قبل أشهر قرّر التَّقِيّ ولد التقي، وهو شاب موريتاني حاصل على شهادة جامعية، خوض غمار رحلة الهجرة غير النظامية نحو الولايات المتحدة عبر الجدار الحدودي مع المكسيك. وهي رحلة منهكة وخطرة، انتهجها الشباب الموريتاني خلال الفترة الأخيرة بحثاً عن غد أفضل رغم ما فيها من التحديات، وما تثيره من الجدل والنقاش في موريتانيا. إذ يتحدث البعض اليوم عن نزوح الآلاف من الشباب الموريتاني في الأشهر الماضية، رغبة في عيش الحلم الأمريكي.
خريج جامعة ومهاجر غير نظامي
قال التقي في حديثه إلى رصيف22 "أنا خريج الجامعات الجزائرية. فقد تخرجت سنة 2022، ولم تكن الهجرة تدور في خلدي، لكن من أكثر الأسباب التي دفعتني إلى محاولة الهجرة، هي أنني حين أتيت إلى الجزائر سنة 2019، من أجل الدراسة، وجدت الكثير من الشباب الموريتاني متخرجاً من الجامعات الجزائرية في تلك السنة منهم الدكتور والمهندس وغير ذلك. وبعضهم تخرّج قبل سنوات ورغم ذلك فهو عاطل عن العمل منذ خمس سنوات وست. وحين حصلت على شهادتي الجامعية وجدت أن من تخرجوا عند بداية دراستي في الجزائر، لم يعمل منهم تقريباً شخص واحد، فأنا كنت على تواصل معهم. إذن ذهبت سنوات دراستهم الطويلة سدى، ولم يجدوا عملاً وبعضهم هاجر. لم أجد أمامي حلًّا غير الهجرة بدوري. وفي طريق الهجرة إلى أمريكا كانت معي مجموعة منهم بعضهم دكاترة، وبعضهم يحمل الماجستير. إذن الخوف من البطالة أهم سبب لهجرتي".
بعد أن تجاوزنا الجدار وجدنا الشرطة الأمريكية في انتظارنا. أوقفونا وذهبوا بنا إلى السجن، وأمضينا فيه أياماً، وبعدها دخلنا بسلام
يضيف الشاب بحسرة "مثلاً لو حصلت مستقبلاً على الدكتوراه وكان هذا هو طموحي، ورجعت لبلدي موريتانيا بعد سنوات، ولم أجد العمل، فذلك كان سيعني ضياعاً للعمر. وحتى ولو عملت في وظيفة عمومية فإن الرواتب هزيلة جداً، فالراتب الشهري في موريتانيا قد أحصده في أربعة أيام أو خمسة في أمريكا، وهو فارق كبير جداً".
لو حصلت مستقبلاً على الدكتوراه وكان هذا هو طموحي، ورجعت لبلدي موريتانيا بعد سنوات، ولم أجد العمل، فذلك كان سيعني ضياعاً للعمر
هذا ما يؤكده عمر (اسم مستعار) بدوره الذي تحدث إلى رصيف22 مفضلاً عدم كشف هويته، عن سبب هجرته، وقال: "أريد أن يدرس أولادي في مدارس جيدة، فأنا كنت أعمل في شركة صينية تعمل في موريتانيا، لكن راتبي لا يمكّنني من إعالة أسرتي وتدريس أولادي تعليماً محترماً، لذلك قررت الهجرة وأنا في سن الأربعين، وغرضي هو توفير حياة كريمة لأسرتي، وقد بعت سيارتي وقطعة أرض أملكها، وممتلكات أخرى لدي في المنزل. هدفي فقط هو توفير معيشتهم ودراستهم، ولو درَّست أولادي فذلك يكفيني".
طريق صعب إلى أمريكا
تتعد طرق وصول الموريتانيين إلى الجدار المكسيكي، كما تختلف أسباب هجرتهم، لكنها مرتبطة بالمخاطر، والعلاقات المفروضة مع المهربين، الذين ينتمون إلى شبكات إجرامية، والأخطار المحدقة دوماً، والخوف من التعرض للخطف من طرف العصابات في المكسيك.
وقد سُجِّلت حالات اختطاف لموريتانيين من طرف العصابات المكسيكية، وطُلبت الفدية لتركهم بسلام. وحكى التّقيّ لرصيف22، مسار رحلته نحو الولايات المتحدة، قائلاً: "قمت أولاً بخطوة فاشلة، إذ ذهبت من موريتانيا نحو مالي، ومن مالي كنت أريد الذهاب إلى تركيا، وحجزت تذكرتي وجهّزت نفسي، ولكن السلطات المالية لم تسمح لي بالذهاب إلى تركيا، فرجعت إلى موريتانيا".
الراتب الشهري في موريتانيا قد أحصده في أربعة أيام أو خمسة في أمريكا، وهو فارق كبير جداً
وأضاف: "في محاولتي الثانية، ذهبت من نواكشوط نحو ساحل العاج، حيث قمت بـ"ترانزيت" لمدة 5ساعات في أبيدجان، وتوجهت نحو إسطنبول، وقضيت أربعة أيام في مطار إسطنبول في قاعة الانتظار، أنام على الكراسي، ومن إسطنبول ذهبت إلى مدريد، وأمضيت فيها إحدى عشرة ساعة، ومنها توجّهت نحو كولومبيا، وقضيت رحلةً امتدت لعشر ساعات في السماء، وأمضيت في العاصمة الكولومبية ما يقارب أربعاً وعشرين ساعة، ومن كولومبيا، توجهت نحو كوستاريكا، وأمضيت في عاصمتها سان خوسيه، خمس ساعات، ومن بوغوتا، ذهبت إلى سلفادور ومنها توجهت إلى نيكاراغوا، وأخذت تأشيرة البلد ودخلتها، وتوجهت إلى مهرب شهير هناك وأمضيت معه أربعة أيام، لأن تلك الفترة كانت فيها أعياد رأس السنة، وأخّر ذلك رحلتنا، وقد مكثت في فندق خلال تلك الفترة.
بعدها غادرت نيكاراغوا نحو هندوراس بطريقة نظامية، ثم غواتيمالا بطريقة غير نظامية عبر التهريب، ومنها وصلنا المكسيك، التي كانت المرحلة الأكثر صعوبة، وركبنا البحر لمدة 12ساعة، في قارب يشبه قوارب الصيادين في موريتانيا، يمكن أن ينقلب في أي وقت".
يواصل التقي سرد حكاية رحلته، ويقول "وصلنا مدينة وسط المكسيك، وأخذنا بعض الأوراق من كنيسة في المدينة تخوّل لنا الذهاب، ثم واصلنا رحلتنا نحو العاصمة مكسيكو سيتي، ومنها ذهبنا نحو الجدار، ووصلناه بعد ثلاثة أيام".
جدار يحرسه الأمريكيون
كانت هذه النقطة الأصعب في الرحلة على رغم شدّتها لكنّها حقّقت حلمه. يكمل التقيّ قصته قائلاً: "بعد أن تجاوزنا الجدار وجدنا الشرطة الأمريكية في انتظارنا. أوقفونا وذهبوا بنا إلى السجن، وأمضينا فيه أياماً، وبعدها دخلنا بسلام والأمور الآن على ما يرام".
يذكر الشاب أن الناشطين من الجالية الموريتانية في أمريكا يتابعون أوضاع المهاجرين بعد عبور الجدار المكسيكي. وفي حال احتجازهم يقدمون لهم المساعدة القانونية والقضائية خلال وضعهم تحت الرقابة القضائية إلى أن تحل مشاكلهم.
هكذا، وبعد أيّام من الاحتجاز، يحصل المهاجر على قرار قضائي يسجَّل بموجبه اسمه وعنوانه في المدينة، وبعدها تتم مساعدته من طرف الموريتانيين في المنطقة، في الحصول على عمل مؤقت حتى يجد ما يناسبه من وظائف ويتمكن من دفع إيجار مسكن ليعيش معتمداً على نفسه، ورغم ذلك، بدأت بعض التقارير والأخبار تتحدث عن معاناة بعض المنخرطين في موجة الهجرة الحالية، بعد وصولهم إلى أمريكا، وعدم حصولهم على العمل.
موجة هجرة ونزوح
لا توجد أرقام رسمية حول أعداد المهاجرين الموريتانيين عبر الجدار المكسيكي إلى الولايات المتحدة في السنتين الأخيرتين، لكن وسائل الإعلام المحلية والنشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي، يتحدثون عن آلاف الشّباب الذين حذاهم الحلم الأمريكي.
وحسب ولد التقي "ما يحدث اليوم هو موجة هجرة جماعية خاصة في أوساط الشباب، وطبعاً هناك من يبلغون أعماراً كبيرة، لكن بنسبة قليلة، ويمكن أن أؤكد أنه إذ تابعت ما يحدث عند الجدار الفاصل بين المكسيك والولايات المتحدة فإن 90 موريتانيا يحاولون الهجرة عبر هذه الطريق يومياً".
وفي تغريدة متعلقة بالهجرة قال رئيس حرس الحدود الأمريكي راؤول أورتيز، إن حرس الحدود رصد زيادة كبيرة في "نسبة المهاجرين من موريتانيا وعدة دول أخرى إلى الولايات المتحدة، بنسبة تزيد عن 1000%"؛ مضيفاً أنهم يعملون بجدّ لإعادة "المهاجرين من هذه البلدان. ولكننا نواجه تحديات مع حكومات البلدان لوضع برامج عمل لإعادة كل من نوقفهم إلى أوطانهم".
ووفقا للمسؤول الأمريكي فإن الدول التي تضاعفت نسب الهجرة منها إلى الولايات المتحدة ما بين 2022 و2023، هي، موريتانيا، وأفغانستان والجزائر وجمهورية الدومينيكان، والأرجنتين، والصين وجيبوتي، ومصر وإثيوبيا، وفيتنام وباراغواي.
وكان خبير استراتيجيات التنمية الموريتاني، سيد أحمد ولد أبوه، قال في منشور نشره على فيسبوك: "إن اثني عشر مليار أوقية أنفقت خلال الشهور الأربعة الأخيرة لتمويل "موجة هجرة مجنونة"، مضيفاً أن هذا الرقم "يتطور كل يوم"، هذا وقد فتحت موجة الهجرة باب النقاش حول واقع البطالة في موريتانيا، التي تصل نسبتها إلى 30 في المئة في أوساط السكان.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.