كان اللواء المتقاعد في الجيش الجزائري علي غديري، على بعد 28 يوماً من معانقة الحرية ولقاء عائلته بعد قضاء 4 سنوات في سجن القليعة في الجزائر، لكن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن، إذ بُرمجت محاكمة ثالثة يوم 16 أيار/ مايو 2023، للمرشح السابق لرئاسيات نيسان/ أبريل 2019 الملغاة، بعد تقديمه طعناً بالنقض لدى المحكمة العليا في أحكام سابقة بالسجن 4 سنوات بتهمة المساهمة في وقت السلم في إضعاف معنويات الجيش، ليجد نفسه أمام حكم قضائي جديد يرفع مدة عقوبته إلى 6 سنوات سجناً نافذاً.
من حلم الرئاسة إلى غياهب السجن
تقاعد علي غديري، من المؤسسة العسكرية سنة 2015، برتبة لواء. كان يشغل منصب مدير الموارد البشرية في وزارة الدفاع الجزائرية، وهو حاصل على شهادة دكتوراه في العلوم السياسية وشهادة ماجستير في الدراسات الإستراتيجية، كما درس في كبرى الأكاديميات العسكرية في روسيا، وكلها مقومات جعلت علي غديري يحلم بالترشح لرئاسة الجزائر، لكن هذا الحلم تبخر مع انطلاق مسيرات الحراك الشعبي في الجزائر في شباط/ فبراير 2019، الذي طالب بتنحي الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، بعد 20 سنةً من توليه الرئاسة.
أودِع غديري السجن لأنه قال "الجيش لا يمكن أن يسمح بأن تدخل البلاد في مأساة أخرى، وعليه تغليب مصلحة الوطن على الجماعة"
تهمة بأثر رجعي
أودِع غديري السجن في 13 حزيران/ يونيو 2019، بتهمة المشاركة في تسليم معلومات إلى عملاء دولة أجنبية تمس بالاقتصاد الوطني، وهي التهمة التي أسقطتها عنه غرفة الاتهام، وجناية المساهمة في وقت السلم في مشروع إضعاف الروح المعنوية للجيش بقصد الإضرار بالدفاع الوطني، بسبب حوار صحافي في جريدة الوطن الناطقة بالفرنسية أُجري في 25 كانون الأول/ ديسمبر 2018، قال فيه إن "الجيش لا يمكن أن يسمح بأن تدخل البلاد في مأساة أخرى، وعليه تغليب مصلحة الوطن على الجماعة".
مقال جريدة الوطن المعنون بـ"المؤسسة العسكرية أمام مسؤولية تاريخية"، كان سبباً في سجن غديري. "لست بمتطفل على الجيش، ولا على السياسة، يهمني الأمن القومي ومستقبل البلاد، باعتباري ابن الجيش قدّمت نصحاً وأبديت رأيي في الوضع آنذاك ولم أدعُ الجيش للتدخل في السياسة أبداً... والعنوان الذي وضعته الجريدة لا يلزمني بل يلزمها هي"، قال غديري خلال محاكمته، مضيفاً: "أنا متأكد من أن هذا المقال كان سيمرّ مرور الكرام لو لم أترشح".
وأكدت هيئة الدفاع أنه أودع السجن بسبب ترشحه للانتخابات، ومنعه من الخروج هو للسبب نفسه أيضاً. "إن هذا الخرق في الإجراءات التي شهدتها المحاكمة، هو تمهيد من أجل إصدار عقوبة تكميلية ضد غديري لمنعه من الترشح للانتخابات المقبلة"، قال المحامي خالد بورايو خلال مرافعته.
قضاء مسيس أم مستقل؟
برغم أن الجزائر من الدول التي سارعت إلى تبنّي مبدأ استقلال القضاء وجعلته أولويةً من أولويات الدولة من خلال الإصلاحات التي مست الجهاز القضائي والتغييرات الدستورية، فـ"كل الدساتير الجزائرية نصت على مبدأ استقلالية القضاء لكن القوانين التطبيقية للأحكام الدستورية هي التي أفرغت النص الدستوري من محتواه. الإشكالية تكمن في الممارسة"، يقول رئيس نقابة القضاة في الجزائر يسعد مبروك.
في المقابل، شهدت المحاكم الجزائرية منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية للحراك محاكمات بالجملة، حيث تم اعتقال العشرات من وزراء حكومة بوتفليقة ورجال أعمال معروفين وناشطين سياسيين وصحافيين وحتى محامين، وثمة متابعات قضائية طالت فئات عريضةً من المجتمع، وخروقات في الإجراءات القانونية حسب محامين طرحت العديد من التساؤلات حول تدخل السياسة في الأحكام القضائية وهذا ما يراه حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي، الذي عنون بيانه الصحافي بعد الحكم الصادر ضد غديري، بأنه "حكم تحت الطلب"، قائلاً: "إن هذه الممارسات لا تشرّف القضاء الجزائري وتبيّن بوضوح مستوى استغلاله لتصفية الحسابات السياسية".
