شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
مسار العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية... هل يجرؤ نتنياهو على الاستمرار بالابتزاز؟

مسار العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية... هل يجرؤ نتنياهو على الاستمرار بالابتزاز؟

سياسة نحن والتاريخ

الخميس 3 أغسطس 202303:58 م

منذ تشكيل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حكومته الحالية، وهي عرضة لانتقاد مستمرّ على المستوى الدولي، بسبب تطرفها الشديد، حتى أن الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، وصفها بأنها الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل. ظهر الصدام الحقيقي الأول بين حكومة نتنياهو وإدارة بايدن في آذار/ مارس الماضي، بعد إعلان وزير العدل الإسرائيلي، ياريف ليفين، عن خطته التي تقوّض المنظومة القضائية الإسرائيلية، والتي دفعت مئات الآلاف في دولة الاحتلال للتظاهر ضد نتنياهو.

حينها، أبدت إدارة بايدن اعتراضها، وأعلن الرئيس الأمريكي أنه لن يدعو نتنياهو لزيارة البيت الأبيض، وهو ما لم يحدث حتى الآن، حتى مع اقتراب نتنياهو من إتمام شهره الثامن كرئيس وزراء الحكومة السابعة والثلاثين في تاريخ إسرائيل.

لم توجّه الإدارة الأمريكية حتى الآن دعوةً رسميةً إلى نتنياهو لزيارة البيت الأبيض على جري العادة حينما يتولى شخص سدة الحكم في إسرائيل، ما أدى إلى توتر العلاقات بشكل ملحوظ، وتباينت الآراء حول هذه المسألة، وكثُرت الأقاويل حول احتمال مزيد من المشاحنات بين الدولتين الحليفتين، فهل يحدث صدام بين واشنطن وتل أبيب، خاصةً بعد زيارة الرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوغ للبيت الأبيض في تموز/ يوليو الماضي، وهو ما زاد المشهد تعقيداً، إذ ليس من العادة أن يزور الرئيس الإسرائيلي البيت الأبيض قبل رئيس الوزراء؟

بداية الأزمة

بعد أزمة الإصلاحات القضائية، بادر بايدن إلى التعقيب بأنه قلق على مستقبل إسرائيل، وأعلنها صراحةً بأنه لا ينوي استضافة نتنياهو في المستقبل القريب، ورد نتنياهو حينها بأن التحالف بين واشنطن وتل أبيب قوي، وأن بلاده ملتزمة بتعزيز الديمقراطية، وأنها لا تخضع للضغوط الخارجية، في إشارة إلى رفض تدخل بايدن الذي وصف حكومة نتنياهو بأنها الأكثر تطرفاً منذ عهد غولدا مائير، وألقى باللوم عليها في ما آلت إليه الأوضاع في الضفة الغربية، واستنكر عدم الاعتراف بحقوق الفلسطينيين من قِبل بعض الوزراء المتطرفين داخل حكومة نتنياهو، بحسب ما نشر موقع "جلوبس" الإسرائيلي في العاشر من تموز/ يوليو الماضي.

وعلى الرغم من محاولة ترميم العلاقات من قبل بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية الموالية للحكومة، لكن الأزمة موجودة بالفعل، وهو ما عبّر عنه زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، الذي اتّهم حكومة نتنياهو بأنها أفسدت العلاقات مع الحليف الأمريكي بسبب تطرفها، وشاركه في الرأي، وزير العدل السابق، جدعون ساعر، في آذار/ مارس الماضي، بقوله: "كلمات الرئيس الأمريكي هي شهادة مؤلمة أخرى على أنه في أكثر الأوقات حرجاً، توجد حكومة هنا تضرّ بالمصالح الوطنية لإسرائيل. لم تتسبب أي حكومة في إلحاق أضرار جسيمة بالدولة مثل حكومة نتنياهو".

