شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"اعتقال الشيخ بدر المشاري" في السعودية... هل بدأ زمن "الحساب" بأثر رجعي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن وحرية التعبير

الأربعاء 19 يوليو 202304:06 م

أثارت الأنباء حول اعتقال الشيخ بدر المشاري في السعودية لغطاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين فريقين، أولهما يتعجب من اعتقال الداعية الذي في رأي أصحابه "لا يتحدث في السياسة ولا يتناول الشأن العام"، وثانيهما يُشيد بما يعتبره توجهاً جديداً في المملكة لمحاسبة "الوطنيين الجدد" عن مواقفهم وآرائهم القديمة بـ"أثر رجعي".

وكان حساب "معتقلي الرأي" الذي يُعنى بقضايا المعتقلين السياسيين في السعودية ويتابعه نحو نصف مليون شخص في تويتر، أول من "أكد" نبأ اعتقال الشيخ بدر، موضحاً أن "الأسباب غير معروفة حتى الآن".

ولفت "معتقلو الرأي" إلى أن "اعتقال الشيخ بدر المشاري هو استمرار لحلقة انتهاكات واعتقالات تعسفية تتبعها سلطات المملكة، شملت دعاة ومصلحين، وبلغت ذروتها في عام 2017 ولم تتوقف حتى اليوم"، مردفاً "الشيخ بدر أحد أكثر الوعاظ الذين انتشرت مقاطعهم الدعوية في مواقع التواصل الاجتماعي، وتناقلها المسلمون حول العالم". 

وأوضح الحساب أن الشيخ بدر، المولود بالرياض عام 1973، تخرّج من كلية الشريعة في جامعة الإمام بالمملكة، وتتلمذ على يد كبار المشايخ السعوديين أمثال ابن باز وابن عثيمين، ثم عمل إماماً لجامع حطين في الرياض قبل أن يتفرّغ للعمل الدعوي والوعظ. وختم: "لا يعدّ الشيخ بدر المشاري رمزاً سعودياً فحسب وإنما تعدّت شهرته حدود المملكة بكثير".

"لا يتدخل في السياسة" أم "إخونجي"؟

ودشّن حساب "معتقلي الرأي" وعدد من الحسابات المناصرة لحرية التعبير في المملكة، وتلك المعارضة لسياسات القيادة السياسية الراهنة، حملةً لدعم الشيخ بدر والمطالبة بسرعة الإفراج عنه دون قيد أو شرط، عبر وسوم: #بدر_نادر_المشاري و #بدر_المشاري و #اعتقال_بدر_المشاري_جريمة.

وعبّرت هذه الحسابات عن "صدمتها" لاعتقال "الشيخ المحبوب"، قائلةً إنه "ليس مجرماً ليعتقل" و"لم يتحدث في السياسة مطلقاً". في حين اعترفت قلة من هذه الحسابات بأن اعتقال الشيخ جاء لمحاسبته بـ"أثر رجعي على أقواله وخطبه القديمة".

تعجّب حساب "نحو الحرية" المنتقد للأمير بن سلمان والذي يتابعه أكثر من 860 ألف شخص في تويتر: "الشيخ بدر لا ينشر إلا مقاطع توعوية وعظية، لا ينشر إلا ما يتعلق بسيرة النبي، لا ينشر إلا ما يدعو للفضيلة والتقوى. لماذا الاعتقال يا ترى؟"، مشدداً "كل فيديوهات الشيخ بدر عبارة عن مقاطع توعوية وتربوية لا يتطرق فيها للشأن العام، فما هو جرمه؟!"، ومردفاً "الشيخ بدر لا يستحق هذه المعاملة".

بالرغم من أن آخر منشوراته كانت تحتفي بـ"يوم التأسيس" وتمجد بطولات الجنود السعوديين… أنباء عن اعتقال الداعية بدر المشاري، وتكهنات حول محاسبته بـ"أثر رجعي" عن هجومه على "الحكام"، فما الصحيح؟

وألمح معلقون إلى أن اعتقال الشيخ يأتي لانتقاده الانفتاح الاجتماعي الذي استحدثه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من اختلاط بين الجنسين والسماح بالحفلات والفعاليات الفنية والترفيهية وغيرها. كتب أحدهم: "عندما يعتقل الحاكم دعاة يرونه وليّ أمر شرعياً، لم يحرّضوا عليه يوماً من الدهر! يعتقلهم لإنكارهم المنكرات الظاهرة التي ينشرها هو وحاشيته في البلاد والعباد، إنكاراً لا تكفير فيه ولا تدخّل في سياساته!".

في المقابل، شنّت حسابات داعمة لولي العهد السعودي حملة ضد المشاري، قالت إنها "لكشف حقيقته"، وصفته فيها بأنه "سبّاب الحكام وداعٍ للثورات"، وأحد "الأبواق المأجورة" ومن مروجي "الفكر الإخواني المتطرّف". غرّد رافع المليحي: "بدر المشاري ليس إلا إخوانياً لا يستحق أدنى احترام. كل من له علاقة بهذا التنظيم اللعين هو مجرم وخائن".

في عام 2014، صنّفت المملكة "الإخوان المسلمين" جماعة إرهابية لأنه وفق الرواية الرسمية هناك "منذ تأسيس هذه الجماعة لم يظهر منها عناية بالعقيدة الإسلامية، ولا بعلوم الكتاب والسنة، وإنما غايتها الوصول إلى الحكم، ومن ثم كان تاريخ هذه الجماعة مليئاً بالشرور والفتن، ومن رحمها خرجت جماعات إرهابية متطرفة عاثت في البلاد والعباد فساداً مما هو معلوم ومشاهد من جرائم العنف والإرهاب حول العالم".

بالعودة إلى الشيخ بدر، فقد اتهمه مؤيدون للأمير محمد بـ"التحريض الصريح على ولاة الأمر" بسبب مقاطع مصورة من خطبه القديمة، وتحديداً في شريطه "الأقصى والخونة" يستنكر فيه "إبعاد قادة حماس" والاكتفاء بـ"50 عاماً من الاجتماعات والمحادثات" لنصرة فلسطين والقدس.

وأضافوا أن "مسار#بدر_المشاري هو نفس مسار الإخونجية في التهييج على ولاة الأمر" وأنه "مكر وتلاعب بالعقول"، مستشهدين بآرائه السابقة. قال في أحد المقاطع المستشهد بها: "ورسالتي من هذا المكان وهذا المنبر، إلى خادم الحرمين وولي عهده وكل من ولّاه أمرنا في هذه البلاد، أن يتقوا الله".

كما اتهم البعض منهم من يغردون رفضاً لاعتقال المشاري بأنهم "أقلام مأجورة مشردة" و"مجرد عملاء خونة مهمتهم زرع الفتنة وإثارة الفوضى". 

حتّى المقاطع الأخيرة التي ألمح فيها الشيخ لطاعة ولاة الأمر، شاركها منتقدوه واتهموه بـ"النفاق والتلون" في سياق توجه حديث للتحذير ممن يسمونهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي "الوطنيين الجدد"، في إشارة إلى الشخصيات العامة التي كانت تتخذ موقفاً سياسياً معارضاً وغيّرت أو على الأقل خففت من لهجتها.

ماذا ينشر؟

بمراجعة حساب الشيخ الذي يتابعه أكثر من نصف مليون شخص في تويتر، لاحظ رصيف22 أنه كان مستمراً في النشر بانتظام حتى يوم 22 شباط/ فبراير 2023. اللافت أن آخر ما أعاد التغريد به كانت منشورات الاحتفال بـ"يوم التأسيس" من الحسابات الموثقة للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ووزير الداخلية الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف.

وقبل ذلك، لاحظ رصيف22 أن الشيخ كان معتاداً مشاركة منشورات مدير المكتب الخاص لولي العهد السعودي، بدر العساكر، التي تمجّد الجنود وأفراد القوات الأمنية السعوديين. علاوة على مشاركة منشورات تمتدح مبادرات المملكة الخيرية والسياسية لصالح الدول المجاورة. هذا بالطبع بالإضافة إلى بعض المنشورات الدينية والتوعوية ومقاطع من ندواته.

"سبّاب الحكام وداعٍ إلى الثورات" vs "لا يتحدث في السياسة" و"لم يتطرق للشأن العام"... لماذا اعتُقل الشيخ بدر المشاري؟ وما علاقته بالهجوم على "الوطنيين الجدد"؟

اعتقال المشايخ

وعقب عقود من سطوة تيار الصحوة المتشدد، وهيمنة رجال الدين على المشهد في البلاد، شهد صعود بن سلمان إلى الحكم تراجعاً لأدوارهم بل وتطويعاً لآرائهم وفتاويهم بما يتناسب مع مستوى الانفتاح غير المسبوق الذي استحدثه. ولم يكن مستغرباً أن اعتقل وأبعد كل من عارضه أو انتقد سياساته من هؤلاء المشايخ والدعاة.

وعادةً ما توجّه "تهم فضفاضة" للمشايخ المعتقلين على غرار "إثارة الفتن" و"التحريض على ولاة الأمر" و"نشر الفكر المنحرف"، لكنها تُسفر في حالة إجراء محاكمة عن عقوبات سجنية مشددة تصل أحياناً إلى 10 و20 عاماً. علماً أن بعض الدعاة من المذهب الشيعي في السجن بسبب انتقاد "التمييز الممنهج" ضد الأقلية الشيعية في المملكة. ومنهم الداعية محمد الحبيب المعتقل منذ سبع سنوات حيث يقضي عقوبتين بالسجن يصل مجموعهما إلى 12 عاماً، بتهم تتعلق بدفاعه عن حقوق الأقلية الشيعية في السعودية.

وكان قد بدأ الاستهداف الجماعي لرجال الدين خلال حملة الاعتقالات التي شملت العديد منهم عام 2017، وفي مقدمتهم سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري، وغيرهم. قبل أن تتكرر حملات الاعتقال أو حالات الاختفاء دون إعلان رسمي عن الاعتقال أو أسبابه أو حتى الإفراج عن المعتقلين لاحقاً، وهو ما تجتهد الجماعات والحسابات المعنية بحرية الرأي في المملكة في كشفه.

ومن أبرز الدعاة المعتقلين راهناً والذين تُتهم السلطات السعودية بالتعنت في الإفراج عنهم أو تحسين أوضاع احتجازهم: الشيخ عبد العزيز الطريفي، والداعية سفر الحوالي، وإمام الحرم المكي الشيخ صالح آل طالب. والعديد من الدعاة تعرض بعض أفراد أسرهم للاعتقال بسبب مطالبتهم علناً بالإفراج عنهم أو الشكوى من تدهور أوضاعهم الصحية.

ومنتصف الشهر الجاري، حذّرت منظمة القسط لحقوق الإنسان من "استمرار القلق" بشأن حالة الداعية السعودي سليمان الدويش "الذي أُخفي قسرياً منذ اختطافه بالقوة من قبل السلطات السعودية في عام 2016"، منوهةً "المرة الوحيدة التي شوهد فيها منذ اختطافه كانت في يوليو 2018".

قالت "القسط" إن الدويش "تعرّض للتعذيب في سجن غير رسمي، يقع في قبو قصر ملكي في الرياض". كما اتهمت السلطات السعودية باعتقال ثلاثة من أبنائه للمطالبة بالإفراج عنه وقد أُفرِج عن أحدهم فقط.

قبل ذلك بأيام، قال حساب "معتقلي الرأي" إن "الحالة الصحية للشيخ المحدث#صالح_الشامي غير مستقرة، وتتطلب الإفراج الفوري عنه حفاظاً على سلامته"، محملاً السلطات المسؤولية الكاملة عن حياته.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ذرّ الرماد في عيون الحقيقة

ليس نبأً جديداً أنّ معظم الأخبار التي تصلنا من كلّ حدبٍ وصوبٍ في عالمنا العربي، تشوبها نفحةٌ مُسيّسة، هدفها أن تعمينا عن الحقيقة المُجرّدة من المصالح. وهذا لأنّ مختلف وكالات الأنباء في منطقتنا، هي الذراع الأقوى في تضليلنا نحن الشعوب المنكوبة، ومصادرة إرادتنا وقرارنا في التغيير.

Website by WhiteBeard