شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
ما قيمة التوجيهي في فلسطين، وهل هو الطريقة الأسلم لتقييم الطالبة أو الطالب؟

ما قيمة التوجيهي في فلسطين، وهل هو الطريقة الأسلم لتقييم الطالبة أو الطالب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والتنوّع

الأربعاء 26 يوليو 202312:30 م

تنتظر آلاف العائلات، كل سنة، بكثير من الأمل والأعصاب المشدودة، نتائج بناتها وأبنائها في امتحانات الثانوية العامة "التوجيهي"، ففي فلسطين وحدها، وهي مساحة جغرافية صغيرة نسبياً، بعدد سكان لا يتجاوز خمسة ملايين نسمة في الضفة والقطاع، تقدّم ما يقرب من 100 ألف طالب وطالبة لهذه الامتحانات في السنة الحالية 2023. هذه النسبة العالية لطلاب الثانوية العامة من عدد السكان، تفسّر الاهتمام الكبير من المجتمع ككل، والترقّب، والتوتر، والدعاء، في كل بيت تقريباً بانتظار النتائج.

يأتي هذا الانتظار بعد شهر كامل من الامتحانات التي يخضع لها الطلاب، كلٌّ حسب الفرع الذي اختاره، أو تمّ فرضه عليه حسب نتائجه في السنوات السابقة، كالفرع العلمي، الأدبي، الفندقي والصناعي. شهر من السهر للطالب وأمه وأبيه، وشهر من إسكات بقية أفراد العائلة من أجل توفير الهدوء للفارس الذي سيذهب غداً إلى الامتحان، وشهر من تلبية طلباته الصغيرة والكبيرة على حد سواء.
ينتهي الشهر وتنتهي مدة الانتظار، ويتمّ إعلان النتائج. بعد الإعلان يبدأ موسم البكاء للراسبين، وموسم تقريعهم ولومهم، ومقارنتهم بالجيران وأولاد العم وبنات الخال. بالموازاة مع ذلك، يكون أولاد العم والجيران في خضمّ احتفالاتهم المرتكزة أساساً على الألعاب النارية و"الطقيع"، وحين تنتهي الألعاب النارية يبدأ أهل وأصدقاء الناجح موسم أبواق السيارات والصراخ في الشوارع حتى الفجر.
وحتى الفجر أيضاً يتذمّر أولئك الذين ليس لهم بنت أو ولد في التوجيهي، فبرأيهم لا يستحق هذا النجاح كل ما يتلوه من إزعاج للناس، وإغلاق للشوارع، وترويع للأطفال في عزّ نومهم. المحتفلون والمعترضون والطالبات والطلاب يجمعهم، في أوقات الرخاء، سؤال واحد هو: ما قيمة التوجيهي، وهل هو الطريقة الأسلم لتقييم الطالبة أو الطالب؟
لكن بم يحتفل كل هؤلاء؟ بالنجاح؟ وما هو النجاح على كل حال؟

النجاح في صيغته الأولى والمعروفة لدى الغالبية العظمى من الناس، يعني الوصول إلى الهدف المنشود من خلال السعي والعمل الجاد. لم يرد في التعريفات المتداولة لهذا المصطلح أي ذكر للنسبة المئوية 50%، إذا تجاوزتها فأنت ناجح، وإن لم تصلها فأنت فاشل

لم يرد في التعريفات المتداولة لهذا المصطلح أي ذكر للنسبة المئوية 50%، إذا تجاوزتها فأنت ناجح، وإن لم تصلها فأنت فاشل. ثم إن بعض الجامعات، أو حتى البرلمانات، تعتبر هذه النسبة فشلاً ذريعاً، وتشترط 70% كعلامة للقبول، أو كعتبة للفوز في التصويت. أو كما يتساءل يوفال هراري بما معناه: من الذي قرّر أن الناجح بعلامة 88 بالضرورة أفضل من الذي نجح بعلامة 65؟ ومن الذي قرّر أن النجاح يمكن أن يقاس بالأرقام الرياضية الجامدة؟
النجاح في صيغته الأولى والمعروفة لدى الغالبية العظمى من الناس، يعني الوصول إلى الهدف المنشود من خلال السعي والعمل الجاد. هذا يعني أن الطالب الناجح يجب أن يكون وضع من بين أهدافه، هدف التوجيهي، وهذا غير واقعي كما نعرف وكما نسمعه من أفواه الطلبة أنفسهم. هم ينجحون بالوصول إلى هدف وضعه غيرهم لا أكثر.

