شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
أول عقار لعلاج اكتئاب ما بعد الولادة...

أول عقار لعلاج اكتئاب ما بعد الولادة... "حسرة" للأمهات القديمات و"فرحة" للقادمات؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الخميس 24 أغسطس 202311:00 ص

وافقت إدارة الغذاء والدواء FDA، مؤخراً، على دواء لعلاج اكتئاب ما بعد الولادة، وهو أول علاج عن طريق الفم لاضطراب الاكتئاب الذي يصيب ما يقدَّر بنحو واحدة من كل سبع نساء بعد الولادة.

أثار هذا الخبر ردود أفعال متناقضة، فقد جلب الأمل للكثير من النساء اللواتي يعانين بصمت من هذا الاضطراب منذ بدء الخليقة، وفي الوقت نفسه أصاب غيرهنّ بالحسرة على أيام طويلة من أعمارهنّ ضاعت في اكتئاب كان يمكن علاجه بحبة صغيرة.

علاج اكتئاب ما بعد الولادة في ثلاثة أيام؟

وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على عقار zuranolone، المصنوع على شكل أقراص باسم "Zurzuvae" من قبل Sage Therapeutics و Biogen، وهو "علاج سريع" للنساء اللواتي يعانين من أعراض اكتئاب ما بعد الولادة، والتي تشمل ضعف الإدراك، مشاعر الحزن، فقدان الطاقة أو حتى الأفكار الانتحارية.

وافقت إدارة الغذاء والدواء FDA، مؤخراً، على دواء لعلاج اكتئاب ما بعد الولادة، وهو أول علاج عن طريق الفم لاضطراب الاكتئاب الذي يصيب ما يقدَّر بنحو واحدة من كل سبع نساء بعد الولادة

في الواقع، إن اكتئاب ما بعد الولادة، الذي يشار إليه غالباً باسم "الكآبة النفاسية/ Baby Blue"، تعاني منه بعض النساء بعد الولادة، وغالباً ما تبدأ الأعراض في غضون أول يومين إلى ثلاثة أيام بعد الولادة وأحياناً في أثناء الحمل وقد تستمر الأعراض لسنوات عدة.

واللافت أن ما يصل إلى نصف الأمهات المصابات باكتئاب ما بعد الولادة لا يكشفن عن أعراضهنّ، وتشير التقديرات إلى أن 20% من أسباب وفاة الأمهات بعد الولادة تُعزى إلى الانتحار، وفقاً لمركز سياسات صحة الأم العقلية.

يعمل Zuranolone باعتباره الستيرويد النشط عصبياً الذي يرتبط بمستقبلات GABA في الدماغ، والذي يعيد ضبط النواقل العصبية غير المتوازنة لدى الأشخاص الذين يعانون من بعض الاضطرابات، بما في ذلك الاكتئاب والفصام واضطرابات المزاج الأخرى.

تم اختبار Zurzuvae في اختبارين عشوائيين مزدوجي التعمية (اختبارات لا يعرف المشارك فيها أو الأطباء من يتلقى الدواء الوهمي ومن يتلقى الحقيقي)، وتبيّن أن المريضات اللواتي تلقين 50 مليغراماً من Zurzuvae "أظهرن تحسناً ملحوظاً" في أعراضهنّ بعد 15 يوماً مقارنةً بالمجموعة التي تلقت الدواء الوهمي، والنتيجة ظهرت بعد أول ثلاثة أيام، ومن المتوقع توافر هذه الحبوب تجارياً خلال ثلاثة أشهر.

في حديثها إلى رصيف22، شرحت طبيبة النساء والولادة، ياسمين أبو العزم، ما يقدّمه الدواء للأمهات الجدد قائلةً: "يحتوي الدواء على نيوروستيرويد Neurosteroid وهي المادة التي تعمل على مستقبلات الغابا، والتي تم الربط مؤخراً بينها وبين اكتئاب ما بعد الولادة، وكذلك متلازمة ما قبل الحيض، وتسبب التغيّرات المزاجية في هذه الحالات، فنقص مستويات الغابا يؤدي إلى كل هذه الأعراض سواء النفسية أو الجسدية، وتالياً يختلف هذا الدواء عن الأدوية الأخرى التي تعمل على مستوى السيرتونين".

وأكدت الدكتورة ياسمين أن هذا الدواء لا يصلح خلال التخطيط لحمل جديد، ويجب استخدام وسيلة لمنع الحمل طوال مدة تناوله، وحتى بعد إيقافه بأسبوعين.