من جهتها، ترى المحامية نبيلة سليمي، في حديثها إلى رصيف22، بخصوص الموضوع: "للأسف يبدو أن القاضي قد جانب الصواب مرةً أخرى في حكمه القاسي الصادر في حق السيد علي غديري، الذي لم يقبل منذ الوهلة الأولى الاتهام الموجه إليه، والذي اعتبره بمثابة إهانة لشخصه باعتباره ابن المؤسسة العسكرية. هذه العقوبة ذات خلفية أصبح يدركها الجميع".
وتضيف: "إن المحاكمة كانت بمثابة المهزلة، لأن الجميع مقتنعون وعارفون بخلفيات القضية. من تخوّف من خروج السيد غديري هو نفسه من يريد أن يحقق مبتغاه في الانتخابات الرئاسية لسنة 2024، بالرغم من أن السيد غديري ممنوع من ممارسة حقوقه المدنية والسياسية. إضافة عامين آخرين إلى الأربع سنوات يجعلنا نتأكد من الفرضية المتعلقة بموضوع الترشح، ومن أن قضاء الهاتف أو عدالة التليفون كما يسميها الشعب الجزائري لا تزال تسيّس القضاء الجزائري".
"إن هذه الممارسات لا تشرّف القضاء الجزائري وتبيّن بوضوح مستوى استغلاله لتصفية الحسابات السياسية".
مرشح الجيش أم شبح الرئيس؟
وضعية سياسية حرجة عاشتها البلاد منذ 2013، بعد إصابة بوتفليقة بجلطة دماغية، وهي فترة لم يُعرف فيها من يحكم البلاد ما فتح الباب على مصراعيه، لظهور تحالفات بين رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي السابق أحمد قايد صالح، ومستشار الرئيس بوتفليقة وشقيقه السعيد بوتفليقة، على حساب أقوى رجل في تلك الفترة في هرم السلطة الجنرال توفيق مدين كتمهيد لإزاحته من على رأس أقوى جهاز أمني في البلاد.
اتفق المتحالفون على إنجاح العهدة الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي غاب عن المشهد السياسي منذ 2013، وتحركت أوراق كثيرة لمجابهة ترشيح عبد العزيز بوتفليقة، كترشح رئيس حزب طلائع الحريات علي بن فليس، بعد غياب عن الساحة السياسية.
ويُعدّ ترشح علي غديري، سابقةً هي الأولى من نوعها في الجزائر خاصةً كونه عسكرياً متقاعداً، حيث رأى المتابعون للوضع الجزائري أن رئيس المخابرات السابق محمد مدين، المدعو بالجنرال توفيق، هو من يقف وراء ترشحه، خاصةً بعد دعمه من طرف رجل الأعمال الأول في الجزائر أسعد ربراب، وتصريحاته بأنه يريد القطيعة مع النظام الحالي بالإضافة إلى الكم الهائل من التوقيعات التي تحصّل عليها من أجل الترشح للانتخابات حيث حصل على 120 ألف استمارة توقيع. في المقابل نفى هذا الأخير دعمه من طرف الجيش أو رئيس المخابرات خلال لقاءات تلفزيونية سابقة.
انتخابات 2024... نقاش صامت
بدأ النقاش السياسي حول الانتخابات الرئاسية المقررة في أواخر عام 2024، يتسلل تدريجياً إلى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والعديد من الفضاءات، خاصةً بعد دعوات لدعم عهدة ثانية للرئيس تبون، وتموضع بعض الأحزاب إلى جانب نزيل المرادية، حيث أعلنت حركة البناء الوطني أنها ستوفر الدعم السياسي الكامل للرئيس عبد المجيد تبون في حال قرّر الترشح لولاية ثانية، بالإضافة إلى تصريحات الرئيس التي تصب نحو رغبته في الترشح لعهدة أخرى.
كما أعلن الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم ذات التوجه الإسلامي، عبد الرزاق مقري، رغبته في الترشح للرئاسة، وقال إن لديه الرغبة في الترشح والقدرة على قيادة البلاد، بحكم تجربته السياسية.
كما تداولت نقاشات سياسية فكرة المرشح التوافقي للمعارضة، وطالب المنادون بهذه الفكرة الأحزاب والقوى المعارضة بالاجتماع والجلوس على طاولة واحدة من أجل مرشح واحد، ومشروع واحد، حسب ما صرح به عضو حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي عبد المريم زغيليش.
يبقى الحديث عن مرشحين رسميين للانتخابات الرئاسية المقبلة مجرد نقاشات، لكن ما هو مؤكد أن وسائل الإعلام الرسمية وعلى رأسها وكالة الأنباء الحكومية التي نشرت حصيلة سياسات وأعمال الرئيس، منذ وصوله إلى الحكم في نهاية العام 2019، تُعدّ بمثابة انطلاقة مبكرة للحملة الانتخابية "الرئاسية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...