وغيرهم تعني المؤسسة التعليمية في البلد المعني، سواء كانت هذه المؤسسة عبارة عن وزارة التعليم، الحكومة أو السلطة السياسية، التي قرّرت في وقت مضى أن التعليم المعياري المفروض على الجميع هو أحد عناصر توحيد الأمة، وشعورها بالتفوق الوطني أو القومي. أما الطلبة فهدفهم النهائي هو الحصول على تعليم يؤهلهم لدخول سوق العمل وتحصيل راتب جيد. هل التوجيهي يقوم بهذه المهمة؟

الجواب برأيي المتواضع هو لا كبيرة وذلك للأسباب التالية:
تقوم المدرسة خلال الصفوف الثانوية بتصنيف الطلاب إلى فئات "علمي" و"أدبي" وغيرها، وذلك حسب العلامات التي يقوم بتحصيلها الطالب في المواد العلمية، وهي الرياضيات والكيمياء والفيزياء والبيولوجيا. من يحصل على علامات عالية في هذه المواد يذهب إلى الفرع العلمي، ويتم استثناء البقية وتركهم في الفرع الأدبي. أقصد أنه لا يتم تقييم علامة الطالب في مادة التاريخ أو اللغة مثلاً، وبناء عليه يتم إرسال الطالب إلى الفرع الأدبي، ليس كذلك أبداً. المدرسة تختار طلاب العلمي، ومن لا يحقّق شروط العلمي يظل في الأدبي. أي أن المعيار الأول هو المواد العلمية، وكأن المدرسة تنتقي طلاباً للمختبرات العلمية الموزعة في طول البلاد وعرضها، وتحتاج إلى قوى بشرية لتشغيلها.

باختصار، فإن الأدبي هو من لم يحقق شروط العلمي، وليس من يرغب أن يكون في الفرع الأدبي. هذا مهم، لأنه يؤثر في الخطوة القادمة، ولأنه يجعل من الأقل معياراً للأعلى. كيف ذلك؟ ببساطة المدرسة هي التي تقرّر للطالب مستقبله دون أن تستشيره في ذلك، وهي التي تفرض على الجامعة أن تأخذ بهذا القرار وأن تلتزم بهذه المعايير. بعد هذا التصنيف العلمي والأدبي، يأتي امتحان التوجيهي. في لحظة الامتحان يكون الطالب قد عرف مسبقاً، أي قبل سنتين، أنه غير مؤهل لدراسة الهندسة مثلاً، لأنه لم يكن على قدر المسؤولية في الصف الأول ثانوي، ولم يفلح بامتحان الرياضيات.

ينجح طالب العلمي مثلاً بعلامات ممتازة في مادة الأحياء، لكن معدله بسبب الرياضيات لا يؤمن له مقعداً في الجامعة لدراسة الطب، فدراسة الطب يلزمها معدل عال جداً. هكذا تقول الجامعة، وهي تقول ذلك ليس لأنها قرّرت، بل لأن المدرسة هي التي أرسلت لها طالباً مقيّماً جاهزاً من قِبلها. أقصد أن معايير المدرسة، والتي هي مرحلة أدنى من مرحلة الجامعة، يتم اعتمادها من قبل الجامعة، والتي من المفترض أن يكون لها معاييرها الخاصة لقبول هذا الطالب في كلية الطب وذاك الطالب في كلية العلوم الإنسانية. المدرسة إذن تقرّر للجامعة.

لا الجامعة تقبل الطالب بناء على معايير تضعها هي، أو امتحان يحدّد أين يمكن أن يبدع هذا الطالب. ولا سوق العمل يجرؤ أن يتجاوز معيار الجامعة، إلا في حالات الواسطة طبعاً

الخطوة التالية ترينا بوضوح دكتاتورية هذه المعايير. يتخرّج الطالب من جامعة حكومية بتخصص الكيمياء، ويتخرّج طالب آخر من جامعة خاصة بنفس التخصص، ويقدمان طلباً للعمل في قطاع التدريس أو في مختبر طبي، أو أي مكان خاص أو عام، فيتم قبول خريج الجامعة الحكومية، وتفضيله على زميله من الجامعة الخاصة. ما هو السبب؟ إنه ببساطة لأن الجامعات الحكومية لا تقبل إلا الطلاب الذين حصلوا على معدلات عالية في التوجيهي، أما الجامعة الخاصة فهي تقبل من يدفع الرسوم حتى لو كان بمعدل أقل.

لا يعني شيئاً أن يكون الطالب قد اجتهد واشتغل على نفسه خلال الأربع أو الخمس سنوات الجامعية، بقدر ما يعني معدله العالي في التوجيهي وأين أكمل دراسته بسبب هذا المعدل.
إذن، لا الجامعة تقبل الطالب بناء على معايير تضعها هي، أو امتحان يحدّد أين يمكن أن يبدع هذا الطالب. ولا سوق العمل يجرؤ أن يتجاوز معيار الجامعة، إلا في حالات الواسطة طبعاً. ولا الطالب يملك أن يخرج عن هذه السكة المرسومة سلفاً له، منذ الصف العاشر، ولا الموظف يحلم بأكثر من زوجة تنجب له ابناً "ذكياً" ينجح في التوجيهي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image