فرض الحراك المسلّح نفسه سريعاً على مسار الثورة السورية التي انطلقت أولى صيحاتها منتصف آذار/ مارس 2011. حجم العنف الذي فرضته السطوة الأمنية التابعة لنظام بشار الأسد، أدت دوراً بارزاً في ذلك، لتبدأ مظاهر التسليح مع انشقاق المقدم حسين هرموش، في العاشر من حزيران/ يونيو 2011، وإعلانه لاحقاً تأسيس حركة لواء الضباط الأحرار، لتتوالى مظاهر الانشقاق عن جيش النظام، متزامنةً مع حركة تسليح شعبي هدفت إلى وقف العنف الموجه لقمع المرحلة السلمية في الثورة.
الحراك المسلح بشقّيه العسكري والمدني، لم يستحوذ على كامل المرحلة المسلحة، كما أنه لم يحتفظ بهذه الصيغة من المقاومة المحلية طويلاً. أسهمت في ذلك رغبة نظام الأسد، وأجهزته الأمنية، في سلب الثورة السورية بشقّيها المدني والمسلح صفة الثورية، وصبغها بالتطرف والإرهاب.
من جانب آخر، أسهمت في الأمر أيضاً مرونة التنظيمات الجهادية وقدرتها على استغلال الظروف الميدانية والسياسية في الدول المجاورة، وعلى التوسع في مناطق جديدة وفق قراءة واقعية لكل مرحلة وفاعليها الرئيسيين، وفهم شامل لطبيعة المكونات البشرية في هذه المجتمعات.
من هذا المنطلق، لم تمر سوى أشهر قليلة على "عسكرة الثورة"، حتى وصلت مقدمات الفكر الجهادي عبر مجموعة صغيرة أطلقت على نفسها "مجلس شورى دولة الإسلام"، وكانت بمثابة البعثة الاستكشافية للبيئة الجديدة، تنفّذ مهام الاطّلاع من قرب على تركيبة المجتمع السوري، وطبيعة الواقع حينها، ووسائل نقل التجربة الجهادية من العراق إلى سورية.
وعلى الرغم من شهرة "مجلس شورى دولة الإسلام" الضعيفة، ومرحلة وجوده القصيرة في سوريا، لا يمكن إغفال دوره الكبير في تمهيد الطريق أمام تنظيمات ذاع صيتها، وبلغت من القوة والعنف ما استدعى تشكيل تحالفٍ دولي لمحاربتها، ودوره في تعميق الخلاف السلفي الجهادي الداخلي، ومساهمته في فراق لا عودة فيه بين "أبو محمد الجولاني" زعيم جبهة النصرة حينها، و"أبو بكر البغدادي" الزعيم الأول لتنظيم "داعش".
الخلافات من العراق إلى سوريا
لا يمكن فهم ما آلت إليه الأمور في سوريا في ما يخص التنظيمات السلفية الجهادية، وبشكل خاص "داعش" و"النصرة"، بمعزل عن تجربة هذه التنظيمات في العراق. ما يهمّ في فهم سياقها في سوريا يعود إلى عام 2005، حين دعا أبو مصعب الزرقاوي زعيم "تنظيم التوحيد والجهاد"، المبايع لتنظيم القاعدة، إلى تشكيل كيان جامع لكل الفصائل السنّية العاملة في العراق تحت مسمّى "مجلس شورى المجاهدين"، ولم يمر وقت طويل حتى تأسس "المجلس" الذي تزعمه حينها أبو عمر البغدادي، داوود محمد خليل الزاوي، وتولى فيه الزرقاوي زعامةً رمزيةً لم تدُم طويلاً بسبب مقتله في عام 2006.
مجلس الشورى ذاته وتنظيم "جند الصحابة"، وتنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين"، شكلت ما بات يُعرف لاحقاً بتنظيم "دولة العراق الإسلامية"، لتبدأ في 2007 خلافات فكرية، فماذا جرى؟
مجلس الشورى ذاته وتنظيم "جند الصحابة"، وتنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين"، شكلت ما بات يُعرف لاحقاً بتنظيم "دولة العراق الإسلامية"، لتبدأ في 2007 خلافات فكرية بين تنظيم الدولة الذي نادى به مجلس شورى المجاهدين، وتنظيم القاعدة المركزي في خراسان. ومع أن الخلاف نشأ من ثقة تنظيم الدولة بنفسه كفاعل "جهادي" على الأرض، ولا يرتبط بالقاعدة إلا من ناحية إرثها وتاريخها ومنهجها، إلا أن الخلافات بين الطرفين ظلت "نظريةً"، ولم تطفُ فوق السطح على شكل مواجهات، وخففت بشكل دائم من حدّتها مجاملات الطرفين، ومبايعة أبو عمر البغدادي، وخلفه أبو بكر البغدادي، للظواهري أميراً للجهاد وداعيةً له.
