بعد سنوات من التجوال والتعرف على طبيعة فلسطين وقراها وجبالها التاريخية، لاحت فكرة تأسيس فريق لتسلّق الجبال حول العالم والتعريف بقضايا الشعب الفلسطيني في ذهن خليل غرّة، وهو شاب من الداخل الفلسطيني، ومؤسس وقائد فريق "فلسطين ع القمة".
الهدف الرئيسي من تأسيس الفريق وتسلّق أعلى القمم في العالم هو رفع العلم الفلسطيني وإيصال صوت الشعب الفلسطيني وإعلاء القضايا الفلسطينية في محاولة لخلق حالة جديدة من الاهتمام بها وتسليط الضوء عليها ضد مساعي تهميشها وطيّها عن العالم.
في مقابلة مع رصيف22، تحدث خليل عن أهمية مثل هذه المبادرات الفردية وكيف تخدم السردية والقضية الفلسطينية وتنقلها إلى بعد آخر بعيداً عن السياسة وأروقة المجالس الدولية.
جمع الفلسطينيين في مبادرة مختلفة
وجاءت فكرة تأسيس الفريق الفلسطيني لتسلق الجبال حول العالم بعد ثماني سنوات من تنظيم خليل مسارات وجولات في جميع أنحاء فلسطين التاريخية، والتي كانت على اختلافها تسعى إلى التعريف عن فلسطين.
"الأول من نوعه الذي يمثّل الفلسطينيين بمختلف توجهاتهم"... فريق "فلسطين ع القمة" يتسلق أعلى القمم حول العالم لرفع العلم الفلسطيني وإعلاء القضايا الفلسطينية. ما جدوى ذلك؟
رأى خليل من واقع الخبرة التي اكتسبها أنه أسهل عليه وضع خطط للخروج بفريق يرقى للتوقعات ويستطيع حمل القضية الفلسطينية عن طريق تسلق الجبال.
وهو يشرح لرصيف22: "عام 2021، شاركت في تسلّق جبل كليمنجارو، أعلى قمة في قارة أفريقيا (ويصل ارتفاعه إلى 5895 متر)، كأول تجربة شخصية خارج فلسطين، مع فريق Climb for Palestine. كنا 13 شاباً/ة من الضفة الغربية والقدس والداخل. وعقب انتهاء هذه المغامرة، وبعد ثماني سنوات من التجوال داخل فلسطين، كمرشد وقائد فريق بحث واستكشاف، راودتني فكرة جمع الشباب الفلسطيني من جميع أنحاء العالم لغرض تسلق الجبال وطرح قضايا ومواضيع فلسطين على شكل حملات دعم ومناصرة".
يضيف خليل: "هذا العام تحضّرنا من أجل تسلّق جبل أرارات (في تركيا ويبلغ ارتفاعه تبلغ 5165 متر)، أطلقت المبادرة وكانت أول تجربة لقيادة فريق تسلق فلسطيني بالكامل خارج البلاد. ونجحنا في الوصول إلى القمة ورفع علم فلسطين".
في كل مرة، يستهدف الفريق إعلاء بعض القضايا المحلية المحددة. على جبل أرارات، على سبيل المثال، "كان هدفنا تسليط الضوء على قضية اغتيال الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، فقمنا برفع بوستر لصورتها بجانب علم فلسطين"، يتابع خليل.
أما آية حاج عودة، وهي شابة من الداخل الفلسطينيّ وإحدى المشاركات في تسلق قمة كيليمنجارو، فتقول عن تجربتها في التسلق ضمن فريق "فلسطين ع القمة" لرصيف22: "من أجمل الأمور الّتي تحدث عند المشاركة بمثل هذه النشاطات والمبادرات هو التواصل الحميم والتعارف بين الفلسطيني والفلسطيني الآخر. كنت أتمنى لو كان المشاركين/ات يتوزعون على جميع المناطق الفلسطينية بما في ذلك قطاع غزّة والشتات".
تشدد آية على أن "مثل هذه المشاركات اليومية تخلق نوعاً مختلفاً من التواصل بين أعضاء الفريق، بما يدل على أننا جميعاً نعيش تجارب متشابهة على اختلافها… شعور الانتماء بين أعضاء الفريق كان هائلاً. أيام ونحن سويةً، نشجع بعضنا البعض، ينتظر الواحد منّا الآخر، نتشارك آرائنا المختلفة، ونتشارك التجربة حتّى في الطعام والشراب".
