تنتظر آلاف العائلات، كل سنة، بكثير من الأمل والأعصاب المشدودة، نتائج بناتها وأبنائها في امتحانات الثانوية العامة "التوجيهي"، ففي فلسطين وحدها، وهي مساحة جغرافية صغيرة نسبياً، بعدد سكان لا يتجاوز خمسة ملايين نسمة في الضفة والقطاع، تقدّم ما يقرب من 100 ألف طالب وطالبة لهذه الامتحانات في السنة الحالية 2023. هذه النسبة العالية لطلاب الثانوية العامة من عدد السكان، تفسّر الاهتمام الكبير من المجتمع ككل، والترقّب، والتوتر، والدعاء، في كل بيت تقريباً بانتظار النتائج.
النجاح في صيغته الأولى والمعروفة لدى الغالبية العظمى من الناس، يعني الوصول إلى الهدف المنشود من خلال السعي والعمل الجاد. لم يرد في التعريفات المتداولة لهذا المصطلح أي ذكر للنسبة المئوية 50%، إذا تجاوزتها فأنت ناجح، وإن لم تصلها فأنت فاشل
وغيرهم تعني المؤسسة التعليمية في البلد المعني، سواء كانت هذه المؤسسة عبارة عن وزارة التعليم، الحكومة أو السلطة السياسية، التي قرّرت في وقت مضى أن التعليم المعياري المفروض على الجميع هو أحد عناصر توحيد الأمة، وشعورها بالتفوق الوطني أو القومي. أما الطلبة فهدفهم النهائي هو الحصول على تعليم يؤهلهم لدخول سوق العمل وتحصيل راتب جيد. هل التوجيهي يقوم بهذه المهمة؟
باختصار، فإن الأدبي هو من لم يحقق شروط العلمي، وليس من يرغب أن يكون في الفرع الأدبي. هذا مهم، لأنه يؤثر في الخطوة القادمة، ولأنه يجعل من الأقل معياراً للأعلى. كيف ذلك؟ ببساطة المدرسة هي التي تقرّر للطالب مستقبله دون أن تستشيره في ذلك، وهي التي تفرض على الجامعة أن تأخذ بهذا القرار وأن تلتزم بهذه المعايير. بعد هذا التصنيف العلمي والأدبي، يأتي امتحان التوجيهي. في لحظة الامتحان يكون الطالب قد عرف مسبقاً، أي قبل سنتين، أنه غير مؤهل لدراسة الهندسة مثلاً، لأنه لم يكن على قدر المسؤولية في الصف الأول ثانوي، ولم يفلح بامتحان الرياضيات.
ينجح طالب العلمي مثلاً بعلامات ممتازة في مادة الأحياء، لكن معدله بسبب الرياضيات لا يؤمن له مقعداً في الجامعة لدراسة الطب، فدراسة الطب يلزمها معدل عال جداً. هكذا تقول الجامعة، وهي تقول ذلك ليس لأنها قرّرت، بل لأن المدرسة هي التي أرسلت لها طالباً مقيّماً جاهزاً من قِبلها. أقصد أن معايير المدرسة، والتي هي مرحلة أدنى من مرحلة الجامعة، يتم اعتمادها من قبل الجامعة، والتي من المفترض أن يكون لها معاييرها الخاصة لقبول هذا الطالب في كلية الطب وذاك الطالب في كلية العلوم الإنسانية. المدرسة إذن تقرّر للجامعة.
لا الجامعة تقبل الطالب بناء على معايير تضعها هي، أو امتحان يحدّد أين يمكن أن يبدع هذا الطالب. ولا سوق العمل يجرؤ أن يتجاوز معيار الجامعة، إلا في حالات الواسطة طبعاً
الخطوة التالية ترينا بوضوح دكتاتورية هذه المعايير. يتخرّج الطالب من جامعة حكومية بتخصص الكيمياء، ويتخرّج طالب آخر من جامعة خاصة بنفس التخصص، ويقدمان طلباً للعمل في قطاع التدريس أو في مختبر طبي، أو أي مكان خاص أو عام، فيتم قبول خريج الجامعة الحكومية، وتفضيله على زميله من الجامعة الخاصة. ما هو السبب؟ إنه ببساطة لأن الجامعات الحكومية لا تقبل إلا الطلاب الذين حصلوا على معدلات عالية في التوجيهي، أما الجامعة الخاصة فهي تقبل من يدفع الرسوم حتى لو كان بمعدل أقل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...