وفي عام 2010، أُعلن عن مقتل أبو عمر البغدادي، ليخلفه منذ ذلك الحين أبو بكر البغدادي الذي سيلمع نجمه لاحقاً كأخطر الإرهابيين في العالم، والذي وجد تنظيمه -دولة العراق الإسلامية- في حالة ليست جيدةً على المستوى المالي والتنظيمي، ليصل مد الربيع العربي إلى سوريا التي رأى فيها فرصةً للاستثمار الجهادي وحلاً لأزماته، ويتجاوز بشكل مرحلي خلافاته الفكرية مع القاعدة مستشيراً أيمن الظواهري، ليتمدد التنظيم إلى سوريا في منتصف 2011، ولاستكشاف البيئة السورية وإمكانية تقبّلها للفكر الجهادي، الأمر الذي لم يعارضه الأخير، الذي طالب البغدادي بعدم إعلان تبعية التشكيل المزمع تأسيسه في سوريا للقاعدة، أو لتنظيم دولة العراق الإسلامية.
وفي هذا السياق، تذكر مصادر جهادية عدة، أن مقترح تمدد الدولة الإسلامية في سوريا جاء بناءً على مقترح من 40 صفحةً، قدّمه أبو محمد الجولاني إلى زعيم تنظيم الدولة، أبو بكر البغدادي.
نواة الجهاديين الأولى في الثورة السورية
في اتصال مع إحدى القيادات الإعلامية في حركة "أحرار الشام الإسلامية"، التي عاصرت تلك الفترة، يقول: "وصل وفد من السوريين لا يتجاوز سبعة أشخاص إلى المناطق الشمالية في إدلب في نهاية آب/ أغسطس 2011، وبدأوا بلقاء المتحمسين لتسليح الثورة ليشكلوا جماعةً لم تحمل اسماً ثابتاً، فمرةً يطلقون على أنفسهم 'المجاهدون'، ومرةً أخرى 'مجلس شورى المجاهدين'، وفي مرات قليلة عرّف بعضهم جماعته بـ'مجلس شورى الدولة الإسلامية'، وتزعم الجماعة شخص سوري مكنّى بـ'أبو محمد الشامي'"، الذي سنمر على ذكره لاحقاً.
وأضاف المصدر ذاته، أنه يرجح أن يكون "أبو محمد الجولاني" ضمن تلك المجموعة المبتعثة، إلا أنه لم يتصدر مجموعته لوجود أبو محمد الشامي الذي أُمّر بشكل شرعي على المجموعة من قبل البغدادي، ما أتاح للجولاني فرصة التواصل مع أتباعه ممن يوالون القاعدة بشكل مطلق، وتشكيل ما بات يعرف بـ"جبهة النصرة" لاحقاً، بما يعني أن أبو بكر البغدادي الفاعل الأساس في تأسيس "النصرة"، عدوّه المستقبلي، بانتدابه الوفد الأول للجهاديين إلى سوريا.
نشاط "مجلس الشورى" أثمر في أشهر قليلة عن استقطاب مقاتلين جهاديين، شكلوا مجموعات عدة تابعة له بشكل سرّي دون إعلان أو تسمية، ومن أبرزها مجموعة "أبو البنات" التي اتخذت في منطقة "أطمة" مقراً لها، وتزعمها الداغستاني المعروف بـ"أبو البنات المهاجر" وضمت مهاجرين متطرفين من الشيشان وداغستان، ومجموعة أبو عمر الكويتي زعيم تنظيم "جند الخلافة"، بالإضافة إلى ظهور "جبهة النصرة" التي أسهم مجلس شورى المجاهدين بشكل فعلي في وجودها.