وختمت بأن مشاركتها الأخيرة كانت "عظيمة" على نحو خاص إذ "أكثر من مرة ينقطع أحد أفراد الفريق من الماء ليشارك الآخرين مائهم حتى لو بقوا بدون مياه".
لا تقتصر أهداف الفريق على جمع الفلسطينيين وتسليط الضوء على قضاياهم، وإنما أيضاً يهتم بطرح قضايا جندرية ونسوية من خلال التقسيم الجندري العادل بين أعضاء الفريق من الرجال والنساء على حد سواء بما يبرز أهمية هذا التنوّع
الفكرة والأهداف
لا يقتصر هدف خليل من خلال مبادرته على جمع الفلسطينيين وإعلاء صوتهم، لكنه يهتم بشكلٍ أساسي بطرح قضايا جندرية ونسوية من خلال التقسيم الجندري العادل بين أعضاء الفريق من الرجال والنساء على حد سواء بما يبرز أهمية هذا التنوّع.
ويصف خليل فريقه بأنه "الأول من نوعه الذي يمثّل الفلسطينيين بمختلف توجهاتهم"، مضيفاً "أوّلاً الفريق متغيّر، بمعنى أن الأشخاص الّذين صعدوا قمة كليمنجارو ليسوا ذاتهم الّذين صعدوا قمة أرارات، ولكن بعض المشاركين كانوا على كلا الجبلين. والفريق مكوّن بالأساس من فلسطينيين ونهدف إلى التنوّع بحيث يضم مختلف أماكن الوجود الفلسطيني، وليكون بتوزيع جندري عادل. ثانياً الهدف من فريق ‘فلسطين ع القمة‘ هو تسلّق القمم السبعة، أعلى سبع قمم في العالم".
ويردف: "طريقنا ما زال طويلاً لأجل تحقيق هذا الهدف، ونتوقع الوصول إلى نهايته عام 2028. من المهم لنا في الفريق طرح قضايا اجتماعية وسياسية وإنسانية فلسطينية، أن نسلط الضوء عليها، ندعم ونساهم في حملات معيّنة، أو نقود نحن حملات تركّز على قضايا بعينها".
ويوضح خليل أنه عند كلّ جبل يتباحث الفريق ويختار موضوعاً يقرر دعمه وتسليط الضوء عليه. شملت القضايا التي ركز عليها الفريق هذه السنة، قضية المواطنين المبعدين والمنفيين عن فلسطين، وضحايا الاعتقال الإداري (أي الاعتقال بدون تهمة رسمية أو تحقيق نظامي)، وسياسة سحب الهويات والمواطنة.
إلى ذلك، يقول خليل: "لدينا الكثير من الأهداف الصغيرة وغير المباشرة، مثل أن الجبل هو تجربة مختلفة عن سياق المدينة والقرية والنادي الثقافي والعمل التطوعي. أوّلاً هو مساحة مختلفة كلياً ليلتقي فيها الناس ويتعارفون في ظل غياب المساحات والأطر في فلسطين، ما يمنح هؤلاء فرصة للتعاضد وتبادل الدعم وأن ويكون الواحد عائلة للآخر ولو لفترة قصير - فترة التجربة".
"في سياقنا الفلسطيني، وبما أننا دوماً نبحث عن معنى، فيصبح الجبل قضيّة مسيّسة تخدم فئةً من المجتمع أو تساندها وتحاول القول إنها غير منسيّة"
ومن مظاهر الاختلاف الأخرى في هكذا تجربة، والحديث ما يزال لخليل، أنها "تجمع بين الرياضي والاجتماعي والسياسي، والأطر في فلسطين الّتي تجمع بين هذه العناصر قليلة وتكاد تكون معدومة"، منوهاً بأن "الاهتمام والالتفاف حول الفكرة ازداد بعد كورونا سيّما مع زيادة الوعي والاهتمام لدى الناس بالرياضة والتحديات والمغامرات عقب انتهاء فترة الحجر الصحي".
وزاد خليل: "في سياقنا الفلسطيني، وبما أننا دوماً نبحث عن معنى، فيصبح الجبل قضيّة مسيّسة تخدم فئةً من المجتمع أو تساندها وتحاول القول إنها غير منسيّة".
بالعودة لآية، تضيف: "طبعاً كونك امرأة تتسلق جبل بشكلٍ عام مع مجموعة في رجال هو بحد ذاته تحدٍ، لأنه في العقل الباطني توجد أفكار مسبقة عن أن قدرة تحمّل الرجل أعلى من قدرة تحمّل المرأة. خلال تجربة كليمنجارو فهمت أن الحدود الجندرية هي حدود وهمية، على الأقل بالنسبة لي، وأن القدرة الذهنية عمياء تجاه الجندر".
مثال على ذلك تضربه آية بقولها: "في إحدى ليالي التسلق قرر الفريق التنزاني المرافق بالنيابة عنا أن النساء سوف تسير في الأمام والرجال في الخلف. هذا التقسيم أشعرني بأن ثمة اعتقاد بأن ‘المرأة أضعف من أضعف رجل في المجموعة‘، لأنه بشكل عام من يحدد سرعة المجموعة هم من يسيرون في الأمام. لكن الحقيقة أن هذا الترتيب تفكّك على الجبل واتضح لي على الأقل أن الفرضية أعلاه خاطئة".
وعن ردة فعل العائلة والمجتمع المحيط بها على مشاركتها في هذه التجربة، تزيد آية: "لم أشعر بصعوبات في إقناع الناس من حولي لسبب بسيط وهو أن دخولي للفريق كان واضحاً ومرتباً وعدد المشتركين فيه قد اكتمل. لكن كانت ردة فعل الغالبية تتمحور حول تعليقات مثل: ‘أنتِ مجنونة؟ في عنّا ملان جبال إطلعي هون!‘. لكن الفكرة بالنسبة لي كانت أعمق من مجرد تسلّق جبل… كانت التعرف على وجوه جديدة وثقافات مختلفة".
حركة تجوال فلسطينيّة
ولا يقتصر مفهوم "التجوال" لدى الفلسطيني على السير على الأرض واستكشاف الأماكن، بل يتعدى هذا المفهوم إلى بعد آخر يرتبط بالقضية والماضي والتاريخ والنكبة والمعرفة العميقة بالأرض الّتي تجعله يرتبط بها ويتشبث بمبادئه من خلالها.
وعن هذا يقول خليل: "على صعيد شخصي، سواء من خلال مشاريع ومبادرات التجوال في فلسطين أو خارجها، طموحي وهدفي هما تحويل هذا الحيّز إلى حركة تجوال فلسطينية ممتدة في كلّ فلسطين، ينضم إليها مئات الأشخاص من فاعلين/ات، ومرشدين/ات وباحثين/ات ومختصين/ات في مجالات متعددة، تشمل دراسة الأرض والزراعة والتخطيط والمياه والتوثيق والتاريخ والرواية والبيئة وكل المواضيع والقضايا الّتي نتماس معها في التجوال".
وهو يتابع: "أرغب أن توفر هذه الحركة حيّزاً اجتماعياً وسياسياً يمثل مساحة وتوعية ومجال للتنظيم والتطوع لجيل الشباب في كلّ القرى والمدن، لأني أؤمن بأن معرفة فلسطين والارتباط بها من خلال التجوال - مع تسخير الحواس والمشاعر والخيال - هي عملية مركّبة تعزز الانتماء والقرب والعلاقة من ومع الأرض والمكان وأصحابه، وتخلق معنى مختلف للشباب من خلال علاقتهم بذاتهم وبلدهم ومجتمعهم، علاقة لا توفرها المساحات الأخرى مثل المدرسة والعائلة والحزب".
كما يلفت خليل إلى أن "كلّ مبادرة في هذا الإطار تمنحني خبرة ومعرفة وتجربة مكثفة تساعدني أنا وآخرين حلمنا بمثل هذا المشروع. أعتقد أن الإقبال اليوم ممتاز على المشروع والالتفات حوله صار أكبر، ولكن لا نكتفي أبداً بما لدينا ودائماً ما نطمح للتغيير والتحسين".
وتتطلب مثل هذه التجارب تجهيزات بدنية ونفسي كبيرة، إضافةً إلى المعدات الخاصة بالتسلق لضمان سلامة الفريق. عن ذلك يقول خليل: "الموضوع يحتاج تجهيزات كبيرة قبل الصعود إلى أي جبل. على الأقل، ما بين شهرين إلى ثلاثة أشهر من التدريب والتجهيزات النفسية والبدنية والتحضير الذهني لمثل هذه التجربة الصعبة والمكثفة. علينا فهم الارتفاع، وعوامل الطقس، والمسافة، والظروف الّتي سنكون فيها، وعدد الساعات، وماذا سنحمل، وماذا سنلبس، وما الأدوية الّتي قد نحتاجها وغيرها الكثير من التفاصيل".
أما التمويل، فيقول إن هذه الرحلات "شخصية" وتعتمد على التمويل الذاتي بحيث أن كلّ مشارك يتحمل النفقات عن نفسه".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون