شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
السوبرانو نيفين علوبة:

السوبرانو نيفين علوبة: "الماكينة" لا توصل الإحساس في الغناء والذكاء الاصطناعي يكرر أعمال الفنانين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الخميس 6 يوليو 202302:26 م

بدأت السوبرانو ونجمة الأوبرا المصرية نيفين علوبة مسيرتها الفنية في سن السابعة، وتعلمت العزف على البيانو مع الغناء، ثم التحقت بمعهد الكونسرفتوار حيث درست الفن والغناء الأوبرالي وتخرجت من قسم البيانو، ثم سافرت الى ألمانيا لاستكمال دراسة الغناء الأوبرالي، وتوجت مشوارها بالحصول على وسام الفنون والآداب بدرجة فارس من وزارة الثقافة الفرنسية.
رصيف22 التقى بالدكتورة علوبة، وكان هذا الحوار معها.

ماذا يمثل لكِ حصولك على وسام الفنون والآداب الفرنسي بدرجة "فارس"؟ 

أشعر بالفخر والتقدير، وهو شعور جميل، فأنا أول مغنية أوبرا تحصل على مثل هذا الوسام من بين النساء، شعور بأن الناس يقدرون ما قدمته وفعلته هو شعور له قيمة، خاصةً أن النشاط الأوبرالي في جيلي ليس منتشراً، أعتبر فوزي بالجائزة هو رد اعتبار لكل النساء العربيات. 

علوبة: "أعتبر فوزي بوسام الفارس الفرنسي في الآداب والفنون بمثابة رد اعتبار لكل النساء العربيات" 

لنبدأ من طفولتك، وبداية حبك وشغفك بالفن والغناء، حدثينا عن تلك الفترة؟

في صغري  لم أكن أعلم ما هو المسرح الأوبرالي وما هي الموسيقى، كل ما كنت أعرفه هو الذي أراه وأسمعه في التلفزيون، لا سيما الممثلات والممثلين، والأفلام الموسيقية الخاصة بالراحل عبد الحليم حافظ وشادية، كانت مشاهدتهم تسعدني جداً وبسببهم أحببت الدخول في مجال التمثيل، لكنه لم يكن مسموحاً في عائلتي فوالدي كان رافضاُ لفكرة أن تدخل ابنته التمثيل في الستينيات والسبعينيات، خاصة أنه كان أكاديمياً وجراحاً ووالدتي كانت أكاديمية، لكن الأمر مختلف فيما يخص الغناء الأوبرالي، فأهلي كان ينمون لدي هذه الموهبة منذ أن كنت في الحضانة، فبدأت الغناء في سن 3 سنوات، وعندما وصلت إلى عمر 13 سنة لفتت مدربة البيانو الخاصة بي نظر عائلتي إلى صوتي، وطلبت منهم الاهتمام بي.
من هنا بدأ الاهتمام الحقيقي بي وقبول عائلتي للأمر، خاصة أنه سيكون غناء غربياً "أوبرا"، وكانت عائلتي تحب الأوبرا وتحب إنجلترا التي تعتبرها بلداً هاماً لنا، وبالتالي كانت الدراسة واللغات الغربية سهلة بالنسبة لي، لكن هل أي شخص صوته جميل يستطيع أن يتدرب ليصبح مغني أوبرا؟ يجب أن يكون في الصوت نكهة تماماً كما يجب أن تكون الأذن الموسيقية، كل هذا وفرته لي عائلتي إلى جانب اللغات الأجنبية.

لكن هناك الطب إلى جانب الموسيقى، هل صحيح أن والدك رفض التحقاقك بكلية الطب؟

وأنا صغيرة كنت أتمني أن أصبح طبيبة مثل والدي، وفي المرحلة الثانوية اخترت دراسة الفرع العلمي لكي أقترب من تحقيق هذا الحلم، لكنه رفض وقال وقتها "مفيش ستات تشتغل جراحة"، ثم رفض دخولي "عين شمس" التي كان يُدرس فيها الطب وقال لي إذا كنت مصممة ادخلي جامعة القاهرة بعيداً عني، وأنا فكرت ووجدت أنه مجال متعب، فتراجعت عن دخول الطب، ولأنني كنت أحب الموسيقى وأجيد العزف منذ عمر الثماني سنوات، قررت الدراسة الموسيقية.