"إعلامي سرمدا" كما يُطلق على نفسه، وهو إعلامي مع كتيبة مشاركة في معارك تحرير باب الهوى، وسرمدا هي المنطقة التي انطلق من محيطها مجلس شورى المجاهدين، يقول: "بدأت مجموعة أبي محمد الشامي بأنشطة دعوية بادئ الأمر، لتشكل مجموعةً مسلحةً مع نهاية 2011 قوامها قرابة 50 مقاتلاً، من ضمنهم مقاتلون ليسوا سوريين، اتخذت من جبل بابسقا(ريف إدلب) مقراً لها، وعرف أهالي المنطقة أن الشامي زعيم الجماعة التي سرب بعض أعضائها اسم جماعتهم 'مجلس شورى دولة الإسلام'، هو فراس العبسي طبيب أسنان من قرية تل الكرامة، أو كما يقال لها محلياً، تل عقبرين، الواقعة في ناحية دانة الحلقة، وهو من مواليد المملكة العربية السعودية 1973، أنهى الثانوية العامة في جدة، ودرس طب الاسنان في جامعة حلب".
بدأت مجموعة أبي محمد الشامي بأنشطة دعوية، ثم شكلت مجموعةً مسلحةً مع نهاية 2011، ليتبيّن أن الشامي هو زعيم 'مجلس شورى دولة الإسلام'، واسمه فراس العبسي طبيب أسنان من قرية تل الكرامة
ويضيف أن العبسي كان يملك تأثيراً كبيراً على الشباب الثائر، وتميّز بهدوء وفصاحة وقوة في الإقناع والتأثير، إلا أنه لم يخفِ عنفه في المواقف التي لا تناسب فكر تنظيمه "المتطرف".
ويذكر المصدر ذاته قصة لقاء عدد من أفراد مجموعة "أحرار سرمدا" التابعة للجيش السوري الحرّ، مع فراس العبسي "أبو محمد الشامي"، لطلب مشاركة مجموعته في معركة تحرير باب الهوى القديم في 19 أيار/ مايو 2012، فما كان رده سوى جملة واحدة: "لن نقاتل معكم تحت راية عمياء"، والراية العمياء التي قصدها هي علم الثورة السورية.
كيف بدأت العلاقة
يؤكد أبو محمد هنانو، من تل الكرامة، أن فراس العبسي من القرية، ويضيف أنه سافر إلى أفغانستان، وقاتل فيها مع بن لادن، وسُجن في السعودية لمدة عام عند عودته، ما اضطره إلى الاستقرار في السودان لمدة سبعة أعوام، قبل أن يعود إلى سوريا بطلب من البغدادي، ويتزعم مجموعة تأسيس أرضية لتنظيم الدولة في سوريا.
الصدام الأول وباكورة الخلافات
لم يشارك مقاتلو مجلس شورى الدولة الإسلامية في معركة باب الهوى القديم، لرفضهم مشاركة من يرفع علم الثورة السورية، الذي وصفه العبسي بالراية العمياء، إلا أنهم شاركوا في السيطرة على مقر معبر باب الهوى، وهو ما يُعرف محلياً بـ"باب الهوى الجديد"، في 19 تموز/ يوليو 2012.
وفي هذا الصدد، قال أحد الضباط المنشقين المشاركين في معركتي باب الهوى (طلب عدم الإفصاح عن اسمه)، إن "باب الهوى فعلياً حُرّر في المعركة الأولى التي رفض مجلس الشورى المشاركة فيها، لأن ثقل النظام العسكري كان في ساحة المعبر القديم، أما المعركة اللاحقة فلا تتعدى أهميتها جانبها الرمزي والإعلامي الذي يشير إلى خسارة نظام الأسد السيطرة الرسمية على منفذ حدودي، وهي المعركة التي استغلّها مقاتلو المجلس وشاركوا فيها، بل نُسب الفضل إليهم لاحقاً في تحرير باب الهوى".
هذا الأمر أكده أحمد علي، القيادي في "كتيبة جند الله" التابعة للجيش الحر، والمشاركة في المواجهتين، قائلاً إن "المعركة الثانية في باب الهوى الجديد، لا تتعدى انسحاب ثلاث دبابات لقوات النظام من ساحة المعبر الجديد، وإخلاء المنطقة لسيطرة الجيش الحر الذي تفاجأ بتقدّم مقاتلي مجلس شورى المجاهدين، الذين تبنّوا عملية التحرير".
سيطرة المعارضة على معبر باب الهوى في 19 تموز/ يوليو 2012، ترافقت مع رفع راية تنظيم القاعدة (العلم الأسود)، أو راية "العقاب" كما تسميها الأدبيات الجهادية، للمرة الأولى في سوريا على يد مقاتلي مجلس شورى الدولة الإسلامية بزعامة العبسي "أبو محمد الشامي"، الذي اتخذ من المعبر مقراً لمجموعة تابعة له، ما أثار الخلاف مع كتائب الجيش الحرّ الأخرى، ومن أبرزها "كتائب الفاروق"، الأمر الذي تطوّر لاحقاً إلى مقتل العبسي بتاريخ 3 أيلول/ سبتمبر من العام نفسه، على يد مقاتلين من "الفاروق"، نجحوا في استدراجه خلال تنقله داخل المعبر إلى منطقة محيطة، ومن ثم قتله، ليُدفن في قريته تل الكرامة تزامناً مع رفع جماعته رايةً حمراء كتعبير رمزي عن امتناعهم عن تقبل واجب العزاء حتى الثأر من قاتليه.