اعتراض الرئيس الأمريكي على تطرف الحكومة الإسرائيلية في الضفة، والسلوك الهجومي على المواطنين الفلسطينيين، لم يلقَ إعجاب أكثر وزراء إسرائيل تطرفاً، وهو إيتمار بن غفير، الذي ناطح بايدن ورد عليه إثر عدم دعوة نتنياهو لزيارة البيت الأبيض ووصفه الحكومة بالمتطرفة، حيث قال: "يحتاج الرئيس بايدن إلى إدراك أننا لم نعد نجمةً على العلم الأمريكي، وما هو التطرف في حالتي؟ أنني أوزّع سلاحاً على المواطنين للدفاع عن أنفسهم؟ أدعو بايدن لجولة في القدس ليرى تطرّفنا الحقيقي في حب إسرائيل".

يحتاج الرئيس بايدن إلى إدراك أننا لم نعد نجمةً على العلم الأمريكي، وما هو التطرف في حالتي؟ أنني أوزّع سلاحاً على المواطنين للدفاع عن أنفسهم؟ أدعو بايدن لجولة في القدس ليرى تطرّفنا الحقيقي في حب إسرائيل

فهل يزداد التوتر بين حكومة نتنياهو والإدارة الأمريكية؟ وهل تجرؤ إسرائيل على اللجوء إلى حليف آخر، مثل الصين؟ أم أنها زوبعة في فنجان ستذهب من حيث أتت؟

سحابة صيف عابرة؟

كثيراً ما حدث صدام بين حكومات أمريكية سابقة مع نظيراتها الإسرائيلية، لكن سرعان ما كانت تعود العلاقات إلى سابق عهدها، وهنا يرى السفير الفلسطيني الأسبق لدى مصر، بركات الفرا، في تصريحات خاصة لرصيف22، أن "واشنطن لن تفسد علاقتها بتل أبيب، أو العكس، حيث المصالح المتبادلة بينهما، خاصةً الدور الإسرائيلي في الانتخابات الأمريكية عن طريق اللوبي الصهيوني، بالإضافة إلى رأس المال والإعلام الذي يسيطر عليه اللوبي اليهودي الأمريكي، لذلك ما حدث مجرد سحابة صيف عابرة وسرعان ما سترجع الأمور إلى سيرتها الأولى، وهذا كله باستثناء لو أن العرب والمسلمين غذّوا عامل الفرقة بين الدولتين وتم التركيز على عامل الديموقراطية والعنصرية الصهيونية".

ويضيف الفرا أن "إسرائيل لن تلجأ إلى الصين لأنها تعي تماماً العلاقات الصينية مع العالم العربي، ولن تكون حليفاً إستراتيجياً لإسرائيل. وفي ما يخص عدم تلقّي نتنياهو دعوةً لزيارة أمريكا فهذا يرجع أساساً إلى تطرف الحكومة الإسرائيلية بوجود سيموتريتش وبن غفير في الحكومة، وكلاهما إرهابيان يعرفهما العالم جيداً، بالإضافة إلى أن ذلك مجرد إشعار لنتنياهو بأن الإدارة الأمريكية تشعر بالضيق من الحكومة الإسرائيلية".

إنقاذ إسرائيل من حماقتها

يرى عضو الكنيست السابق ورئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي، النائب د. جمال زحالقة، في تصريحات خاصة لرصيف22، أن "الأزمة في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تبقى على السطح السياسي ولا تمس عمقها الإستراتيجي. بايدن غاضب من نتنياهو بسبب تركيبة حكومته المتطرفة جداً، وبسبب انفلات المستوطنين، وبالأخص بسبب خطة 'الانقلاب' على جهاز القضاء. بايدن يريد إنقاذ إسرائيل من حماقات قيادتها الحالية، وهو بالتأكيد ليس ضد إسرائيل، بل هو ضد حكومتها ويتبنّى عملياً مواقف المعارضة المكونة من أحزاب الوسط".

ويضيف: "يرفض بايدن دعوة نتنياهو لزيارة واشنطن ويشترط تغييراً في سياسات الحكومة الإسرائيلية قبل الدعوة، وهو يستعمل الزيارة كأداة ضغط على نتنياهو، ويعرف أيضاً أن نتنياهو هو حليف الجمهوريين، الذين يسعون إلى إسقاطه من الحكم، لذا هو غير متحمّس لمنحه إنجازات".

وبرأي زحالقة، "هناك أيضاً عامل آخر يؤثر على سياسات بايدن، هو ارتفاع قوة التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي، وكذلك هناك تراجع كبير في شعبية إسرائيل لدى جمهور الديمقراطيين. وحتى في أوساط يهود أمريكا، فغالبيتهم الساحقة تعارض نتنياهو وسياساته. وعليه فإن بايدن لا يدفع ثمن مقارعته لنتنياهو، بل قد يكسب بعض النقاط جرّاء ذلك".

ويرى البروفيسور، إيتان جلبواع، في مقالته التحليلية بعنوان: "نتنياهو لا يقدّر الضغط الأمريكي بشكل صحيح"، المنشورة في صحيفة "يسرائيل هيوم"، أن "واشنطن ترى ضرورة إنقاذ إسرائيل من نفسها، حتى مع الحديث عن التدخل الأمريكي في الشأن الداخلي الإسرائيلي، وهو أمر غير مألوف لكنه غير جديد"، ويشير إلى أن "يهود أمريكا هم من يضغطون على إدارة بايدن من أجل اتخاذ مواقف ضد سياسة حكومة نتنياهو، الذي يجب تغيير سياساته وإلا فسوف تشتد الأزمة". 

إسرائيل نعم... نتنياهو لا

أثارت مقالة الصحافي الأمريكي الشهير، توماس فريدمان، المنشورة في نيويورك تايمز، ضجةً كبيرةً في دولة الاحتلال، إذ يرى فيها أنه "لا بد من إعادة تقييم العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بسبب حكومة نتنياهو المتطرفة، حيث تمارس سلوكيات تضعف المصالح المشتركة بين تل أبيب وواشنطن، وهو ما دفع بايدن لوصف حكومة نتنياهو بالأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، وهو الأمر نفسه الذي دفع السفير الأمريكي في إسرائيل للقول إن بلاده تحاول منع إسرائيل من الانزلاق عن المسار".

نتنياهو يريد مواصلة ابتزازه للإدارة الأمريكية وصولاً إلى الانتخابات والغدر بها كما غدر بسابقاتها من الإدارات المختلفة

ويرى فريدمان أن "العلاقات مع إسرائيل متأزمة، وهناك شعور بالصدمة من تصرفات حكومة نتنياهو، وثمة حرب أهلية محتملة في إسرائيل، وكل هذا من أجل بقاء نتنياهو في الحكم"، لافتاً إلى أن مشكلة بايدن هي مع حكومة نتنياهو وليست مع الشعب الإسرائيلي".

وفي سياق متصل برأي فريدمان، يقول القيادي في حركة فتح، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، الدكتور جهاد الحرازين، في حديثه إلى رصيف22، إن "علاقة واشنطن وتل أبيب إستراتيجية وعميقة بصرف النظر عن تلك الزوبعة، لأن دولة الاحتلال جزء من المنظومة الأمريكية التي ترى العالم بعيون وأفكار أمريكية بحتة، ولذلك نجد أن من يوفر الغطاء القانوني والسياسي لإسرائيل في المحافل الدولية كافة هي الولايات المتحدة، على اختلاف الحزبين الحاكمين، سواء الجمهوري أو الديمقراطي، وحصلت على دعم بعشرات المليارات من الدولارات للحفاظ على تفوقها العسكري والأمني، فأمن الاحتلال هدف أمريكي".

ويضيف الحرازين أن "عدم زيارة نتنياهو للبيت الأبيض بسبب العلاقة الشخصية المتوترة بين بايدن ونتنياهو الذي غدر إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما وهاجمها، حين كان بايدن نائباً لأوباما. فنتنياهو مخادع، لا يلتزم بما يتم الاتفاق عليه ودائماً يجعل صورة أمريكا معرضةً للنقد خاصةً في سياق الجرائم التي ترتكبها إسرائيل من استيطان واقتحامات وعمليات قتل وإعدامات وانتهاك وتدنيس للمقدسات".

