ظل التعامل الرسمي مع القُنّب الهندي في المغرب يتّسم بالتوتر لسنوات، إلى أن تغيّرت المقاربة بشكل واضح في السنتين الأخيرتين بخصوص النبتة "المخدّرة"، عندما دخل القانون رقم 13-21 حيز التنفيذ في تموز/ يوليو 2021 ، وهو قانون يتعلّق بالاستعمالات المقنّنة لزراعة القُنّب الهندي واستعماله لأغراض صناعية وطبية.
مطالب بتشريع "الكِيفْ"
في خضم مضيّ البلاد في الاستعمال الطبي والصناعي للقُنّب الهندي أو "الكيف" بالتعبير المحلي، يسعى ناشطون وفاعلون في المجال إلى الانتقال إلى الاستعمال الترفيهي له في المغرب.
لهذا أطلق هؤلاء نداءً من أجل فتح نقاش عمومي حول الاستعمال الترفيهي للقُنّب الهندي، في ضوء فهم العلاقة بين استعماله وحقوق الإنسان وحماية الصحة العامة والمساهمة في تعزيز شروط التنمية السوسيو-اقتصادية لمجتمع المزارعين خصوصاً، والوطن عموماً.
يلفت نداء أطلقه ناشطون "من أجل فتح نقاش عمومي حول الاستعمال الترفيهي للقُنّب الهندي"، إلى أن "زراعة القنب الهندي في المغرب كانت مضمونةً تشريعياً للأغراض الترفيهية منذ صدور ظهير شريف (مرسوم ملكي)، في 4 أيار/ مايو 1915، في إجراء العمال بالظهير المتعلق بمراقبة جلب الدخان والكيف، وفي منع ذلك وإلى غاية صدور ظهير شريف آخر في 24 نيسان/ أبريل 1954، بشأن منع قُنّب الكيف".
بعد تشريع استعماله الصناعي يسعى ناشطون إلى الانتقال إلى الاستعمال الترفيهي للقنب الهندي في المغرب
يذهب النداء ذاته إلى أن "القُنّب الهندي الموجه إلى الأغراض الترفيهية في البلدان التي تقوم بزراعته تاريخياً، ومن ضمنها المغرب، يتعرض لجملة من المخاطر التي يمكن أن تحدّ من جاذبيته للسوق الاستهلاكية، والتي يمكن إجمالها في نمو زراعات في الأماكن المغلقة على مستوى البلدان الأوروبية على وجه الخصوص، وإنتاج شبيه لمادة 'رباعي هيدرو كانابينول' (المادة المخدرة التي تنتجها نبتة القُنّب الهندي) كيميائياً، ثم إنتاج هيدرو كانابينول من دون زراعة القُنّب الهندي".
كما يرد في نداء الناشطين، أن "تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات لسنة 2022، أكد أن تقنين الاستعمال الترفيهي للقنب الهندي، أدى إلى خفض اللجوء إلى السوق غير المشروعة بنسب مهمة"، عادّاً أن "سوق القنب الهندي الترفيهي مغرٍ للاستثمار، مما يمكن أن يشكل أحد أبرز حوافز التشريع لهذا الغرض".
دعوة مفتوحة إلى النقاش
يقول الناشط الموقّع على النداء، إلياس أعراب: "باعتبارنا فاعلين في الميدان منذ 15 سنةً، كنا وما زلنا نتبنى نظرةً تفاؤليةً إلى المستقبل، وكل تحركاتنا تحكمها طاقة واثقة ببلادنا ومؤسساتها، ونوجّه دعوةً مفتوحةً اليوم أمام الأحزاب السياسية ووزارة الداخلية التي وضعت القانون 13-21، والوكالة الوطنية للاستعمالات المشروعة للقنب التي تم تأسيسها حديثاً، لإبداء موقفها ورأيها في ما يتعلق بالاستعمال الترفيهي للكيف، مع فتح نقاش وطني عام وشفاف".
وأضاف أعراب، في حديثه إلى رصيف22، أنهم كأبناء لمناطق زراعة القنب الهندي، "كنا ولا زلنا نؤكد أن حل إشكالية زراعته لا تكمن في وضع قانون الاستعمال الطبي والصناعي فقط، بل في رؤية تنموية شاملة وإستراتيجية واضحة تشمل العديد من المحاور، والاستعمال الترفيهي واحد منها".
سوق القنب الهندي الترفيهي مغرٍ للاستثمار، مما يمكن أن يشكل أحد أبرز حوافز التشريع لهذا الغرض
لهذا، "فالنداء ليس دعوةً إلى شرعنة استعمال المخدرات والمؤثرات على العقل، بل هو دعوة لوضع إطار قانوني يحكم استعمال الكيف ومستخلصاته وفق معايير تَحُدّ من مخاطر ما يروَّج في الأحياء المغربية؛ خاصةً أن الحشيش مثلاً الذي يدخّنه الكثيرون اليوم يتعرض لعمليات تغيير وإضافة مكونات أخرى أكثر خطورةً، ما يعني أن تقنين الاستعمال الترفيهي سيكون له أثر إيجابي من الجانب الصحي ومن الناحية الاقتصادية بضبط مداخيل القنب الهندي"، يؤكد أعراب.
توصيات ورأي رسمي
قبل نداء الناشطين لفتح نقاش عمومي حول الاستعمال الترفيهي للقنب الهندي، سبق لمؤسسات رسمية في المغرب إصدار توصيات في هذا السياق؛ منها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (مؤسسة دستورية استشارية)، الذي دعا في أيار/ مايو 2023، إلى السماح بتناول القنب الهندي أو الحشيش في حدود معينة ولفئة عمرية خاصة.
ونبّه المجلس الاقتصادي والاجتماعي، إلى "أخذ واقع الحال بعين الاعتبار، في ما يخص السلوكيات الإدمانية المرتبطة بالقنب الهندي، وتقنين مسلك تسويق الاستعمالات الطبية والعلاجية والشخصية المرتبطة به على المستويات التشريعية والإدارية والصحية".
من توصيات تقرير المجلس نفسه، الذي قُدّمت خلاصاته أمام لجنة القطاعات الاجتماعية في مجلس النواب المغربي في 16 أيار/ مايو 2023، "منع بيع واستعمال القنب الهندي من قبل الشباب الذين تقلّ أعمارهم عن 25 سنةً، ووضع حدّ أقصى لمستويات الهيدروكانبينول THC المسموح بها، لتجنّب أي شكل من أشكال الإدمان".
وكشف رأي المجلس، المعنون بـ"مواجهة السلوكات الإدمانية: واقع الحال والتوصيات"، أن "القنب الهندي يحتل المرتبة الثانية بعد التبغ ضمن المؤثرات العقلية الأكثر استهلاكاً في المغرب"، مشيراً إلى أن "هذه النبتة شكلت منذ سنوات عدة موضوع تهجين وتعديل وراثي بهدف الرفع من مردوديتها ومحتواها من المكونات ذات التأثير العقلي والنفسي (THC)".
"تقنين 'الكيف' حمايةً للصحة العامة"
يرى منسق الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للقنب الهندي، شكيب الخياري، أن "من ضمن أبرز حجج المطالبين بتقنين استهلاكه للأغراض الترفيهية أنه يساهم في حماية الصحة العامة، على اعتبار أن ذلك يسمح بإنشاء سوق قانونية تستقطب المستهلكين المنخرطين الآن في السوق غير القانوني، بما ينطوي عليه ذلك من مخاطر صحية تتعلق بنوعية المنتوج المستهلك الذي لا يمكن ضبطه".
يضيف الخياري في إفادته لرصيف22، أنه "من ضمن الحجج أيضاً أن الدراسات العلمية لم تحسم في مدى العلاقة بين تشريع هذا الاستعمال والمسّ بالصحة العامة"، مورداً أن "دراسةً حديثةً لحالة إسبانيا، نُشرت بداية هذه السنة، تؤكد أن معظم المؤشرات لم تُظهر أي تدهور في صحة مستهلكي القنب الهندي الترفيهي المنتظمين مقارنةً بحالة السكان العامة".
من حجج المطالبين بتقنين استهلاك الحشيش للأغراض الترفيهية أن التشريع يساهم في حماية الصحة العامة
وقال الفاعل الموقّع على النداء: "من المؤكد أن تشريع القنب الهندي للأغراض الترفيهية سيساهم لا محالة وفق شروط معينة في إحداث نقص مهم في السوق غير القانونية، وهو ما أكدته مختلف التجارب الدولية، إذ إن السوق غير القانوني أضحى يشكّل نحو 40 في المئة من العرض العام في كندا، وتقريبا 50 في المئة في أوروغواي، وحتى 75 في المئة في كاليفورنيا، وهذا بالتأكيد له تأثير على الصحة العامة".
منطقة حرة للاستهلاك
بعد نحو 26 شهراً على توجه حكومي نحو تقنين الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، أعطت السلطات المغربية في نهاية شهر نيسان/ أبريل الماضي، إشارة الانطلاقة الرسمية لموسم زراعة أول محصول للقنب الهندي، إذ جرى تسليم دفعات من بذوره المستوردة للمزارعين والتعاونيات في أقاليم الحسيمة وشفشاون وتاونات في شمال المملكة.
ويعتقد رئيس المرصد المغربي لتقنين القنب الهندي، شريف أدرداك، أن هذا "يدلّ على أن تنزيل قانون الاستعمالات المشروعة له ليس بالأمر الهيّن، نظراً إلى إشكاليات تقنية وبشرية عدة؛ إذ إن عدد التعاونيات المنخرطة في هذه الورش لا يتعدى 20 تعاونيةً، وذلك بسبب صعوبة الحصول على التراخيص، وبسبب مقاربة أمنية تروم التحكم في جميع مراحل سلسلة الإنتاج".
لهذا، "يُطرح السؤال حول مصير أكثر من 90 في المئة من مزارعي الكيف غير المشروع"، يقول أدرداك في حديثه إلى رصيف22.
ويضيف: "سيحدّ استهلاك القنب الهندي بعقلانية (وفق كمية محددة بشكل قانوني)، من العديد من المشكلات الاجتماعية التي يسببها الاقتصاد الموازي الذي يُنشئ لنا مجتمعاً للظل تسود فيه الجريمة والتنظيمات الموازية لها".
وذكر الباحث في اقتصاد الكيف، أن "المرصد طالب مرات عديدة بخلق منطقة حرة للاستهلاك الترفيهي للقنب الهندي في بلاد الكيف (صنهاجة وغمارة شمال البلاد)، يُسمح فيها باستهلاكه لأغراض ترفيهية بشروط معينة تضمن السلم والاستقرار كآلية لتشجيع السياحة الترفيهية؛ إذ سيخلق هذا الأمر ديناميةً اقتصاديةً في المنطقة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...