المجلس ما بعد "الشامي"
في الثامن من كانون الثاني/ يناير من عام 2013، أقدم مجهولون على اغتيال مؤسس "كتائب فاروق الشمال" التابعة لكتائب الفاروق المؤسسة في حمص، ثائر وقاص، ردّاً على مقتل "أبو محمد الشامي".
يقول مصدر مطلع من قيادات "فاروق الشمال"، إن وقاص وضابط منشق آخر من مؤسسي كتائب الفاروق من أبرز المتهمين بمقتل "الشامي"، مؤكداً على أن شخصين فقط هما من نفذا عملية اغتيال الشامي، وليس 15 كما تناقلت وكالات إعلامية عدة حينها، وعن اغتيال وقاص يضيف المصدر، أن "ملثمين من جبهة النصرة فتحوا نيران رشاشاتهم على وقاص بالقرب من محطة وقود عند مدخل سرمدا، ولاذوا بالفرار".
الجدير بالذكر، أن جبهة النصرة أصدرت خلال الساعات الأولى من اغتيال "وقاص" بياناً نفت من خلاله علاقتها بالعملية، ونكرت أي علاقة تربطها بالمجلس، وعرضت دور الوساطة بين "كتائب الفاروق" و"مجلس شورى المجاهدين" وتشكيل لجنة شرعية، وهو ما تم رفضه من قيادة الفاروق التي أكدت على لسان مؤسسيها تورط "النصرة" في اغتيال ثائر وقاص، كما توالت بعد ذلك عمليات اغتيال عدد من قيادات الجيش الحر في إدلب كرد على مقتل "العبسي"، تزامناً مع بدء الخلاف الذي أنهى وحدة "جبهة النصرة"، والدولة "الإسلامية" بعد أن جمعهما في وقتٍ ما "مجلس شورى المجاهدين" الذي تزعمه عقب مقتل الشامي شقيقه عمرو، الذي ذاع صيته لاحقاً كأحد أهم رجالات "داعش" بلقب "أبو الأثير الحلبي".
العبسي شقيق عمرو لا شاكر
تناولت مصادر إعلامية عدة اسم العبسي المعروف بـ"أبو محمد الشامي"، على أنه شقيق الفلسطيني الأصل شاكر العبسي، زعيم تنظيم "فتح الإسلام"، والذي بلغت شهرته أوجها في صيف 2007، في منطقة نهر البارد في شمال لبنان، إلا أنه من المؤكد بحسب مصادر محلية من تل الكرامة أن لا علاقة قربى تربط بين الشخصين المتطرفين، وتؤكد أن فراس من مواليد جدّة، من أصل سوري، والداه هما محمد واعتماد ترمانيني. بينما شاكر من مواليد فلسطين-أريحا 1955، ووالداه هما يوسف وفاطمة، بحسب ما ورد في تقارير استخباراتية عن نظام الأسد.
نفي صلة قرابة فراس بشاكر، لا تعفي الأول من كونه الأخ الشقيق لأحد أهم شخصيات "داعش" في سوريا، بل ومحفز البغدادي للتوسع في أراضيها، وصاحب مقترح "الخلافة" الذي نفّذه البغدادي لاحقاً، إلى درجة أن أطرافاً جهاديةً وصفته بـ"بغدادي سوريا"، وهو أبو الأثير الحلبي، عمرو العبسي، خليفة فراس في زعامة "مجلس شورى المجاهدين/ الدولة الإسلامية"، ووالي الرقة وحمص في عهد تنظيم الدولة في سوريا، ومهندس نظام الغنائم الذي اتّبعته داعش في توزيع مكاسبها من المعارك على المنتسبين إليها.
