توافر مقومات النظافة الشخصية، ونظراً للعجز الكبير في الوقود، عادت النساء للخبز على الحطب، ومع ذلك الخبز المتوفر هو بمعدل رغيف واحد لكل ثلاثة أشخاص.
صدمة مستمرة ومتجددة
هناك نحو خمسين ألف امرأة حامل في القطاع، لا يعلمن كيف سيلدن في تلك الظروف، كما أن الفتيات أصبحن يتناولن أدوية توقف الدورة الشهرية عن النزول، لصعوبة الوصول للملابس والفوط الصحية، بالإضافة لصعوبة دخول الحمامات، لكثرة أعداد المقيمات بنفس المكان، ما يعني أنهن قد ينتظرن في طابور لدخول الحمام، لساعات.
هل سيضطر أهل غزة لدفع أقساط المنازل التي اشتروها وتهدمت بعد انتهاء الحرب؟
وفق وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، فإن نحو 180 امرأة يلدن يومياً في غزة، في عدم وجود ماء، أو مسكنات، أو تخدير للعمليات القيصرية، أو إمدادات طبية، أو كهرباء لتشغيل حضانات الأطفال.
قبل الحرب كان عدد النساء اللواتي يحتجن للمساعدات الإنسانية في غزة يقدر بنحو 650 ألفاً، وتفاقم عددهن الآن ليصل إلى مليون ومائة ألف، بما في ذلك 800 ألف نازحة داخل القطاع. كما تشير التقديرات إلى أن عدد القتلى في غزة يزيد عن أربعة عشر ألفًا منذ بداية الحرب، 67% منهم من النساء والأطفال، إذ تموت امرأتان كل ساعة.
إغلاق واعتقالات في الضفة
بسبب حجم العنف المتزايد، لا يتم تغطية معاناة أهل الضفة التي سببتها الحرب بطبيعة الحال كما يجب، فالاحتلال قسّم المناطق في الضفة بمضاعفة عدد الحواجز، ومنع التنقل بينها، مما جعل بعض الأسر تجتمع في المنزل لفترات أطول مما يؤدي لنزاعات أكثر، وكذلك العديد من العمال فقدوا وظائفهم ولم يستطيعوا الوصول لأماكن عملهم داخل الضفة أو إسرائيل، أما الأسر التي تعتمد على الزراعة فكثير منها لم يعد قادراً على الوصول لأراضيهم بسبب هجمات المستوطنين.
منذ بداية الحرب خلّفت المواجهات مع الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية 239 قتيلاً إلى لحظة إعداد هذا التقرير، بالإضافة إلى 3290 فلسطينياً تم اعتقالهم، وتوفي 6 معتقلين فلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
حقيبة الكرامة
تقول دينا أن أشد ما يحتاج إليه أهل غزة هو الدعم المادي، لأن العديد من العائلات خسرت منازلها وممتلكاتها بالكامل، وتوقفت البنوك عن العمل وانقطعت الرواتب، بالإضافة إلى ارتفاع سعر كل شيء، لعشرة أضعاف في بعض الأحوال مثل جرة الغاز والأدوية والطعام.
وتضيف أن النساء في غزة يحتجن بشدة لما وصفته ب"حقيبة الكرامة"، التي توفر ملابس شتوية للنوم، لأن وقت الحرب والنزوح، نزحت العائلات بملابس صيفية، كما توفر ملابس داخلية، وفوطاً صحية، وأغطية، وأدوات لتصفيف الشعر، وأدوية ومسكنات، وصابوناً ، ووسادات. وتشدد على أن أهم ما يحتاجه أهل غزة اليوم هو الخبز والمياه النظيفة للشرب. كما تلفت إلى حقيقة أن الجميع يحتاج للدعم، وليس فقط من يتواجدون في الملاجئ، فجميع العائلات بالمنازل قد نفدت مواردها أو على وشك النفاد.
قبل الحرب كان عدد النساء اللواتي يحتجن للمساعدات الإنسانية في غزة يقدر بنحو 650 ألفاً، وتفاقم عددهن الآن ليصل إلى مليون ومائة ألف، بما في ذلك 800 ألف نازحة
تقول هبة راشد، مديرة مؤسسة مرسال لرصيف22، إن المؤسسة تحرص، منذ بداية الحرب، على إرسال فوط صحية للنساء، وتلك الخاصة بالنفاس، ومستلزمات الاستحمام، وصابون، وماكينات حلاقة للرجال، وحفاضات للأطفال، كما توفر المؤسسة أطباء يتواصلون بالهاتف مع المواطنين.
كذلك تقوم مؤسسات عدة في مختلف البلدان بجمع التبرعات، أو تقديم الدعم النفسي عن طريق الهاتف، أو مساعدة الطلبة الفلسطينيين في الجامعات المصرية ممن فقدوا ذويهم، ومع تثمين تلك الجهود وغيرها، فإنها تبقى نقطة في بحر ما يحتاجه أهل غزة، حيث يحتاجون على الأقل إلى 600 شاحنة يومياً لتغطية احتياجاتهم الأساسية.
حياة طبيعية، هذا حقنا
تعاني النساء بشدة من مرارة الفقد، بالإضافة لفقدان أمانهن الاجتماعي والاقتصادي، وغياب الوضوح عما هو قادم لهن ولعائلاتهن، وبرغم الغياب التام للدعم النفسي، تعطي النساء الأمل لمن حولهن.
مديرة مؤسسة مرسال: "كل ما نرسله من مساعدات ليس إلا نقطة في بحر ما يحتاجه أهل غزة لتغطية احتياجاتهم الأساسية".
تقول دينا: "لا تسعدني العبارات الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي ترى أن الله خلقنا للشهادة فقط، نحن أناس طبيعيون، نريد أن نحيا حياة طبيعية، هذا حقنا"
وتختم: "نساء غزة مجبورات على أن يكنّ قويات، وبعد كل هذا، علينا أن نبدأ من جديد، فبرغم كل شي سنعمر غزة يداً بيد، وستصبح أجمل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...