ردود أفعال متباينة

حاول موقع رصيف22، البحث عن ردود الأفعال بين النساء حول هذا الدواء الجديد، الذي سيغيّر في حياة ملايين منهنّ حول العالم، وجاءت ردود الأفعال متباينةً، إذ تأرجحت بين فرحة كبيرة، وبين غضب وحسرة على تأخر العلاج كل هذا الوقت.

بوضع سؤال على إحدى الغروبات النسائية حول تأثير الخبر عليهنّ، كتبت بعض السيدات العديد من التعليقات التي توضح عمق ألمهنّ من اكتئاب ما بعد الولادة، إحداهنّ وصفت التجربة كالتالي: "جعلت كل شيء أسود في عيني، وأفسدت تجربة الأمومة عليّ، وكرّهتني بفكرة تكرارها مرةً أخرى"، وأخرى قالت باختصار: "كانت أسوأ أيام حياتي"، بينما أعربت سيدة ثالثة عن أسفها على خمس سنوات ضاعت من عمرها.

عانت إيمان عبد السلام، في نهاية العشرينات من عمرها، من اكتئاب ما بعد الولادة، فتحدثت بالتفصيل عن تجربتها إلى رصيف22: "أُصبت باكتئاب ما بعد الولادة إلى درجة أن بعض الأشخاص أخبروني بأني لا أحب ابني. لا شك أنني كنت أحبه ولكن راودتني بعض المشاعر السلبية نحوه، كشخص قلب حياتي، فلم أعد قادرةً على الراحة أو العمل، ولكن بعد ستة أشهر من الولادة قمت ببدء مشروع خاص بي، الأمر الذي ساهم في خروجي من حالة الاكتئاب، عندها استعدت بعضاً من السيطرة على حياتي".

وتابعت: "في ذلك الوقت، لم أعرف ما هو اكتئاب ما بعد الولادة، وذلك حتى مرور عامين على إنجابي، عندما قرأت عن الموضوع، وذهبت مع زوجي إلى معالج نفسي، وبكيت وقتها لأنها المرة الأولى التي يعترف فيها شخص غيري بمشاعري السلبية هذه".

"أُصبت باكتئاب ما بعد الولادة إلى درجة أن بعض الأشخاص أخبروني بأني لا أحب ابني. لا شك أنني كنت أحبه ولكن راودتني بعض المشاعر السلبية نحوه"

وبسؤالها عن رأيها حول الدواء الجديد، أجابت: "أشعر بمشاعر متناقضة؛ أنا حزينة لأني لم أحصل على فرصة تجربة هذا الدواء عندما كنت في حاجة إليه، وفرحة لأن نساء غيري لن يمررن بما مررت به، ولكن هذا العلاج لن يجعلني أعيد الإنجاب مرةً أخرى، فقد أُصبت بصدمة من تجربة الولادة والحمل والرضاعة واكتئاب ما بعد الولادة، وأجد أنه مع طفل واحد لدي حرية أكبر في الحركة، وأستطيع إيجاد بعض الوقت لنفسي".

وختمت: "بالطبع بعد تخلّصي من الاكتئاب، انتهت المشاعر السلبية تجاه ابني وتبدلت تماماً وأصبح أهم شخص في حياتي، فالأمومة تتغير وتتبدل مع الوقت وتصبح أقوى".

بدورها، رغبت نور يوسف، في نهاية الأربعينات من عمرها، في مشاركة قصتها: "بعد ثماني سنوات دون إنجاب، وبلا أسباب طبية، أنجبت توأمين بحقن مجهري، وكانت طفولة أحدهما صعبةً للغاية، بصريخ متواصل، وزوجي كان يعمل خارج مصر، وتالياً لم أحصل على أي دعم منه أو من عائلتي، ونتج عن ذلك إرهاق كبير وتعب جسدي، فذهبت للكشف الطبي، ووجدت نفسي حاملاً بشكل غير مخطط له، ولم أستطع أخذ قرار الإجهاض لاعتبارات دينية، واكتشفت بعد أسابيع أنني حامل بتوأمين أيضاً، وبدأت برحلة حياتي مع أربعة أطفال، وحيدةً تماماً مع جرح القيصرية، وأصابني اكتئاب ما بعد الولادة كقطار داهم كل تفاصيل حياتي، بطفلين لم يكملا العامين، واثنين ما زالا رضيعين".

أكملت نور قصتها الحزينة: "كنت أفقد الوعي في الكثير من الأحيان لعدم تناول الطعام لساعات طويلة أو لقلة النوم، فعشت سبعة أشهر من الدمار والبكاء المستمر والإرهاق النفسي والجسدي".

وبسؤالها عن رأيها في العلاج الجديد لاكتئاب ما بعد الولادة، تقول: "يؤلمني بشدة هذا التأخير، ليس فقط لأني لم أحصل على العون اللازم من الدواء في الوقت المناسب، ولكن هل هذا التأخير فقط لأسباب علمية أم لأن هذه المعاناة خاصة بالسيدات فقط ولا يوجد تركيز على مشكلات النساء؟".

وختمت كلامها: "أتمنى ألا تعاني امرأة من هذا الاكتئاب بعد الآن".

الاحتفاء بالأمل

إن اكتشاف أول عقار لعلاج اكتئاب ما بعد الولادة لا يؤثر فقط على الأمهات أو المتزوجات، ولكن كذلك يطال غير المتزوجات أو اللواتي قررن عدم الإنجاب لأسباب معيّنة.

في هذا السياق، قالت فاطم توفيق (طالبة جامعية) لرصيف22: "أخاف على صحتي النفسية لدرجة دفعتني لاختيار تخصص علم النفس الإكلينيكي كمجال دراستي، أخشى فقدان القدرة على التحكم في حياتي، أو أصبح مغيبةً، أو حبيسة وضع معيّن بسبب حالتي النفسية أو الذهنية. لا أشرب السجائر للسبب نفسه حتى لا أعتمد عليها، أو الكحول خوفاً من ذهان ما بعد التعاطي. عندما كنت أفكر في الإنجاب كخيار مستقبلي، خفت بشدة من اضطراب الهرمونات واكتئاب الحمل وما بعد الولادة وتأثيره على حياتي، فلذلك إن خبر العقار الجديد يسعد للغاية ويفتح أمامي باب الأمل في إمكانية إنجابي في المستقبل، والهرب من شبح اكتئاب ما بعد الولادة".

بدورها، تحدثت شيماء العيسوي، عن رأيها في هذا العلاج الجديد: "منذ أن تم تشخيصي بالاكتئاب في العام 2016، وأنا في هلع من الأدوية النفسية خوفاً من أعراضها الجانبية، وعملت على ضمان استقرار حالتي النفسية بمنأى عنها، وهذا ما أوصلني إلى نقطة اللا إنجاب، لأن هرمونات الحمل والولادة وما يتبعها من اكتئاب ستضرب استقراري النفسي".

"أشعر بمشاعر متناقضة؛ أنا حزينة لأني لم أحصل على فرصة تجربة هذا الدواء عندما كنت في حاجة إليه، وفرحة لأن نساء غيري لن يمررن بما مررت به، ولكن هذا العلاج لن يجعلني أعيد الإنجاب مرةً أخرى، فقد أُصبت بصدمة من تجربة الولادة والحمل والرضاعة واكتئاب ما بعد الولادة"

وتابعت: "عندما عرفت مؤخراً عن الدواء المضاد لاكتئاب ما بعد الولادة، أصابني الارتباك تجاه قراري السابق بعدم الإنجاب، ولكن مع عدم ثقتي بالشركات المنتجة لهذا الدواء ومدى صحة التجارب الإكلينيكية عليه، أنا خائفة من أن أصاب بخيبة أمل لو أخذت قرار الإنجاب بناءً على هذا الدواء الجديد ثم اكتشفت أنه لا يقدّم النتيجة المتوقعة، لذلك هي خطوة جيدة بالتأكيد ولكن أتمنى أن تتم تجربتها بما فيه الكفاية قبل طرحها في الأسواق، حتى لا تجلب أملاً ثم تجهضه فتصبح مؤذيةً أكثر من كونها مفيدةً".

في كتابها حليب أسود، تحدثت الكاتبة التركية إليف شافاق، عن معاناتها مع اكتئاب ما بعد الولادة، بالقول: "داهمني خوف خانق بأن أمراً نهائياً لا يمكن الرجوع عنه أو إبطاله قد ألمّ بي، وأفسدني، ولم يعد بإمكاني العودة كما كنت". واللافت أن هذا الشعور باليأس هو ما ينخر في كل لحظة قلب أمّ في مكان ما، ولعلّ الأصعب من الألم هو عدم الإيمان بأنه يمكن أن يمضي أو ينجلي. إنها ديمومة من السواد تحيط بالمرأة من كل جانب. هذا هو اكتئاب ما بعد الولادة الذي يحاول الدواء الجديد محاربته.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image