أبو الأثير الحلبي من مواليد جدّة 1985، وليس من مواليد 1979، كما تشيع مصادر إعلامية. اعتُقل عام 2007 في سجن صيدنايا الشهير في مرحلة دراسته في قسم الهندسة المعلوماتية في جامعة الاتحاد الخاصة في حلب، وأُطلق سراحه في عفو حزيران/ يونيو 2011، ليؤسس في ريف حلب بأمرٍ من شقيقه فراس "كتيبة أسود السنّة" التابعة لجبهة النصرة بالقرب من قلعة سمعان، وتتلقى كتيبته تدريباتها ودوراتها الشرعية في معسكر "الشيخ سليمان". إلا أن مقتل فراس دفع بزعامة مجلس الشورى بشكل أوتوماتيكي إلى عمرو، الذي استغل زعامة المجلس لتمهيد الطريق أمام "أبو بكر البغدادي" في مشروعه اللاحق.
من أبرز إسهامات عمرو العبسي في ترسيخ وجود "داعش" في سوريا، إقناع "أبو عمر الشيشاني"، زعيم "كتيبة الجهاد" التي ضمت أكثر من 1،500 مقاتل من "المهاجرين"، بمبايعة البغدادي، كذلك دوره في الانشقاقات عن "النصرة"
يقول أبو البراء الحلبي، وهو مقاتل وقيادي سابق مع "لواء التوحيد" العامل في حلب، إن أكثر من لقاء جمعه بأبي الأثير، عمرو العبسي، حتى أنه التقى به أكثر من مرة نهاية 2012، في قرية كفر حمرة في ريف حلب.
ويضيف أبو البراء، أن أبا الأثير غالباً من كان يذكر شقيقه فراس، ويلقّبه بـ"الشيخ الشامي"، ويعرض في مجالسه قصصاً عن بطولاته، لا سيما أنه أول من أدخل مصطلح "الجهاد" إلى سوريا بعد 2011، وأول من رفع راية "التوحيد" فيها. ويختم عمرو في كل مرة حديثه عن شقيقه فراس بالتهديد والوعيد من قاتليه، أي "الجيش الحر"، ويتهم بعد هذا السرد، جبهة النصرة بالخيانة، والتراخي في طلب الثأر له.
يتابع: "ذكر أبو الأثير في أحد اللقاءات مع قائد لواء التوحيد، عبد القادر الصالح، أنه أخٌ غير شقيق لشاكر العبسي زعيم فتح الإسلام، سارداً قصصاً عن بطولاته، إلا أنه فضّل شقيقه فراس على شاكر من جانب الفاعلية الجهادية والدور القيادي"، ويقول أبو البراء، إن "عبد القادر الصالح بعد خروجه من اللقاء علّق على صلة القرابة بين عمرو وشاكر بجملة ’خرفان أبو الأثير’، لا صلة قرابة بينهما ويحاول استغلال كل شيء لخدمة مشروعه".
يُعدّ أبو الأثير، أول من اتهم "جبهة النصرة"، وزعيمها الجولاني بالخيانة، ليحظى في تلك الفترة بثقة "البغدادي" الذي استجاب بدوره لدعواته والتقاه في سوريا، وأقنعه بضرورة تأسيس منظومة "جهادية شمولية" قادرة على مواجهة تعاظم الفصائل الإسلامية والجهادية الأخرى من خلال إعلان الخلافة، ومبايعته "أميراً للمؤمنين".
ومن أبرز إسهامات عمرو العبسي أيضاً في ترسيخ وجود "داعش" في سوريا، إقناع "أبو عمر الشيشاني"، طرخان باتيرشفيلي، زعيم "كتيبة الجهاد" التي ضمت أكثر من 1،500 مقاتل من "المهاجرين"، بمبايعة البغدادي، كما أن أبا الأثير مارس دوراً فاعلاً خلال زعامته لمجلس الشورى في انشقاق أعداد كبيرة من المجموعات الجهادية، وبشكل خاص "جبهة النصرة" وانضمامهم إلى تنظيم "داعش"، وهذا ما أسهم في تراجع فعالية هذه الفصائل، مقابل تمكين تنظيم "داعش" وترسيخه وزيادة فعاليته.
إسهامات عمرو العبسي، الزعيم السابق "لمجلس شورى المجاهدين/ الدولة الإسلامية"، لا يمكن إنكار أهميتها في ترسيخ وجود "داعش" في سوريا، كنتيجة لخلافات داخل المجلس ذاته بين جبهة النصرة، فرع تنظيم "القاعدة في بلاد الشام"، وتنظيم "الدولة الإسلامية" التي تزعمها البغدادي، وليكون المجلس من خلال هذا الدور نواة التنظيمات "المتطرفة" في سوريا، بما في ذلك "داعش" و"جبهة النصرة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.