هل لديكِ موهبة أخرى إلى جانب الموسيقى؟

الموسيقي هي كل حياتي.

أنتِ أول سوبرانو مصرية تغني على خشبة المسرح الكبير في افتتاح دار الأوبرا المصرية الجديدة في العام 1988. حدثينا عن تلك التجرية مع الدكتورة رتيبة الحفني أول مديرة لدار الأوبرا المصرية في حينها؟

كانت هذه من الخطوات الكبيرة بالنسبة لي، في وقتها كنت في ألمانيا أغني كمحترفة، وكانت الدكتورة رتيبة الحفني رحمة الله عليها رئيسة دار الأوبرا المصرية في وقت الافتتاح، ورغبت بأن تأتي بالشباب ليشاركوا في الافتتاح، فكنت أنا، والدكتور صبحي بدير، والدكتور رضا الوكيل، فأعادتنا إلى مصر لنشارك في الاحتفالية، وبالطبع كنت سعيدة وفخورة جداً. أتذكر في البروفات كنا ندخل بالجوارب بدون أحذية لأن المسرح كان جديداً ولم يدخله أحد من قبلنا، البروفات كانت مع الدكتور مصطفي ناجي، والمايسترو أحمد الصيعدي، وغنيت فقرتين، سمفونية بيتهوفن التاسعة، ونشيد الجهاد للموسيقار عبد الوهاب. بالطبع كانت تجربة جديدة لا سيما أن عبد الوهاب كان يحضر بنفسه إلى البروفات، ولا يوفر شرحاً كي نقدم فقراتنا بأفضل شكل ممكن، كانت تلك إضافة عظيمة لنا. 
علوبة: "كان الموسيقار محمد عبد الوهاب يحضر بروفات افتتاح دار الأوبرا المصرية بنفسه في العام 1988، ولا يوفر شرحاً أو نصيحةً لنا ليخرج العرض بأفضل شكل ممكن" 

هل تذكرين شيئاً من أهم نصائح محمد عبد الوهاب؟

تعليماته كانت تتمحور بالأساس حول متى يرفع المغني صوته ومتى يهدئه، وعن الأداء نفسه وسط كل هذه الموسيقى

هل تعتقدين أن الفن الأوبرالي مهدور حقه في مصر؟ 

فعلاً مهدور حقه، وخاصةً في السنوات العشر الأخيرة، العروض صارت ضعيفة، ولم يعد لدينا دعايات لها. 

دائماً ما تكلمتِ عن إيمانك بأن مصر مليئة بالمواهب الكبيرة ولا بد من وجود كيان واسع لاحتوائهم، هل هذا هو ما شجعك على تأسيس "فابريكا" في عام 2011؟

بعد 20 عاماً من التدريس، جلست وفكرت أين سيذهب كل هذا التعليم، أين ومتى سيظهر بدون خبرة مسرحية؟ لهذا السبب قررت أن أؤسس فرقة "فابريكا" لدعم المسرح الموسيقي، وكي أمكن أصحاب وصاحبات المواهب من تلميذاتي من الظهور على المسرح، وكي أنتج لهم العروض بنفسي، ومن هنا يتحولون من طلاب إلى محترفين بعد مرحلة اكتساب الخبرة، لأن الدراسة لوحدها لا تكفي.
"فابريكا" مقسمة إلى جزأين، الفرقة والأكاديمية، وقد أنشأت الأكاديمية بناء على طلب الناس.