ويلفت إلى أنه "برغم إدانات الإدارة الأمريكية لذلك، إلا أن نتنياهو مستمر في هذه الجرائم، ولذلك هناك مساومة تحدث بين نتنياهو وإدارة بايدن تتمثل في الدعوة للزيارة في مقابل الالتزام بالرؤية الأمريكية والدور الأمريكي في المنطقة، خاصةً أن الإدارة تحاول أن تحافظ على دورها في منطقة الشرق الأوسط بعد ظهور أقطاب أخرى، تعمل على لعب دور أكثر تأثيراً في المنطقة كالصين وروسيا، فيما نتنياهو يريد مواصلة ابتزازه للإدارة الأمريكية وصولاً إلى الانتخابات والغدر بها كما غدر بسابقاتها من الإدارات المختلفة".

تفاصيل مثيرة

يكشف المتحدث باسم تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح، ديمتري دلياني، في حديثه إلى رصيف22، أن "المكالمة الهاتفية التي جمعت نتنياهو وبايدن الشهر الماضي، انتهت إلى اتفاق على دعوة نتنياهو لزيارة البيت الأبيض قبل نهاية العام الجاري"، مشيراً إلى أن سياسة واشنطن تجاه تل أبيب من حيث الدعم المطلق لن تتغير، وأن المشاحنات بين بايدن ونتنياهو سببها دعم الأخير لترامب ضد بايدن في الانتخابات الأمريكية السابقة".

وبرأيه، فإن "العالم العربي والإسلامي لن يستطيع العمل على إضعاف تلك العلاقة أو الدعم الأمريكي لإسرائيل قيد أنملة"، مشيراً إلى أن "الصراع بين الإدارة الأمريكية وحكومة نتنياهو الحالية تُغذيه أيضاً القوة اليسارية الإسرائيلية المُعارضة للانقلاب اليميني على النظام القضائي، وهذا هو المحرك، وهناك مصلحة إسرائيلية داخلية في عدم حصول نتنياهو على الرضا الكامل في إطار الصراع السياسي الداخلي الإسرائيلي".

أزمة واشنطن ليست مع تل أبيب، لكنها مع شخص نتنياهو نفسه، حتى مع محاولة ممارسة الأخير ورقة التقارب الصيني الإسرائيلي كعامل ضغط

ويُكمل: "نحن نتحدث الآن عن عملية مشاحنة أو شحن ما بين بايدن ونتنياهو قائمة على عنصرين؛ العنصر الأول هو داخلي أمريكي لأن نتنياهو يشجع المرشحين الجمهوريين ويدعمهم ضد المرشحين الديموقراطيين، والعنصر الثاني سياسي داخلي إسرائيلي بسبب تحريض اليسار الإسرائيلي والوسط الإسرائيلي المعارض على سياسات اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي تمثّله الحكومة الحالية، خاصةً في ما يتعلق بالانقلاب على الجهاز القضائي في دولة الاحتلال الذي هو أصلاً جهاز منحاز ضد العدالة وضد الشعب الفلسطيني وضد قضيتنا، لكنه بهذا الانقلاب سيكون منحازاً أكثر وأكثر".

يرى أستاذ العلوم السياسية والإستراتيجية في جامعة القاهرة وخبير الشؤون الإسرائيلية، الدكتور طارق فهمي، أن هناك توتراً بين بايدن ونتنياهو برغم المكالمة الهاتفية بينهما، والتي وصفها بأنها شكلية، للاطمئنان على صحة نتنياهو، وليست لمناقشة موضوعات جوهرية، مثل القضية الإيرانية أو أزمة الإصلاح القضائي المزعوم في إسرائيل.

يقول لرصيف22: "أزمة واشنطن ليست مع تل أبيب، لكنها مع شخص نتنياهو نفسه، حتى مع محاولة ممارسة الأخير ورقة التقارب الصيني الإسرائيلي كعامل ضغط. لكن ستظل العلاقة بين إدارة بايدن ونتنياهو وسياساته، متوترةً ومتأزمةً وهي أزمة متأصلة منذ فترة أوباما".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image