وهل هذا العمل مجزٍ مادياً لكِ؟ 

لا، لكن ننتج عروضاً مسرحية مهمة، هذه هي التي تحتاج إلى إنفاق عليها، ولكن في نفس الوقت نقدم عروضاً تجارية يستطيع الناس شراءها لنتمكن من الإنفاق على العروض الجادة. 
علوبة: "أسست فابريكا كي أمكن أصحاب وصاحبات المواهب الحقيقية من اكتساب الخبرة، فالتعليم لوحده لا يكفي للوصول إلى الاحتراف" 

ما الثمن الذي دفعتهِ لتصبحي في هذه المكانة؟

التدريب والعمل أخذا كثيراً من حياتي الاجتماعية، ولم يكن لديّ وقت طويل للذهاب إلى النادي أو التسامر، فأي وقت فراغ لدي كنت أستغله في التدريب أو في النوم، كل هذا لم يؤثر عليَّ سلباً، بالعكس كنت فخورة وسعيدة. 

هل واجهتكِ صعوبات؟ 

حين كنت في أوروبا، وكنت قد أنهيت دراستي للتو، ولم أعثر على وكيل بسهولة، عانيت كثيراً من الرفض فالقبول والتحضير للعروض والسفر، بالأخص أن ألمانيا فيها 56 دار أوبرا، لكن كان إيماني بموهبتي كبيراً، وأنها ستظهر للناس في يوم ما، وفعلاً هذا ما حدث وصولاً إلى اليوم الذي ألّف به محمد الموجي أغنيتين لأجلي.  

من وجهة نظرك لماذا أصبح المسرح الموسيقي فارغًا؟ هل عزف المنتج عنه؟ وما هو دورك في كل هذا؟ 

علينا أن نتساءل أين مسرح الدولة؟ والمسرح القومي؟ والطليعة؟ وأين مسرح الطفل؟ لا يوجد أي نشاط، وأنا أناشد الدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة التي ترعرت في الأوبرا بأن تنظر إلى النشاط الأوبرالي، كل المسارح فيها الكثير من المواهب، وهيئة قصور الثقافة، فللأسف حالياً لا يوجد منتج يرغب بأن يخوض في إنتاج مسرحية موسيقية لأنها مكلفة. أما دوري فهو أن أقدم المواهب الجديدة، والأعمال الموسيقية والتدريب الحقيقي واللائق.  
علوبة: "رفضت تأدية دور السيدة أم كلثوم لأنني خفت من المسؤولية الكبيرة، ده أم كلثوم مش أي حد" 

هل لديكِ طقوس معينة قبل الصعود للمسرح؟ 

الصمت التام، وألا أتحدث إلى أي شخص، إلى جانب ذهابي إلى المسرح من الساعة 11 صباحاً حتى استحضر طاقة المكان فأمر بالمسرح من أوله إلى آخره وأراجع كل شيء لإعطاء العمل حقه. 

هل لديكِ مثل أعلى؟ 

والدي على المستوى الشخصي، وعلى مستوى الغناء ماريا كالاس، فهي أيقونة في الغناء الأوبرالي.

لماذا رفضت تقديم دور السيدة أم كلثوم؟ 

خفت، "ده أم كلثوم مش أي حد"، المسؤولية كانت كبيرة جداً إلى جانب عدد من الظروف الخارجية.

اقتحم الـ"ai" حياتنا بقوة، من وجهة نظرك هل ستنجح تجربة مطرب الذكاء الاصطناعي؟

يجب أن يكون هناك دائماً تواصل بين المغني والجمهور، ورسالة نوصلها له، و"الماكينة" لن تتمكن من إيصال الإحساس بالمعاني مثما يوصلها الإنسان، لذا برأيي لا غنى عن الحضور الإنساني في أي شيء، ولا يمكن أن نسميه فناً فهو مجرد إعادة صياغة لعمل فنان.

وما رأيك في أغاني المهرجانات؟

الموسيقى الصاخبة والكلمات باللغة الدراجة هو تنفيس مهم، لهذا السبب هذه الأغنيات ناجحة، بل يجب أن تكون موجودة، لكن ليس حصراً، الصحيح هو وجود جميع أنواع الفنون.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard